آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

الخطأ الكبير الذي تقع فيه الثورات ‏

هبت رياح التغيير والثورات الشعبية في العالم العربي بهدف إسقاط أنظمتها السياسية ‏الطاغوتية الاستبدادية التي عانت منها الشعوب طويلاً بسبب فسادها السياسي الذي احتكر ‏السلطة ومنع الحريات السياسية وكمّم الأفواه ومارس قيوداً على حريات التعبير والصحافة ‏وزجّ بالأحرار والثوّار في المعتقلات السياسية.‏ وفسادها الاقتصادي الذي احتكر الثروة ولم يلب حاجيات الناس الضرورية بحيث اتسعت ‏الفجوة بين طبقات المجتمع (الطبقة الغنية – والطبقة الوسطى – والطبقة الفقيرة) فزاد الأغنياء ‏غنى وسحقت الطبقة الوسطى أهم طبقات المجتمع وازداد الفقراء فقراً، فتهيأت المجتمعات ‏العربية بكل أسباب الثورة،وبدأت جذوة هذه الثورات في تونس فسرت وتصدرت هذه الجذوة ‏إلى بقية الدول بشكل تلقائي ودون تخطيط مسبق بسبب الاحتقان الموجود في بقية الدول من ‏جراء ممارسات أنظمتها الطاغوتية التسلطية.‏

ولما كانت طبيعة ديننا الإسلامي لمن أدرك تعاليمه بعمق تدعو للتغيير والخروج على ‏الأنظمة الطاغوتية (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) الرعد11 (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ ‏آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ ‏إلَى الظُّلُمَاتِ).‏ فلا بد أن ندرك أن فلسفة التغيير في القرآن وفي الواقع كسنّة اجتماعية لا تتم إلا عبر ‏مرحلتين متلازمتين هما مرحلة إبطال الباطل ومرحلة إحقاق الحق، مرحلة النفي والهدم ‏للباطل ومرحلة الإثبات والبناء للحق الذي نريده (وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ ‏عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) الشورى24.‏

ولذلك لا بد من التنبيه بأن الخطأ الكبير الذي تقع فيه الكثير من الثورات الشعبية أو المسلحة ‏أنها تعدّ نفسها لمرحلة إبطال الباطل ولا تعدّ نفسها لمرحلة إحقاق الحق. ذلك أن عملية التغيير ‏لا تؤتي ثمارها إلا إذا توافر لها عنصران أساسيان:‏
‏- الوعي التغييري.‏
‏- والإرادة التغييرية.‏

فالوعي التغييري هو الشرط الأول لنجاح عملية التغيير لأن العلم يسبق العمل والتخطيط ‏يسبق التنفيذ وحسن التصور يسبق حسن التصرف ، ولذلك فهو أشبه بالمصباح المضيء الذي ‏يهدي السالكين في الطريق.‏

وهذا الوعي بفلسفة التغيير وأبعاده ومراحله لا يتحقق بالوعي الأكاديمي النظري المغفل ‏للواقع ولا بالفهم للواقع كسطح دون الفهم للتاريخ كعمق بل لا بد أن تجتمع فيه هذه الأبعاد ‏الثلاثة:‏

‏1- الوعي بالمبادئ قيماً وأحكاماً.‏
‏2- والوعي بالتاريخ دروساً وعبراً.‏
‏3- والوعي بالواقع تحديات ومستجدات.‏

وإرادة تغييرية دون وعي تغييري أشبه بإنسان يسير في طريق التغيير لكن دون ضوء في ‏ظلمة حالكة، ولذلك فهو عرضة للسقوط والوقوع في حفر أو مهاوٍ لا يراها وعرضة للانحراف ‏عن المسار.‏

*مسؤول التخطيط السياسي في حزب الإصلاح سابقاً

زر الذهاب إلى الأعلى