تقارير ووثائق

15 عاماً على 11 سبتمبر.. ماذا تبقّى من "القاعدة"؟

مع مرور 15 عاماً على هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر؛ نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية تقريراً تحليليّاً يرصد ما حلّ ب"القاعدة" خلال السنوات الفائتة. الحرب الأميركية، التي لم تُطوَ صفحاتها، حتى اليوم، على مراكز التنظيم الحيويّة في أفغانستان، وانفصال سليليه، "النصرة" (فتح الشام حاليّاً) و"داعش"، عنه في سورية، إن بالتراضي أو التمرّد، كلّ ذلك دفع كاتب الصحيفة، باراك مندلسون، للسؤال: ما الذي بقي من "القاعدة" اليوم؟

 

تقول الصحيفة، إنه خلال الخمس عشرة سنة الماضية؛ بقيت "مواجهة الإرهاب" أولويّة رئيسيّة بالنسبة للولايات المتّحدة، فالقوات الأميركية لا تزال عاملةً في أفغانستان والعراق، وغيرها تضطلع بمهمّات لـ"مكافحة الإرهاب" في جميع أنحاء العالم.

 

إزاء ذلك، يقول كاتب المقال، إن الآراء حول مصير "القاعدة" بقيت حادّة الاستقطاب، ففي حين سارع بعض المحللين والسياسيين لنعي القاعدة فور مقتل قائده السابق، أسامة بن لادن، وصعود "منافسيه الجهاديين" الجدد، مثل "الدولة الإسلامية" (داعش)، أصرّ آخرون على أن تلك الوقائع تؤشّر على قدرة التنظيم المستمرّة على البقاء، وعلى أنّ لديه منظومة راسخة.

 

وكما يقول كاتب المقال، الذي نشر كتاباً يتناول الموضوع ذاته؛ فإن هجمات 11 سبتمبر كانت تمثّل نجاحاً عمليّاتياً لافتاً لـ"القاعدة"، لكنّها بقيت، في الوقت نفسه، تحدّياً استراتيجيّاً بالنسبة له، فالتنظيم اضطر، إثر ذلك، إلى تغيير الكيفيّة التي يدير وينفّذ بها أعماله، من خلال منح السلطة لفروع "القاعدة" المحلية عبر الحدود، من شمال أفريقيا وحتّى شبه القارّة الهندية.

 

كانت رؤية بن لادن من وراء الهجمات على برجي التجارة العالميين، وفق ما تقول الصحيفة، هي "تقليص نفوذ أميركا في البلاد المسلمة". ويقرّ كاتب المقال بأن نفوذ الولايات المتّحدة في المنطقة تراجع نسبيّاً اليوم، وأن بعض الحكام الذين تحتقرهم القاعدة قد فقدوا السلطة فعلاً، غير أنّ دور القاعدة في هذه التطوّرات كان هامشيّاً.

 

غياب الاستراتيجية

لقد نجح "القاعدة" في دفع الأميركيين للردّ، لكن مع مرور الوقت، تبيّن أنّه لا يمتلك خطّة قابلة للتطبيق حتّى يحقّق أهدافه، ووفق ما تقول الصحيفة، فإن "القاعدة" آمن بأن نجاحه يتطلّب تعبئة الجماهير المسلمة، لكن الجماهير ذاتها عارضت بشكل كبير هجماته التي تسببت بمقتل أبرياء في 11 سبتمبر.

 

"القاعدة" أيضاً، لم يكن لديه خطّة لتحويل تركيزه من شنّ هجمات إرهابية على الغرب؛ إلى العمل بشكل حيويّ في الشرق الأوسط، قلبِ أجندته السياسية. معظم المنظمات الإسلامية في المنطقة ندّدت بهجماته بدلاً من أن تحتضنها، وبعضها الآخر كانت غاضبة، أيضاً، من جرّها إلى نزاع لم تردْه ولم تستعدّ له.

 

تبعاً لذلك، وجد "القاعدة" نفسه معزولاً ويقاتل من أجل البقاء في المناطق القبلية الباكستانية، وحينما غزت القوات الأميركية العراق مؤكّدةً بذلك، ظاهريّاً، روايةَ القاعدة حول العداء الأميركي للإسلام، وموفّرة ساحة خصبة للجهاد في الشرق الأوسط؛ لم يكن للتنظيم وجود يعتدّ به هناك.

 

توسّع أم تفكّك؟

الحرب على العراق أتاحت لـ"القاعدة" إعادة اختراع نفسه. الظرف الجديد دفع فروع التنظيم، ولا سيما في العراق والسعودية، للارتجال، وكانت قادرة على إبراز صورة لنجاحها، على الرغم من القدرات التشغيلية الضئيلة، وعدم مقدرتها على إتباع هجمات سبتمبر بعمليّات من هذا الحجم في الأراضي الأميركية.

 

غير أن هذه الاستراتيجية كانت مكلفة، إذ أبرزت عدم وضوح الخط الفاصل بين أيديولوجية الجهاد العابرة للحدود بالنسبة لـ"القاعدة"، وبين استراتيجية المنظّمات الجهادية الوطنية، وذلك ما وضع مصير التنظيم في أيدي جماعات موالية وغير قابلة للسيطرة في الوقت نفسه.

 

تورد الصحيفة، مثالاً على ذلك، علاقة "القاعدة" بأبو مصعب الزرقاوي، وتقول إنّ تلك العلاقة، بالذات، كانت ضارّة بشكل كبير للتنظيم، فالزرقاوي، الذي عُرف بتطرّفه وغطرسته، قاد عمليّات قتل عشوائية بحق الشيعة في العراق، فضلاً عن محاولاته فرض الفرع التابع له على الجماعات السنية هناك، وهذا ما شكّل كارثة بالنسبة لعلاقات "القاعدة" في العراق وخارجه.

 

وبعد سنوات قليلة من ذلك، تطوّر فرع الزرقاوي ليشكّل "الدولة الإسلامية"، الذي تحدّى تنظيمه الأم بشكل مباشر.

 

لكن خلال السنوات التالية، وفقاً لما يقوله كاتب المقال، اتّضح أنّ "القاعدة" أخذ درساً جيّداً من تلك التجربة، وبات أكثر حذراً في إقامة علاقاته، خلال السنوات التالية، ويتّضح هذا الحذر من خلال الإبقاء على صلاته التنظيمية ب"جبهة النصرة" في سورية سرّية على مدار عامين.

 

لقد ساعدت استراتيجية التوسع "القاعدةَ" في الاحتفاظ بوضعه الفريد داخل المنظمات الجهادية. يقول كاتب المقال، إنّ الفروع التي فرّختها القاعدة في المنطقة أسهمت في إبقاء اسمها على قيد الحياة، لكنّ ذلك لا يلغي فكرة تفكّك التنظيم.

 

طعنةٌ في الظهر

الصراع المفتوح ضد "الدولة الإسلامية" (داعش) يكشف الصعوبات التي يواجهها "القاعدة" في الحفاظ على صورته كقائد لـ"الحركة الجهادية العالمية"، بحسب الكاتب، فبعد سيطرته على مساحات شاسعة من الأرض، وإعلان الخلافة عليها، أظهر "داعش" أنّ بإمكانه أن يطبّق أجندته ووعوده، بينما ظلّ القاعدة يصدر التصريحات.

 

لكن "القاعدة" لم يظهر بعد ذلك كقوّة مستنفَدة؛ فقد أظهر صموداً ملحوظاً في مواجهة ابنه المتمرّد، والاحتفاظ بجميع فروعه الرسمية، على الرغم من أنّ منافسه الجديد بذل جهوداً في إقناع تلك الفروع بالانشقاق، أو تعطيلها في حال رفضت ذلك.

 

لقد وفّر تفكك الشرق الأوسط، فرصة غير مسبوقة لـ"القاعدة" من أجل بداية جديدة، فبحسب كاتب المقال، كان انهيار الأنظمة المتسارع دافعاً للتنظيم من أجل الاقتراب أكثر إلى الشعوب المسلمة، من خلال الدفاع عنها، وتوفير الخدمات لها، وهو ما يدلّل على أن "القاعدة" لا يزال بوسعه التعاون مع جهات فاعلة أخرى.

 

نهج أكثر ليونة

تقول الصحيفة، إن جهود "القاعدة" تلك كانت تتويجاً لنهج سبق الثورات العربية، فقد حاول، مستفيداً من أخطائه السابقة، توسيع عوامل جذبه خارج المجتمعات الجهادية المتعاطفة، لتشمل دائرة أوسع من المسلمين السنّة.

 

في هذا السياق، أعطى قائد التنظيم، أيمن الظواهري، تعليماته علناً للفروع التابعة له بالامتناع عن شنّ هجمات قد تتسبب بمقتل مسلمين أبرياء، كما اعتذر التنظيم، بشكل فوري، عن "تجاوزات" ارتكبت داخل صفوفه، واستنكر عمليّات أفضت إلى سقوط ضحايا من المدنيين، حتّى تلك التي نُفّذت من حلفائه.

 
إلى جانب ذلك، تضيف الصحيفة المذكورة أنّ "القاعدة" غيّر أيضاً طريقة تعامله مع المدنيين، سواء في اليمن، أو سورية، أو مالي. التنظيم اجتهد في حشد التأييد الشعبي من خلال توفير خدماته، ومحاولاته تلافي العقوبات الشرعية القاسية، خلافاً لغريمه اللدود، "داعش".

 

لقد اتّخذ "القاعدة" نهجاً أكثر ليونة، كما يرى كاتب المقال، على الرّغم من أنّه لا يزال محافظاً على جوهره المتشدّد، والذي يتجلّى في التبشير والتعليم، وقد غذّى صورته "اللينة" تلك باعتباره حامياً للسنّة في سورية، في وقت يبدو فيه العالم غافلاً عن معاناتهم.

 

تضارب الأولويات

ظاهريّاً، قد تلامس أيديولوجيّة "القاعدة" العابرة للحدود المسلمين المتطلّعين لهويّة مشتركة تتجاوز دولهم، كما يقول معلّق الصحيفة الأميركيّة، مضيفاً، في السياق ذاته، أنّ تأكيدات "القاعدة" بخصوص نيّته إقامة خلافة إسلامية، مع إعطاء الأولويّة لقتال "أعداء الأمة" الخارجيين في الوقت الحالي، تجد صدىً أكثر قبولاً بالنسبة للمسلمين العاديين قياساً بالرؤية التي يطرحها "داعش". وبطريقة أو بأخرى، ساهم نهج الإبادة الذي يتبنّاه التنظيم المنافس في إعادة إنتاج "القاعدة" نفسه بوصفه "ممثلاً للجهاد المعتدل".

 

غير أنّ قوّة الهويات المحليّة لا تزال أشدّ أثراً بين صفوف الجهاديين المتعاطفين معه، وهو ما قاد إلى إعطاء الصراعات المحلّية أولويّة على حساب الصراع مع الولايات المتّحدة. وعلى الرغم من توسعها؛ فقد ظلّ دور "القاعدة" مقتصراً على توجيه فروعه، وعلى التخطيط، غير العملي، لعمليّات خارج الشرق الأوسط.

 

ولعلّ ما يؤكّد ذلك، هو انفصال "جبهة النصرة" (فتح الشام حاليّاً)، عن "القاعدة" أخيراً، وعلى الرغم من ذلك، تبقى عقيدة "تنظيم القاعدة" متطرّفة إلى حدّ بعيد بالنسبة لمعظم المسلمين، ما يجعل من الصعب عليه تعميق تحالفاته مع المجموعات السنيّة الأخرى، كما أنّ الرفض المستمرّ له أحبط جهوده للاستفادة من نجاحاته العسكرية على الأرض. هكذا، حتّى عندما أثبتت "النصرة" جدارتها بالنسبة للمعارضة السورية، فإن تثمير تلك النجاحات تطلّب منها إعلان "استقلالها".

زر الذهاب إلى الأعلى