آراء

صنعاء مدينة مخطوفة

عضو مجلس الشورى في اليمن علوي الباشا بن زبع يكتب: صنعاء مدينة مخطوفة


أكبر تحدٍّ يواجه المليشيات الحوثية ونظام الولاية هو ذكرى 26 سبتمبر 1962م، الشهر الذي قام فيه النظام الجمهوري في صنعاء واليمن عمومًا. فهذا التاريخ سيبقى أكبر كابوس يطاردهم، حتى ولو جعلوا من انقلابهم في 21 سبتمبر 2014 مناسبة وطنية، فإنهم في داخلهم يدركون أن الفرق بين 26/9 و21/9 كبير جدًا، ومسافة زمنية عكسية تزيد على ألف عام من الزمن.

قدسية 26/9 لا يكتسبها هذا اليوم الخالد من مجرد تسمية ثورة أو تغيير نظام أو حالة ثورية تحررية أو صمود أسطوري. تلك القدسية تشكلت من هذه العوامل وعوامل أخرى، أهمها أن الثورة والحرب والمقاومة والنظام جميعها تصدرت المشهد في صنعاء وكل اليمن. لقد ساهم في التغيير الجمهوري وحدثه الثوري غالبية رجالات اليمن، كبارهم الحكماء وشبابهم الأفذاذ من كل المحافظات، في اليمن الطبيعي من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه. قادوا مسيرة التغيير، وساندوا النظام الجمهوري، في تلاحم بديع، وإيمان كبير، يقودهم أمل بمستقبل وطن يحكمه أهل الخبرة وأهل الحل والعقد، الذين قبلوا ببعضهم بتفانٍ وإخلاص نادر، وانسجام مذهل. فالمشهد في 26/9 وما بعده كان بهذا المستوى من الأخلاق والرقي والمسؤولية.

ربما أكون مخطئًا، فإذا كنت كذلك ذكروني بقادة ورجال يُعتَبرون أرقامًا معروفة، وعقليات متزنة تحرك المشهد السياسي اليوم في صنعاء، ومن مختلف المحافظات، على غرار ما كان في مشهد ما بعد 26/9. هل تجدون غالبية في مشهد اليوم رجالاً وقادة ومناضلين بحجم السلال، والبيضاني، والنعمان، والزبيري، وعبدالمغني، والعمري، وعبدالرقيب، وابن الأحمر، وأبو لحوم، والعواضي، والشايف، وأبو شوارب، وأبو راس، ومجلي، وجارالله القردعي، وأحمد المطري، وجزيلان، والعيني، وبن دارس، ودماج، ومحمد جارالله، وضيف الله، والحميقاني، والرعيني، والإرياني، والحجري، والأصنج، وباسندوة، ومحمد الجفري، ومحمد النعمان، وعشال، والمفلحي، ومحسن بن معيلي والعذري والحربي، والحمدي، وعبدالله عبدالعالم، وصالح، وأحمد فرج، والقوسي، والأنسي، والعرشي، والفسيل، والجاوي، والربادي، ودويد، ومناع، والمتوكل، وبيدر، والحربي، وأبو عوجا، وأبو أُصيع، وبن حيدر، وبن عزيز، وشريم، ومعوضة، والأهنومي، والحبيشي، وشيحاط، وبن شطيف، وبن سعد... إلخ.

رحمهم الله جميعاً، والقائمة تطول، وأعتذر ممن لم أورد اسمه هنا في هذه العجالة من الراحلين من رجالات الثورة، وهم بالمئات، رحمهم الله جميعاً. أما الأحياء، فندعو لهم بالصحة والعافية، وقد تجنبت ذكرهم حتى لا يُقال إنني أجامل أو أسوق لأحد أو لقومي، وحتى لا نُشخصن الأمور، فالمسألة هي خلاف على وطن ودولة وليس على مصالح ومغانم.

لا نقلل من قيمة أحد، ولكن ما نراه هو مشهد واحد إقصائي عنيف ومخيف، فلم تعد اليمن بحجم لون واحد، وغلبة من منطقة بعينها. ولذلك وبدون تذاكي ولا غرور مناطقي، هاتوا لنا قيادات في صنعاء بهذا الحجم، وبهذا التنوع والتكثيف الوطني الخلاق، ومن كل محافظات اليمن، ومكّنوهم من صدارة المشهد، ونحن حينها سنعترف لكم بأن 21/9 ثورة وليست انقلابًا، ومسألة يمنية وليست مشروعًا إيرانيًا وافدًا على الوطن، كما كانت صنعاء بعد 26/9 تحكمها شراكة وطنية واسعة بحجم اليمن الكبير، ووازنة بحجم الزخم الثوري، ودولة تحتضن شعبًا ولا تُقصي أحدًا. وبدون هذه الشراكة، ستبقى صنعاء مجرد مدينة عزيزة وعريقة، ولكن مخطوفة ومحتلة، ستتحرر وتكسر قيودها يومًا ما، طال الزمن أم قصر، وتعود عاصمة اليمن التاريخية الباسلة.

زر الذهاب إلى الأعلى