تقارير ووثائق

عدن ممنوعة على أبناء الشمال: تهجير وحظر الدخول وتضييقات

بعيداً عن مفاوضات الكويت المتعثرة، تواصل السلطات الأمنية في محافظة عدن (جنوبي اليمن)، عملية تهجير المئات من مواطني المحافظات الشمالية، وتفرض إجراءات مشددة على المنافذ الرابطة بين المحافظات الجنوبية ومحافظة تعز. وعادت قضية التهجير القسري التي يتعرض لها مواطنون يمنيون في محافظة عدن، إلى الواجهة مجدداً، وبدأت السلطات الأمنية في المدينة بمنع المواطنين الشماليين من دخول أراضيها.

 

وطبقاً للناشط الحقوقي أحمد الوافي، فإن اللواء الرابع حماية يواصل تعسفاته بمنع كل من هو شمالي من دخول محافظة عدن وسط صمت جميع الجهات الرسمية.

 

ويطالب الوافي السلطات المحلية في عدن بأن تضع حداً لما يحدث، ويشير إلى أن "ما يتعرض له المواطنون اليمنيون الآتون من محافظات الجزء الشمالي من البلاد، عند منافذ ومداخل محافظة عدن، ليست إجراءات أمنية، كما أنها ليست ترتيبات هادفة إلى رسم علاقات جديدة بين دولتين جارتين لو فرضنا ذلك"، طبقاً للوافي.

ومنعت عناصر أمنية، الشهر الماضي، في نقطة مصنع الحديد (بوابة عدن من جهة الشمال)، والتي تتبع لما يُعرف بقوات الحزام الأمني، قيادات سياسية من أحزاب اللقاء المشترك ومعها قيادات عسكرية وأخرى من "المقاومة الشعبية" من تعز، من دخول محافظة عدن. ووفقاً لمصدر سياسي، فإنه تم إيقافهم أكثر من ساعتين قبل أن يسمح لهم بالعبور بعدما صدرت توجيهات بذلك.

 
تصاريح دخول
ولم تتوقف عمليات تهجير المواطنين اليمنيين الشماليين من محافظة عدن، بل دخلت مرحلة جديدة تمثلت بمنع دخول الشماليين (خصوصاً من محافظة تعز)، إلى محافظة عدن، إذ تفرض قوات الأمن التابعة للسلطات المحلية في محافظة عدن، إجراءات مشددة غلى المئات من المواطنين الشماليين الآتين من محافظة تعز. وتحتجز تلك القوات عند مداخل محافظَتي لحج وعدن الجنوبيّتَين، المئات منهم ولا تسمح لهم بالدخول.

 

وتحولت عملية التهجير القسري إلى عقاب جماعي وحصار تفرضه السلطات الأمنية في محافظة عدن على أبناء محافظة تعز. ويروي الصحافي فخر العزب لـ"العربي الجديد" ما تعرض له أثناء زيارته إلى محافظة عدن بغرض السفر للعلاج خارج اليمن، قائلاً، "كانت زيارتي لعدن بهدف استخراج جواز سفر لإجراء عملية جراحية للعين خارج البلاد. وقبل سفري، أخبرني الأصدقاء بضرورة الحصول على تصريح دخول من قائد اللواء 35 مدرع الموالي للشرعية، العميد الركن عدنان الحمادي، والذي كان مسافراً حينها، ما أعاق حصولي على التصريح".

 

ويضيف، "حصلت على تصريح من قائد محور مدينة التربة جنوبي تعز، العقيد أمين الأكحلي، واستبشرت خيراً أني سأصل إلى عدن في سيارة أجرة يشاركني فيها مواطنون مع عائلاتهم، ظناً مني أن ذلك سيخفف علينا إجراءات الدخول. لكنني فوجئت في منطقة الصبيحة بالعديد من النقاط التي استحدثها مواطنون قاموا بابتزازي ورفض التعامل مع هويتي التي عرضتها عليهم ولا الوثائق التي تثبت سفري للعلاج، ولا تصريح الدخول الموقّع من قائد محور التربة. وطلبوا مني ومن بعض المسافرين العودة لكننا اضطررنا بعد نصيحة سائق السيارة أن ندفع لهم مبلغاً من المال كي يفرجوا عنا، وهو ما حصل بالفعل".

 

ويلفت العزب إلى أنّ "بعض هذه النقاط كانت تطالب سائق السيارة صراحة بدفع مبلغ مالي أو العودة نحو تعز. وفي نقطة الحزام الأمني تعرضت للاستجواب لما يقارب العشر دقائق قبل أن يسمح لي بالمرور". وعند وصوله إلى محافظة عدن، يقول فخر، "لاحظت انتشاراً أمنياً لمسلحي الحراك الجنوبي الذين يرفعون الأعلام الانفصالية في كل النقاط وعلى مدرعات التحالف العربي وعلى المؤسسات الحكومية، لدرجة أني لم أشاهد العلم الوحدوي أبداً في عدن. ونتيجة للمضايقات التي يتعرض لها أبناء الشمال، وخصوصاً أبناء تعز، اضطررت إلى الاستعانة بصديق لي من مدينة أبين الجنوبية، لإيصالي من الشقة التي أسكن فيها وسط العاصمة عدن، إلى مبنى الجوازات لإنجاز معاملة استخراج الجواز ومن ثم إعادتي للشقة. والتقيت بعض الأصدقاء الذين تعرضوا للترحيل بسبب انتمائهم لمدينة تعز، لكنهم عادوا مع بائعي القات. والملاحظ أن معظم من يتم ترحيلهم هم من فئة العمال على الرغم من امتلاكهم لبطاقات إثبات الهوية".

 

الدخول تهريباً

كما يتحدث المحامي ياسر المليكي، عن تفاصيل رحلته من محافظة تعز إلى محافظة عدن في يونيو/حزيران الماضي، الذي استخرج تصريحاً للدخول إلى عدن من قيادة اللواء 17 مشاة الموالي للشرعية والمرابط في منطقة الضباب جنوبي تعز. وتوجه عبر الطريق التي تربط بين محافظة تعز ومحافظة لحج الجنوبية. وتمكن ياسر وبعض الرفاق من عبور أكثر من نقطة عسكرية تابعة لـ"مقاومة" الصبيحة في محافظة لحج، بعدما دفع مبلغاً من المال للمسلحين الذين يتوزعون على النقاط العسكرية. وعند نقطة مصنع الحديد (وتقع هذه النقطة في منطقة الرجاع في محافظة لحج)، يقول ياسر، "استوقفتنا النقطة العسكرية وطلبوا منا بطاقات ثبوتية، فأبرزنا البطاقة ومعها تصاريح الدخول، لكن القائمين على النقطة طلبوا منا الترجّل من السيارة، ثم طلبوا العودة إلى تعز. حاولنا إقناعهم لكنهم رفضوا وأفادوا بأن لديهم توجيهات عليا بمنع دخول الشماليين".

 

ويضيف، "أكد لنا أحد المسلحين أنه لا يمكن دخول الشماليين إلى عدن إلا بأوامر من قيادة الحزام الأمني وترخيص منه. وكان بعضهم متعاطفاً معنا، لكن حجم الضغوط والتوجيهات التي يتلقونها من القيادات تمنعهم من إدخال الشماليين، ومع ذلك كانت تأتي توجيهات بإدخال البعض من المتواجدين عند تلك النقطة ولا نعرف مصدر تلك التوجيهات".

 
ويشير إلى أنه "بعد أن تدبرت أمري وتمكّنت عبر قيادات من المقاومة من استصدار توجيهات بالسماح لي بالعبور، أوقف لنا أحد المسلحين سيارة نقل بضائع. وكان داخل السيارة مسلح من مقاومة الصبيحة، وشرحنا له ما تعرضنا له وتفهم وضعنا واستطاع أن يمر بنا خمس نقاط عسكرية على خط عدن لحج تعز. وعند نقطة الرباط، وهي المدخل الرئيسي لمدينة عدن، طلب منا أحد أفراد النقطة أوراقاً ثبوتية. وعندما عرف أننا من تعز، طلب منا العودة ورفض دخولنا وهدّدنا بالسجن، فرجعنا نحو محافظة لحج وسلكنا طريق تهريب، ومعنا شاب من محافظة عدن، يعمل في نقل نبات القات، كان دليلنا بدراجته النارية حتى وصلنا إلى منطقة الشيخ عثمان في منتصف الليل بعد رحلة شاقة".

 

في أواخر يونيو/حزيران الماضي، عقدت السلطة المحلية في محافظة تعز مع نقابة المحامين اليمنين، لقاءً، سلّمت خلاله اللجنة المكلّفة بتقصي الحقائق ومتابعة ملف قضية تهجير المواطنين اليمنيين من محافظة عدن، تقريرها إلى السلطة المحلية في محافظة تعز. وبحسب مصدر في نقابة المحامين، انتهت مناقشة التقرير ووُضعت خطة عمل لمتابعة قضية المهجرين من أبناء محافظة تعز من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة المحلية في مدينة عدن، كون عملية التهجير لا تزال مستمرة. ولم تكشف اللجنة عن تفاصيل التقرير، إلا أن تقارير منظمات حقوقية تشير إلى ممارسات تعسفية بحق مواطنين يمنيين شماليين في محافظة عدن من قبل السلطات المحلية التابعة للحكومة الشرعية، ولا سيما من أبناء محافظة تعز.

وبيّن تقرير حقوقي صادر عن منظمة المرصد الحقوقي في محافظة عدن، وجود نحو 1246 حالة تهجير قسري لمواطنين يمنيين كانوا يسكنون في مدينة عدن الجنوبية، معظمهم من أبناء محافظة تعز، ومنهم تجار وأكاديميون وأطباء وحقوقيون، ونساء وأطفال، بينهم ما نسبته 77 في المائة يحملون أوراق إثبات هوية.

 

وخلافاً لما أعلنت عنه سلطات عدن، التي أشارت إلى أن حملاتها تستهدف من لا يملك أوراقاً ثبوتية، أشار التقرير إلى 849 حالة من المهجرين يملكون أوراقاً ثبوتية. وأكد التقرير أن عمليات التهجير المستمرة رافقتها سلسلة من الانتهاكات والممارسات القمعية بحق المواطنين الشماليين. واعتمد التقرير في معلوماته على شهادات مهجّرين ترددت على ألسنتهم أسماء جهات عدة نفّذت عملية التهجير القسري من المحافظات الجنوبية، خصوصاً ما بات يُعرف ب"لواء الحزم" واللواءين الرابع والخامس، وما يسمى بالقوة الضاربة، بحسب التقرير.

 

ودانت العديد من منظمات المجتمع المدني والنشطاء ما يحدث للشماليين في محافظة عدن، ولحج، والضالع جنوب اليمن من عمليات تهجير. وطالبت منظمات محلية وقف عملية التهجير الجماعي القائمة في مدينة عدن، مشيرة إلى أن عمليات التهجير بهذه الطريقة تشكل انتهاكاً للقوانين المحلية والدولية. وعلى رغم من كل الإدانات والمطالبات لم تقم الجهات الرسمية ذات الصلة بأي بجهود فعلية لاتخاذ إجراءات ملموسة لإيقاف عملية التهجير هذه.

زر الذهاب إلى الأعلى