من الأرشيف

مصر في عهد الانقلاب العسكري

ماذا يجري في مصر المحروسة تجاه قضايانا العربية؟
بكل اختصار: ما يجري على مستوى القيادة السياسية العليا انحطاط سياسي لا سابق له في تاريخ مصر. إنها قيادة وصلت، بحكم المصادفة والتحريض، إلى قمة هرم السلطة، لا تعرف أن أمن مصر شرقاً يمتد من قناة السويس إلى مياه الخليج العربي، وليس إلى رفح على مشارف قطاع غزة. هذه القيادة لا تعلم أن أمن مصر غرباً يمتد إلى حدود المملكه المغربية على سواحل المحيط الأطلسي. قيادة مصر السياسية، اليوم، لا تعلم أن حدود أمن مصر جنوباً تمتد إلى أعالي هضبة الحبشة. هذه القيادة الحاكمة، اليوم، في القاهرة لا تعلم أن كل حروب مصر شرقاً عبر فلسطين ومرتفعات بلاد الشام هو دفاع عن أمن مصر، وليس دفاعاً عن فلسطين، كما يتبجح بعض القادة، اليوم، في القاهرة، بأنهم ضحوا برجال مصر وثرواتهم من أجل فلسطين.

لا نريد أن نقدم دروساً في التاريخ، لكننا ندعو قادة مصر الانقلابيين إلى دراسة التاريخ الحديث والمعاصر، ليتبينوا دور مصر في الدفاع عن أمنها واستقرارها، ولا يمنّوا على الشعب الفلسطيني بأنهم ضحوا من أجله.

(2)

لا جدال عندي في أن شعب مصر من أعظم الشعوب العربية وأكرمها، وإنه أكثر عطاء لأمته، عندما تتوفر القيادة السياسية الوطنية. إنه شعب يستحق قيادةً أفضل، وأنبل وأرجل من القيادة الانقلابية التي تحكمه اليوم، بلا مشروع وطني على الإطلاق.

مصر العزيزة تعيش تحت هجمة إعلامية قذرة، ولا سابق لها. تعود جذور "الإعلام المصري القذر" إلى حقبة أنور السادات، الذي أرسى قواعد ذلك الإعلام (....)، وربّى مدرسة إعلامية تجني مصر، اليوم، سوء ذلك الإعلام. وأدعو قادة دول مجلس التعاون وحملة القلم من النخب الخليجية لسماع خطب السادات وحواراته السرية، الخاصة والعلنية، ليسمعوا ما قاله فيهم (والله إنني أخجل أن أذكر ما قاله فيهم على صفحات الجرائد الدولية). وما تفوه به الرجل على قادتنا مسجل على "يوتيوب". ولا معاناة في البحث عن مدرسة أنور السادات الإعلامية. ونقول لبعض القادة العرب: لا تفرحوا كثيراً بالنظام القائم، اليوم، في مصر، فلن يحقق أهدافكم في الأجل القريب، أو البعيد، إنه سيكون عبئاً عليكم، وسينقلب ضدكم، كما فعل السادات، على الرغم من كل ما قدمتم له.

لماذا، يا مصر العزيزة، هذا الهجوم الإعلامي على الشعب الفلسطيني؟ لماذا ينزل الإعلام المصري بمستواه إلى درجة (...). وقف في الحرب الإسرائيلية الجارية اليوم على غزة إلى جانب إسرائيل؟ هل نسي شعب مصر العظيم أن الجيش الإسرائيلي دفن أسرى مصريين في سيناء أحياء، وهل نسوا ضحايا بحر البقر والمقطم وغيرهما. كتبت نائبة رئيس تحرير جريدة الأهرام: "أشكر رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو على ضربه قطاع غزة. ... كثر خيرك يا نتنياهو، وربنا يكثر من أمثالك للقضاء على حماس".

ماذا فعلت حماس في مصر حتى تصل كراهيتها إلى هذه الدرجة. لا أريد أن أورد اقتباسات مشينة، كتبت في الصحافة المصرية ضد بلادي قطر وضد الشعب الفلسطيني، علما أن الصحافة الفلسطينية لم ترد على ذلك الانزلاق في وحل القذارة الإعلامية، والصحافة القطرية لم ترد على البذاءات في صحافة الانقلابيين.

(3)

تصر القيادة المصرية، اليوم، على ما سميت المبادرة المصرية بشأن الحرب الإسرائيلية على غزة، ولا تقبل التعديل على بنودها، والكل يعلم أنها تخدم إسرائيل في كل نصوصها وعباراتها، وذُكر أنها صيغت في تل أبيب وتبنتها مصر. وحسب كاتب إسرائيلي متخصص في الشؤون العربية: "الخطاب الرسمي والعام في مصر أقرب إلى إسرائيل منه إلى حماس"، وهذه شهادة على أن القيادة والإعلام المصريين يخدمان المشروع الصهيوني في غزة وفلسطين عامة. كتب تسفي برئيل أن عدم قبول مصر تعديل ما يسمى مبادرتها يشير إلى التنسيق والتعاون الموجود بين مصر وإسرائيل (القدس العربي 23/ 7).

(4)

نريد أن نذكّر جيل المدرسة الساداتية في القيادة المصرية ووسائل إعلامها بأن غزة وتحريرها من الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية مصر أولاً وأخيراً، لان غزة منذ حرب 1948 وحتى حرب 1967 تحت النفوذ المصري، ومصر لم تسمح بتدريب الشعب الفلسطيني في غزة وتسليحه، استعداداً لأي عدوان إسرائيلي عليها. على حكومة مصر اليوم وجيشها مسؤولية الدفاع عن غزة، وتحريرها من النفوذ الإسرائيلي، وتسليمها للقيادة الفلسطينية التي اختارها الشعب الفلسطيني. وإذا كانت لا تريد فعل ذلك، فبحكم الجوار والمسؤولية التاريخية على مصر دعم المقاومة الفلسطينية، وعدم الوقوف إلى جانب إسرائيل في الشأن الفلسطيني.

الذين يراهنون من العرب، بوجه عام، على تدمير غزة، ومن فيها، بيد إسرائيلية، انتقاماً وكراهية في حركتي حماس والجهاد الإسلامي وإبادتهما لن يتحقق لهم ذلك. وستنبت غزة رجالاً ونساءً أشد عنفاً وأكثر التزاماً بتحرير بلادهم، ونحيط الكل علماً بأن إسلام غزة ليس إسلاماً سياسياً. إنه إسلام عقيدة وإيمان، ولا بد من أن ينتصر، ولو بعد حين.

آخر القول: يا عرب الصمت الرهيب، إذا كسرت غزة اليوم، وكسر العراق، ودمرت بلاد الشام، ودارت الدائرة لتصل إلى اليمن، فإن على عروشكم السلام.

زر الذهاب إلى الأعلى