من الأرشيف

السلفيون بين الإفراط والتفريط

قد يكون العنوان مستفزاً بعض الشيء. لذا، علينا، وقبل كل شيء، أن نُعرِّف السلفيين المعنيين فيه، فلا يمكن إدانة السلفي الفرد، المتديِّن بالشكل والمنهج المتعارف عليه في مجتمعاتنا، فأنا، وغيري كثيرون، نحترم كل متديِّن، وكل تديِّن يرى فيه صاحبه الطريق الصحيح الذي اختاره لنفسه، مع رفض محاولات التعميم لهذا المنهج والسلوك والشكل على الآخرين، وإلزامهم به، نموذجاً واجب الاقتداء والتبعية، أما من يتناولهم المقال بشكل محدد، فهم النخبة من التيار السلفي التي تمارس النشاط العام، وتتدخل في السياسة من زوايا كثيرة، مباشرة وغير مباشرة، وتعمل لخدمة أغراض محددة، تصب، غالباً، في صالح المستبد، وتخدم مشروعه.

في الأسبوع الماضي، أعلن حزب النور السلفي في مصر، دعمه رسمياً للمرشح عبد الفتاح السيسي، في انتخابات الرئاسة المصرية، وأعتذر هنا عن استخدام مفردتي المرشح والانتخابات، فلا هي انتخابات، ولا السيسي مرشح لها، إنه انقلاب واضح وصريح، لا لبس فيه، وما يجري في مصر مجرد مسرحية سخيفة، طلبها الأميركيون لرفع العتب وتبرير دعمهم تخريب عملية التحول الديمقراطي في مصر والعالم العربي، ولا جديد في هذا، فالكل مدرك هذه المسألة، بمن فيهم أبطال العرض، لكن حزب النور السلفي، ربيب جهاز أمن الدولة في مصر، والذي تحالف مع الإخوان المسلمين في فترة حكمهم، أبى إلا أن يقدم أغنية في هذه المناسبة العظيمة، يعبر فيها عن دعمه السيسي، وأمله بعودة مصر لما كانت عليه في السابق، وأن تكون الأغنية من دون الموسيقى، وبالآهات التافهة التي تمثل البديل المبتكر في الفن السلفي الحديث!

ماذا فعل حزب النور بالضبط؟ وأعني ما يمكن أن تفعله أحزاب وتيارات سلفية كثيرة من حولنا، لقد فرَّط، كالعادة، في أعظم ملف، وأفْرَط، كعادته، في أبسط الملفات والقضايا، فالأغنية بآهاتها، ومن دون الموسيقى، ودعم السيسي، المستبد المنقلب على خيار الشعب، مرشح الوسط الفني المصري، الرجل الذي كذب وخان، الملحق بالمعونة الأميركية والوفيِّ لمشروعها، هما الركيزتان الأساسيتان لموقف أكبر وأهم حزب سلفي في عالمنا العربي، تشريع الحكم الفاسد السيئ العديم الشرعية، وتحريم الموسيقى! ألا يبدو هذا الأمر مألوفاً لنا من قبل؟ وكأن هذه الحالة تكررت أمامنا آلاف المرات!

في المرة الماضية، سألت نفسي وآخرين ممن يؤمنون بالديمقراطية، كم سلفياً متديناً حقيقياً كسبنا لصالح الرؤية التي نطرح؟ اليوم، أوجه السؤال لسلفيين كثيرين أعرفهم، وأثق بتدينهم وخيرهم وصدقهم ورغبتهم الجادة بتحقيق العدل والمساواة. السلفيون الذين لا تمرر لهم أجهزة الأمن المعلومات، ويطرحونها في "تويتر" على شكل أسئلة أو نبوءاتٍ ورؤى، السلفيون الذين لا يقبلون الظلم والقتل والتشريد والتفريط بحقوق الناس التي أقرها لهم رب العباد، إلى متى يكون تحريم الموسيقى وإباحة انتهاك الحقوق الأساسية الأنموذج والمثل الأعلى؟

زر الذهاب إلى الأعلى