قلت لأليستر بيرت وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط على هامش اجتماع أصدقاء اليمن في العاصمة البريطانية لندن الأسبوع الماضي: أنتم والأميركيون تدعمون اليمن لأنكم تخشون «القاعدة».. رد ضاحكا: غير صحيح، نحن ندعم اليمن حتى قبل أن تظهر «القاعدة» وسنستمر في دعمنا له، لأن دعم اليمن مصلحة دولية وإقليمية، وهي مصلحة يمنية قبل كل ذلك، و«القاعدة» تستهدف اليمنيين كما تستهدف غيرهم.
وكنت حاضرا مؤتمرا صحافيا عقده ويليام هيغ وزير الخارجية البريطاني ونظيره اليمني أبو بكر القربي، ونزار بن عبيد مدني وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، وكانت الكلمات تشدد على أهمية دعم اليمن ماديا وسياسيا. وفي المساء التقيت مسؤولا يمنيا شارك في الاجتماع، قال لي: لمسنا صدقا وجدية في التوجه نحو دعم أمن اليمن ووحدته واستقراره، مسؤول آخر قال: يخيل لي أحيانا أن العالم الخارجي مهتم بالشأن اليمني أكثر من اليمنيين أنفسهم.
قرابة ثمانية مليارات تعهد بها أصدقاء اليمن يفترض أن تغطي الفترة الانتقالية، وإلى عام 2016 وهو أقل من المبلغ الذي طالبت به الحكومة اليمنية، والبالغ نحو 12 مليار دولار، بأربعة مليارات دولار للفترة ذاتها.
وزير التخطيط اليمني يقول إن المبالغ المخصصة لا يزال معظمها في صناديق تتبع الحكومات المانحة، ورغم أن نحو 75% من المبالغ قد خصصت لمشاريع محددة، فإن قدرا قليلا من المبالغ قد تم تحصيله، وقال الوزير إن أغلب المساعدات لن تأتي إلى حساب الحكومة اليمنية، وإن الحكومة لا تمانع من أن تتولى الدول المانحة تنفيذ المشاريع بنفسها، والإشراف على التنفيذ، إمعانا في الشفافية. تم الاتفاق على تنفيذ مشاريع عملاقة قد تبدأ خلال النصف الثاني من هذا العام، تزامنا مع مؤتمر الحوار مثل مدينتين طبيتين متكاملتين في كل من صنعاء وتعز بدعم سعودي وقطري، وهناك طريق سريع يربط عدن بصنعاء عبر تعز، بتمويل سعودي ومن البنك الدولي، بالإضافة إلى إنشاء 500 فصل دراسي عدا عن دعم المؤسستين العسكرية والأمنية والدعم المخصص لإعادة الإعمار والحوار الوطني. وبعض هذه المشاريع سيوفر فرص عمل كبيرة بالإضافة إلى مبالغ مخصصة لتشجيع العمالة في البلاد.
الكلام إلى هنا جيد، غير أن صعوبات بعينها تحول دون وصول هذه المساعدات، ويأتي على رأس هذه الصعوبات الوضع الأمني المتردي، وفي هذا الخصوص حدثني مسؤول زار اليابان أن الشركات اليابانية تتلكأ في تنفيذ مشاريع في اليمن، لأن موظفيها وعمالها يتلقون تحذيرات من السفر إلى اليمن من وزارة الخارجية اليابانية، لارتفاع نسبة المخاطر على الحياة وعلى العمل، ويزيد الطين بلة أن شركات التأمين ترفع أسعارها نظرا لارتفاع تقديرات الخطورة، وهذا عائق آخر. الفساد المزمن والمستشري في مفاصل الإدارة عائق آخر، وقد عبر أحد المشاركين في ندوة نظمها مركز «تشاتم هاوس» عن اليمن قبل انعقاد اجتماع أصدقاء اليمن الأخير بيوم واحد عن أن أموال المساعدات كانت تذهب إلى ما قال: إنها «بلاك هول» أو الفجوة السوداء التي تلتهم مليارات من المجرات الكونية، ناهيك عن مليارات من الأوراق الخضراء. قلت لصخر الوجيه وزير المالية، ما شأن هذه ال«بلاك هول»؟ قال: إن الوضع اليوم تبدل، وإن الحكومة اليمنية مستعدة لتطبيق آلية تضمن رقابة شعبية ورسمية ودولية على مصارف أموال المساعدات، غير أنه ذكر أن الفساد تركة كبيرة ورثتها الحكومة الحالية، وهي تعمل على مكافحتها. رأيي أن صخر الوجيه غير فاسد، لأن سجله معروف في مقارعة الفساد من أيام معاركه في مجلس النواب، لكني أعتقد أن الفساد في اليمن لا يزال أقوى من وزير المالية وغيره من الوزراء المخلصين في الحكومة إلى الدرجة التي يمكن أن تطيح بكل محاولات التخفيف منه، ناهيك عن اجتثاثه.
اليمنيون عانوا كثيرا وصبروا كثيرا، والملايين التي خرجت بطريقة حضارية في الانتخابات الرئاسية الماضية ملت من الحروب والاضطرابات السياسية، وشبكات الفساد ومافيا المقاولات، وسماسرة السلاح الذين يقال: إنهم وراء تفجير أنابيب النفط والغاز، وضرب أبراج الكهرباء بعد أن تشدد الرئيس هادي إزاء تجارتهم بأرواح اليمنيين، وإدخال وتهريب السلاح إلى البلاد. ومن معوقات وصول المساعدات عدم الاستقرار السياسي، الذي يعطي انطباعا لدى المانحين بأن الفرقاء اليمنيين ليسوا على حجم المسؤولية الملقاة على عواتقهم تجاه شعبهم. سمعت أكثر من مسؤول دولي يقول إن العالم لن يستطيع مساعدة اليمنيين، ما لم يساعد اليمنيون أنفسهم. أستمع لتلك الطروحات وتجول في خاطري صور لزعماء يريدون تجزئة البلاد، ولا يبالون بسخريات المجتمع الدولي من طروحاتهم العدمية، وآخرين يريدون ربط البلاد بدولة إقليمية لها دور تخريبي واضح ليس في اليمن، ولكن في معظم بلدان الربيع العربي مثل إيران، ناسين أن ربط البلاد بإيران يعني ربطها ببعير أجرب سينشر الجرب في كل بقعة من هذه البلاد المعلولة أصلا. وإذا كانت المعلومات عن حجم المساعدات، والاتفاق الذي جرى في لندن على تخصيص المبالغ لمشاريع بعضها عملاق يمثل الجانب المشرق من الصورة، فإن إيران تمثل الجانب المظلم منها، كل أعضاء الوفد اليمني الذين التقيتهم أكدوا على أن لإيران دورا سلبيا في البلاد، وأن الأمر ليس ضربا من المبالغة، أو الدعاية السياسية، إلى درجة أن وزير الخارجية اليمني مل من تكرار إجابته على أسئلة الصحافيين حول هذا الموضوع، وإلى درجة أن هناك في اليمن من فكر فعلا بطرد السفير الإيراني من صنعاء، غير أن الأمر خفف إلى مسألة استدعائه من قبل وزارة الخارجية، على اعتبار أن هذه الخطوة كافية، في حين لن تستفيد صنعاء من طرد السفير الذي لا أدري لليمن فائدة من بقائه فيها غير الترافع ضد مهربي الأسلحة إلى البلاد، وتوجيه الإهانة تلو الإهانة للدولة في مؤتمراته الصحافية في صنعاء. ومن السخريات العجيبة أن المسؤولين الإيرانيين يقولون: إنهم يقدمون الدعم للشعب اليمني، ويؤيدون وحدة أرضه، وبدافع من الفضول بحثت عن اسم إيران ضمن أصدقاء اليمن، فلم أجده، وحاولت التعرف على نوعية الدعم الذي يقدمه نظام الآيات لليمن، فجاء الرد من أحد المسؤولين اليمنيين: إيران تدعمنا بشحنات الأسلحة التي تهربها لحلفائها في اليمن من أجل تخريب العملية السياسية.
وبعيدا عن إيران يبقى رفض قطاع من الحراكيين الجنوبيين للمشاركة في الحوار الوطني عائقا مهما، غير أن العزم فيما يبدو قد صح على بدء الحوار بمن أراد المشاركة وهم كثر، وفي تصوري أن الحوار ينبغي ألا يوصد باب المشاركة لمن يقرر لاحقا المشاركة من المقاطعين، وأكاد أجزم أن الذين لا يزالون يترددون في المشاركة من عدمها كفريق الرئيسين علي ناصر محمد وحيدر العطاس، سوف يلتحقون بالركب بعد انطلاق الحوار، ولو بفترة إذا لمسوا جدية في سير أعمال المؤتمر، وخاصة حيال قضية الجنوب التي لم يعد من العقل التصرف حيالها بسلوك النعام التي تدس رؤوسها في رمال السياسة الملتهبة. وحتى لو استمر رفض حضور مؤتمر الحوار، فإن نتائج الحوار الملموسة كفيلة بأن تسحب منهم جمهورهم الذي يعولون عليه، لأن المواطن في الأخير لا يفكر كثيرا على طريقة تلك القيادات التاريخية، وإنما يهمه أن يشعر بالمواطنة في دولة المساواة والعدالة، وبعدها لا يهم منطقة الرئيس أو مذهبه، ولا تهم الشعارات الرنانة التي يدغدغ بها بعض الزعماء المتمرسين المشاعر، من مثل «الاستقلال وطرد المحتلين» وغيرها من مصطلحات لا يستحي مروجوها من سخريات الأشقاء والأصدقاء عندما يسمعونهم يرددونها، خاصة بعد أن سمعوا من جمال بن عمر قولة صريحة بأن العالم يتعامل مع «الجمهورية اليمنية» لا غير، وهو الأمر الذي جعل أحد القيادات الجنوبية يتهمه بالتآمر لصالح وحدة اليمن لأن «النظام المغربي لديه مشكلة الصحراء الغربية»، وقد نسي القيادي الصديق أن بن عمر كان نزيل السجن في المغرب، ولم يكن يوما ما مع «النظام المغربي».
وبشكل مختصر يمكن تلخيص الوضع في اليمن بقول وزير المالية اليمني «نحن متفائلون رغم إدراكنا لحجم الصعوبات»، أو أليستر بيرت وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط عن الوضع في اليمن: «لننظر إلى نصف الكوب الممتلئ».