اهتمامات

لمياء الكندي.. إكليلة يمانيّة في ركب النضال

الحلقة 14 أقلام في مسيرة النضال: لمياء الكندي.. إكليلة يمانيّة في ركب النضال - د. ثابت الأحمدي


لم يقتصر النضالُ ضد الكهنة في اليمنِ على الرجال فقط؛ بل على الجميع، فما من شريحة يمنية إلا وناضلت، وتناضل في سبيل حريتها وكرامتها، بمن في ذلك بعض المعاقين من الشباب والرجال الذين دفعت بهم حميتهم الوطنية للالتحاق بجبهات القتال، ومواجهة عصابة الزيف الكهنوتي البغيض.

أيضا لم يقتصر النضال على صُورةٍ معينة فقط من صوره؛ بل نضال في كل الاتجاهات، بالسنان والسيف، بالقلم والبندقية، سواء في القديم أم الحديث. بالأمس خرجت نورة العفيف في يافع مقاتلة ضد كهنة الإمامة، كما فعلت أيضا صالحة الحجرية التي حملت البندقية وقاتلت جنود الإمامة في تعز، وكانتا قياديتين من القيادات المجتمعية التي واجهت الإمامة، واليوم تواصل المرأة أدوارها التاريخية، كما فعلت أسلافها بالأمس.

لمياء علوي الكندي، المولودة في 1984م، بمحافظة إب، والحاصلة على شهادة الماجستير في التاريخ الحديث والمعاصر من جامعة صنعاء، وهي اليوم باحثة في مرحلة الدكتوراه، كما أنها حاصلة على الماجستير المهني المصغر في إدارة الأعمال. وهي كاتبة باحثة، صدر لها العديد من الدراسات والأعمال البحثية، أشهرها كتاب "الكهنة.. صفحات من التاريخ الأسود للكهنوت الإمامي في اليمن".

وهو تكثيف مركز للجريمة الكهنوتية بحق اليمنيين، ودراسة نقدية تاريخية تؤرخ لحركة الإجرام والارهاب الكهنوتي الإمامي؛ مستندًا في مصادره على مجموعةٍ من الكتب والسير الخاصة بالأئمة التي أرخت من خلالهم، أو من خلال مجموعةٍ من المؤلفين التابعين لهم، واستعرضت تلك الجرائم بنوع من التفاخر، على أنها فتح وتمكين رباني لنصرتهم..!

ويناقش الكتابُ سلسلة من جرائم القتل والحروب والتقسيم والارهاب الكهنوتي الإمامي الذي تعرضت لها اليمن على أيدي مجموعةٍ من الكهنة ممن كانوا يصفون أنفسهم بالأئمة في اليمن.

وقد تعقب سير عشرات الكهنة من بداية ظهور الكاهن يحيى حسين الرسي في اليمن سنة 284هـ، إلى سقوط قلاع آخر الكهنة من بيت حميد الدين إثر قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م.

وتعمل الكاتبة على الإعداد للجزء الثاني من كتاب الكهنة لفضح المشاريع الإمامية التي استهدفت اليمن منذ ما بعد ثورة السادس والعشرين من سبتمبر وحتى تاريخ الانقلاب الحوثي الكهنوتي على اليمن، وتمردهم الأخير على الدولة عام 2014م، وما بعدها.

لقد عرض الكتابُ في صفحاته جملة من عمليات الاستهداف المباشر لليمنيين بالقتل وتخريب البيوت ونهب المدن وتدمير الآثار وسلب الهوية والذات اليمنية، وتناول تلك الاعمال وفضحها بتسلسل تاريخي حسب كل كاهن وفترة حكمه.

للباحثة لمياء الكندي ديوانا شعر، الأول بعنوان: "أنا والقصيدة" والثاني بعنوان: "أبناء الأرض". إلى جانب دراسة منشورة بعنوان: "واقع المرأة اليمنية بين جحيم الحرب وتطلعات السلام"، ودراسات أخرى أيضا منشورة وغير منشورة. كما لها العديد من المشاركات العلمية والبرامجية على الشاشات الفضائية ومنصات التواصل الاجتماعي.

وتُعتبر من أنشط النساء اليمنيات في الوقت الحالي، إلى جانب أخريات على منصات النضال الوطني، لهن أدوار وطنية مشرفة. وهي ترأسُ وحدة المرأة في مركز البحر الأحمر للدراسات السياسية والأمنية.

وعودة إلى كتاب الباحثة والكاتبة لمياء علوي الكندي: "الكهنة.. صفحات من التاريخ الأسود للكهنوت الإمامي في اليمن". والكتاب من إصدارات منتدى معدي كرب القومي، الذي يرأسه الأستاذ يحيى الجماعي، بمساهمة أيضا من زوجها الأستاذ عمار التام رئيس مؤسسة جذور للفكر والثقافة، وكلاهما على قدر عالٍ من الثقافة والوعي، وأيضا المواقف الوطنية الرائدة، وهو أنسب توصيف، وأدق تعريف لهذه الجماعة السلالية البغيضة التي تسربلت بالدين زورا وبهتانا، في أسوأ عملية خداع ديني للبسطاء والعامة من الناس الذين تنطلي عليهم تلك الادعاءات الزائفة.

إن هذا التشخيص لهذه الجماعة هو التشخيص الأدق والأقرب إلى الحقيقة كما هي؛ لأنها فعلا كذلك، جاء من مستواها كباحثة ومثقفة ومتخصصة في التاريخ، وتعرف تاريخ الجماعة عن قرب بكل تفاصيله وعناوينه. تمثل - فيما تمثل - امتدادًا نضاليا على الصعيد النضالي للمفكرين والمؤرخين الأوائل كالهمداني ونشوان الحميري والمقبلي والشوكاني والزبيري والبردوني والمقالح وغيرهم، وصولا إلى المناضلين الأحرار اليوم من الشباب الجدد الذين يواصلون الدرب على نهج من سلفهم.

كتاب الكهنة مهم للغاية في موضوعه، من كاتبة وباحثة مهمة، تعي ما تقول وتكتب، في إطار مساهمتها لتعريف اليمنيين وتحصينهم من فكر الكهنة والإمامة، مع توضيح الترابط بين كهنة الماضي وكهنة اليوم، في تأكيد بحثي عن خطر الإمامة الفكري، كما أنه أتى واليمنيون يخوضون معركة فكرية ضد كهنة هذا العصر. فرضت الفكرة نفسها من خلال إرهاصات الواقع والحراك السياسي والثقافي، الذي شكل قناعات مشتركة بضرورة تبني خطاب قومي يمني خالص، وإحياء روح القومية اليمنية "أقيال"، وكان من مخرجات هذا الحراك تعرية كل ما يمتُّ إلى الكائنات السلالية من سياسات وممارسات وأفكار، ومن تاريخ أسود، وكل تاريخ الإمامة أسود مدمر وقاتل. أو كما قال أبو الأحرار الشهيد محمد محمود الزبيري رحمه الله، في سياق حديثه عن الإمامة وتاريخها وجناياتها:

نثروا بأنحاءِ البلادِ ودمّروا

عمرانَها فكأنّهم ألغامُ

أكلوا لُبابَ الأرضِ واختصُّوا بها

وذوو الخصاصةِ واقفونَ صيامُ

وكأنهم هم أوجدوا الدنيا وفي

أيديهمُ تتحركُ الأجرامُ

هَبْ أنهم خلقوا العبادَ فهل لمن

خلقوهُ عطفٌ عندهم وذِمامُ؟!

إن هذا الكتاب من الكتب التي تعيد ضبط بوصلة الفكر، وتعيد الاعتبار للحقائق التاريخية المجردة كما هي، بعيدا عن تزييف الكهنة، أئمة الزيف والدجل الذين نسلوا الكثير من الكتب خلال مسيرتهم والتي تعمدوا فيها تشويه تاريخ اليمن وحضارتها، مقابل إضفاء الهالة الدينية والتاريخية على أئمتهم الذين جعلوا منهم أئمة هدى، ومصابيح دجى حد تعبيرهم، فيما هو في الواقع كهان معابد وأدوات هدم وظلام وإظلام لا أكثر. ومن المؤسف أن تلك الهرطقات والتشويهات التاريخية قد انطلت على البعض من بسطاء الناس وعامتهم، وصدقها محدودو التعليم والثقافة، فاتبعوهم على غير هدى، ظانين أنهم يتقربون إلى الله بذلك؛ وأكاد أجزم أن هذا الأمر هو ما حدا بالباحثة والمؤلفة أن تكرس جهودها البحثية لفترة من الزمن لإعادة مسار الحقيقة إلى مسربها الصحيح، بعيدا عن دجل وكهانة من يسمون أنفسهم أئمة اليمن.

لقد قدمت الباحثة قراءة ناقدة مستبصرة من خلال توصلها إلى أن الإمامة لم تحكم اليمن كله تلك الفترة التي يدعيها كرادلة الإمامة أنفسهم، وهو ادعاء كاذب من جملة ادعاءات أخرى كثيرة، ذلك أن المقاومة اليمنية كانت مستمرة لهذا المشروع البغيض، من أول يوم لوصول الكاهن يحيى حسين الرسي وحتى اليوم. داحضة بالحقائق الدامغة كثيرا من تلك الادعاءات الزائفة مثل ادعاء كرادلة الإمامة أن نجل الكاهن المؤسس "أحمد" قد وصل إلى عدن في ثمانين ألف مقاتل، فتقول الباحثة متسائلة بمنهجية علمية ومنطق علمي صارم:

كيف يستطيع أن يصل "الكاهن" إلى عدن وقد فشل في دخول صنعاء والاستقرار بها؟ ثم إن وصوله إلى عدن يقتضي سيطرته على المناطق الوسطى، بين صنعاء وعدن، وهذا ما لم يحدث أبدا. الأمر لا يعدو أن يكون ادعاء لا أكثر.

وقبل هذا فالباحثة ترفض فكرة الأفضلية والاصطفاء من أساسها؛ ففكرة "آل البيت" من أولها إلى آخرها ليست سوى خرافة زائفة، وأسطورة من أساطير الدجل والخداع، التي تسعى في غايتها البعيدة إلى الحصول على الامتياز الدنيوي، والاستئثار بالسلطة والثروة لا أكثر.

زر الذهاب إلى الأعلى