لا، لا تصل، وأظنه يتحدث بمعزل عن مخاوف الناس وأحلامهم، وتصريحه الأخير يبعث على خيبة الأمل، وهو يشكو في ما بدا لي من عدم قدرته على هيكلة الجيش .
يقول إن البلاد بحاجة لهيكلة الجيش، من يهيكله إذن؟ إلا إذا كان ينتظر من الأمريكان هيكلة جيشنا، والقيام بكل الذي ينبغي على المؤسسة الرئاسية في اليمن القيام به.
لقد منح الوهن الذي نعيشه للأمريكان الحق في التصرف تجاه الإرهاب بنزق الطائرات التي بدون طيار ولا قانون دولي ولا احترام لسيادة البلد، والسفير الأمريكي تحول لمندوب سامٍ يتجول ويفض النزاعات بين المؤسسات السياسية، ويتلقى الشكاوى، ونحن في غمرة ضعفنا نمنح حقوقا دبلوماسية وعسكرية لكل الأطراف التي شاركت في صياغة التوافقية اللعينة هذه.
لا أحد يطلب تفسيرا من الولايات المتحدة طالما أعلن الرئيس أنه كان مطلعا على عمليات الطائرات التي بدون طيار، تلتقط أي هدف يمني، وإن كان هناك تعاون وتنسيق أمني، غير أن أمريكا هي من يحدد الهدف المجرم، وهي من يدينه، وليس لنا إلا الدهشة من البراعة الأمريكية، وكأننا نراقب بانبهار عمليات قتل مواطنينا بما يشبه ألعاب الفيديو.
لا أدري ما هي بالضبط وجهة نظر القانون اليمني في قضية التنسيق الأمني مع دولة أخرى لاغتيال مواطن يمني، أياً تكن جريمته.
هنا تتجلى فكرة الرضوخ الجماعي لمشروعية القوة، وحاجتنا بسبب الوهن الأمني، لمن يخلصنا من عناصر الإرهاب بطريقته، هكذا بدون قائمة تهم، ولا محاكمات، ولا ضمانات حقوقية من أي نوع، آخرهم الضابط الذي التقطته الطائرة الأمريكية إلى بلاده، وهو في الطريق إلى عرس بسنحان، لا ندري ما تهمته بالضبط، ولم نتدخل بينه وبين أمريكا، مسلّمين لكل حيثيات القتل الأمريكي، والرئيس يعلن أنه كان على علم مسبق.
مشكلتنا هي هذا الثمن الذي ندفعه برضا؛ رضا العاجز بتدخل الآخرين لصالح استقراره مقابل السيادة الوطنية.
وأصبح عاديا للغاية تداول وجهة نظر الولايات المتحدة وأولوياتها بشأن هيكلة الجيش، بمعزل عن خياراتنا كبلد، والتوقيت الملائم الذي تحتاجه حياتنا لتستقر.
مر اغتيال الضابط اليمني هكذا بحياد مريع، وكأننا مجاميع خارجة على القانون، تراقب بحياد عدالة من وراء السياج تلتقط كل فترة واحدا منا مجرماً بالضرورة، نحن نعرف في ما بيننا أنه متورط دون أن نتساءل عن أي معيار حقوقي أو قانوني.
يريد الرئيس التفهم العام لمخاوفه من كل الأطراف في الداخل، ولحاجته الماسة للدعم الدولي، ليس لأجل التعاون بين بلدنا والعالم، وإنما التعاون بين مخاوفه وبين الحاجة الأمنية الأمريكية وهكذا نفس اللعبة، ولكن هذه المرة تلعبها أمريكا بدون قواعد من أي نوع، وليست ملزمة بشيء عدا تسمية أعدائها وأهدافها داخل البلاد، وبالمقابل تتعاون مع الرئيس في تأمين قصوره الرئاسية، وتطمينه بكونها تعتبره الرئيس الشرعي لليمن، ولن تتعامل مع غيره.
الأمريكي جشع مع العالم الثالث، ولا يكتفي، ولا يعتقد أحد أن الولايات المتحدة جاهزة للانسحاب متى ما شعرت بلاد ما بكفايتها من التعاون الأمني، ذلك أن الأمر مع أمريكا يشبه ممارسة الجنس مع الغوريلا، لا يمكن الانسحاب متى ما اكتفى شريكها، هي من يحدد متى يتوقف الأمر، وإلا التفتت الغوريلا وقتلته.