ذات الجرتين

قصائد الشاعر الكبير عبدالله البردوني - نشوان نيوز - ذات الجرتين

هنا وهنا مِرآتها، أين مرآها؟
أهذا تجليها على شوق مجلاها؟

هنالك إيماضٌ يحاكي ابتسامَها
ويُدعى محيّاهُ رسولَ محيّاها

* * *

أياذا المضاهي وجهها، أين وجهُها؟
عرفنا المُضاهى قبل عرفان مَن ضاهى

ل ماذا تزجّي ومضها عن جبينها
وعن فجرها الريّان تبعث ريّاها؟

أليست هي المنشودة البُغيةُ التي
إليها يباري القلب عينيه تيّاها؟

* * *

لأنفاسها طعم الخطورة لاسمها
ذكورة أنثى، غَلْمن القدُّ أُنثاها

أمْدُّ مِن التأريخ قامةُ حلمها
وأغمضُ مِن لمح الأساطير مرماها

وأنضر مِن وهج الدماء على الحصى
تهاتُفُ نهديها وترقيص مجراها

* * *

هنا عطر مسراها، فأين التي سرت
أما هذه الأزهار أخبار مسراها؟

أياآس، يا ريحان، مَن مرَّ مِن هنا؟
صنوبرةٌ مثل الهزارين عيناها

على ورق الكاذي حفيف قميصها
طريٌّ كأحلام الفتاة ونجواها

ومِلء كؤوس الورد لونُ نطاقها
أحالت - ولا تدري - غصُوناً وأمواها

* * *

أصخ يا رفيقي، إنني أسمع الربى
وهل أخبرَت عيسى وأفضت إلى طه؟

سمعتُ أبي عن جَدِّه: إن للربى
عيوناً بأغوار الحنايا وأفواها

* * *

أما اغتسلَت في ذا الغدير، أُخالُهُ
يُغمغِمُ: ما أشذى شذاها وأنقاها؟

كرائحة (العنصيف) تطوي بإبطها
وصية عرّافٍ إلى الكهف أصباها

ونقَّش خدَّيها بلون يمامةٍ
وأغصان زيتونٍ فأورق خدّاها

* * *

على وجه ذاك السفح منها حكايةٌ
يقوم يؤدِّيها، ويعيا فينساها

ويستلفت التل المحاذي أنينُهُ
كما يُشرك الأوَّاهُ في الشجو أوّاها

* * *

وفي بال هذا الروض عنها قصائدٌ
رواها إليها الطلُّ والطِّيب غناها

وعِشٌ يصوصي: ما أجَل التي غدت
وغصنٌ يناجي: يا ندى ما أُحيلاها

وتلك أساميها هناك وههنا
تنادي بلمح اللون: أين مسماها

أما كان يدعوها (سهيل) (سهيلة)
وتلبسها أم الثريا ثريها

أليس الخزامي والدوالي إزارها؟
أليست نجوم الصيف أحداق مغناها

أما هذه الآفاق بستان حسنها؟
وإياه كانت، كيف يبدو كإياها؟

تسائل عنها كل جمرة ومضة
متى شاهدتها أو رأت من رآى فاها؟!

وأي أصيل حين ودع ضمها
وأي نسيم آخر الليل حياها
متى قبلتها الشمس آخر قبلة
وحنت بيسرها يديها ويمناها

وقال تجلَّت من بعيد قوامها
بدون دليل من تأرج مثواها

وما غاية التسآل عنها: أمالها
فم في تناديه حقيقة معناها؟

و ماذا يرى اللاهون عنها سوى اسمها
وترقيع طرفيها بأطراف ذكراها

لها خبر في الصمت من ذا ينثُّه
سوى صبحها الذواي وصفرة ممساها

تعم الثواني أن تقول فتنطوي
فتبدي الذي تطوي غرابة فحواها
* * *

أشار أصيلٌ: حيث شعَّت تغيَّبَت
وأبقت لها منها قياساً وأشباها

وقال ضحىً: لم تأتِ مِن يوم أغرَبت
لكي تشتري مِن سوق بيّاعها الجاها

وأخبر صبحٌ: أوغلت في جذورها
لتأتي قُبيل الصَّيف مِن غير مأتاها

وقال حشاها: فيه تاهت، ووجهُها
حنيناً إليها تاه فيها ليلقاها

و ماذا أشار السرُّ؟ قال: يشمها
ويهمس: ما أدناه منها وأنآها

ديسمبر 1986م

زر الذهاب إلى الأعلى