التَّطواف ثانية في شارع عبد المغني
الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح - نشوان نيوز - التَّطواف ثانيةفي شارع عبد المغني
- 1 -
يتأبَّطُني حزني
أحملُهُ في تابوتِ الكلماتْ
يحملُني في تابوتِ الأيّامْ
يا لِلَّهِ..
الشّارعُ في ثوبِ الزَّحمةِ ما زالَ
كما كانَ،
وحيداً وصغيراً لا يكبرُ إلاّ في اللَّيلِ..
لماذا لا يكبرُ إلاّ في اللَّيلْ
لا يتورَّمُ إلاّ في اللَّيلِ؟!
رصيفُ الشّارعِ يصعدُ أحياناً،
يهبطُ أحياناً،
لا يصعدُ،
لا يهبطُ،
لافتةٌ أكبرُ منْ حجمِ الشّارعْ
تتشظَّى في الأفُقِ الدّامي لوناً أبيضْ
تتشظَّى في الأفُقِ الدّاكنِ لوناً أحمرْ
تتشظَّى في الأفُقِ السّاكنِ لوناً أخضرْ
الشّارعُ يكرهُ لافتةً لا تحملُ لوناً
يكرهُ كلَّ الألوانْ..
- 2 -
أرسمُ ظِلّي فوقَ صقيعِ الشارعِ
أرسمُ أهدابي قطراتٍ
تبكي أشجاراً فقدتْ في تشرينَ الشمسَ
وفي تَمُّوزَ الظِّلّ،
أكتبُ بالخطِّ الكوفي مرثيّةْ،
وأسافرُ في القلمِ المسلولْ
أتوارى في خجلي
أسمعُ صوتاً مبحوحاً،
صوتاً مبتلاًّ بالصمتْ
صوتاً منْ خلفِ السُّحُبِ الصفراءِ ينادي:
جادَكَ الغيثُ إذا الغيثُ همى
يا زمانَ الوصلِ في الأندلسِ
لم يكنْ وَصْلُكَ إلاّ حُلُماً
في الكَرَى، أو خِلْسَةَ المختلِسِ.
- 3 -
الكلماتُ تسافرُ
لا تَصِلُ الكلماتُ إلى الجِسْرِ
ولا يَصِلُ الجِسْرُ إلى الكلماتِ
قريبٌ وبعيدٌ هذا الجِسْرُ
بعيدٌ وقريبٌ ضوءُ الكلماتِ..
يقولُ الشّاهدُ:
منتصفَ اللَّيلْ
والسّاعةُ واقفةٌ
وعمودُ النورِ ينادي البحرَ
يمدُّ ذراعيهِ إلى وَرْدِ الشّاطئِ:
خذني منْ ماءِ الشّارعِ
أطْلِقْني منْ نظراتٍ
مُلْصَقَةٍ فوقَ عيونِ العسسِ اللَّيلي،
منْ صمتٍ
يتكسَّرُ فوقَ رمادِ الإسفلتِ،
احْمِلْني،
نفدَ الضوءُ،
اشتعلَتْ بالشَّيْبِ الأوراقْ.