كان ملاحظا وبشدة، التحول المفاجئ والسريع، في الموقفين اللذين صدرا عن وزير الخارجية البحريني، الأول في الباكستان، لما تحدث عن علاقة بلاده بجماعة الإخوان المسلمين، وعن الخصوصية البحرينية في هذا الموضوع، والتي تميزها عن السعودية والإمارات، وقد اتخذتا موقفا واضحا ومحددا ومتشددا من الجماعة، في كل مكان وليس في البلدين فقط، الموقف الثاني للوزير البحريني جاء في اليوم التالي لتصريحه الأول، انقلاب كامل وغير منطقي، من حيث المدة الزمنية الفاصلة بين التصريحين، ومن حيث عدم التقدير الصحيح لعواقب التصريح الأول، وعدم الاستعداد الكافي له، ما أدى لانقلاب سريع عليه في ظرف 24 ساعة، وفي تقديري لا يقع اللوم على الوزير وحده في هذه المسألة المعقدة، إنها مشكلة مرتبطة بالجميع، والوزير وبلاده ضحايا لها.
في إسلام آباد، أعرب وزير الخارجية البحريني عن تفهم بلاده موقف السعودية المتعلق باعتبار الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، وأوضح أن ذلك لا ينطبق على مملكة البحرين، لأنهم، وبكل بساطة، لم يرتكبوا ما يضر المصلحة الوطنية حسب تعبير الوزير، بل إنهم – جمعية المنبر الإسلامي – حليف أساسي لنظام الحكم في البحرين منذ زمن طويل، لأسباب تتعلق بنهج كل من الجماعة وبعض أنظمة الحكم في الخليج، بشكل عام، ولخصوصية البحرين التي يواجه فيها النظام المعارضة الشيعية التي تشكل غالبية السكان في تلك البلاد، وهذا ما يميز البحرين عن غيرها، خاصة في هذه الظروف التي يخوض فيها النظام مواجهة مفتوحة مع المعارضة.
في اليوم الثاني وقع الوزير في التناقض، وبعد الحديث عن وجوب النظر والتعامل مع قضية الإخوان المسلمين في كل دولة على حدة، وأنه يجب عدم التعامل مع جماعة الإخوان على أنها قضية حركة عالمية، بل باعتبار أنه في كل دولة توجد مجموعة تتصرف بطريقة معينة، مع التأكيد على التزام الجماعة في البحرين بقانون الدولة، وعدم ارتكاب أفرادها ما يمكن اعتباره مهددا لأمن البحرين، اضطر للحديث بشكل آخر ومغاير للموقف الأول، وقال: إن حركة الإخوان المسلمين هي حركة عالمية لها نهجها الواحد ومنتشرة في دول العالم، ولكن التعامل معهم هو حسب قانون كل دولة وما تلتزم به من اتفاقات، وأنه، أي الوزير، لم يقل أو يذكر بأن جماعة الإخوان المسلمين ليست إرهابية، ولكن كل بلد يتعامل معهم حسب ما يبدر منهم تجاهه، مع ضمان الموقف الموحد تجاهه!
جذر المشكلة ليس في موقف الوزير، ولا في تصريحاته، إنما في تصنيف الجماعة الواسعة الانتشار على أنها جماعة إرهابية، وقد ذكرت في مقال سابق ما يناقض هذه الفكرة، لكني أتساءل الآن في قضية التطبيق لهذا القرار، فأنا لا أقر بفكرة كونها إرهابية كما هو معلوم، وأنشغل الآن بكيفية تنفيذ هذا التوجه بشكل جماعي، وإمكانية التعاون على هذا الهدف، ودعونا نبدأ بالخليج أولا، كيف للبحرين التي تعاني الأمرين من 3 سنوات أن تنخرط في هذا التوجه، والتي تعلن موافقتها عليه وتأييدها له؟ هل من المنطقي للنظام هناك أن يعادي جمعية المنبر ويقصيها من تحالفاته؟ وهي الجماعة المؤيدة له أمام أغلبية تعارضه وتطالب بتقليص صلاحياته وسلطاته في الحكم، هل يبدو هذا الأمر منطقيا وقابلا للتنفيذ؟ ونتحول للكويت التي تتحالف فيها الجماعة من عقود مع السلطة، وتشارك في الحكومات التي توالت على البلاد، رغم تموضعها في موقع المعارضة هذه الأيام، إلا أنها جماعة تعمل بشكل علني – وبقبول – من السلطة، ونشاطها الاجتماعي والدعوي والسياسي مرخص من قبل الأجهزة الرسمية، كيف يمكن للنظام أن ينخرط في الحملة على جماعة الإخوان المسلمين ويتعامل معها على أساس مغاير تماما لما قام به من السبعينات الميلادية؟ وهل يرى في الجماعة خطرا وجوديا كما يفترض القرار والتوجه المطلوب؟ في قطر تم حل التنظيم قبل عشرة أعوام، وبخلاف ذلك لا ينظر النظام للجماعة وأعضائها في الداخل، ولا في الخارج، على أنهم خطر وجودي أو منافس للسلطة، وبالتالي كيف يمكن للدوحة الموافقة على هذا التوجه ومساندته؟ ونستطيع التعميم على سلطنة عمان أيضا كما في الحالة القطرية، ألا يشكل هذا الأمر حجر عثرة في تعميم مواجهة الإخوان على دول مجلس التعاون الخليجي، فكيف يمكن التوسع في المسألة خارج نطاق المجلس!
من حقك أن تتخذ الموقف الذي تراه صحيحا، ويحقق لك المصلحة من الزاوية التي تنظر منها، لكن تواجهك المشاكل في إقناع الآخرين بهذا الأمر، وفي تنفيذ ما تتخذه من قرارات، وفي مستقبل مثل هذه التوجهات قياسا على الصعوبات التي تقف أمامك، وهذا ما يستلزم المراجعة الجدية والجذرية لهذا التوجه، وطرح الخيارات الأخرى التي من شأنها جلب المصالح، دون الدخول في تعقيدات، لا أول لها، ولا آخر.