لَمْ أكُنْ أُحِبُّ لإعلام الدولة أن يحتفل بـ21 فبراير بنفس طقوس احتفالات 17 يوليو سابقاً! وذلك لأسبابٍ كثيرة ليس أهمها اختلاف المرحلة واختلاف الرجال كما نظن أو نأمل رغم أننا في الواقع لم نعد نعرف بالضبط ماذا نظن أو نأمل.. أو ما الذي اختلف أو ائتلف! كنتُ أريدُ احتفالاً مختلفاً لسببٍ قد لا يخطر على بال.. وهو : أن الظلام ما يزال ضارباً أطنابه على معظم أماسينا.. وبالتالي فإن معظم المواطنين غارقون في الظلام ولن يروا شيئاً!
كُنّا نريد احتفالاً مختلفاً واحتفاءً نوعياً قائماً على حوارٍ حقيقي وليس حواراً توافقياً!.. كنا نريد احتفاء نقدياً موضوعياً على كفّتَي ميزانٍ دقيقٍ وعادل وحسّاس!.. سنتان في الميزان، أي 730 يوماً بالكمال والتمام!
سيقولُ أحدهم وقد قال مراراً : لماذا تحسبون السنتين وتحاسبونهما بالساعة والدقيقة ولم تحسبوا أو تحاسبوا 33 سنة!..
يُذكّرني هؤلاء بنكتةٍ قيل أنها حدثت منذ سنوات بعيدة في الجامع الكبير بمدينة ذمار.. ذمار التي أُحِبُّها. تقولُ النُكتة أنّه وبينما كان الناس يؤدّون شعائر صلاة المغرب وكان "إتريك" المسجد يشعشع بضوئه وصوتهِ إذْ دخل رجلٌ ليصلي ووقف في الصف أثناء الركعة الثانية، وكالعادة، وكما يفعل الجميع نَكَزَ الواقفَ إلى جواره بِكوعِهِ مُتسائلاً :
ظُهْرْ اوْ عَصْرْ ؟!.. فَلَمْ يتمالك الرجلُ نفسَهُ وكان قد بدأ صلاته من الركعة الأولى إلّا أنْ يلتفت مُستغرباً مندهشاً غيرَ آبهٍ بصلاته مُشيراً إلى "إتريك الضوء" وقائلاً بأعلى صوته : "وليش سَرّجُوووا"!.. مِنَيْن جِيت يا صاحب البلاد!.. أيْ ولماذا إذَنْ أضاءوا المسجد!.. وضحكَ كلُّ المصلّين!
ونحنُ نقول وبالصراحة نفسها.. وبدون لَكْزٍ أو نَكْز!.. ولماذا إذن كانت ثورةُ التغيير والشباب وخروج الملايين إلى الشارع والإعلان عن عهدٍ جديد ؟! يجب أن نتعلّم الدرس!.. وأنْ نَعِيَ قيمة الوقت ومعاناة الناس وانتظارهم!
نعم، تمّ إنجاز الحوار وتمخّض الجبل عن وثيقة بن عمر أو وثيقة مخرجات الحوار الوطني، وتمّ تحديد الأقاليم الستة وتغيير اسم الجمهورية اليمنية، والإنجاز الأكبر إيداع كل ذلك في الأمم المتحدة!
هذه إنجازات عشناها يوماً بيوم..! ومرارةً بمرارة، ولا يمكن أن ننساها!
كُنتُ أتمنى فقط أن يكون عدد جرائم الكهرباء والنفط وقطع الطريق أقل من 730 جريمة!
وكنتُ أتمنى أن يتوقّف مسلسل قتل الجنود والضباط في حرب الإبادة غير المعلنة.. وللأسف فإن عدد الضحايا يتجاوز الـ730 شهيداً بكثير!
وكنتُ أتمنى بعد توقّف القتال في صنعاء قبل سنتين ألّا يندلعَ ضارياً على مشارفها بعد ذلك!.. وألّا يسقط آلاف الضحايا!
وكنتُ أتمنّى أن يُكتَب في ذيل قرار الأقاليمِ أنها مجرّد تجربة وإذا لم تنفع الناس وتُغيّر الأحوال إلى الأفضل فسيتمّ إلغاؤها! كنتُ أريد ذلك فحسب!.. بدلاً عن الزفّة البلهاء قبل وصول العروس!
كنتُ أتمنّى ألّا تُصبح مسألة تغيير الحكومة نهاية التاريخ وخاتمة مطاف الأحلام!.. لأن في ذلك ذرٌّ للرماد في العيون فكلُّ دول العالم الثالث، والرابع إذا شِئْتَ تفعلُ ذلك كل شهرين إلهاءً للناس وإحراقاً للمراحل!.. الأهمّ هو تغيير مطبخ صناعة القرار، وتفعيل وحدة الجيش والأمن، ووقف القتل والقتال، وحماية مصالح البلاد، أمّا المتوافقون المبتسمون أمام كاميرات التلفزيون على طاولة مجلس الوزراء المتقاتلون خارجها.. فلا يجب أن نتوقّع منهم كثيراً!
كنتُ أتمنّى أن أُشير في نهاية سنتين من الظلام المستمر إلى مُدبّري ضرب أبراج الكهرباء وأنابيب النفط فأحْجمْت! بعد أن قرأت بيان "الأمن القومي" ونفيه القاطع الاثنين الماضي على صدر هذه الصحيفة وهو ينفي تُهمةَ أنّهُ "جَمَعَ أدلّةً قاطعةً للكشف عن من يقف وراء المتورّطين في تفجير أنابيب النفط وأبراج الكهرباء.. بل "وينفي قطعيّاً صحّة كل ما جاء في تلك الأخبار المغلوطة.. (هكذا!) وأنّهُ لا أساس لها من الصحة البتة، وليست سوى شائعات متعمَّدة تهدف للإثارة والترويج للكذب ".
منذُ سنوات طويلة لم أعجَبْ من خبرٍ كما عجِبتُ من هذا الخبر! الأمن القومي يحجم عن القول! فكيف بالعبدلله!
الأمن القومي وفي بيان رسمي ينفي عن نفسه "تهمة" جمع أدلة قاطعة للكشف عن من يقف وراء المتورطين في تفجير أنابيب النفط وأبراج الكهرباء ويقول أنّها شائعات وأخبار ملفّقة! وأنّهُ سيقاضي هؤلاء الذين يتّهمونه بمعرفة من يضرب الكهرباء والنفط ومعرفة من ضرب العاصمة بالصواريخ!
أظنُّ أن هذا الخبر هو خلاصة السنتين وسياساتها!.. وكما تقولُ العرب.. البَعَرَةُ تدُلُّ على البعير..! وحسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيل!