لم يكن مفاجئا أن يصوت السويسريون لصالح حظر بناء المآذن، فقد كانت استطلاعات الرأي تشير منذ شهور إلى هذا التوجه، والاستفتاء، على الرغم من الاستنكارات السياسية له، يؤكد أن الشعب الأوروبي لا يزال يشعر بالخوف من المسلمين، ويربط الإسلام بالتطرف، وللأسف فإننا ساهمنا في هذه الأزمة.
فقد بدأت الحملة، التي روج لها حزب الشعب السويسرى اليميني، منذ أشهر بجمع توقيعات لأكثر من ألف شخص للمطالبة بإجراء الاستفتاء، ونبه عدد من كتاب العرب إلى خطورة الأمر، ودعوا إلى التوجه للمواطن السويسري ومخاطبته بعقلية تتناسب مع ثقافته ووعيه، وتحسين صورة الإسلام التي لا تزال عند قطاع واسع في أوروبا مرتبطة بالتطرف بسبب أحداث 11 سبتمبر، وبسبب بيانات التنظيمات الإسلامية التي لا تكف عن الدعوة لمهاجمة الغرب ومحاربة "الكفار".
لكن علماء الدين لدينا انشغلوا بقضايا أخرى مثل قضية النقاب "أبو عين واحدة" وتخلوا عن دورهم في توضيح حقيقة الدين الإسلامي للمسلمين أولا وللغرب ثانيا، وكانت النتيجة أن أصبح الإسلام في سويسرا، وبشكل رسمي وقانوني، ديانة تحرض على العنف والكراهية، لتستمر حالة سوء الظن والخوف سائدة في أوروبا، خاصة بعد أن عجز مسلمو أوروبا عن اتخاذ موقف واضح مناهض للإرهاب.
ولا يمكن في هذا السياق إغفال الأزمة بين سويسرا والرئيس الليبي معمر القذافي، الذي أهان الشعب السويسري، طوال الشهور الماضية بسبب نجله هانيبال الذي انتهك القوانين وانتهك حقوق الإنسان وتعامل بوحشية مع خادمتين لا حول لهما ولا قوة، ولأن دولة أوروبية مثل سويسرا لا تفرق في تطبيق القوانين بين ابن حاكم أو ابن خادم فقد تعاملت معه وفق قوانينها ووفق مبدأ تطبيق سيادتها على أرضها، فأوقفت نجل الزعيم، وهو بالطبع ما أغضب القذافي ومن ثم قرر شن الحرب الاقتصادية والإعلامية على سويسرا.
واحتجز القائد الليبي رهينتين من مواطني سويسرا في بلاده، وبدأ المساومة عليهما، بشكل مهين للدولة الأوروبية التي رضخت لمطالبه واعتذر رئيسها وتعهد بالتحقيق مع الذين أوقفوا نجله، مقابل الإفراج عن الرهينتين، لكن القذافي خلف وعده وقرر محاكمة الرجلين.
فما الذي يمكن ان ننتظره إذن من السويسريين في الاستفتاء على المآذن إذا كان الرئيس العربي الذي نصب نفسه زعيما للمسلمين في العالم يقدم مثل هذا النموذج لخيانة الاتفاقات ومخالفة الوعود والجور على أشخاص أبرياء أوصلهم الحظ العاثر إلى الجماهرية، التي قرر زعيمها أن يلغي المبدأ الإسلامي المهم " ولا تزر وازرة وزر أخرى"، وأخذته العزة بالإثم.
وما الذي كان من الممكن انتظاره من الاستفتاء بعد أن طالب القذافي بمحو سويسرا من الخريطة وتفكيكها لتوزع على الدول المجاورة لها.
وفي إيطاليا قرر القذافي أن يلعب دور الداعية الإسلامي، وطلب مقابلة 600 فتاة إيطالية تتراوح أعمارهن ما بين 18 إلى 35 عاما، وفي جو مريب ومن دون أن تدري الفتيات سبب اللقاء، فوجئن بالرجل يدعوهن إلى الإسلام، ولم يقل لهن ميزات هذا الدين الجديد، لكنه بدلا من ذلك مس الأديان الأخرى واعتبرها باطلة ومحرفة، ليقدم أفضل دعاية مجانية لأعداء الإسلام.