كتب الكثير عن اليمن، وأنشأ موقعاً باللغة الإنجليزية متخصصاً بالشأن اليمني اسمه (واق الواق) استلهاماً من رواية الثائر اليمني محمد محمود الزبيري (مأساة واق الواق)، كما ترجمت ونشرت مقالاته عديد صحف يمنية.. هو الكاتب والباحث الأميركي جريجوري جونسون الشاب الثلاثيني الذي يحضر رسالة الدكتواره في جامعة (برينستون) بولاية نيوجرسي حول (الثورة اليمنية والحرب الأهلية في الستينيات)، ويبدو قارئاً حصيفاً للشأن اليمني بكل تفاصيله..
كما يؤلف كتاباً آخر عن اليمن يحمل عنواناً مثيراً هو (الملجأ الأخير)، قال إنه مأخوذ من حديث نبوي يحتل مكانة مرموقة في فكر "المجاهدين" وعناصر "القاعدة" في اليمن، نصه "إذا كثرت الفتن فعليكم باليمن"، وقد كان جريجوري زار اليمن أول مرة عام 2003 واستمر حتى 2004، ثم عاد مرات أخرى عامي 2005، و2006، بينما ينوي العودة إلى اليمن خلال العام القادم..
السبت الماضي كان آخر يوم للباحث والكاتب الأميركي جونسون في اليمن، التقته صحيفة "الغد" اليمنية قبل ساعات من مغادرته العاصمة صنعاء وأجرت معه الحوار التالي:
- بداية هل ممكن أن تعطينا لمحة عن موضوع رسالتك للدكتواره حول (الثورة اليمنية والحرب الأهلية)، ولماذا اخترت هذا الموضوع بالذات؟
* نعم، أنا أحضر رسالة الدكتواره حول "الثورة اليمنية والحرب الأهلية في الستينيات، وهذه هي السنة الثالثة في برنامج الدكتوراه.
- لماذا اخترت اليمن موضوعاً لرسالتك؟
* الحقيقة أن اليمن بلاد مهم، والكثير في أوروبا وأميركا يسمع عن اليمن، لكنه لا يعرف أين موقعه في الخارطة الجغرافية، وفي الحقيقة هناك كتب كثيرة عن الثورة اليمنية والحرب الأهلية خلال الستينات من القرن الماضي، ولكنها باللغة العربية، فهناك مثلاً الأستاذ عبد العزيز المحسودي الذي كتب عن حزب الله، ومحمد محمود الزبيري، وهناك ندوات عقدت عن حرب السبعين ونشرت عشرات الكتب حولها وحول بداية الثورة والتاريخ الثوري، ولكنها باللغة العربية، ولا يوجد كتب أو مصادر باللغة الإنجليزية رغم أن حقبة الستينات مهمة جداً بالنسبة للتاريخ العالمي، وهي الحقبة التي شهدت بدايات الحرب الباردة بين أميركا وروسيا والحرب الباردة بين الملكيين والجمهوريين في الدول العربية.
- تقصد في الوطن العربي بشكل عام؟
* نعم في الستينات كانت الهوة كبيرة بين مصر وملوك السعودية، ولكن بالنسبة لكتابي سوف أركز على التاريخ داخل اليمن، وعلى الأدوار الوطنية لبعض الشخصيات مثل علي عبد المغني ومحمد محمود الزبيري وأمين أبو راس والشيخ عبدالله الأحمر، وأدوارهم في الثورة وفي الحرب الأهلية، وهذا مهم للتاريخ، والتاريخ بمثابة إشارة للمستقبل.
- لكنك ربما تواجه إشكالية عندما تتحدث عن أدوار شخصيات وطنية، ستحتاج للكتابة عن كل الشخصيات التي كان لها أدوار في هذا الجانب؟
* أنا أريد أن أكتب عن التاريخ السياسي والعسكري، وهناك أشخاص مهمون في هذا التاريخ مثل عبدالله السلال ومحمد البدر الإمام السابق وأمثالهما، ولكنني سأكتب بشكل عام عن الثورة والحرب الأهلية داخل اليمن، وهناك شخصيات من الضرورة أن نكتب عنهم وعن أدوارهم وعن الصراع فيما بينهم.. هل فهمتني؟
- ولكن هل ستتطرق أيضاً إلى الدور الخارجي خلال تلك الفترة؟
* سأتطرق في الرسالة إلى الدور المصري والدور السعودي في الثورة والحرب الأهلية، ولكن أريد أن أركز على الأحداث التاريخية داخل اليمن.
- بالنسبة للكتاب الآخر الذي تعكف عليه حول السياسة اليمنية الحديثة، هل ممكن تعطينا لمحة تعريفية عنه؟
* هذا الكتاب سينشر إن شاء الله في العام القادم 2010، وهو عن الأوضاع السياسية في اليمن من الوحدة حتى الآن، بمعنى أنه يغطي عشرين سنة تقريباً، والكتاب مقسم إلى فصول، الفصل الأول من الوحدة اليمنية عام 90 حتى بداية حرب الانفصال عام 94، والفصل الثاني من حرب 94 حتى الانتخابات الرئاسية عام 99، والثالث عن الهجوم على المدمرة الأميركية يو إس إس كول، والفصل الرابع عن بداية الحرب ضد الإرهاب داخل اليمن، عندما سافر الرئيس علي عبدالله صالح إلى واشنطن في شهر نوفمبر 2001 أي بعد أحداث 11 سبتمبر بالضبط، وسوف أكتب أيضاً عن المعركة بين القاعدة والحكومة خلال الفترة من 11 سبتمبر 2001 حتى القبض على شخص من القاعدة اسمه محمد حمدي الأهدل في نوفمبر 2003، كما سيتضمن الكتاب الحديث عن الحرب في صعدة والمشاكل الراهنة في الجنوب، وغيرها من الأحداث السياسية الحديثة.
- سميت كتابك هذا الأخير حول اليمن (الملجأ الأخير) لماذا اخترت هذا الاسم؟
* هذا الاسم اخترته عندما كنت في اليمن عام 2003 و2004، حيث قرأت كتباً كثيرة عن العائدين من أفغانستان وعن "المجاهدين" في الثمانينات والتسعينات وقرأت حديثاً يستشهد به المجاهدون، ويقول ما معناه "إذا جاءت الفتن فعليكم باليمن"..
- "إذا كثرت الفتن فعليكم باليمن" أليس كذلك؟
* صحيح.. بالضبط، وعنوان الكتاب مستمد من هذا الحديث.
- لكن ألا تعتقد سيد جوريجوري أن هذا العنوان سيلفت انتباه الغرب لمزيد من الضغط على اليمن؟
* لم أفهم السؤال، ممكن تعيد لو سمحت؟
- هذا العنوان ألا يحث الولايات المتحدة والغرب على التدخل في اليمن بذريعة الحرب على "القاعدة" أو ممارسة المزيد من الضغوط لهذا السبب؟
* هذا ممكن، ولكن هذا العنوان جيد في اللغة الانجليزية، ودور النشر كما تعرف تبحث عن العناوين الملفتة، لأنها تريد أن تبيع أكبر قدر من الكتب، وكثير من الناس في أميركا أو أوربا ينجذب لهذا العنوان لأنه يريد أن يعرف عن الإرهابيين في اليمن، لكنه عندما يقرأ الكتاب سيجد طبعاً أن الأفكار ربما غير ما يتبادر إلى الذهن من خلال العنوان لأول مرة، ولكن أقول لك إنه حتى المجموعات الجهادية كالقاعدة أو غيرها يفكرون أيضاً بهذه الطريقة، وهناك مقابلة للشيخ أسامة بن لادن أجراها عبد الباري عطوان في عام 1996، وكان الشيخ أسامة يتكلم عن اليمن باعتبارها أرض الإيمان والحكمة.. أليس كذلك؟
- بلى.. أنت تقصد بأن اليمن في أدبيات القاعدة نفسها تحظى باهتمام، أليس كذلك؟
* صحيح، وأنا أتفق معك بأن العنوان يبدو ملفتاً، ولكن عندما يقرؤون الكتاب سيجدون أنه يقدم رؤية موضوعية وعلمية مجردة.
- البعض يقول أن الكثير من التقارير الأميركية خصوصاً حول الإرهاب والقاعدة في اليمن فيها مبالغة، هل هذا صحيح، خصوصاً وأن هذا يشوه سمعة اليمن أولاً، ويجلب على اليمن مشاكل كثيرة، ويحرض على التدخل الأجنبي في اليمن؟
* تقصد الأجانب من أفغانستان وباكستان إلى اليمن؟
- لا، أقصد التدخل الأجنبي العسكري..؟
* تقصد للتدريب للقوات الخاصة أو الأمن المركزي وما أشبه ذلك؟
- لا، أقصد أن هذه التقارير تستغل كذريعة لممارسة الضغوط الأميركية على اليمن أو فرض التدخل العسكري لضرب أهداف أو معسكرات للقاعدة مثلاً ؟
* أعتقد أنه بعد أحداث 11 سبتمبر نجحت الحكومة اليمنية في إغلاق هذا التدخل، والرئيس علي عبدالله صالح سافر إلى واشنطن بعد أحداث سبتمبر واجتمع مع الرئيس الأميركي السابق جورج بوش وتحالف مع الولايات المتحدة ضد الإرهاب، ولكن للأسف الحكومة الأميركية سلكت طريقاً خاطئاً عندما قامت بقتل أبي علي الحارثي، وكان الاتفاق السري بين الحكومتين الأميركية واليمنية يقضي بالسكوت عن أي معلومات حول هذه العملية، ولكن الجانب الأميركي صرح بالعملية، وهو ما سبب مشكلة للحكومة اليمنية وكذلك الأميركية.
- أنت كباحث، ما رأيك بهذه العملية، أليست قتلاً خارج إطار القانون؟
* العملية كانت خطأ، المشكلة في هذه الحادثة أن الحكومة الأميركية لأن لديها طائرات بدون طيار قامت بضرب الحارثي وخمسة من رفاقه، بينهم شخص يحمل الجنسية اليمنية والجنسية الأميركية، وهذا ضد الدستور والقانون الأميركي، وأنا برأيي أن هذا خطأ، وهو خرق للدستور الأميركي، كيف أن الحكومة الأميركية تقتل شخصاً يحمل الجنسية الأميركية بدون أن تقبض عليه وتقدمه للمحاكمة.
- التعاطي الأميركي مع ملف الإرهاب في اليمن بشكل عام كيف تقيمه؟
* أعتقد أن هناك إشكالية في هذا الجانب، الحكومة الأميركية لديها جدول أولويات من رقم واحد حتى العاشر هو الحرب ضد الإرهاب، وخلال عامي 2009 و2010 زادت الولايات المتحدة من مساعداتها للحكومة اليمنية، ولكن للأسف هذه المساعدات تقتصر على ميدان واحد فقط هو الحرب ضد الإرهاب، بينما اليمن لديه مشكلات كثيرة.. دعني أقول لك بصراحة أنا متشائم جداً من الأوضاع في اليمن ومتشائم جداً من مستقبل اليمن.. اليمن عنده مشاكل كثيرة، انعكاسات الأزمة الاقتصادية العالمية وتأثيراتها، واليمن بلد فقير ويعاني من ضعف الخدمات الصحية والتعليم وغيرها، وهناك حوالي 45 % من الناس يعيشون تحت خط الفقر، واليمن يواجه مشكلة الانفصاليين في الجنوب والحرب في صعدة والحرب على "القاعدة"، بينما الحكومة الأميركية تركز على ميدان واحد فقط، وهذا خطأ، مثلاً في الثمانينات ساعدت الولايات المتحدة الحكومة الباكستانية ضد الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي سحبت أميركا مساعداتها من باكستان ونسيت الناس في أفغانستان، فماذا حصل بعد ذلك؟، لقد جاءت أحداث 11 سبتمبر بعد عشر سنوات تقريباً ووجهت ضربة للولايات المتحدة، أقول لك إن الأميركان أقوياء في الرحلة الصغيرة ولكن ليس لديهم القدرة على السير في الخط الطويل أو النظر إلى المدى البعيد.
- الاستخبارات الأميركية أصدرت قبل نحو 6 أشهر تقريباً تقريراً حول (اتجاهات العالم 2025) يتضمن توقعات بأن تكون اليمن دولة منهارة، ما رأيك بهذه التوقعات؟
* في رأيي أن الحكومة الأميركية والاستخبارات الأميركية قلقون من أماكن مثل اليمن أو الصومال، لأنهم يرون الفوضى مثلاً في هذين البلدين، وبالنسبة لهم يعتقدون بأنه أينما توجد الفوضى يوجد تنظيم "القاعدة"، ففي أفغانستان مثلاً لا توجد حكومة قوية وهناك فوضى إذاً هناك "قاعدة"، ونفس الأمر بعد الاحتلال الأميركي للعراق كانت هناك فوضى ووجدت "القاعدة"، ولذلك الحكومة الأميركية عندما تجد فوضى في أي مكان فإن أول ما يتبادر إلى ذهنها أن هذا المكان مأوى لتنظيم "القاعدة"، وهناك تقارير استخباراتية أميركية صدرت قبل حوالي شهر أو شهرين تتحدث عن تسلل عناصر "القاعدة" من أفغانستان وباكستان إلى الصومال واليمن، وهذا برأيي غير صحيح.
- هل هذه التقارير برأيك ناتجة عن قراءة واقعية أم ماذا؟
* أنظر معي، المسؤولون في المخابرات الأميركية في رأيي لديهم فكرة عن الغرب بشكل عام، وليسوا متخصصين في الشؤون اليمنية أو الأفغانية أو العراقية، وهم يعتقدون أن "القاعدة" في أفغانستان مثلاً نفس "القاعدة" في المغرب أو اليمن أو العراق، بمعنى أنهم لا يفهمون الفرق بين هذه التنظيمات، ولذلك هم ينظرون إلى الخارطة بشكل عام ويحددون من خلالها هنا مكان "القاعدة" وهنا "القاعدة" وهنا "القاعدة"، وهكذا.
- برأيك أين سيكون خيار الإدارة الإميركية تجاه أي تغيير محتمل في اليمن، كيف ستتعامل معه؟
* أنا لست ناطقاً باسم الحكومة الأميركية، لكن كباحث أعتقد أنه بالنسبة للولايات المتحدة فهي تؤيد الطريقة الديمقراطية في اليمن، وهم يتعاملون مع الفائز في الانتخابات، وأعتقد كذلك أن أهم شيء في اليمن هو الاستقرار.. الآن صحيح أن هناك استقراراً في صنعاء مثلاً والحكومة اليمنية تقوم بحملات تفتيش لمنع حمل السلاح في العاصمة صنعاء، ولكن في رأيي أن أهم شيء أن لا يتركز الدعم الأميركي لليمن على شيء واحد فقط، في رأيي لا بد من تفاهم بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة السعودية واليابان والحكومة اليمنية لدعم مستقبل اليمن وبحث أفضل الطرق لحفظ اليمن ودعم التنمية في هذا البلد، المشكلة الآن أن أميركا اختارت طريقاً معيناً لدعم اليمن، وبريطانيا طريقاً آخر والسعودية طريقاً آخر وهكذا، بينما يفترض أن يتفق الجميع ويتم التنسيق بينهم لاختيار أفضل الطرق لدعم اليمن.. أعتقد أن انهيار اليمن سينعكس سلباً على دول الخليج والعالم.
- لكن البعض يقول أن النظام الحاكم في اليمن لم يعد قادراً على إدارة البلاد أصلاً حتى لو قدمت له المساعدة الخارجية؟
* هذا صحيح، لكن أريد أن أقول لك أن الولايات المتحدة تؤيد الوحدة في اليمن، وتؤيد الديمقراطية، لأن تاريخ أميركا في الستينات والسبعينات أسود جداً بسبب تدخلاتها في أكثر من بلد سواء في أميركا الجنوبية أو أوروبا أو حتى الشرق الأوسط وآسيا، وهذه مشكلة، ولذلك إدارة أوباما لا تريد التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد، وهي تؤيد الطريقة الديمقراطية في التغيير.
- هل تستطيع إدارة أوباما برأيك استعادة دور أميركا الأخلاقي في العالم بعد ما حصل من انتهاكات في عهد بوش؟
* أنا لست متخصصاً في الشؤون الأميركية وإن كانت جنسيتي أميركية، ولكن أعتقد أن أوباما لا يزال في السنة الأولى في رئاسة أميركا، والرئيس بوش في أول سنة قال عنه ناس كثيرون بأنه رئيس ممتاز، وأن إدارته ممتازة، ولكن بعد ذلك تغيرت آراؤهم، وعليه يجب أن ننتظر حتى نحكم على الرئيس أوباما من خلال الطريقة التي سيختارها في المستقبل.
- بالعودة إلى مسألة التعاطي الأميركي مع الشأن اليمني، هناك العديد من التقارير الأميركية التي تصور الوضع في اليمن على غير حقيقته، من يصيغ هذه التقارير؟
* هذه مشكلة أميركية، السي إن إن داخل أميركا أو الفوكس أو الإم إس إم بي سي وكل قنوات التلفزة الإخبارية تستمد 80 % من أخبارها من هوليود، ليس لديها تغطيات إخبارية من العراق أو أفغانستان أو أوروبا، فهم يعتمدون بشكل أساسي على الأخبار الثقافية والفنية داخل المجتمع الأميركي، والناس في أميركا يقرؤون تقارير عن اليمن في بعض الصحف الأميركية مثلاً ولكن برأيي هناك مشكلة تتعلق بعدد المراسلين الأميركيين وإن كانت إمكانياتهم ممتازة كمراسلي النيويورك تايمز والواشنطن بوست، إلا أن هذه الصحف تعتمد على مراسل واحد مثلاً لتغطية أخبار عشرين دولة في الشرق الأوسط، وهذا المراسل يقوم فقط بتغطية أخبار التفجيرات مثل الهجوم على السفارة الأميركية العام الماضي أو الهجوم على المدمرة كول في عام 2000، وهكذا، فالناس في أميركا يقيمون الأوضاع في اليمن من هذا المنظور، وهذا ينطبق حتى على فكرة بعض الناس في اليمن حول العصابات في أميركا، بحيث يتخيل أن كل أميركي عنده مسدس في جيبه ويتجول في الشارع ويمكن أن يطلق النار على أي شخص ويتصور البعض بأن المدن الأميركية مسرح للعصابات والجرائم كثيرة، وهذا غير صحيح، وكذلك الأمر بالنسبة لليمن ليس كل الناس يقومون بتفجيرات أو أعمال "إرهابية".
- في كتابك حول الثورة اليمنية.. ومن خلال قراءتك لتاريخ الثورة اليمنية حتى الآن.. برأك أين أخفقت اليمن؟
* هذا سؤال جيد ولكنه صعب، الآن اليمن واجه مشاكل داخلية ومشاكل خارجية، مثلاً واجه اليمن مشكلة خارجية بعد الوحدة 1990 عندما صوت في مجلس الأمن ضد الحكومة الأميركية في الحرب على العراق، فقطعت الولايات المتحدة مساعداتها لليمن، وكذلك السعودية والكويت، وبدأ الاقتصاد اليمني بالانهيار، وأخرجت الحكومة السعودية حوالي مليون مغترب يمني وهو ما أضاف عبئاً كبيراً على الاقتصاد اليمني، وهناك مشاكل داخلية كثيرة في اليمن كأي بلد في العالم لديه مشاكل داخلية، ولكن في رأيي أن اليمن بسبب إمكانياته المتواضعة تبدو المشاكل أكبر من أن يتحملها.
- لكن هل تلاحظ مثلاً أن اليمن فشل في بناء دولة مؤسسات كما يقول البعض؟
* من خلال قراءتي لتاريخ اليمن منذ الستينيات وبعد الوحدة هناك تطور بالنسبة للمؤسسات ولكنها حتى الآن ضعيفة حسب رأيي، وهذه مشكلة يواجهها اليمن، ومع ذلك أنا عندما كنت هنا عام 2006 كان النظام الحكومي أضعف من الآن، بمعنى هناك تطور بسيط ولكنه أيضاً مهم.
- بالعودة إلى مسألة "القاعدة" في اليمن، أنت كتبت كثيراً عن هذا الموضوع، لكن البعض هنا في اليمن على الأقل يرى أن "القاعدة" و"الإرهاب" صنيعة أميركا، هي التي دفعت هؤلاء الشباب تحت نظر الحكومات إلى القتال ضد الاتحاد السوفيتي ثم انقلبت عليهم وصارت تطاردهم باعتبارهم إرهابيين.. ما رأيك بهذا الطرح؟
* في الثمانينيات أيدت الحكومة الأميركية والحكومات العربية سفر "المجاهدين" إلى أفغانستان للقتال ضد الاتحاد السوفيتي، لكن الولايات المتحدة لم تكن ترسل الأموال مباشرة إلى "المجاهدين"، وإنما كانت ترسلها إلى المخابرات الباكستانية فقط، وهناك كتاب حول هذه القضية للمؤلف (لورانس وايتس) تحدث فيه عن تاريخ المجاهدين في أفغانستان من الثمانينيات حتى 11 سبتمبر 2001، وهو كتاب جيد جداً في رأيي، وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي أثارت عودة "المجاهدين" من أفغانستان قلق الحكومات العربية من انتقال الجهاد إلى أراضيها، لكن بعد أحداث 11 سبتمبر تغير كل شيء، وأنا أعتقد أن "القاعدة" ليست صناعة أميركية، وإن كانت الحكومة الأميركية دعمت "المجاهدين" في فترة الثمانينات عن طريق المخابرات الباكستانية، وذلك لأن هناك برأيي فرقاً كبيراً الآن بين الجيل الأول من "القاعدة" وهو الذي كان في الثمانينيات وبين الجيل الجديد مثل ناصر الوحيشي أو قاسم الريمي في اليمن.
- أنت قلت أن استقرار اليمن من مصلحة أميركا، لكن هناك من يقول أن الولايات المتحدة تسعى إلى تقسيم اليمن في إطار إعادة تشكيل الخارطة في المنطقة، ما رأيك بذلك؟
* الحكومة الأميركية برأيي تريد الاستقرار في دول الشرق الأوسط، صحيح أن الولايات المتحدة في الثمانينيات أثناء الحرب الباردة كانت تبحث عن الفوضى في أي مكان في العالم، ولكن بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة صارت الولايات المتحدة في رأيي تبحث عن الاستقرار والهدوء في كل مكان، وبالتالي لا أعتقد أن أميركا تقبل بالفوضى في العراق أو اليمن أو أفغانستان، لأن هذا ضد مصالح أميركا.
- لكن هناك تقسيم بدون فوضى أو بفوضى خلاقة كما يقولون؟
* صعب هذا التقسيم، الولايات المتحدة لديها تاريخ أسود خلال الستينات والسبعينات وخلال الحرب الباردة في تقسيم الدول، لكنها أيدت الوحدة في ألمانيا خلال التسعينيات وأيدت الوحدة في اليمن.
- إذن أنت ترى أن الوضع في اليمن لا يسير باتجاه السيناريو الذي يجري في السودان أو العراق أو الصومال مثلاً؟
* لكل بلد في العالم خصوصياته ويختلف الوضع من بلد إلى آخر، صحيح أن الناس في أميركا أو أوروبا ينظرون إلى الصومال وينظرون إلى اليمن ويعتقدون بأن الوضع هناك نفس الوضع هنا، لأن القات موجود في الصومال وهو موجود في اليمن، الشباب موجود هناك وموجود هنا، البنادق والأسلحة موجودة في صنعاء وفي مقديشو، لكن برأيي أن الوضع في الصومال يختلف عنه في اليمن، ولكل بلد تاريخ مختلف عن الآخر.