دخول رأس الحسين إلى مدينة الشعراء
الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح - نشوان نيوز - دخول رأس الحسين إلى مدينة الشعراء
اللوحة الأولى:
في الزِّنزانةِ حيثُ اللَّيلُ / الأفعى
يحتجزُ الشمسَ،
ويمشُطُ صوتَ الأحزانِ بِمُشْطِ الرُّعْبْ.
حيثُ ينامُ الشِّعْرُ على الإسفلتِ
وحيداً، عريانَ القَلْبْ.
في هذا اللَّيلِ / الزِّنزانةْ
يقفُ الرأسُ المقطوعْ
يبكي فرحاً،
ويَنِزُّ دماً
يتلو أسفارَ العشقِ
يغنّي للآتينْ،
يسترجعُ أجسادَ خيولِ الفتحِ
ويقرأُ منْ دفترِ أشواقِ الشهداءْ.
تعليق أول:
يا عيونَ المها بينَ صنعاءَ والقدسِ
بينَ المنامةِ والنِّيْلِ
رأسُ الحسينِ بلا ماءٍ الاّ دمٌ
ظلَّ يصرخُ منْ خلفِ نفطِ العباءةِ:
- هذا دمي
جسدي صارَ نفطاً وماءً
على الشَّطِّ،
فوقَ حصيرِ الخليجِ المحاصَرِ،
تشفطُهُ عابراتُ المحيطاتِ
تحملُ وجهي بعيداً
وبي ظمأُ الأرضِ للبحرِ،
منْ يفتديني
ويرجعُني للخليجِ المدَمَّى؟
ويرتعشُ الرأسُ
يطوي الشِّفاهَ على ظمأٍ للكلامِ
ويقرعُ سِنَّ المجاعةِ
يمضغُ حُلْمَ الرَّغيفِ
ويخرجُ منْ صفحةِ الحاكمينَ
ليدخلَ في صفحةِ الشعراءْ.
اللوحة الثانية:
كم مدنٍ خائنةٍ، للجوعْ
وأخرى للَّيلِ،
اسْتَوْطَنَها الرأسُ المقطوعْ.
كم خارطةٍ للشمسِ استلْهَمَها درباً
وسريراً
زيتاً..
مصباحاً،
وأخيراً صارَ الشعرُ مدينتَهُ
في الكلماتِ يسافرُ نحوَ الشَّرْقْ
يسألُ عنْ غانيةٍ في لونِ الشَّمْسْ
في شَبَقِ البَحْرْ..
عانقَها يوماً في مدخلِ أبوابِ الصَّحْراءْ
فاحترقَتْ عيناهُ
انْفَصَلَ الرأسُ عنِ الجسدِ العاشقْ.
تعليق ثانٍ:
المنامةُ تلعقُ جرحَ الحسينِ بأسنانِها
والوجوهُ الغريبةُ تمنعُ عنهُ الكلامَ
تدثِّرُهُ بالسَّلاسلِ..
لكنَّ نارَ الخليجِ تعرِّيْهِ
تنشرُهُ قطراتٍ منَ الدَّمِ
لا يستطيعُ الدُّخانُ اختراقَ الوميضِ
ولا تستطيعُ المذيعاتُ إخفاءَ صوتِ
النخيلْ:
- ليلُ يا ليلُ
صوتُ الخليجْ!
- عينُ يا عينُ
صوتُ الجنوبْ!
-.................. !
صوتُ المنامةِ والقدسِ،
ثمَّ يغيبُ معَ الموجِ صوتُ المغنّي،
وتخضرُّ أشجانُنا فوقَ صدرِ السنينَ،
وفي البحرِ تمضي القوافلُ
حاملةً ماءَ وجهِ الحسينِ
ونفطَ العباءةِ،
تاركةً وجهَ (يافا)
ووجهَ (المنامةِ) مستسلماً للعطشْ.
اللوحة الثالثة:
محترقاً - جسدُ الغربة - فوقَ رمادِ الأيّامِ
الشَّجَنُ الأسْوَدُ في حاناتِ اللَّيلِ
كتابٌ للرَّفْضْ،
نتعلَّمُ منهُ الشعرَ
نغادرُ فيهِ العالَمَ.
يا شجني
يا هذا الشَّجَرَ النّابتَ في أوديةِ القَلْبْ
أسقيكَ دمي
فلتفتَحْ بالكلماتِ جدارَ السِّجْنْ،
ولتجعلْني منْ رُوّادِ مدينةِ أهلِ الكَشْفِ
اجْعَلْني نخلةَ حبٍّ في مدنِ الشعرِ
وفانوساً في أقطارِ الكلماتِ
الخضراءْ.
تعليق ثالث:
نحنُ منْ كربلاءَ التي لا تخونُ
وفي كربلاءَ - التي لا تخونُ - وُلِدْنا
ومنْ دمِ أشجارِها
خرجَتْ للظهيرةِ أسماؤُنا.
منذُ موتِ الحسينِ
مدينتُنا لا تصدِّرُ غيرَ النجومِ
ولا تصطفي غيرَ رأسٍ
تتوجِّهُ بالنهارِ الشَّهادةُ،
تغسلُهُ بالدِّماءِ العيونُ الجريحةُ..
يا أيّها الشعراءُ
الملوكُ
اخْرُجُوا منْ مكاتبِكم
تأسَنُ الكلماتُ إذا لم تكنْ منْ دمِ القلبِ
طالعةً
وتموتُ العصافيرُ في ظِلِّها
ويموتُ الشَّجَرْ.
حينَ كانتْ محابرُنا منْ عطورٍ
وكانَ الذي فوقَنا
... يبولُ علينا،
ونحنُ نقولُ: اسْقِنا..
فاخرجوا منْ مكاتبِكم،
المنافي الطريقُ إلى الشعرِ
والسجنُ نافذةٌ للتواصلِ
والموتُ في الشعبِ أروعُ ما يكتبُ الشعراءُ..
نوافذُ أكواخِهم تتألَّقُ بالموتِ والوردِ
تثمرُ بالخبزِ والدَّمِ.
رأسُ الحسينِ غدا وردةً في الحدائقِ
أنشودةً صارَ للمتعبينَ
ونهراً،
ونافذةً للمطرْ.
7 سبتمبر 1975م