لدينا مساران؛ مسار الحوار الوطني ومسار استعادة الدولة والاستقرار وتجاوز الاختلالات الأمنية.. التعثر في أي من المسارين يؤدي إلى وصولنا إلى فبراير خطر وغير آمن، والأكثر تأثيراً هو تصاعد الاختلالات الأمنية وعوامل عدم الاستقرار في المسار الثاني.
تعثر الحوار يؤدي إلى مشكلة شرعية في اليوم التالي لفبراير 2014م، غير أن تعثر المسار الأمني وخروجه عن السيطرة يؤدي إلى احتمالات الانهيار، والأهم من ذلك أنه لا معنى للحوار طالما بقيت الدولة مشلولة وعاجزة.
وواقع الحال أننا نعود إلى نفس الوضع الذي خلّفناه وراءنا وسماته المنهكة للعيش اليومي؛ تخريب الكهرباء وأنابيب النفط والغاز، اتساع الاختلالات الأمنية، وغياب أي ردة فعل حقيقية من أجهزة الدولة ومؤسساتها وكأننا نمضي في طريق دائري يلف بنا حول نفس المشكلة طوال العامين اللذين أوشكا على الانتهاء؛ لنجد حالنا في فبراير 2014م عند نفس النقطة التي انطلقنا منهاً.
لماذا هذا البطء في هيكلة المؤسسة الأمنية، وكأن قرارها جُمد في الأدراج السفلية في وقت تتبلور فيه الأجهزة الأمنية باعتبارها جذر المشكلة بعجزها وشللها المفتعل!!
كانت الإدارة الأمنية للبلد أداة علي صالح ونظامه طوال سنوات حكمه التي تجاوزت الثلاثة عقود، وعبر هذه السنوات لم تكتفِ الإدارة الأمنية بالبقاء في حدود مؤسساتها الأمنية؛ بل هيمنت على معظم مؤسسات الدولة وفضاءات المجتمع بشكل غير مباشر في بداية الأمر، ثم بالإدارة المباشرة للقضاء والإعلام والتربية والتعليم والوزارات والمؤسسات العامة التي استقبلت موجات متتابعة من الدفعات الأمنية التي قدُمت إليها كمجال لممارسة النشاط المخابراتي الأمني بشكل مباشر؛ وفي بعض الأحيان لخلق مواقع استيعابية جديدة للفائض الأمني المخابراتي المتضخم.
ما يهمنا هنا هو أن هذه الإدارة الأمنية التي تمثّل المخزن القديم لنظام علي صالح بقيت كما هي تقريباً دون أن تُمس أو يطالها التغيير إلا في بعض الاستثناءات التي تؤكد استمرارية الوضع القديم ولا تنفيه.
الأمن السياسي مازالت بُنيته كما تركها صالح، على قمتها الرجل الذي ارتبط اسمه بنظام صالح طوال سنوات حكمه من «طقطق إلى السلام عليكم» ومديرو الجهاز في المحافظات هم نفس «سيستم صالح» الذي راقب واعتقل وعذّب وقتل ولاحق وشنّ جميع أنواع الحرب اليومية ضد الشعب اليمني عموماً، وضد الناشطين السياسيين وأعضاء الأحزاب الوطنية والمعارضين بشكل خاص، ومازالت أهداف الجهاز وهيكليته وفلسفة عمله كما تركها صالح تماماً.
الأمن القومي تغيّر رئيسه وجيء برئيس جديد غير متحمّس للتغيير، وعُرف عنه شخصيته المحافظة سياسياً، وبقيت بُنية الجهاز كما هي وخصوصاً بُنيته القيادية الوسطى والعليا وبُنيته الوظيفية عموماً التي تتكون من أبناء المسؤولين بنسبة كبيرة.
الأمن العام لم يبقَ كما هو فقط وإنما أضيف إليه مستجد خطير ومدمّر على أمن المجتمع بدخوله مرحلة الشلل المتعمّد والغيبوبة المفتعلة، مع بقاء معظم مديري الأمن في المديريات والمحافظات في مواقعهم.
النائب العام الذي جاء به صالح بديلاً لنائب عام شجاع فرضت عليه قيمه الأخلاقية وانتماؤه الوطني الاستقالة على أن يتورط في تسويغ إهدار الدماء وتغييب العدالة مازال في منصبه، والأدهى من ذلك أنه يماطل في تنفيذ أوامر رئيس الجمهورية بإطلاق سراح شباب الثورة المعتقلين في السجن المركزي بالعاصمة ومحافظة حجة.
أسهمت أحزاب المشترك بقسط كبير في عرقلة التغيير داخل المؤسسة الأمنية خصوصاًَ، ومؤسسات الدولة عموماً من خلال اللهث وراء المحاصصة التي واصلت تدمير معايير الوظيفة العامة التي أتقنها النظام السابق بتغليبه معايير الولاء والقرابة والعصبية والشللية كمعيار حاسم للاستيعاب الوظيفي، وللتعيين في الوظائف القيادية الوسطى والعليا.
ولا فرق هنا في نسبة الفساد بالوظيفة العامة لأحزاب المشترك التي راهنا عليها، فالمعيار هو خرق المبدأ الأخلاقي، ويستوي هنا تمرير عشرين مدير عام من قبل حزب «الإصلاح» بتمرير مديرين أو ثلاثة من الاشتراكي أو الناصري أو الحق أو اتحاد القوى.
كما أنه لا فرق بين فساد يؤدي إلى إهدار عشرات الملايين بفساد يؤدي إلى إهدار مئات الآلاف؛ لأن المقياس هو انحراف أحزاب حسبت على الشعب ودخلت إلى الوظيفة العامة من باب الثورة والتغيير، وغرقت في وادي المحاصصة والمحاباة والتوظيف الحزبي والشللي والقرابي.
نعود إلى الداخلية والإدارة الأمنية، وهذه معضلة عويصة في ظل تربع الوزير السافئ المتجمد الشمالي على قمتها، هذا الوزير هو آخر من يصلح لإدارة وزارة الداخلية في الظروف الراهنة.
الرجل ضعيف ومتردّد ويميل إلى تغليب معايير السلامة على مخاطر تحمل المسؤولية وسلوك سبيل الحزم والإدارة القوية في ظل تغوّل الفوضى والعصابات ومراكز القوى.
كرّرت وصفه في أكثر من مقال، وأكرّر مرة أخرى هنا؛ إن السقف الأعلى لعبدالقادر قحطان هو إدارة الإنتربول الدولي، الرجل هادئ ويؤْثِر السلامة على تحمل المسؤولية التي تجلب له المتاعب، ويفضل أن يرضي «الإصلاح» ببعض التوظيفات والاستيعابات، ويهادن بنية صالح ونظامه بإبقاء الوضع على ما هو عليه وعدم المساس بالهيكل الأمني الأساسي في المحافظات والمديريات، والذهاب إلى النوم قرير العين، هادئ البال في ظل تردي الأمن وانتشار المسلّحين وتخريب خطوط الكهرباء وأنابيب النفط والغاز وسقوط الطائرات وانتشار السلاح، والقتل المجاني في شوارع العواصم الرئيسة كما حدث في عرس العواضي المشؤوم.
بإمكان رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء إحداث الفارق واتخاذ قرارات جريئة لتغيير بُنية المؤسسة الأمنية كلها دون أن تنبس أحزاب المحاصصة ولوبيات صالح وحزبه ببنت شفه.
سيكون ذلك ممكناً ومدعوماً بالإرادة الشعبية الحاسمة في حالة واحدة فقط، لو اتخذت هذه القرارات وفق معايير المصلحة العامة وتجنّبت المعايير المختلة بجميع مسمياتها.
فهل يفعلها الفدائِيانْ المناضلان عبد ربه منصور هادي ومحمد سالم باسندوة؟!!!.