أمين.. سرّ الزوابع
قصائد الشاعر الكبير عبدالله البردوني - نشوان نيوز - أمين.. سرّ الزوابع
كان الدجى يمتطي وجهي، ويرتحلُ
وكنت في أغنيات الصمت، أغتسلُ
وكان يبحث عن رجليه في كتفي
وكنت أبحث عن صخري وأحتملُ
وكان يهذي السُّكارى في عباءتهِ
وتحت جلدي حيارى، بالدم اكتحلوا
وكان يغزل أطيافاً وينقضها
وكنت والصمت، والأَشباح تقتتلُ
وكان عند سهادي يجتدي عملاً
وكنت كالرمل عند الريح لي عملُ
وكان يهجس: بعد المبتدا خبرٌ
وكنت أسأل: ما التوكيد ما البدَلُ؟
وكان يكتب أسماءاً ويمسحها
وكنت أفتح أوجاعي وأنقفلُ
وأشرئب كعُود يرتدي حَجراً
وكان يختال في تلوينه الوجَلُ
وكنت أستفسر الجدران: أين أنا؟
وكان يستجوب الإعدامُ مَن سألوا
وكنت عن كل برقٍ أنهمي شرراً
طلاًّ، عن الغيمة المكسال أنهمل
أبكي على مَن أتوا مثلي بلا سببٍ
على الذين بلا مستوجب أفَلوا
* * *
وأبتني عالَماً، لا حلم مكتشفٍ
رآه، لا أنبأت يوماً به الرُّسُلُ
أصوغه من خيالات النجوم، وما
أومَى إلى بابه (المريخ) أو (زُحَلُ)
أومي إليه، تُسمِّي كل داليةٍ
أحياءه ورباهُ، تفرح السُّبُلُ
* * *
مَن ذا يجمجم في أدغال جمجمتي؟
جنٌّ يبولون، جنٌّ أولموا، ثَمِلُوا
الكاس تحرَق في كفِّي وأعصرها
هناك عند الرصاص.. الكاس والقُبَلُ
وكان للسوق أصواتٌ مسفلتةٌ
وكنتُ أُنصتُ، والإسفلت يرتجلُ
وكان أبناؤه يرقَون مِن يدهِ
لأن آباءهُ مِن فخذه نزلوا
ويركبون مِن (الموديل) أبهضتةُ
سعراً، ويعلوهم الإسمنت والوحَلُ
* * *
وكنت قدّآم باب الحظ أسألهُ
وكان قدَّام بابي يعرق الخَجَلُ
وكنت أستمنح الحداد مطرقةٌ
وكان مثلي، بباب الحظ يبتهلُ
* * *
لِمَ لا تكون كمن أوليتهم نِعَمي؟
لأنني غيرهم: أفعل كما فعلوا
لأنني غير مَن أوليت يمنعني
شيءٌ أُفدِّيه، أن أرضى الذي قبلوا
* * *
ماذا يوشوشُ؟ يرخي الصمت لحيتهُ
للريح، يبحث عن عكازه الملَلُ
يروِّض الشارعُ المدفون ركبتَهُ
على الوقوف، كما يستذئب الحَملُ
* * *
وكنت مِن ساق (وضّاحٍ) أدبُّ إلى
عرقوب (أروى) طريقي الموت والغزَلُ
وكان ينجرُّ ميدانٌ على فمهِ
كما تشتكَّي إلى (ذي الرُّمَّةِ) الطللُ
وكانت الهضبة الصفراء مثقلةٌ
أولادها في طوايا صلبها اكتهلوا
شَيب الأجنَّة أقسى ما تكابده
كيف التقى في حشاها: العقم، والحبَلُ؟
وكنت مِن كائنات الليل واحدةً
وكان أتفه ما أشتاقه الأملُ
* * *
هل أَصفر الآن؟ يأتي الجنّ أُسلمهم
نفسي، لكي يأكلوني مثل مَن أكلوا
يقال: كانوا شياطيناً لهم خطرٌ
تطرَّفوا زمناً، كالناس واعتدلوا
واليوم تغرقهم كأسٌ، وفي زمنٍ
خاضوا بحوراً، وما ندَّاهُمُ البللُ
* * *
مَن ذا أُنادي؟ ل ماذا لا تنام أجب؟
أنسى ل ماذا ، ومثل الفار ينفعلُ
وكان يُعشب كفَّاهُ حصىً ودماً
وكان تحت قميصي يزهر البَصلُ
هل تنتمي؟ ذاك سرٌّ، كل زوبعةٍ
عليّ في حرمة الأسرار تَتَّكلُ
أنا ابن مَن ولدوا سرّاً، وكي يثقوا
ماتوا، وماشهقوا كالناس أو سعلوا
يرنو الرصيف إلى وجهي كمتَّهمٍ
مثلي، بلا هدفٍ يعصي ويمتثلُ
وكان يحكي غلامٌ: جاء يا أبتِ
مَن خِفتَ واجتاز ثقب الإبرة الجَملُ
* * *
وكان لون الدجى مشروع أسئلة
وكان بيني، وبيني حولها جدَلُ
كانت تصارع نفسي نفسها وأنا
عنها، بتأريخ هذا الصمت منشغلُ
* * *
كان الدجى يخلع المسرى ويلبسني
وكنت ألبس أنقاضي وأنتعلُ
وكان يبحث في الغيمات، عن دمهِ
وكانت الأرض عن رجلَيَّ تنفصلُ
وكنت أسرد عن (بلقيس) أغنيةً
مداد من كتبوها، العطر والعسَلُ
وكان يفترس المذياع، مَن سقطوا
ويرتدي وجه مَن قاموا مَن احتفلوا
مَن ضاجعوا الشمس في سروال والدها
مَن وزَّعوا أمَّهم، في بعض مابذلوا
* * *
هذي الفجاج كأنثى، ما لها رَحِمٌ
هذا الزحام، رجالٌ ما بهِ رَجُلُ
يمضون يأتون، كالأبواب ما خرجوا
مِن أي شيء، ولافي غيره دخلوا
* * *
غاصت وجوه الروابي تحت أرجلها
في جلد كل حصاةٍ، ينطوي جَبَلُ
هذي (الدراما) مِن الأحجار أحرفها
ومِن نقيق الغبار، الدَّور والبطلُ
هل بُحتِ يا ريحُ بالأسرار؟ تدخلني
عجلى، تبعثر ذرّاتي وتنتخلُ
* * *
وكان يلثغ نجمٌ، وعده قدَرٌ
: على قناديل قلبي، سافِروا تصلوا
كانت تَفرَّع مِن عينيه أغنيةٌ
وكنت مني، إلى عينيه أنتقلُ
وأستحيل بروقاً، شوق أوديةٍ
غمامةٌ، بعروق الأرض تنغزلُ
وكان يبدأ حُلماً مِن أواخرهِ
وأستهلُّ نشيداً سوف يكتملُ
وكان يهمي ندىً جمراً، وكنت أنا
أُجمِّع الغيم في كفي وأشتعلُ
* * *
وكان (عيبان) يأتي حافياً: أهنا
أهلي؟ ويدنو بعشب النار يشتملُ
وكان يهمس مِن خلف الهدير فمٌ
: لا يورق الناس، حتى تذبُل الدُّوَلُ
يوليو 1979م
* * *