ثورة الجنوب التي هزمت المستعمر
سمير اليوسفي يكتب عن صناع الاستقلال: ثورة الجنوب التي هزمت المستعمر
في 30 نوفمبر 1967، لم يكن صباح عدن كأي صباح. البريطانيون يغادرون، ليس لأنهم أرادوا، بل لأنهم أُجبروا. شعب الجنوب قرر أن وقت الحرية قد حان، وأن الكفاح لا يعرف المستحيل.
الاستقلال كان ثمرة جهد رجال ونساء عظماء. قحطان الشعبي، الأمين العام للجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني، كان قائدًا بحجم القضية. وحّد القبائل، خطّط للكفاح، وأصبح أول رئيس لجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية. الرجل كان مدرسة في العمل الوطني، حيث فهم أن الثورة لا تتوقف عند حدود الاستقلال.
عبد الفتاح إسماعيل، المفكر الذي عرف أن البندقية تحتاج إلى فكر. نشر الاشتراكية، وخلق وعيًا جديدًا بين صفوف الثوار. كان يؤمن أن النضال الحقيقي يبدأ ببناء الإنسان والمجتمع.
راجح لبوزة، اسم لا يُنسى. استشهاده في 1963 أشعل شرارة ثورة 14 أكتوبر. الرجل كتب وصيته بالدم: “الحرية تُنتزع ولا تُنتظر.”
على الجانب الشعبي، كان مدرم يهتف ويجمع الناس حول هدف واحد، بينما كان عبود في الميدان يُثبت أن الشجاعة ليست كلمات، بل أفعال.
النقابات لم تكن غائبة. عبد الله عبد المجيد الأصنج ومحمد صالح العولقي قادا العمال في إضرابات هزّت اقتصاد المستعمر. كانت الموانئ والمطارات تتوقف، وكانت الرسالة واضحة: “هذا وطننا، ولن ندعكم تستمرون.”
وفي شوارع الشيخ عثمان، كان إدريس حنبلة يقود المظاهرات بحماس لا يعرف التراجع. شاعر الثورة لم يكن يكتفي بالهتاف، بل حوّل الكفاح إلى أغنية تُلهب الحماس في القلوب.
على المستوى السياسي، كان محمد علي الجفري في الخارج يشرح قضية الاستقلال للعالم. الرجل أدار معركة دبلوماسية، وأثبت أن الاستقلال لا يتحقق فقط بالسلاح، بل بالكلمة أيضًا.
وفي الداخل، كان عادل محفوظ خليفة يُحرّك الشارع وينظّم الاحتجاجات، بينما عمل ناصر السقاف على توحيد الفصائل وضمان انسجام العمل الثوري.
علي سالم البيض وعلي ناصر محمد قادا الثورة من زوايا مختلفة. البيض وضع الرؤى السياسية، وناصر نظّم الجيش لضمان أن الثورة لن تُختطف.
محمد علي هيثم، رجل التوافقات، جمع الفصائل المختلفة تحت راية واحدة. أما فيصل عبد اللطيف الشعبي، فكان العقل المدبّر الذي رسم طريق الثورة بفكر عميق ووعي استراتيجي.
هذا الاستقلال لم يكن مجرد لحظة في التاريخ، بل درسًا للأجيال القادمة. قادة الثورة صنعوا مجدًا لا يُنسى، وأثبتوا أن الإرادة الشعبية قادرة على كسر أقوى القيود.
واليوم، وبعد أكثر من نصف قرن، يواجه اليمن تحديات جديدة. الصراع الحالي الذي أرهق البلاد بسبب الجماعات التي تسعى لتحقيق أجندات فئوية، وعلى رأسها الحوثيون، يجعلنا نتذكر روح الوحدة والعمل المشترك التي ألهمت قادة الاستقلال. التخلص من الاستبداد واستعادة الدولة يتطلب نفس الإرادة والعزيمة التي أطاحت بالمستعمر.
كما أن النضال ضد المشاريع التدميرية لا يجب أن يكون مجزّأً أو فئويًا، بل هو مسؤولية وطنية. يجب أن نستعيد دروس الماضي: أن الوحدة الوطنية والعمل الجماعي هما الطريق الوحيد لبناء يمن جديد ينعم بالحرية والعدالة والاستقرار.