د. لمياء الكندي تكتب اليمن الأرض والإنسان قراءة في كتاب: ماذا يعني انتمائي لليمن (1-2)
يضع الكاتب الدكتور ثابت الاحمدي عنوان كتابه الجديد (ماذا يعني انتمائي لليمن)، الصادر عن وزارة الإعلام والثقافة والسياحة ومركز نشوان الحميري للدراسات والإعلام، صيغة استفهامية تساؤلية تأكيدية أيضا لعنوان الكتاب، ترك من خلاله للمعلومات والروايات التاريخية الموثقة وللقارئ أيضا، مهمة الإجابة عن هذا التساؤل الذي شكل عنوان هذا العمل تاركا في أذهان القارئ مساحة معرفية واسعة عن الواقع الحضاري التي عاشته اليمن.
في حوالي 481 صفحة من صفحات هذا الكتاب وضعنا الأحمدي أمام حشد كبير من العناوين المهمة التي أعتبر كل عنوان منها مدخلا إلى فهم المكانة الحضارية لليمن كدولة وإنسان، هذه المكانة التي امتدت جذورها التاريخية إلى آلاف السنين، حتى يخال إلينا أننا أمام رواية أسطورية لا واقعية نتيجة لعظم هذه المكانة، فقد أثبت الكتاب الواقع الحضاري الذي عاشه اليمن القديم، هذا الواقع الذي أيدته العديد من الروايات التاريخية الموثقة، والآثار المادية التي أنتجتها هذه الحضارة.
فبداية من الموقع الجغرافي الذي مثلته اليمن قديما ولازالت؛ إضافة إلى طبيعة الإنسان اليمني الذي شكل العامل الأساسي في البناء الحضاري، كانت اليمن على هذا الوجه المتكامل صانعة للحضارة ومصدرة لها أيضا.
لقد اسهم اليمنيون الأوائل بوضع الأسس الأولى التي تشكلت منها معالم الحياة الإنسانية وحضارتها، فإلى جانب كونهم من أوائل الشعوب الحضارية التي سكنت الأرض، كانوا أصحاب الفضل الأول في تعميرها وتشييد بنيانها وأنظمتها الزراعية والصناعية والتجارية والسياسية والدينية. فقد تمكن اليمنيون بحكم موقعهم الجغرافي وصلاتهم الحضارية بالعديد من الشعوب بالتأثير والتأثر بمختلف محطات التطورات التي مرت بها الإنسانية ككل.
ولا نبالغ في حديثنا عن ذلك الدور الذي لعبه اليمنيون في حياة شعبهم وغيرهم من الشعوب القديمة للحد الذي يمكننا من الإجابة الصحيحة عن تساؤل الكاتب: ماذا يعني انتمائي لليمن؟
يذهب الكاتب في كتابه هذا إلى دراسة فترتين تاريخيتين تشكلت فيهما أهم المكونات والسمات الحضارية لليمن في فصلين هما: اليمن قبل الإسلام، واليمن بعد الإسلام، حيث شكلت الفترة التاريخية لليمن قبل الإسلام، المدخل الفعلي للحضارة اليمنية والصورة الأسمى لها، وذلك بفعل الدور الحضاري الذي ارتبط مباشرة بالهوية اليمنية التاريخية والتي حملت وصف ذاتهم اليمنية وفعلهم الحضاري الذي انتقل من خلالهم إلى مختلف شعوب الأرض وحضاراتها.
فقد قدم لنا الكتاب معارف تاريخية مهمة حول الأصل التاريخي لليمنيين وانتمائهم القبلي وجذورهم كقبائل أولى ضاربة العمق، "كالعمالقة وعاد الأولى والثانية وثمود وجرهم ويعرب بن قحطان وأبنائه والقبائل والممالك التي تفرعت منهم".
ويثبت الكاتب العلاقة المحورية لتلك القبائل والممالك اليمنية بالدين وترابطهم بالفكرة الدينية كمقوم تشكلت من خلاله ملامح حضارية مهمة انعكست من خلالها حالة الرقي في تخطيط أساليب العيش وأنماط الحياة بكل جوانبها، سواء فيما يتعلق بطبيعة هذه الأديان، أو من خلال بناء المعابد والشعائر الدينية المرتبطة بها، أو من حيث التنظيم والمصوغات القانونية والأدبية التي نظمتها، وجميعها شواهد حية ما زال أثرها باقية إلى اليوم ورافقتها شهادات العديد من المؤرخين والباحثين الذين عملوا على إظهار جوانب كبيرة منها.
لقد شكل تعدد الديانات في الحضارة اليمنية القديمة إلى جانب كونه إثراءً حضارياً مهمً؛ قاعدةً جعلت من اليمنيين سابقين إلى اعتناق الديانة التوحيدية اليمنية القديمة المرتبطة بالسماء، مؤكدين اعتناق العديد من ملوكها وقبائلها الحنفية كديانة توحيدية تركت أثرها في مسارهم التاريخي ومعاملاتهم ك"حنفية الملك أسعد الكامل".
أما النظم السياسية للحضارة اليمنية القديمة فقد تشكلت بظهور ملوك سبأ ومؤسسيها الأوائل والملوك التبابعة، والمكاربة، ثم ملوك سبأ مجددا وملوك سبا وذي ريدان، وملوك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت، وجميعها ممالك يمانية لها سماتها التاريخية والحضارية التي تميزها عن غيرها ومثلت انتقالا سياسيا تاريخيا عبر أزمنة عديدة، كانت لها أنظمتها الدينية والسياسية والعسكرية والتجارية والتشريعية المتميزة.
لقد اثبت الكتاب أن جوهر الحضارة اليمنية القديمة يكمن في قدرة الأنسان اليمني على صناعة التحولات في بيئته الداخلية الخاصة، ومدى تأثيرها على غيرها من البيئات والحضارات المحيطة، فيتبين لنا ضلوع اليمنيين كرواد وأوائل في تأسيس الأساليب والعلوم الزراعية، والأنشطة التجارية، التي جعلت منهم أسياد التجارة العالمية البرية والبحرية، واضعين في سبيل ذلك العديد من التشريعات والقوانين المتعلقة بالتجارة وما يتبعها من المعاملات كالضرائب وحرية التنقل وقواعد البيع والشراء أسس أخرى تمكنهم من هذه السيادة.
لقد انعكست الأطوار التاريخية التي مرت بها الدولة اليمنية القديمة على حياة هذا الشعب وظهرت جلية في معاملاته وأسلوب حياته وملابسه وقوانينه وأنظمته، فإلى جانب التشريعات والأنظمة الرسمية التي خلفتها الآثار المنقوشة حتى اليوم؛ كانت حياة اليمنيين تدار أيضا بمجموعة من الأعراف والقوانين المحلية، التي سنتها القبائل اليمنية المتمدنة ونظمت علاقاتها الداخلية بما يضمن نمط حياة كريمة وآمنة لكل اليمنيين.
لقد خلفت لنا الآثار المكتشفة المتاحة؛ فهما واضحا عن ما يمكن وصفه بالحياة المدنية التي عاشها اليمنيون قديما، وما تلك المآثر الفنية الإبداعية في الزراعة والتجارة وبناء السدود والهياكل والمعابد والقصور والقلاع وتعبيد الطرقات وغيرها من الفنون العامة كالنحت والزخرفة والغناء وآلاته الموسيقية، والنقود والعملات، واهتمامهم في اعتماد تقويم تاريخي خاص بملوكهم تدرجاً إلى اعتماد التقويم الحميري عام 115 قبل الميلاد وظل معمولاً به إلى ظهور التقويم الإسلامي فكانت هذه التقويمات معتمد المزارعين والصيادين ورجال الدين والتجار في تنظيم حياتهم وتوثيقها.
ومن خلال القراءة في هذا الجانب الخاص بتاريخ اليمن قبل الإسلام يتبين لنا عمق المكانة التاريخية لليمن أرضا وأنسانا، في صناعة التحولات الحضارية الكبيرة التي جعلت منها سابقة ومتقدمة على غيرها من الحضارات الإنسانية كالفينيقية والإغريقية والحضارة المصرية وغيرها من الحضارات... يتبع.
لتحميل نسخة الكترونية من موقع المركز:
عناوين ذات صلة: