قررت مصر أخيرا التحرك باتجاه الدفع للتوصل إلى حلول لازمات اليمن. وحطت الدبلوماسية المصرية في صنعاء الاسبوع الماضي دفعة واحدة، ابتداء بزيارة وزير الخارجية المصري احمد ابو الغيط ووزير المخابرات عمر سليمان، ثم زيارة الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى.
واستقبلت أوساط يمنية مختلفة، المبادرة المصرية بمشاعر متفائلة خاصة بعد أن بحت اصوات الداعين لانقاذ اليمن من مخاطر التشرذم والفشل، ومطالبتهم عبر سلسلة تصريحات ومقالات صحفية بعدم التغاضي عن مشكلاته، أو تركه لمواجهة مصيره بنفسه.
وقرأ مراقبون هذا التحرك الدبلوماسي المصري على انه يأتي في اطار الجهود المصرية لاستعادة الدور الاقليمي الفاعل في المنطقة بعد ان تركت فراغا في المنطقة وشكاوى مريرة من تفاقم الازمات وتهديدها للامن القومي العربي.
ومع تأكيد المصادر السياسية على تعقيدات الازمة اليمنية، وكذلك تباين المواقف والرؤى بين الاطراف المختلفة، الا ان مراقبين اعتبروا تحرك مصر بحد ذاته يعد تحولا كبيرا وبادرة ايجابية، مشيرين إلى التفويض العربي للدور المصري والسمعة التي تحظى بها لدى الاطراف المختلفة في الازمة.
وقد حرصت القاهرة على اصدار تأكيدات عامة حول مضمون الزيارة. وقال الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى ان "مباحثاته في صنعاء دارت حول تحقيق هدفين اساسيين، وهما الحفاظ على وحدة اليمن اولا ثم الحفاظ على استقراره ووقف كل ما يؤدي إلى النزيف الدموي والمعارك بين أبنائه."
كما أوضح موسى أنه بحث مع الرئيس صالح إمكانية عقد مؤتمر حوار وطني، ولمس تحمسه لذلك، وأنه على استعداد للحوار مع كل القوى السياسية اليمنية داخليا وخارجيا للتوصل إلى حلول.
وبالتزامن مع زيارة موسى، فقد خرجت مسيرات في مدن الضالع وردفان ولحج وابين ويافع والصبيحة وكرش وشارك فيها المئات من عناصر ما بات يعرف ب"الحراك الجنوبي"، مطالبة ضمن أشياء اخرى، دعم الجامعة العربية لما تسميه "فك الارتباط عن الوحدة". وقد ساء بعض الناشطين والقياديين فيها، تصريحات موسى الداعية " إلى حوار تحت سقف الوحدة."
ومع تأكيد القاهرة مرارا على موقفها الداعم للامن والاستقرار في اليمن، ورفض التدخلات الاجنبية في شؤونه، وذلك بالاشارة ضمنا إلى إيران، فان الحوثيين يعلقون آمالا على أي جهد عربي أو دولي يؤدي إلى ايقاف الحرب أو لما من شأنه دعم موقفهم سواء تفاوضيا أو فكريا وسياسيا.
أما احزاب المشترك، فانها قد عبرت منذ وقت مبكر للزيارة عن خشيتها من حوار يستثني بعض الاطراف والقضايا الرئيسية. ورغم الدعوة التي اطلقها ناطق المشترك نائف القانص في وقت سابق، مرحبا بأي جهد عربي لإنهاء المشكلات الموجودة. الا ان تصريحات المعارضة تضمنت اشارات إلى تلك التعقيدات في الازمة، ومنها مدى جدية السلطة للقبول بحوار وطني شامل وغير مشروط، كما اشترطت لنجاح أي مبادرة عربية، عدم حملها أي اجندات معينة.
ولم تتوضح أي تفصيلات حول مضمون المبادرة المصرية سوى من بعض التسريبات الصحفية. لكن مصدرا سياسيا مسؤولا رد على ما أثارته بعض وسائل الإعلام حول هذا الشأن بالقول ان عمرو موسى لم يحمل إلى صنعاء أية مبادرات ولكنه نقل دعما عربيا من الدول العربية لحماية الوحدة والأمن والاستقرار في اليمن.
وكشف المصدر ما هو أهم من ذلك، حيث العقبة الرئيسية التي اشارت اليها تصريحات المعارضة، وذلك بقوله "إن نحو 3 آلاف شخص يمثلون مختلف القوى السياسية المحلية سوف يتحاورون في شهر نوفمبر القادم ضمن اجتماعات المؤتمر العام الخامس للمجالس المحلية، وسيتم فيها وضع كل القضايا الوطنية على طاولة الحوار الواسع بهدف تعزيز الحكم المحلي واسع الصلاحيات وتنفيذ مصفوفة الحكم المحلي التي أُقرت في وقت سابق."
وفي اطار التحرك المصري عينه، كشفت مصادر سياسية يمنية في تصريحات لموقعي "اسلام اون لاين" ووكالة " قدس برس" عن خطة مصرية غير معلنة مدعومة عربيا من ثلاث دول على الاقل اهمها السعودية، وتتضمن الخطة في الشق المتعلق باحتجاجات ابناء المحافظات الجنوبية " تمسك الجنوبيين بالوحدة اليمنية مقابل مضي صنعاء قدما في تدعيم مبدأ الشراكة الحقيقية في الثروة والسلطة معهم".
موضحة ان القاهرة اقامت حوارا مع قادة الحراك الجنوبي الموجودين في الخارج، وحثتهم فيه على التمسك بالوحدة ووعدتهم بالضغط على صنعاء ودفعها للمزيد من الاهتمام بالجنوب.
وأكدت بأن الحوارات المعمقة والتي اجرتها القاهرة في اوقات سابقة، وكان من بين حضورها، علي ناصر محمد، ورئيس الوزراء السابق حيدر ابو بكر العطاس، ركزت على تمسك الجنوبيين بالوحدة مقابل مضي صنعاء قدما في تدعيم مبدأ الشراكة الحقيقية في الثروة والسلطة معهم. وقالت إنه "لأجل إثبات جدية صنعاء في الاهتمام بالجنوب ستسعى لتعيين وزراء جنوبيين من المعارضة في الحكومة ليكونوا مشاركين لها في صنع القرار، ومراقبين عن كثب لعملية تنمية الجنوب."
وفيما يتعلق بالشق الثاني من الخطة المصرية - بحسب المصادر نفسها- يتمثل في "احتواء التمرد الحوثي، عبر تخفيف الضغط العسكري عنه، وعدم تركه أداة طيعة في أيدي قوى إقليمية تريد العبث به في المنطقة."
وأكدت أن " القاهرة تفاهمت مع قادة الحوثيين في أوروبا على قبول شروط صنعاء الخمسة لوقف إطلاق النار." وأن الحوثيين " لم يبدوا استعدادهم لقبول هذه الشروط دون الحصول على ضمانات مصرية بعدم تضييق صنعاء عليهم، بل وإلزامها بالعمل على إعادة بناء ما خلفته الحرب في صعدة والمناطق المجاورة."
وذهبت المصادر إلى ابعد من ذلك، حين لفتت بأن "شخصيات محسوبة على قوى الحراك الجنوبي وعلى الحوثيين موجودة في عدد من العواصم الغربية والعربية بدأت في الإعداد للتوجه إلى القاهرة نهاية الشهر الجاري." كما اشارت إلى أن قوى الحراك الجنوبي تحمل رؤية لحل الأزمة ضمن ما يعرف بالحكم الفيدرالي المؤقت والمشروط مدته أربعة أعوام ينتهي بالسماح لليمنيين الجنوبيين بالاستفتاء على تقرير المصير، وأن يتم التوقيع على ذلك ضمن اتفاق شبيه باتفاقية نيفاشا بين الحركة الشعبية وحزب المؤتمر الوطني في السودان.
و إلى جانب مؤشرات عدة تبين مشاركة القاهرة لصنعاء نفس المخاوف العميقة جراء تصاعد النفوذ الإيراني بالمنطقة وتمدده في أكثر من مكان، فان اللافت في زيارة وزير الخارجية المصري والوزير عمر سليمان المتعاقبة لإريتريا ثم اليمن فالسعودية. هو استشعار القاهرة لخطورة التغاضي عن ملفات إقليمية ظلت مفتوحة منذ فترة طويلة.
وإيران اصبحت بلا شك هي المتهم الأول والرئيسي في عدد من الاضطرابات التى تشهدها دول المنطقة. وبالتالي، فالتحرك المصري الاخير، يرتبط ايضا ضمن مسعاه، ببحث مسألة الحفاظ على أمن البحر الأحمر، والنظر في تأثيرات ما يحدث في اليمن ودول القرن الافريقي.
وسبق لصنعاء والقاهرة الشكوى أكثر من مرة من تفشي النشاط الشيعي في بلديهما بشكل غير مسبوق، والاخيرة ضمت ندوة خلال الاسبوع الماضي، ناقشت اوضاع اليمن، ونظمها الحزب الناصري المصري، حيث كشف نائب رئيس تحرير جريدة "الاهرام" والباحث المتخصص في الشؤون اليمنية الدكتور حسن أبو طالب، عن قيام الملحق الثقافي في السفارة الإيرانية بالقاهرة بدور مشبوه في تجنيد الطلاب اليمنيين الدارسين في مصر من خلال تنظيمه زيارات لبعضهم إلى إيران لفترات زمنية تصل لأكثر من أسبوعين.
ومثل هذه التهم وجدت لها أصداء مشابهة في صنعاء. أما ارتيريا، فالمعروف عن نظامه قيامه بنشاط تنسيقي مشبوه مع اسرائيل والدول الغربية في منطقة البحر الاحمر، لكنه تحول مؤخرا وبشكل مفاجئ إلى الاحضان الإيرانية. ورصد المحللون والمراقبون عدة زيارات متبادلة بين البلدين، وقد فسر هذا التحول نتيجة للمواقف الغربية المتخاذلة مع اسمرة مقابل اثيوبيا، وتحديدا في الاحداث التي يشهدها الصومال.
ويبدو انه من المبكر الحديث عن نتائج المبادرة المصرية طالما لم يكشف النقاب عنها رسميا، وطالما ظلت الحرب في صعدة مستمرة من دون حسم أو توقف نتيجة رؤية معينة، على رغم مناخ التفاؤل الذي اثاره البعض حول الدور المصري في اليمن، وهو دور تاريخي يرجعه مؤرخون إلى ما قبل ثورة 26 سبتمبر 1962م.
حيث تدخلت مصر لدعم الثورة والمحافظة عليها بكل الوسائل، وقدرت المصادر عدد الجنود المصريين الذين شاركوا في الدفاع عن ثورة سبتمبر بحلول العام 1967م خمسة وخمسون الفا، وفي نفس العام قرر الزعيم جمال عبد الناصر سحب قواته من اليمن تحت تأثير النكسة.
ورغم ما قدمته مصر لليمن ولثورته السبتمبرية، الا ان ذلك الدور وجد في اوساط بعض المثقفين من يشوهه ويضعه في قفص الاتهام ودائرة النقد حد وصف اليمن بأنها "فيتنام مصر" ككناية على الضربات التي تلقتها القوات المصرية المدربة من فلول الملكيين.
وللمفارقة فقد دارت رحى الحرب المعروفة ب"حرب اليمن بين الجمهوريين والملكيين" في وضع عربي وصف بالتشرذم، وكانت الدول العربية مستقطبة بين المعسكرين الشرقي والغربي، وعاش العالم العربي العديد من الأزمات.
وما اشبه الليلة بالبارحة في بعض التفاصيل، فإيران اليوم بنفوذها المتصاعد تشكل احد هذه المحاور، وقسمت المواقف العربية بين محورين هما دول ما تسمى بالممانعة واخرى معتدلة. ويحاول الحوثيون استعادة المشروع الامامي النائم منذ 1970م، حتى وان نفوا ذلك، متخفين بالثياب العصرية.
ولأسباب وملابسات سياسية مختلفة، كان الجانب الملكي يتلقى الدعم من السعودية، بينما تلقى الجانب الجمهوري الدعم من مصر. واليوم يمكن القول ان السعودية ومصر تشكلان محورا عربيا في مواجهة المد الإيراني في المنطقة.
ويعتقد الكثير بأن نجاح المشروع الإيراني واستقراره سيمثل مشروع فتنة للعالم العربي وذلك لأنه يقوم أساسا على إثارة العصبيات والصراعات الطائفية والدينية والتي ظلت لعقود من الزمن في وهدة السكون والخمود، ثم برزت فجأة منذ غزو العراق عام 2003م.
ويبقى االقول بأن أي مهمة خارجية في الشأن اليمني ترتبط بمسئولية الاطراف الفاعلة في الداخل، ولا يجب أن ننتظر تطورات الاحداث تأخذنا إلى حيث حطت رحلها ام قعشم.