أغنيات صغيرة للحزن

الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح - نشوان نيوز - أغنيات صغيرة للحزن

اللقاء الثاني:
والتقينا
لم يعدْ في العينِ شيءٌ منْ بريقْ
جفَّ نهرُ الحبِّ
أغفى في صقيعِ اللَّيلِ محمومَ الحريقْ
نغمُ الأمسِ الذي هدهدَنا
سكنَتْ أوتارُهُ.. الصوتُ عتيقْ.
قد مللْنا
ولكم سِرْنا
فما مَلَّتِ العينُ ولا طالَ الطريقْ
غرقَتْ في الضِّفْةِ الأخرى حكايانا
فماضينا غريقْ.
لم تعدْ أهدافُنا واحدةً
ورفيقُ العمرِ ما عادَ الرَّفيقْ
حَطِّمِ الكأسَ
لكم قد صدئَتْ شفتاها..
فقدَ اللَّونُ الرَّحيقْ.

الشَّعْرَة البيضاء:
يكبرُ الحزنُ ونكبرْ
كلَّ عامٍ نتشظَّى نتكسَّرْ
جرحُنا النَّغّارُ ينمو يتخثَّرْ
أمسُنا ماتَ، غداً لنْ يتأخَّرْ
أيُّ شيءٍ حولَنا لا يمطرُ الموتَ،
وفي أعماقِنا لا يتبخَّرْ
طفلُنا جفَّ، تحجَّرْ
أنكرَتْ لثغتَهُ الشمسُ،
ووجهُ الأرضِ أنكرْ
وفتانا.. احْتَرَقَتْ أقدامُ عينيهِ تعثَّرْ
كانَ أصغرْ
كانتِ الصخرةُ أكبرْ
أيُّ شيءٍ سوفَ يبقى - بعدُ - أخضرْ؟
فلماذا تزرعُ الحزنَ خطانا؟
تتكسَّرْ..
تتفجَّرْ.

ظلُّ حزيران:
ويمتدُّ - ما زالَ - بئراً عميقاً منَ اللَّيلِ
فوقَ العيونْ
ونَصْلاً قبيحاً على القلبِ،
يرقصُ فوقَ الجفونْ
ويحفرُ في كلِّ وجهٍ شتيمةْ
ويرسمُ بومَةْ
وينقشُ في كلِّ مَمْشَىً
على كلِّ عينٍ (هزيمةْ)
(هزيمةْ)
وأشباحُهُ العُورُ تعبثُ..
تلعبْ
على كلِّ مكتبْ
تثورُ وتغضبْ
إلى أينَ نمضي؟
إلى أينَ منْ ظلِّها العاقرِ الجدبِ نذهبْ؟

الغربة:
حزني غريبُ الوجهِ واللِّسانْ
ليسَ له عينانْ
لا قلبَ، لا يدانْ
يمرُّ منْ عيني وفي دمي
يمشي على رأسي
كما يمشي على جرحِ الدُّجَى ثعبانْ
فأينَ أمضي؟
أينَ أختفي منْ موكبِ الغربانْ
منْ عفنِ الأحزانْ
في غربتي هتفْتُ بالمجانْ
بكيتُ بالمجانْ
ضحكتْ بالمجانْ
وقفْتُ تحتَ كلِّ اللاّفتاتِِ والألوانْ
أكلْتُ نفسي
بعتُ أطفالي،
مسحْتُ كلَّ نعلٍ مَرَّ بالميدانْ
غسلْتُ بالدمعِ الغزيرِ قِطَّةَ السُّلْطانْ
جَبُنْتُ
لم أقلْ حينَ مشتْ حولي مواكبُ الشيطانْ
(اللهُ... )
لم أذكرْ ولا تعويذةً واحدةً منَ القرآنْ،
لستُ أنا الذي يقالُ لي: (جبانْ)
الجبنُ في الغربةِ
لا الإنسانْ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى