يبدو أن الصفعة التي تلقتها السلطة من جماعة أنصار الله الحوثية عند سقوط محافظة عمران والذي فتح الباب أمام هذه الجماعة للقيام بتطويق مداخل العاصمة والطرق المؤدية إليها بالحشود المسلحة قد جرى الرد عليه يوم امس من قبل مجلس الأمن الدولي والذي طالب الحوثيين بسرعة إعادة محافظة عمران إلى سيطرة الدولة وإزالة المخيمات ونقاط التفتيش التابعة لهم في صنعاء وضواحيها ووقف القتال في الجوف ومثل هذا الرد كان متوقعاً بعد التحذيرات الأمريكية والأوروبية لهذه الجماعة من الإقدام على أية محاولة للزحف على صنعاء.
ومن الواضح أن تلك التحذيرات لم تؤخذ بعين الاعتبار من قيادة الجماعة التي كان يعتقد الكثير من أنها تدير قراراتها بروية ولا تميل إلى المغامرة إلا أن قرارها بحشد أنصارها إلى مداخل العاصمة لم يكن قراراً حصيفاً ولا يدل على أن الحوثيين عندما اتخذوه كانوا يتوقعون أبعاده أو انهم فكروا في تبعاته أو انه الذي سيمثل بالنسبة للسلطة إهانة متعمدة وتجاوزاً لكل خطوط الخصومة ناهيك عن استفزازه لجميع اليمنيين الذين أوحى لهم ذلك المشهد من أن الوضع بات في طريقه إلى الانفجار وان البلاد صارت مرشحة لتلقي صدمة كارثية ربما تجهز على وجودها كدولة ومجتمع.
من الواضح أن التطورات التي سحبت نفسها على العاصمة صنعاء خلال الأسبوعين الماضيين قد وضعت السلطة في موقف لا تحسد عليه لإدراكها من أن تحول العاصمة إلى بؤرة خطر يضع شرعيتها على المحك ولذلك سارعت إلى إرسال لجنة رئاسية للتفاوض مع زعيم جماعة أنصار الله عبد الملك الحوثي حول السبل والإجراءات الممكنة لتنفيذ النقاط الثلاث التي أدت إلى تأجيج الأزمة وبالذات ما يتعلق منها بمطلب الحوثيين بإلغاء قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية والذي مثل مصدر خلاف رئيسي على الرغم من اعتراف السلطة بأحقية ومشروعية المطالب الأخرى إلا أن تلك الجولة من التفاوض قد أخفقت في الوصول إلى حل وسط يرتكز على مصلحة الوطن والمواطنين .
وفي ظل حالة الانسداد تلك فقد اتجهت السلطة إلى مكاشفة الناس بالأسباب التي كانت وراء تفجر الأزمة الأخيرة مع جماعة أنصار الله حيث وجدنا الرئيس عبد ربه منصور هادي الأربعاء الماضي يتحدث إلى هيئة رئاسة الاصطفاف الشعبي عن مؤامرة يتعرض لها اليمن وان هناك من يقايض صنعاء بدمشق بل انه من كشف عن أن النشاط الحوثي هو من يتحرك في اطار أجندات مشبوهة بل انه من ذهب إلى القول: إن الشعارات التي ترفعها هذه الجماعة و تدعو من خلالها إلى إلغاء قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية وإسقاط الحكومة وتنفيذ مخرجات الحوار ليست أكثر من شعارات لدغدغة عواطف البسطاء واستغلال ظروفهم الاقتصادية والمعيشية من اجل الوصول إلى أهداف أخرى لا علاقة لها مطلقاً بهموم الناس أو بمطالبهم أو ما يتطلعون اليه من إصلاحات فيما الحقيقة أن ما يجري في اليمن اليوم هو صراع بين مشروعين ورؤيتين لليمن والإقليم والمنطقة كلها وان ما دون ذلك ليس اكثر من تفاصيل صغيرة .
ومع أن هذه التصريحات قد حملت في طياتها العديد من العناوين التي لا شك وان الكثير من اليمنيين لازال يجهلها فإنها من دفعت إلى التساؤل حول الأسباب التي كانت وراء سكوت الرئيس هادي كل هذا الوقت عن تلك التحركات التي تستهدف اليمن.
ولماذا سمح الرئيس هادي لجماعة الحوثي اذا ما كانت تعمل ضمن أجندات مشبوهة بالتمدد والسيطرة على عمران وبعض مناطق صنعاء والجوف بل والوصول إلى أبواب العاصمة؟ إذ أن ذلك السكوت حتى وان اقتضته حالة الارتباك التي مرت بها البلاد في السنوات الثلاث الماضية هو من شجع تلك الجماعة على التمادي في تحدي الدولة، مع أن البعض يرجع السبب في سكوت الرئيس عن هذه الجماعة يعود إلى أن تركيز الرئيس قد انصب بدرجة أساسية على تحقيق التوافق وتطبيق مخرجات الحوار النظرية على ارض الواقع وإقامة مؤسسات الدولة الاتحادية الجديدة وتنفيذ عملية الانتقال السياسي ولذلك عمد إلى محاولة معالجة المشكلة بصمت دون استهداف الجماعة ودون إثارة الضجة لكن الجماعة أبت إلا أن تعلن الحرب عليه من جميع الاتجاهات وهنا بلغ السيل الزبى وتفجرت الأزمة وانكشفت الخصومة بشكل لا يمكن السكوت عنه.
وبصرف النظر عن موقف جماعة أنصار الله مما جرى تداوله سابقاً وحاضراً من شكوك تتصل بمشروعها وخياراتها ومواقفها ورهاناتها وارتباطاتها فما لا تستطيع الجماعة إنكاره هي حالة التناقض التي اتسمت بها مواقفها خلال الأزمة الأخيرة, فهي في الوقت الذي تطالب فيه بالدولة القوية نجدها تعمل على عرقلة تقوية هذه الدولة وفيما تدعو إلى التوافق وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني نراها تنشط وتتحرك خارج اطار هذا التوافق .
وفي تقديري أن جماعة أنصار الله ما كانت بحاجة إلى الصدام مع الداخل والخارج وتصعيد الأزمة إلى هذا المستوى الذي اذا ما استمر فلن ينتصر فيه إلا الدمار والخراب والدماء والضغائن مع انه كان بإمكان هذه الجماعة ومن يقف إلى جانبها التعبير عن مواقفها واحتجاجاتها ضد قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية ومطالبتها بإسقاط الحكومة وتنفيذ مخرجات الحوار بالوسائل الحضارية المكفولة بالدستور والقوانين النافذة كما سبق لها وان فعلت عند مشاركتها في احتجاجات 2011م ومن دون الحاجة إلى حشد الآلاف من المسلحين على منافذ العاصمة لتظهر المدينة وكأنها محاصرة وتحت رحمة أولئك المسلحين .
وحتى اذا ما كان هدف جماعة أنصار الله من هذا التصعيد هو تقديم نفسها إلى الغالبية الكبرى من اليمنيين كحامل لرسالة التغيير والإصلاح, فإن وصولها إلى ذلك الهدف كان متاحاً أمامها لو أنها سلمت بجدوى وسلامة المنطق الأصيل للنضال الديمقراطي السلمي وابتعدت عن التهديد والوعيد والتلويح بالخيارات المؤلمة والموجعة باعتبار أن الإصلاح أو التغيير هو غاية حضارية وإنسانية ولا يقتضي القيام بهدم المعبد فوق الجميع.
يمكن لأي طرف أن يدفع الناس إلى الشوارع والطرقات ويقودهم إلى معركة حامية الوطيس ويضع البلد على حافة الهاوية, لكن من الصعب على العقلاء السكوت على مثل هذا التصرف خصوصاً وان ما نشهده اليوم في اليمن هي أزمة وطن وأزمة شعب وأزمة تتهدد حاضر ومستقبل الأجيال.