حكاية سنين

قصائد الشاعر الكبير عبدالله البردوني - نشوان نيوز - حكاية سنين

مِنْ أينَ أبتدىءُ الحكايه؟
وأضيعُ في مَدِّ النِّهايَهْ

وأَعي نهايةَ دَورِهَا
فتعودُ من بدءِ البدايَهْ

تَصِلُ الخطيئةَ بالخطيئةِ
والجنايةَ بالجنايَهْ

مِنْ عهِد مَنْ وُلِدوا بلا
سببٍ وماتوا دونَ غايَهُ

المُسبلينَ على الذِّئابِ
البيضِ أَجنحةَ الرَّعايَهْ

الناسجينَ عُروقَهُمْ
لمواكبِ الطَّاعونِ رايهْ

من حوَّلوا المُستنقعاتِ
الجائعاتِ إلى النِّفايَهْ

أنصافُ آلهةٍ مُطَوَّقَةٌ
بأسلحةِ العِنايهْ

ووجوهُهُمْ كاللَّافتاتِ
على مواخيرِ الغِوايهْ

كانوا ملوكاً ظلُّهُمْ
حَرَمٌ ورُقيتهم حِمايَهْ

فلحومُنا لخيولِهم
مرعىً وأعظُمُنا سِقايَهْ

وبيادِرٌ تُعطيهِمُ
حبَّاتِ أعْيُنِنَا جِبايَهْ

واللهُ والإسلامُ في
أبواقِهِمْ بعضُ الدِّعايَهْ

أيامَ كانت للذُّبابِ
على الجراحاتِ الوِصايَهْ

أيامَ كان السِّلُّ يأكُلُنَا
وليسَ لنا دِرايَهْ

وأبي يُعلِّمُنا الضَّلالَ
ويسألُ اللهَ الهِدايَهْ

ويعيذُنا ب(المُصْطَفى)
والصَّالحين وكُلِّ آيهْ

ويقولُ:؟ إِعتادوا الطَّوى
كَمْ عادةً بدأتْ هِوايَهْ

ويعودُ يَشكو والسُّعالُ
يرضُّ في فمِهِ الشِّكايَهْ

مِنْ ها هُنَا ابتدت الرِّوايَةُ،
أينَ أينَ مَدى الرِّوايَهْ؟

***

أَأَقُصُّها؟ بعضي يُهيِّئني
وبعضي بزدريني

وبرغمِ إرهاقي أخوضُ
مَجَاهلَ السِّرِّ الكمِينِ

وظلالها خلفي وقُدَّامي
كأمسيةِ الطَّعينِ

فأتيهُ فيها كالتفات
الطَّيفِ للطَّيفِ الحَزينِ

وأعافُها فيشُدُّني
أرَقِي ويعزفُني حَنيني

وتُزَقْزِقُ الخَلَجَاتُ في
رأسي كعصفورٍ سجينِ

ماذا يُعاودُني؟ كشعوذِة الرُّؤى،
كصدى اليقينِ؟!

ويديرُ كأساً من دمِ
الذِّكرى وحشرجةِ الأنينِ

فَتُهيجُني، ومُنايَ يحفرُ
في حريقي عن معيني

والحرفُ يمزحُ في فَمِي
والسُّهدُ يلهثُ في جَبيني

ومَدى السُّرى يطفو ويرسبُ
في فمِ الوهمِ الضَّنين

ويمدُّ أغنيةً تَحِنُّ
إلى الصَّدى، وإلى الرَّنينِ

ولِمَنْ اُلَحِّنُ هَجْعةَ الأشباحِ
والرُّعبِ الدَّفينِ؟

لمواكبِ التَّاريخِ يَرْويِها
الأمينُ عن الأمينِ

ولِأُمِّيَ اليمنِ العجوزِ
ولابنيَ اليمنِ الجَنينِ

كانت مواقعُ خَطْوِهِ
طيناً توحَّلَ فوقَ طِينِ

***

أتقولُ لي، ومتى ابتدَتْ
سخريَّةُ القدرِ البَليدِ؟

وإلى بدايتِهَا أعودُ
على هُدى الحلمِ الشَّريِد

مُنْذُ انحنى مغنى (عُلَيَّةَ) (1)
واستكانَ حِمى (الوليدِ)

واستولَدَ السُّحبَ الحَبَالى
ألفُ (هارونِ الرَّشيِد)

حتى امتطى (جنكيز)
عاصفةَ الصَّواهِلِ والحديدِ

وهنالكَ انتعلَ (التَّتارُ)
معاطِسَ الشَّمَمِ العنيدِ

وتموكَبَتْ زُمَرُ الذِّئابِ
على دَمِ الغنمِ البَديدِ

فاستَعْجَمَ (الضّاد) المبينُ
ورايةُ الفتحِ المَجِيدِ

أين العروبةُ؟ هَلْ هُنا
أنفاسُ (قيسِ) أو (لبيدِ)

أين التماعاتُ السُّيوفِ
ودفءُ رنَّاتِ القَصيدِ؟

لا ها هُنَا نارُ القِرى
تهدي، ولا عبقُ الثَّريدِ

لا مستعيدَ، ولا اختيالُ الشَّدوِ
في شفتيْ (وَحِيدِ) (2)

فتلامَعَتْ أيدي علوج (التُّركِ)
تومِىءُ من بعيدِ

وتقولُ: يا ريحُ ابدئي صَخَبي،
ويا دُنيا: أعيدي

وتَمدُّ تَلمسُ مِنْ هُنَاكَ
ذوائبَ اليمنِ السعيدِ

حيثُ اختلاجاتُ الغروبِ
على الرُّبى، لفتاتُ غيدِ

حيثُ المزارعُ، وانتظارُ
الجوعِ حبَّاتِ الحَصِيدِ

حيثُ الصراعُ على السَّفاسف،
والزِّحامُ على الزَّهيدِ

ومضى العُلوجُ إليه كالإعصارِ،
كالسَّيلِ الشَّديدِ

وبرغمِهِ أَدْموْا إلى
(صنعاء) بيداً بعدَ بيدِ

فتثاءَبَتْ أبوابُها
لزحوفِ (أبرهة) الجَديدِ

***

وهنا انحنى (نقمُ) الصَّبُورُ
وأذعنت كثبانُ (مِيدي)

وتهافَتَ الأجدادُ، فاتَّكلَ
المُطيقُ على القعيدِ

وتخدَّروا بروائحِ المَوتى
وعهدِهِمُ الرَّغيدِ

وكما تُقلِّدُ أمُّ أُمِّي
لثغةَ الطِّفلِ الوليدِ

راحوا يُعيدون المُعاد
عن (الحسينِ) وعن (يزيدِ)

عن مُهرِ (عنترةٍ) وعن
صمْصَامَةِ الشَّيخ الزَّبيدِي

عن(شهرزاد) و(بابِ خيبر)
و(ابنِ علوان) النَّجيدِ (3)

وغذاؤهم زجلُ ( الخفنجي)
واللحومُ بِكلِّ عيدِ (4)

ومصيرُهُمْ حُلْمٌ على
أهدابِ شيطانٍ مَريدِ

وتَمَلْمَلوا يوماً وفي
نظراتِهم كسلُ الوعيدِ

فمَحَوْا دُخانَ (التُّركِ)
وارتدّوا إلي الغسقِ الحميدي

فتَخَيَّروا للحُكمِ أوثاناً
مِنَ الدَّمِ والجليدِ

أهواءهُم كمساربِ الحيَّاتِ
في الغارِ المدِيدِ

أو كالمقابرِ، يبتلِعْنَ
ويَسْتَزِدنَ إلى المَزِيدِ

كانوا عبيدَ خُمولِهِمْ
والشَّعْبُ عِبدانُ العَبيدِ

كانوا يُعيرونَ المُدى
شرعيَّةَ الذَّبحِ المُبيدِ

أو يَقتلونَ ويَخرُجونَ
يُرحِّمون على الفقيدِ

خلفَ الدُّخانِ يُمَثِّلونَ
روايةَ (اليمنِ) الشَّهيدِ

***

أتقولُ لي؟ وهل انْطَفَتْ
في ذلكَ العهدِ النُّجومُ؟

دفَنَ الغبارُ هواءَهُ
فتَجَلْمَدَتْ فيهِ الغُيومُ

وتهدَّج الرَّاوي كما
يستعطفُ الأُمَّ الفطيمُ

واجترَّ نَبرَتَهُ، وقال
وكفَّنَ الزَّمنَ السُّهومُ

تمشي الفصولُ كَمَا يُخشْخِشُ
في يدِ الرِّيح الهشيمُ

أنَّى أَصَخْتَ فلا صدىً
يُنبي، ولا يوحي نسيمُ

إلاَّ رفاتُ البائدين
تقيَّأتهُنَّ الجحيمُ

وعلى امتدادِ التِّيهِ يزعقُ
(هدهدٌ) ويصيحُ (بُومُ)

وهناكَ كانَتْ قريةٌ
تجثو كما ارتَكَمَ الرَّميمُ

جَوْعى ويطبُخُها الهجيرُ
وتحتسي دَمَها السَّمُومُ

نَسِيَتْ مواسِمَها فأشتَتْ
قبلَ أَنْ تَلِدَ الكُرومُ

تروي حكاياها الثقوبُ
فيسعُلُ الجوُّ الكليمُ

ووراءَ تلويحِ الطِّلاءِ
مدينةٌ جَرحى تَؤومُ

تَبْيَضُّ من بعدٍ كما
يتكلَّفُ الضِّحكَ اللئيمُ

وعلى الشوارعِ تنعسُ الذِّكرى،
ويصفرُّ الوجومُ

وعلى تجاعيدِ الرَّمادِ
يُهَيْنِمُ الثَّلجُ البهيمُ

وتُغوِّرُ السَّنةُ العجوزُ
وتبدأُ السَّنةُ العقيمُ

حتى تفجَّرَ ليلةً
حَدَثٌ كما قالوا: عظيمُ

فهوى كما زَعَموا (الحرامُ)
وناحَ (زمزمُ) و(الحَطيمُ)

***

ماذا جرى؟ مَنْ يخلفُ
المَرحومَ؟ من أتقى وأخشى؟

أو تحسبُ الجوَّ الكفيفَ
محا الدُّجى، أو صارَ أعشى؟

ألقتْهُ غاشيةٌ إلى
أُخرى إلى أدجى وأعشى

فجنازةُ (المنصورِ) أمسِ
غَدَتْ (ليحيى) اليومَ عَرْشا

فأجالَ سُبحَتَهُ وزادَ
على امتدادِ الغشِّ غِشّا

واذا بعجلِ (التُّركِ) عادَ
على الضَّحايا العُزْلِ وَحْشا

يُردي ويجهرُ أو يحوكُ
مكايداً حُمراً ورَقْشا

وعلاهُ (جوخٌ) فاختفت
أظفارُهُ وأجادَ بَطْشا

وعمامةٌ كُبْرى تُتَوِّجُ
رأسَ طاعونٍ مُوَشَّى

وتزينهُ، للعاثرينَ
كما يَزِينُ الدَّفنُ نَعشا

فيشقُّ للشَّعبِ القُبورَ
ويستحيلُ الشَّعبُ رَفْشَا

وضحيَّةٌ تَروي هوى
جلَّادِها وتموتُ عَطْشى

ويجودُ للكفِّ الذي
يُعطيهِ تمزيقاً ونَهْشا

ويعودُ يَستجدي الرَّغيفَ
ويُرهِقُ التَّفتيشَ نَبشا

ماذا يقولُ؟ أيرتجي؟
مولاهُ، هل يُعطيهِ قِرشا؟

لا الجوعُ أنطقَهُ وإنْ
نمَّ الذُّبولُ بهِ وأفشى

أتراهُ لمْ يحملْ فَماً
فيبوحُ إطراقاً ورَعْشا

ويُحِسُّ أذرَعَهُ وأرجلَهُ
أمام الرِّيحِ قَشَّا

يهوي وتبلعُ ما يريدُ
ضراعةٌ مسختهٌ كَبْشا

وجهٌ كأقدمِ دِرْهَمٍ
لم يُبقِ فيهِ المَسحُ نَقشا

سنواتُ (يحيى) تستقي
دَمَهُ، ويرجوه ويَخشى

***

ويديرُ أسئلةً، ويحذر
همسَهُ ويعي انكسارهْ

ويهمُّ حقدُ هوانِهِ
فتفرُّ مِنْ دمِهِ الجسَارهْ

ويمدُّ عينيْه كَمَا
ترنو إلى السِّنَّوْرِ (فارَهْ)

فتشدُّ نَقْنَقَةُ الطُّبولِ
إليه أُبَّهةَ الحَقَارَهْ

وغداة يومٍ أَوْمضَتْ
من حيثُ لا يَدري إشارَهْ

فأطلَّ نجمٌ مِنْ هُنَاكَ
ومِنْ هُنَا لَمَعَتْ َشرارَهْ

حتى تنهَّدَ (حِزْيَزٌ)
وتناشد الصَّمتُ انفجارَهْ (5)

نبضَ الهدوءُ الميْتُ واحمرَّت
على الثَّلجِ الحَرارَهْ

ماذا؟ وأقمرتِ النَّوافذُ
والسُّطوحُ بكُلِّ حارَهْ

وتناغمت (صنعاء) تسألُ
جارةٌ، وتُجيبُ جارَهْ

حُرَّيةٌ (دستورُ) صُغناهُ
وأعليْنا شِعارَهْ

(سَجِّل مكانكَ) وانبرى
التاريخُ يحتضنُ العِبارَهْ (6)

وأطلَّ جوُّ لم تلدْ
أُمُّ الخيالاتِ انتظارَهْ

وهُناكَ أدركَ (شهرزاد)
الصُّبحُ، فارتقبتْ نهارَهْ

وانثالَ أسبوعٌ، تَزِفُّ
عرائسُ الفجرِ اخضرارَهْ

وتلاهُ ثانٍ لحَّنَتْ
بُشراهُ أعراقَ الحجارَهْ

حتى تبدَّى ثالثْ
لمَحَتْ ولادتهُ انتحارَهْ

حَشَدَ الخريفُ إزاءَهُ
همجيَّةَ الرِّيحِ المُثارَهْ

وتلاقَتِ الغلواتُ حَوْليهِ،
وأشعلتِ الإغارَهْ

ماذا جرى يا (شهرزادُ)؟
تَضَاحَكي، يا لِلمَرارَهْ !

عشرون يوماً، وانثنى
الماضي، فردَّينا الإعارَهْ

***

من ذا أطلَّ؟ وأجهشَ
الميدانُ أحمد و (الوِشاحُ)

أسطورةُ الأشباح دقَّ،
طبولَهُ ساحٌ، وساحُ

يسطو، فتعتصرُ الرُّبى
يَدَهُ، ويسبِقُهُ الصِّيَاحُ

ويَزُفُّ أعراسَ الفُتوحِ
إلى مقاصِرهِ السِّفاحُ

(عوج بن عنق) شقَّ أنفَ
الشمسِ منكبُهُ الوَقاحُ

الجنُّ بعضُ جنودِهِ
والدَّهرُ في يدِهِ سِلاحُ

أو هكذا نَبَحَ الدُّعاةُ
وعَمَّمَ الفزعَ النُّباحُ

فاحمرَّ من وهجِ المذابحِ
في ملامحِهِ ارتياحُ

واغبَرَّ بالذَّبحِ المَسيرُ
ومادَ بالجُثَثِ الرَّواحُ

وسرى، وعادَ (السِّندبادُ)
ودربُهُ الدَّمُ، والنُّواحُ

خمسٌ من السَّنوات لا
ليلٌ لهُنَّ ولا صباحُ

يَبِسَتْ على السُّهدِ العيونُ
وأقعدَ الزَّمنَ الكِسَاحُ

(ناشدتكِ الإحساسَ يا أقلامُ)
واختنق الصُّداحُ (7)

لم ينبضِ الوادي ولَمْ
ينبُتْ لعصفورٍ جَناحُ

فتناوَمَ التاريخُ والتأمت
على الجمْرِ الجِراحُ

لكِنْ وراء السَّطحِ أسئلةٌ،
يَجِدُّ بها المُزاحُ

أو يَنطوي صوتُ النَّبيِّ
وتدَّعي فمهُ (سَجاحُ)

فدوى (الزُّبيريُّ) الشَّريدُ
وأفشتِ الوعد الرياح

وتناقلَ الجوُّ الصَّدى
فَزَقَا التَّهامسُ والطِماحُ

ماذا تقولُ الرِّيحُ؟
فالغاباتُ تومىءُ والبِطاحُ

ويُحدِّق الراعي فتخبرهُ
مراتِعهُ الفِساحُ

سَتَكِلُّ يوماً (شهرزاد)
ويسكتُ السَّمرُ المُباحُ

***

فإذا (الثُّلايا) والبُطولة
يركُلانِ شموخَ (صالهْ) (8)

فتضاءلَ (الفيلُ) المُخَدَّرُ
وارتدى جلدَ (الثُعالَهْ)

وكموعدِ الرؤيا أراحَ
الجنَّ، واطَّرحَ الجلالَهْ

وانحطَّ تاجٌ، وارتقى
تاجٌ، عموداً من عَمالَهْ

ماذا يرى (صَبِرٌ)؟ وغاصت،
خلف جفنيْه الدلاله

وكما تميدُ على شحوبِ
السِّجنِ أروِقَةُ المَلالَهْ

مَضَتِ اللَّيالي الخمسُ
أجهلَ بالمصيرِ من الجهالَهْ

فتحسَّسَ الفيلُ المهيضُ،
قواهْ، وابتدرَ العجالَهْ

وعَلَا الجوادَ، وموَّجَ الصَّمصامَ،
واكتسحَ الضَّحالَهْ

والشُّارعُ المَشْلولُ يزمُرُ،
للبطولةِ والسَّفالَهْ

وكما انتهى الشَّوطُ ابتدا
يُذكى الدَّمُ الغالي مجالَهْ

فيمدُّ عفريتُ الدُّخانِ
على أشِعَّتِهِ، ظِلالَهْ

ويخافُ أنْ يَلِدَ (الثُّلايا)
قبرهُ، ويرى احتمالَهْ

فتُعَسكِرُ الأشباح في
أهدابِ عينيه خيالَهْ

مَنْ ذا؟ ويَتَّهِمُ الصَّدى
وتدينُ يمناهُ شِمالَهْ

فانهارَ (شمشونٌ) وناءَ
برأسِهِ، ووعى انحلالَهْ

واستنزفَ الفلكُ المُعطَّلُ
عن جناحيهِ البَطالَهْ

وانساقَ يَغْزِلُ كُلَّ حينٍ
كوكباً، ويديرُها لَهْ

ويَشِبُّ نجماً، لم يَعُدْ
من نبضِهِ إلَّا ثُمالَهْ

وهنا تلفَّت موعدٌ
في أعينِ القِمَمِ المُشالَهْ

وتدافعَ الزَّمنُ الكسيحُ
على جناحٍ من عُلالَهْ

وانثالَ كالرِّيح العجولِ
يلوِّنُ الفَلَكُ اشتعالَهْ

وتساءلت عيناهُ، مَنْ ذا
ها هُنَا؟ فرأى حِيالَهْ

إشراقةَ (العُلُفيِّ) إطراقَ
(اللُّقيّةِ) وانفعالَهْ

فرمى على زنديْهما الجُلَّى
وأعباءَ الرِّسالَهْ

***

و إلى العشي تعاقدا
واستبطأا سير الثواني

الساعةُ المكسالُ مثلُ الشَّعبِ،
تجهلُ ما تُعاني

أيكونُ مُستشفى (الحُدَيدة)
مولدَ الفَجرِ اليماني

وعلى امتدادِ اليومِ ضمَّهُمَا
التَّفَرُّقُ والتَّداني

يتفرَّقانِ مِنْ الشُّكوكِ
وللمُنى، يتلاقيانِ

يتخوَّفانِ فيُحجِمان
ويذكُران فيهزآنِ

هل بُحتَ بالسِّرِّ المُخيفِ
إلى فُلانٍ أو فُلان؟ِ

إنِّي أُحاذرُ مَنْ رأيتُ
على الطَّريقِ ومَنْ يراني

كَمْ طال عمرُ اليومِ، لِمْ
لا يختفي قبلَ الأوانِ؟

حتى ارتمى الشَّفقُ الغريبُ
على سريرٍ مِنْ دُخانِ

وكأنَّ هُدبيْ مقلتيْهِ
شاطِئانِ مُعلَّقانِ

نظرا إليهِ، يُفتِّشانِ
عن الصَّباحِ ويسألانِ

وكما أشارَ (الهندوانةُ)
أبدَيَا بعضَ التَّواني

ومشى الثلاثةُ شارعيْنِ
مِنْ المشانقِ والأماني

ودعا النَّفيرُ، فسارَ (أحمدُ)
سيرَ مُتَّهمٍ مُدانِ

يرنو، أيلمحُ حُمْرَةً؟
كلَّا، وتَلمعُ نجمتانِ

فيمورُ داخلَ شَخصِهِ
شخصٌ غريبُ الوجهِ ثاني

ويَعي ضمانَ مُنجِّميهِ
فيستريحُ إلى الضَّمانِ

ودنا فماجَ البابُ وانهالَ
السُّكونُ على المكانِ

مِنْ أينَ نَبْغَتُهُ؟ ويمَّمْ
فجأةً، قِسْمَ الغواني

فتنادتِ الطَّلقاتُ فيهِ
كالزَّغاريدِ القواني

وانهدَّ قهَّارُ البنادقِ
كالجدارِ الأرجواني

أتَرى حصادَ القبرِ يرجعُ
كالرَّضيعِ بلا لِبانِ

وعلى يقينِ الدَّفنِ ردَّ
بنبضتيْن مِنْ البَنانِ

فتطلَّعتْ مِنْ كُلِّ أُفقٍ
تسألُ الشُّهبَ الرَّواني

كيفَ انطفا الشهبُ (الثلاثةُ)
في ربيعِ العُنفوانِ

وتراجعَ (الباهوتُ) يحرقُ
بالمواجعِ وهو فاني

يحيا ولا يحيا يموتُ
ولا يموتُ بِكُلِّ آنِ

فتبرَّجَتْ مأساةُ (واق الواق)
تُغدِقُ كالجنانِ (9)

وتجولُ تظفرُ مِنْ ذوائِبها
غروباً مِنْ أغاني

وتهزُّ نَهديْهَا اعتلاجاتُ
المَحَبَّةِ والحنانِ

فاخضرَّ عامٌ بالمواعدِ
واحتمالاتِ العِيانِ

وأهلَّ عامٌ عَسجَدِيُّ اللَّمحِ
صخريُّ اللِّسانِ

فرمى إلى حَلقِ التُّرابِ
بقيَّةَ البَطلِ الجَبَانِ

وهنا ابتدا فصلٌ تروَّى
فيهِ إبداعُ الَّزمانِ

***

ماذا هُنا؟ (سبتمبرٌ)
أشواقُ آلافِ اللَّيالي

حُرَقُ العصافيرِ الجياع
إلى البيادرِ والغِلالِ

بثَّ المسَامِرَ والرؤى العطشى
وأخيلةَ الخيالِ

خفْقُ النوافذِ وارتجافاتُ
الرِّياح على التِّلالِ

وتطلُّعُ الوادي وأسئلةُ
النُّجومِ إلى الجبالِ

وتلهُّفُ الكأس الطريحِ
إلى انهدالاتِ الدَّوالي

كان احتراقاتِ الإجابةِ
وابتهالاتِ السُّؤالِ

وتلفّت الآتي، إلى
آثارِ أقدامِ الأوَالي

عشرينَ عاماً قُلَّباً
حَبِلَت بِهَا أُمُّ النِّضالِ

نسجَتْهُ مِنْ شَفَقِ المقاصلِ
والجراحاتِ الغَوالي

حتى أطلَّ على عُقابٍ
مِنْ أساطيرِ المُحالِ

في كُلِّ ريشةِ جانحٍ
مِنْهُ (أبو زيدِ الهِلالي)

في النَّفخةِ الأولى رمى
بالعرشِ أغوارَ الزَّوالِ

وأمالَ زوبعةَ الرِّمالِ
إلى سراديبِ الرِّمالِ

يُعطي المواسمَ والمَحَبَّةَ
باليمينِ وبالشِّمالِ

أنَّى مشى، أجنى (الوليد)
من المُنى وأجدَّ بالي

موجٌ سماويُّ النَّضارة
شاطئاهُ من اللآلي

ماذا هُنا! (سبتمبرٌ)
أتقولُ لي، أجلى المجالي

شيءٌ وراءَ تَصَوُّرِ
الدُّنيا وأبعادِ الجمالِ

فوقَ احتمالاتِ الرَّجاءِ
وفوقَ إخصابِ النَّوالِ

***

أتقولُ لي؟ وهل انتهى
في جُثَّةِ الأمسِ النُّزوعُ؟

شاءَ الرُّجوعَ وسلَّحَتهُ
البِيدُ، فانتحرَ الرُّجوعُ

وزَوَتهُ حُفَرتُهُ وأطبقَ
فوقَ مرقدِه الهُجوعُ

وعَلا الدَّخانُ أزقَّةَ البترولِ،
فانتبه الصَّريعُ

واهتاجَ ثانيةً فمَدَّ
زنودَهُ (النيلُ) الضَّليعُ

وأحاطتِ الخضراءَ مِنْ
أقوى سواعدِهِ دُروعُ

وارتدِّ ظِلُّ الأمسِ والتحمَ
التَّوقُّعُ والوقوعُ

فتنادتِ النِّيرانُ والتقتِ
المَصَارعُ والجُموعُ

وانجرَّ عامان نجومهُمَا
وشمسهُمَا النَّجيعُ

فبِكُلِّ رابيةٍ إلى
لحمِ ابنها ظمأٌ وجوعُ

وبِكُلِّ مُنعرجٍ إلى
تمزيق إخوته ولوعُ

فهُنالك انقصفت يدان
وثَمَّةَ انتثرت ضُلوعُ

وهناكَ خرَّت قِمَّةٌ
وهُنا هوى تلٌّ مَنيعُ

فلكُلِّ شبرٍ مِنْ دمِ الشُّهداءِ،
تاريخٌ يَضوعُ

أرأيتَ حيثُ تساقطوا
كيفَ ازدهى النَّصرُ المُريعُ

حيثُ اغتلى الوادي ولفَّ
(عَلِيّاَ) الصَّمتُ الجَزُوعُ (10)

رَضِعَ الدُّجى دمَهُ فأشمسَ
قبلَ أن يَعِدَ الطُّلوعُ

حيثُ التقى (الحمزيَّ) ذابَ
الغيمُ واحترقَ الصَّقيعُ

حيث انطفا (سندٌ) تدلَّتْ أنجمٌ،
وعَلَتْ شُموعُ

حيث ارتمى (الكبسيُّ) أو
رَقَ منجمٌ، وشدا ربيعُ

وأعادتِ الأحداثُ
سيرتَها فأرعدَتِ الرُّبُوعُ

وتعطَّشَ الميدانُ فانفجر
الضُّحى ودوى الهزِيعُ

ومشَتَ على دَمِهَا الذِّئابُ
وغاصَ في دمِهِ القطيعُ

حتى توارى الأمسُ
زغرَدَتِ المآتمُ والدُّموعُ

وهَفَتْ أغانيها، تَضِجُّ
(ليسلَمَ الشَّرفُ الرَّفيعُ)

وتبوحُ للنَّصرِ انطلِقْ
فمجالُكَ الأبدُ اللَّموعُ

ولمُرضعي (سبتمبر)
دَمَهم، لقد شبَّ الرَّضيعُ

***

أتظُنُّ رابيةً تتوقُ
إلى دِمٍ أغلى يسيلُ؟

أو ما ارتوي عطشُ الرِّمال
واُتخِمَ العَدَمُ الأكولُ؟

يا للأسى، كيف استطبَّ
مماتَهُ (اليمنُ) العليلُ

ورنا السؤالُ إلى السؤالِ
وبغتةً وَجمَ السَّؤولُ

ماذا اسْتَجدَّ فباحتِ الأصداءُ،
وارتجفَ الذُّهولُ

لبَّى الدَّم الغالي دمٌ
أغلى إلى الدَّاعي عَجُولُ

مَنْ ماتَ؟ واسْتَحْيا السؤالُ
وأطرقَ الرَّدُّ الخجولُ

أهُنَا (الزبيريُّ) المُضرَّجُ؟
بَلْ هُنَا شعبٌ قتيلُ

وأعادتِ القِمَمُ الحكايةَ
واستعادتْها السُّهولُ

من ذا انطوى؟ علّمٌ
خيوطُ نسيجِه الألمُ البتولُ

في كُلِّ خَفقٍ مِنهُ (جبريلٌ)
وفي فَمِهِ رَسُولُ

بدأ الرَّعيلُ بهِ السُّرى
فكبا وسارَ بهِ رَعيلُ

وخبا وراءَ حنينِهِ
جيلٌ، وأشرقَ فيهِ جِيلُ

وعلى الحرابِ أتمَّ أشواطاً،
مَداها المُستحيلُ

وعلى سنى ميلادِهِ الثَّاني
تكاتفتِ الفُلولُ

لفَظَ البِلىَ غُربان (واقِ الواقِ)
وانثنتِ ( المَغولُ)

فاحتزَّ رحلتَهُ الرَّصاصُ
النَّذلُ والطِّينُ العَميلُ

فغفا وصِدْقُ الفجرِ في
نظراتِهِ سَحَرٌ بليلُ

أتقول ُعاجلَهْ الأفولُ؟
فكيفَ أشعَلَهُ الأفولُ؟

فعلى الجبالِ مِنَ اسمه
شُعَلٌ مُجنَّحةٌ تَجولُ

وصدىً تعنقِدُهُ الرُّبى
وهوىً تُسَنبِلُهُ الحقولُ

وبِكُلِّ مرمى ناظرٍ
مِنْ لَمْحِهِ صَحْوٌ غَسيلُ

كيف انتهى ولخطوِهِ
في كُلِّ ثانيةٍ هَدِيلُ

هو في النَّهارِ الذِّكرياتُ
وفي الدُّجى الحُلْمُ الكحيلُ

وهُنا ضُحىً مِنْ جُرحِهِ
وهُناك من دمِهِ أصيلُ

غربَ الشَّهيدُ وبينَهُ
والمُنتهى الموعودِ (مِيلُ)

مَنْ ذا يَكِرُّ إلى مَدَاهُ؟
وقد خَلا مِنْهُ السَّبيلُ

فليبتهِجْ دَمُهُ إلى
أبعادِ غايتهِ وصولُ

أو ما رأى الشهداءَ كيفَ؟
اخضوضرتْ بهِمُ الفصولُ

فرشوا (السَّعِيدةَ) بالرَّبيع
ليهنَأ الصَّيفُ البذولُ

ومضوا لوِجْهَتِهم ويبقى
الخِصبُ إن مَضَت السُّيولُ

زر الذهاب إلى الأعلى