تبدو المعارك الكلامية الدنكشوتية في مجلس النواب المُعَمرْ بائسة وكاريكاتورية من مجلس فقد أصلاً شرعيته منذ زمن طويل.
كان المفترض أن يدرك المتحاورون على مبادرة نقل السلطة هذه الحقيقة ، وأن يتم إسدال الستار على مؤسسات النظام القديم الميتة وفي طليعتها مجلس النواب الذي يمثل خارطة قديمة ومتآكلة لتوازنات نظام صالح المشيخية والمراكز النفعية الزبائنية في القرى والمناطق والقبائل ، ولم يكن يوماً ما ممثلاً للأمة اليمنية.
وقد كانت رافعة أغلب أعضائه للوصول إلى المجلس هي ميكانيزمات نظام صالح والوظيفة العامة والمال العام الذي يقتطع كميزانيات انتخابية للالتفاف على إرادة الناخبين.
ومع أن صيغة نقل السلطة لم تتضمن حلاً لهذا الكيان، فقد كانت إمكانية استخدامه كأحد مؤسسات النظام القديم لعرقلة المرحلة الانتقالية بالصراخ والضجيج والفوضى حاضرة في ثنايا الآلية المزمنة التي تلافت هذا الاحتمال وربطت الخلافات في مجلس النوائب والحكومة الانتقالية بسلطة رئيس الجمهورية ، الذي من حقه بموجب المبادرة وآليتها أن يحسم أي خلاف في مجلس النواب أو الحكومة إذا تعذر الوصول إلى قرار توافقي.
وربما يكون الحل إزاء هذا المجلس هو تجميده بدلاً من البهذلة والمعارك الشوربانية، كتلك التي حدثت أمس الأول ، وأن يتولى الرئيس إصدار قرار جمهوري بالميزانية العامة للدولة وغيرها من الاتفاقيات والتشريعات ، وهذه ضمن صلاحياته الاستثنائية المنصوص عليها في اتفاقية نقل السلطة ، إضافة إلى صلاحياته الدستورية كرئيس للجمهورية.
في آخر تقرير له قدمه لمجلس الأمن، أشار المبعوث الأممي جمال بن عمر إلى تصرفات الرئيس السابق الذي يشارك حزبه في نصف الحكومة الانتقالية ومع ذلك يتصرف كزعيم للمعارضة، وهذه هي النتيجة الوخيمة لبقاء المؤتمر الشعبي منقسماً، رجل في الماضي ورجل في الحاضر ، رجل في السلطة ورجل في المعارضة.
وهذه الوضعية لن تقف عند هذا الحد، بل ستؤدي إلى إرباكات كبرى ستزداد وتيرتها كلما اقتربنا من نهاية المرحلة الانتقالية ، وليس فقط العرقلة التي يقوم بها الوضع المشوه للمؤتمر فيما يتعلق بمؤتمر الحوار الوطني، المتوقع قيام الرئيس بالدعوة لانعقاده خلال الأيام القليلة القادمة.
بقاء سيطرة النظام السابق على مؤسسات مجلس النواب وحزب المؤتمر الشعبي العام مضافاً إلى ممارسة الرئيس السابق للسياسة ونفوذه وحرية حركته والأموال التي بحوزته يمثل جوهر المشكلة القائمة الآن والهادفة لعرقلة الحوار الوطني وإفشال المرحلة الانتقالية. وعلى الرئيس عبد ربه منصور هادي أن يستخدم سلطاته للمضي قدماً في الإنجاز التاريخي الذي فتحت أبوابه الثورة الشعبية الكبرى في تاريخ اليمن .
حتى المهرجان الجميل الذي حشد جموع الجنوبيين في عدن، يجب أن تقرأ دلالاته الإيجابية بعيداً عن قفزات الانتهازيين من الوزراء السابقين واللاحقين الجاهزين للمزايدة على أي حدث وفي كل اتجاه.
مهرجان التصالح والتسامح يمثل مؤشراً إيجابياً ، فمضمون القضية الجنوبية يمثل ضمانة لليمن بكلها مهما كانت الدعوات الطافية على السطح.. وقد مثّل هذا المهرجان ترسيخاً للعمل السياسي السلمي الذي ميز الحراك منذ بدايته والذي كاد أن يفقد مع الاختراقات التي تناوشته ابتداءً من منتصف 2008.
هذه السمة المدنية هي الفارق بين الحراك والتيار الحوثي في صعدة، الذي استولى على المحافظة بقوة السلاح ويفرض ملازمه المذهبية في المدارس ويستولي على الإيرادات المحلية ويمول بها نشاطه المسلح هناك.
على الرئيس أن يستخدم صلاحياته للتعجيل بمؤتمر الحوار الوطني، فهو المخرج من كل هذا الضجيج والتشتت ومن لديه قضية فليأتِ ليعرضها أمام الملأ والسفراء والناس أجمعين .