تقارير ووثائق

صعدة... من تهديد للسعودية إلى طريق نحو معاقل الحوثيين

يواجه الحوثيون ضغطاً متزايداً يدنو من معاقلهم، في محافظة صعدة، شمال اليمن. وبعد أن كانت الحدود مع السعودية مكاناً مناسباً للردّ والانتقام، ولو بحدّ أدنى، على عمليات التحالف، وكذلك ورقة رابحة في المفاوضات، بما لها من أبعاد إقليمية ودولية، تتحول تلك الحدود اليوم إلى أقرب الطرق لفتح جبهات مواجهة نحو أقرب دائرة مركزية للجماعة، بعد أن كانت صعدة، معقل الجماعة الحصين ومركز قوتها التي تنطلق باتجاه المحافظات الأخرى شرقاً وجنوباً وغرباً.

 

في هذا السياق، ارتفعت وتيرة الضغط العسكري على الجماعة مع فتح الجيش اليمني و"المقاومة الشعبية" جبهة جديدة، الأسبوع الماضي، في صعدة، من خلال التقدم من جهة السعودية نحو منفذ علب الحدودي، الذي اقترن اسمه في الأشهر الماضية بأبرز اختراق سياسي حققته جماعة أنصار الله (الحوثيين)، وذلك عبر فتح خط تواصل مباشر مع السعودية في مارس/ آذار الماضي، عندما غادر وفد من الجماعة عبر هذا المنفذ، للمرة الأولى، متجهاً إلى ظهران الجنوب في السعودية.

 

صعدة هي "المعقل الحصين" للحوثيين، بعد أن بقي تاريخ الجماعة منذ التأسيس محصوراً بمعظمه في إطارها، وانطلقت منه ستة حروب مع الحكومة بين عامي 2004 و2010. ومنذ عام 2011 سيطرت الجماعة على أغلب مناطقها، لتكون أول مساحة من البلاد تخرج عن سيطرة الحكومة المركزية. فرض الحوثيون فيها سلطاتهم وقوانينهم الخاصة، وأقاموا التحصينات ومعسكرات التدريب، قبل بدء التوسع نحو صنعاء مطلع عام 2014، وصولاً إلى اجتياح العاصمة في 21 سبتمبر/ أيلول من العام نفسه، وما تلا ذلك من توسع في المحافظات الأخرى.

 

وعلى الرغم من توسع الجماعة وما اكتسبته من أفراد أو مناصرين من المحافظات الأخرى، وفي مقدمتها عمران وحجة وصنعاء وذمار، إلا أنه لا يزال أغلب قادة الجماعة من محافظة صعدة، وفيها يتواجد زعيمها عبدالملك الحوثي، الذي لم يقم بأي زيارة علنية لأي محافظة أخرى طوال السنوات الماضية.

 

وكشفت الحرب التي تصاعدت في اليمن مع بدء الحملة الجوية للتحالف العربي في مارس/ آذار 2015، عن مدى القوة التي اكتنزتها الجماعة بالإضافة إلى ما سيطرت عليه من معسكرات الدولة (بعيداً عن القوات المتحالفة معها الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح)، إذ أعلن الحوثيون عن صنع قذائف صاروخية محلية، على الرغم من القصف الجوي المكثف الذي استهدف تقريباً مختلف المعسكرات والمقرات التي يسيطرون عليها، مروراً بمنشآت وطرقات ووصولاً إلى منازل بعض القيادات. مع ذلك، ظلّت صعدة نقطة انطلاق لهجمات ومحاولات مستمرة بتحقيق اختراقات نحو الحدود.

 
تبلغ مساحة صعدة 11375 كيلومتراً مربعاً، تتوزع على 15 مديرية، ترتبط تسع منها بجزء حدودي حساس مع السعودية، تحديداً في نجران وعسير وجيزان، من خلال شريط حدودي يمثل سلسلة جبلية وعرة، تجعل من اجتياحها عسكرياً أمراً في غاية التعقيد، وتقلل من فاعلية الضربات الجوية باستهداف التحركات المفترضة للحوثيين.

 

سياسياً، كان الشريط الحدودي وما يزال، أحد أبرز العوامل التي منحت الحوثيين أهمية جيوسياسية، وساعدت على دعمها أطراف إقليمية لها خصومة مع السعودية (إيران تحديداً)، بالإضافة إلى اهتمام أطراف دولية كالولايات المتحدة، التي عقد وزير خارجيتها جون كيري أخيراً اجتماعاً على طاولة مع الحوثيين في العاصمة العُمانية مسقط، للحديث حول الحل السياسي. وخرج لإعلان هدنة طرفاها التحالف والجماعة، في خطوة تجاهلت الحكومة الشرعية ودفعتها لرفض الهدنة وبقية نتائج ذلك اللقاء.

 

منذ بدء عمليات التحالف، وتحديداً مع نهاية إبريل/ نيسان 2015، صعّد الحوثيون وصالح على الحدود السعودية، ونفّذوا هجمات عدة، كان الهدف السياسي والإعلامي منها أكبر من الخسائر، بفعل عدم امتلاك الجماعة وحلفائها للغطاء الجوي، ما جعلها تتكبّد خسائر كبيرة. في المقابل، نقلوا الحرب إلى الحدود مع السعودية، بما يشبه رسالة مفادها أن حربهم هي مع السعودية التي تقود التحالف، لا مع الحكومة الشرعية.

 

في هذا الإطار، نجح الحوثيون وحلفاؤهم بجعل الشريط الحدودي لمحافظة صعدة مع المناطق السعودية بالذات، ساحة مواجهات وهجمات لا تهدأ، حتى تمكنوا من إبرام هدنة مفاجئة مع السعودية على الحدود، وعقد لقاءات مباشرة، في مارس الماضي، قبل أن تنهار تدريجياً مع فشل مشاورات الكويت بدءاً من مطلع يوليو/ تموز الماضي.

 

 

وبعد انهيار الهدنة وتجدد المواجهات على الحدود بوتيرة أكثر شراسة، بدا الأمر مصدر قلق مستمر للجانب السعودي، استدعى تحولاً مهماً، تمثل بتوجه الرياض إلى دعوة مجندين يمنيين من "المقاومة" في المحافظات الجنوبية، بالإضافة إلى تجنيد قبليين لتجهيز قوات يمنية من الجانب السعودي. وقد زحفت تلك القوات للمرة الأولى باتجاه اليمن في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فتقدمت من جهة البقع، في مديرية كتاف والبقع، وسيطرت على مواقع جعلت المنطقة ساحة مواجهات متقطعة حتى اليوم.

 

وفي مؤشر على عزم الجانب الحكومي المدعوم من السعودية تكثيف الضغط على الحوثيين في معاقلهم ونقل المعارك الحدودية إلى الجانب اليمني، دشنت القوات الحكومية، الأسبوع الماضي، جبهة جديدة وهي جبهة منفذ علب. وانضمت تلك الجبهة إلى الجبهة التي سبقتها في البقع. في هذا الصدد، أفادت مصادر محلية، بأن "الجبهة الجديدة أكثر أهمية من الأولى، باعتبارها أقرب إلى معاقل الحوثيين، فضلاً عن أنها تشتت قوات الجماعة على أكثر من جبهة".

 

مع العلم أنه في واقع الأمر، لم يكن تحول الشريط الحدودي إلى منفذ للزحف باتجاه معاقل الحوثيين، أمراً جديداً، فقد فتحت القوات الحكومية مدعومة بقوات ا لت حالف أول جبهة شمال البلاد، في محافظة حجة، غرب صعدة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، جعلت من منطقة ميدي وإلى جانبها حرض، اللتين زحفت باتجاههما القوات الحكومية من جهة السعودية، ساحة مواجهات عنيفة ترتفع بين الحين والآخر.
ومع تعدد الجبهات الشمالية الغربية من ميدي الساحلية غرباً، إلى صعدة وصولاً إلى جبهات محافظة الجوف (شرق صعدة)، تتجه المعارك شيئاً فشيئاً للاقتراب من معاقل الحوثيين، وتمثل بالنسبة لهم أمراً مقلقاً في ظل الخسائر التي تكبدتها الجماعة منذ أكثر من 19 شهراً نتيجة عمليات التحالف والحرب الدائرة في أكثر من محافظة بالبلاد.

زر الذهاب إلى الأعلى