رئيسية

اتفاقيات تصوير مخطوطات اليمن.. تفريط ام تعاون ثقافي؟

تحقيق/ محمد العلفي

اثار توقيع اتفاقية التعاون الثقافي بين الهيئة العامة للمتاحف و الاثار بصنعاء ومركز جمعة الماجد بدبي في الـ11 من شهر يوليو 2007م كثيرا من الجدل الذي لا يزال محتدما بين حول ما نصت عليه الاتفاقية .. ما يفتح السؤال مجددا حول جدوى اتفاقيات تصوير المخطوطات.

للمخطوطات اهمية فكرية وتاريخية كبيرة تدفع الجميع للتسابق على إقتنائها بطرق مشروعة أو غير مشروعة.

و جرت العادة بين الدول أو المراكز العلمية على توقيع اتفاقيات تعاون ثقافي لتبادل صور المخطوطات (المثل بالمثل) وهو ما يعكس حرص كل طرف على رفع رصيده في هذا الجانب بما يعزز مكانته كمركز أو مؤسسة يقصدها الباحثين والدارسين.

ففي اليمن وقعت الهيئة العامة للاثار والمتاحف مع مركز جمعة الماجد في دبي على اتفاقية في هذا الصدد اثارت لغطا وجدلا حاولنا في هذا التحقيق مناقشة تفاصيله.

الاتفاقية ومدى ملائمتها:
أبرز ما نصت عليه هذه الاتفاقية تمثل في السماح لمركز جمعة الماجد بتصوير جميع المخطوطات العربية والاسلامية الموجودة بدار المخطوطات والمكتبة الغربية مقابل منحة من المركز تشمل (معمل ترميم متكامل ، تدريب موظفين ، إرسال خبراء في مجال المخطوطات لإعادة هيكلة الدار).

يرى امين عام دار المخطوطات عبدالملك المقحفي ان الاتفاقية الموقعة غير مطابقة لمسودة مشروع الاتفاقية التي طرحت سابقا والتي حسب المقحفي كانت تنص على ان يكون التصوير متبادل أي ان ما يتم تصويره من الدار لصالح مركز جمعة الماجد يصور مثيله من مركز الماجد لصالح الدار .

اما رئيس الهيئة العامة للاثار والمتاحف الدكتور عبدالله باوزير فيقول : " الإتفاقية ممتازة ومفيدة لليمن فهي تتضمن إعطاء اليمن معمل ترميم وتدريب وتأهيل وتزويد الدار بالاثاث على ما أذكر و اشياء اخرى".

و حول توجيهات وزير الثقافة السابق خالد الرويشان بتوقيف التوقيع على الاتفاقية حينها ..يوضح باوزير : كانت تلك التوجيهات قبل التوقيع كما كانت تلك التوجيهات بسبب ان الألمان والفرنسيين و الماجد كانوا يريدوا ان يصوروا المخطوطات لكن الوزير رفض الكل.

و اكد القائم بأعمال وزير الشؤون القانونية رئيس المكتب الفني بجاش المخلافي انه لم يصدر قرار للمصادقة على الاتفاقية أو قانون يجيزها.

و يبين ان أي اتفاقية لابد ان يتم التفويض على توقيعها من قبل مجلس الوزراء طبقاً لقانون المجلس المادة (26) " يصدر رئيس مجلس الوزراء وثائق التفويض لأي من اعضاء مجلس الوزراء للتوقيع بالاحرف الاولى على الاتفاقيات التي تعقد مع الدول الشقيقة والصديقة أو مع المنظمات والهيئات الاقليمية والدولية.

وأوضح المخلافي انه بعد التوقيع وبحسب الاتفاقية إما تحول إلى رئاسة الجمهورية ليصدر قرار بها أو إلى مجلس النواب للمصادقة عليها .
تصوير المخطوطات:
تصوير المخطوطات من جانب واحد يمثل مشكلة و تفريط من وجهة نظر ان دار المخطوطات عبدالملك المقحفي .

و اوضح "لو كان التصوير متبادل بين الدار و المركز فستكون هذه الاتفاقية خطوة في مسار التعاون والتبادل الثقافي لكن هذه الإتفافية الموقعة لم تتضمن هذا البند ".

استاذ الاثار الاسلامية بجامعة صنعاء الدكتور علي سعيد سيف يعتبر تصوير و خروج صورة المخطوط من اليمن خسارة معنوية وايضاً مادية حيث ستصبح دبي من خلال المركز هي مقصد الباحثين وليست صنعاء أو اليمن .

و استدرك قائلا : حتى في حالة التبادل لا تُعطى إلا صور ماهو مكرر اما المخطوطات النادرة و الفريدة فلا يسمح بتصويرها حسب ما جرت عليه المراكز و المكتبات العالمية .
وتساءل بإستغراب :
ما استفادة اليمن من خروج صور لنفائس لا تقدر بثمن؟ ولماذا تم توقيع هذه الاتفاقية؟ هل لانهم لايعرفون محتوى الدار من مخطوطات ثمينة و فريدة؟ هل هي على سبيل الاهداء؟.

واضاف " يحتوي الدار مخطوطات في عدة مجالات لم يدرسها احد و من الضرورة ان يدرسها اليمنيين ".

و يعتقد الدكتور سيف انه تم استغلال ما كان يعانيه الدار من عدم إهتمام نتيجة تعليقه بين وزارة الثقافة و هيئة الاثار .

فيما نفى وكيل وزارة الثقافة لقطاع المخطوطات سام الاحمر إمكانية تنفيذ الاتفاقية مؤكد عدم قيام المركز بتصوير المخطوطات .. مرجعاً السبب إلى ان المخطوطات إرث أمة و لا يحق لشخص مهما كان التصرف فيه و إلا نال لعنة التاريخ و الاجيال القادمة على حد تعبيره .
المقابل :
يقول المقحفي : إذا كان المقابل معمل الترميم فالمعمل اثبت عدم صلاحيته و نحن هنا لسنا بصدد مقابل سواء كان معملا أو غيره لان المعمول به عالمياً في حالة التصوير يتم التبادل حتى يزيد رصيد المكتبة.

و يستطرد قائلاً : في اعتقادي ان العلم ليس له ثمن إلا ما يماثله في المعلومة و الاهمية كما انه من الخطأ ان يتم التصوير حتى على سبيل التبادل قبل تحديد ما نملك لابد اولاً ان نعرف ما نملك كماً و نوعاً..كما انه من الخطورة تصوير مخطوطات ليست مفهرسة ولا موثقة ولا مرممة لاننا بذلك نعرض تراثنا للتلف والضياع .

ونفى الدكتور سيف ان يكون هناك مقابل إلا بتصوير ما يماثله موضحاً " ما منحته الاتفاقية كمقابل يمكن نحصل على افضل منه من خلال تعاون ثقافي مع أي جهة اخرى كما حصل مع عدة جهات ".

ويؤكد الوكيل الاحمر انه لايوجد مقابل لتصوير المخطوطات مهما كان إلا ما يعادله في القيمة و الاهمية .. لافتاً إلى ان ما يتم اعتباره مقابل في الاتفاقية ثبت عدم صلاحيته وفق تقرير خبراء دوليين في مجال المخطوطات.
رأي الخبراء :
يشير تقرير الخبيرين الدوليين في مجال المخطوطات اورسولا دريبهولز وعبدالواحد الشامي الصادر منتصف ديسمبر الماضي إلى أن جودة ورشة الصيانة لاتحددها كمية الماكينات و المعدات الموجودة و إنما تحددها المهارة و المعرفة و التقدير الصائب للمشكلات و تفاني العاملين عليها .

و يفيد التقرير فيما يتعلق بالمعمل المتضمن (مكينة التصفيح ، حجرة تعقيم الكتب البالية ، مكينة التنظيف بالهواء المدفوع ، مكينة صب الاوراق) أنه لايستخدم مع المخطوطات وإنما يصلح للكتب والصحف .

ويؤكد التقرير خطورة بخار مادة الطولين المستخدم في حجرة تعقيم الكتب البالية على العاملين و السكان المجاورين للدار إذا ما أستخدم لان ابخرته سامة كما أن هذه الحجرة قد انتهى عهدها .. مشدداً على ضرورة تخزين مادة الطوليون في مكان آمن إلى ان يتم التخلص منها نهائياً.

ولفت التقرير إلى وجود طريقة حديثة واكثر سلامة وغير سامة وذلك بإستخدام (علب النتروجين).

وأعتبر إستخدام مكينة التنظيف بالهواء المدفوع سيضر بالمخطوطات الهشة النفيسة بسبب قوة الهواء وعدم إمكانية التحكم به .. مستنكراً وجود شفرات حادة في مكينة صب الاوراق لانها تؤدي إلى تقطيع الاوراق.

وفيما يتعلق بالمواد التابعة للمعمل يرى التقرير ان بعض هذه المواد مفيد ، وبعضها مضى عهده ، والاخر لامكان له إطلاقاً في مكتبة للمخطوطات.

من جانبه ذكر مدير الصيانة والترميم بالدار احمد مسعود انه بعد فحص المعمل لوحظ محاولة شطب بلد الصنع ( سوريا ) ووضع اسم مركز جمعة الماجد بدلاً عنه إضافة إلى عدم وجود كتلوجات تعريفية لأجهزته وطرق استخدامه.

ويشير إلى وجود جهاز الماني احدث من جهاز الماجد للترميم الالي بالدار .. مضيفاً " اما عن مدى الاستفادة منه وكما قال الدكتور بسام الدغستاني رئيس قسم الترميم بمركز الماجد فان الترميم الالي يستعمل بشكل واسع في مجال ترميم المطبوعات وبشكل ضيق في ترميم المخطوطات.

ولفت إلى وجود جهاز مقدم من ايطاليا في 2006م لترميم المخطوطات بطريقة الحشو بالعجينة وفيها لا يتعرض المخطوط للماء كما في جهاز الترميم الالي وهي مواصفات عالمية .

ويرجع مسعود عدم صلاحية إستخدام جهاز الدعم الحراري مع المخطوطات القديمة للحرارة العالية التي تتعرض لها الورقة "140" درجة و إحتمال ان تعلق الورقة داخل الجهاز مايعنى تلفها فضلاً عن إستخدام مادة خفيفة مطلية بمادة صمغية في عملية تدعيم الورق و في حالة تعرضها للرطوبة ستلتصق مع بعضها وتتلف.

ويقول مسعود : وعندما قمنا بتجربة جهاز المعالجات الاولية المتضمن جهاز نفخ قوي على مطبوع ادى إلى تلفت اوراقه وتناثرها فكيف بالمخطوط .

واضاف: " لقد افاد مدير عام الترميم والصيانة بالمركز الوطني للوثائق عائشة دماج ومعها احد اخصائي الترميم علي غيلان من خلال اطلاعهم على اجهزة الترميم في عدد من الدول - بعدم صلاحية هذا المعمل .

اخيراً :
يقول وكيل وزارة الثقافة لقطاع المخطوطات سام الاحمر: بعثنا برسالة رسمية عبر وزارة الخارجية لمركز جمعة الماجد و ارفقنا صورة من تقرير الخبراء الدوليين عن المعمل الذين اكدوا عدم صلاحيته لترميم المخطوطات و يمكن اهدائه لدار الكتب.

واضاف : نتمنى ان تظل هذه الاتفاقية في ادارج المكاتب وان لا تخرج إلى النور إنطلاقاً من إتفاق جميع الاراء على عدم وجود أي فائدة لليمن من هذه الاتفاقية حتى لو سلمنا بصلاحية المقابل و حداثته.

_______
سبأ

زر الذهاب إلى الأعلى