لاسباب كثيرة اشعر بشيء من التعاطف مع ابناء القوات المسلحة والامن الذين يخوضون هذه الايام العديد من الحروب المفتوحة واخطرها معركتهم مع تنظيم القاعدة الارهابي والتى تبدو الاكثر دموية لكونها التى لا تحكمها اخلاقيات الحروب أو قواعدها أو حتى ايديولوجياتها فضلاً عن انها من فرضت على هذا البلد دون ان يختارها أو يسعى اليها ودخلها منذ عدة سنوات مضطراً بعد ان وجد عناصر الارهاب التى جاءت من افغانستان وباكستان والصومال وغيرها من المحاضن إلى اليمن تستهدف امنه واستقراره وتسعى إلى اسقاط الدولة اليمنية واقامة امارتها الموعودة على اراضيها..
ولتحقيق هذا الهدف فقد عملت القاعدة بكل الوسائل من اجل الحاق الهزيمة النفسية باليمن واليمنيين قبل الهزيمة العسكرية لتتحول هذه المعركة إلى ما يشبه كرة الثلج المتدحرجة التى تصبح اكبر حجماً كلما ازداد تدحرجها لنجد انفسنا امام اتجاهين لا ثالث لهما اما مواجهة هذه الافة الخبيثة العابرة للحدود بصرف النظر عن الكلفة الباهظة والاعباء التى قد نتحملها واما حزم الامتعة والبحث عن وطن بديل وترك هذا البلد مرتعاً خصباً للمد الايديولوجي المتطرف القابع خارج حركة التاريخ والزمن والانسانية.
ويزداد تعاطفي اكثر مع ابناء القوات المسلحة والامن وانا ارى هؤلاء الابطال يقاتلون في اكثر من جبهة على طول وعرض اليمن بظهر مكشوف وفي ظل تجاهل مريب من قبل المجتمع وقواه السياسية والحزبية والمدنية و الجماهيرية والشعبية ويقدمون التضحيات والشهداء وقوافل الجرحي والمعوقين بايثار لا يرقى اليه سوى من سكنت اليمن في قلوبهم رغم شعور اولئك الابطال بان من يقاتلون نيابة عنهم لا يعترفون لهم باي جميل و ان الكثير من ابناء مجتمعهم يتنكرون لتضحياتهم ..
وليس هناك اكثر تاثيراً على معنويات المقاتلين من مواقف ابناء مجتمعهم نحوهم فان كانوا إلى جانبهم سنداً وعوناً كانوا اكثر شجاعة واقداماً وبذلاً وتضحية في سبيل وطنهم ومجتمعهم والعكس بالعكس فان معنويات هؤلاء المقاتلين تنخفض وتنهار اذا ما لمسوا ان ابناء مجتمعهم لا يقفون إلى جانبهم ولا يقدرون لهم تضحياتهم ولا يحملون لهم أي جميل.
ولعل مثل هذا الامر قد استوعبته القبائل والشعوب البدائية التى دأبت على مناصرة مقاتليها ومساندتهم بكل الوسائل كلما خرجوا في مهمة قتالية ونفس المسلك اتبعته ايضاً المجتمعات المتحضرة والتى طالما حرصت على التعامل مع جيوشها بوصفهم عنوان الكرامة والعنفوان والسيادة ومازلنا نتذكر ان وزير الدفاع الأمريكي الاسبق ديك تشيني قد اقال اركان سلاح الجو مايك دوغان من منصبه في سبتمبر عام 1990م لمجرد ان الاخير قد ادلى ببعض الملاحظات لصحيفة واشنطن بوست بشان كفاءة المجندين الجدد حيث اعتبر الوزير تلك الملاحظات مضرة بمعنويات الجيش الأمريكي الذى كان يستعد انذاك لخوض معركة تحرير الكويت قبل ان يعتبرها اهانة لمجندين على استعداد للموت من اجل الدفاع عن مصالح أمريكا. واذا ما كانت هذه هي نظرة المجتمعات المتحضرة لمن ينتسبون إلى جيوشها ومؤسساتها الامنية فكيف ننظر نحن إلى افراد جيشنا وامننا الذين نعول عليهم ضرب اوكار الارهاب وهزيمة تنظيم القاعدة وحماية الحدود البرية والبحرية والسيادة الوطنية وحفظ الامن الداخلي وردع الخارجين على النظام والقانون من عصابات التخريب والاجرام والتقطع وكذا من يقومون بالاعتداء على خطوط الكهرباء وتفجير انابيب النفط والغاز ومن يسعون إلى التطاول على هيبة الدولة واضعافها وافشال خططها المتصلة بتحقيق الامن والاستقرار لمواطنيها.
قد تكون الاجابة على هذا السؤال الافتراضي صارخة أو صادمة للبعض ومع ذلك فلكي اكون واضحاً وصريحاً لابد من الاعتراف هنا من ان تعاملنا مع من يرتدون البزة العسكرية ظل متسقاً مع الصورة التى علقت في اذهاننا عن (عكفة الامام) ودورهم المغلف بدثار الظلم والاستعلاء على الرعية أو بصورة ذلك الجندي البريطاني المحتل للجنوب والذى كان يرى في كل صاحب بشرة سمراء عدواً مفترضاً يستحق الموت اذ انه وتحت تأثير هذه العوامل وغيرها نشأت حالة مبهمة بالضبابية في علاقاتنا مع من يرتدون البزة العسكرية لتصبح مثل هذه الصورة جزء من الثقافة الاجتماعية الموروثة لذلك عمدت بعض الكتابات توصيف العسكري أي عسكري كان كمكون تركبه عقدة النقص التى تنتج نقيضها من غرور ونزوع نحو التسلط والعتو وانه في حالة تمكن زهو الرتبة منه فانه الذى قد يمارس القتل بمجانية الريح.
وتحت هذا النمط من الثقافة الموروثة جرى التعامل السياسي والاجتماعي مع مؤسسة الجيش والامن من كونها مؤسسة تميل إلى السيطرة على الحكم وممارسة الديكتاتورية على المجتمعات ومن هذا الشعور فلم نجد أو نقرأ ان أي من السياسيين قد انتقد الاحكام المخففة التى صدرت من القضاء اليمني بحق المتهمين في جريمة السبعين والتى استشهد فيها 100 ضابطاً وجندياً حتى وهي من تراوحت بين البراءة والسجن 4 سنوات كما لم نسمع عن ان حزب سياسي قد استنكر القتل الممنهج الذى يتعرض له الجنود في محافظة حضرموت وعدد من المحافظات الجنوبية من قبل حلف قبائل حضرموت وجماعات الحراك الانفصالي والقاعدة والذى ما ان تنتهي حلقة منه حتى يتبعها اخرى.
قبل أيام حذرت دراسة صادرة عن احد المراكز الوطنية من حرب الاستنزاف التى تتعرض لها الجبهة العسكرية والامنية في ظل تصاعد الهجمات التى تنفذها قوى العنف على النقاط الامنية والمعسكرات وموجة الاغتيالات التى طالت عدد كبير من ضباط الاستخبارات والقيادات الامنية والعسكرية مشيرة إلى ان اكثر من 325 ضابطاً وجندياً قد استشهدوا خلال الربع الاول من العام الجاري منهم 70 جندياً قتلوا في محافظة حضرموت وحدها ومثل هذا العدد الكبير يعكس تماماً ان ابناء القوات المسلحة والامن باتوا هدفاً للعديد من الجماعات المسلحة وان هذا العدد الكبيرمن الشهداء وقبلهم من قضوا في ميدان السبعين ومجمع العرضي وامام بوابة كلية الشرطة هم من سقطوا في وقت كانت فيه الجبهة السياسية مشغولة بتقاسم مغانم ومكاسب السلطة ومقاعدها والحقيقة التى قد لا تعجب البعض ان مثل هذه الحوادث ماكان لها ان تمر على ذلك النحو من اللامبالاة لولا ثقافة الاستهانة بالجندي كقيمة وكيان واسترخاص سفك دمه من قبل هذا المجتمع ونخبه السياسية التى ينتهي اهتمامها بمعرفة الاسباب والدوافع التى كانت وراء تلك الحوادث لتبقى الجبهة الامنية والعسكرية مكشوفة دون غطاء من الجبهات الاخرى تنزف بضراوة دون ان يلتف اليها احد رغم علم الجميع بعواقب انهيار جبهة الجيش والامن على التوازن الاجتماعي والسياسي والامني في البلاد.
وعليه فاذا ما كان 325 شهيداً لا يكفي لاتخاذ موقفاً حاسماً من النخب السياسية يرد الاعتبار لهذه المؤسسة ومنتسبيها ويمنع الاساءة والتطاول عليها ويدفع إلى الالتفاف الشعبي حولها في معركتها الراهنة فماذا ياترى سنقول لاسر واهالي اولئك الشهداء الذين غابوا عنا واصبحوا في دارالحق؟ وماذا سنقول لعشرات العائلات التى تيتمت ومئات الزوجات التى ترملت والامهات الثك إلى ممن فقدن فلذات اكبادهن ؟
هل نقول لهم: لقد ضحى ابناؤكم بحياتهم نيابة عن مجتمع لا يحترم مشروعية المقاتل الذى ذهب إلى ميادين القتال وقد اقرته امه وابوه وزوجته في حين اننا الذين لا نحترم هذه المشروعية المقدسة؟ وماذا سنقول ايضاً للعالم الذى اعلن الخميس الماضي ممثلاً باكبر منظمة دولية عن وقوفه إلى جانب اليمن في مواجهة ظاهرة الارهاب اذا ما كانت جبهتنا الداخلية غير موحدة ومواقف بعض اطراف هذه الجبهة ملتبسة أو غامضة أو مترددة أو متواطئة أو حتى متعاونة مع الارهاب عمداً أو سهواً أو خطاءاً في الاجتهاد أو التصرف.
اليس من المعيب ان نلجأ إلى الاعذار الواهية لتبرير تخاذلنا ومواقفنا السلبية تجاه المعركة التى تخوضها لوحدها المؤسسة العسكرية والامنية رغم ادراكنا بحساسية هذه المعركة الطويلة والكبيرة والمعقدة والصعبة لندفن روؤسنا في الرمال كالنعامة بدلاً من توحيد صفوفنا الداخلية حتى يتحقق..