arpo37

لمحاتٌ من تاريخ النيجر

موقع النيجر الجغرافي وتركيبته الاجتماعية:

- موقع النيجر الجغرافي:

تمثل جمهورية النيجر قنطرة بين الصحراء الكبرى شمالها وجنوبها وتقع في وسط غرب إفريقيا ً. وقد نالت سيادتها واستقلالها سنة 1960م كبقية دول المنطقة التي كانت تطلق عليها إفريقيا الغربية الفرنسية (كانت تشمل بالإضافة إلى النيجر الدول الآتية: السنغال، ومالي، وموريتانيا، وغينيا، وساحل العاج، وفولتا العليا (بوركينا فاسو) وداهومي (بنين) وتوغو (المستعمرة الألمانية التي انضمت إلى فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية)..

ثم انضمت إلى الأمم المتحدة، ومنظمة الوحدة الإفريقية التي صارت "الاتحاد الإفريقي" ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وانضمت كذلك إلى أهم المنظمات الإقليمية والدولية.

فدولة النيجر واحدة من دول غرب إفريقيا في منطقة الساحل والصحراء ويحدها شرقاً: تشاد، وشمال شرق: ليبيا، وشمالا: الجزائر، وغرباً: مالي، وجنوب غرب: بوركينا فاسو، وجنوباً: بنين ونيجيريا.

وتبلغ مساحتها: 1,267,000 كم2. ويرجع اسم النيجر للنهر العظيم الذي يمر بالمنطقة الغربية من البلاد على مسافة: 550 كم، والنيجر دولة حبيسة ومغلقة صندوقية، لا تطل على بحر. وعاصمتها: نيامي، وأهم مدنها بعد العاصمة: زندر، ومرادي، وأغاديز، وطاوه، ودوسو، وديفا، وتلابيري. وفي النظام اللامركزي الجديد تعتبر هذه المدن عواصم للأقاليم.

ويتقاسم النيجر بصورة غير متكافئة فصلان يتحدان بفضل التوازن الموسمي لمنطقة ما بين المدارين:

الفصل الأول: الجاف، ويتميز في مجموعه بهيمنة الرياح الآتية من الصحراء (رياح الشرق والشمال الشرقي) ويسمى هذا الفصل بالحرور.

وهذا الفصل وهو الأطول (من أكتوبر إلى مايو) ينقسم هو ذاته إلى فصل بارد (من نوفمبر إلى فبراير) وفصل حار (من مارس إلى مايو). الفصل الثاني: الرطوبة، وهو فصل قصير (من يونيو إلى سبتمبر). والملاحظ أن تهاطل الأمطار ضعيف في النيجر بصفة عامة.

- التركيبة الاجتماعية للنيجر:

يتكون شعب النيجر من عدد من القبائل الرئيسة تتمثل في الهوسا، والسنغاي، و الزرما، والفلاته، والطوارق، والعرب، والتوبو، والكانوري، والغورمانتشي.

ويلاحظ أن النيجر تتميز عن غيرها من الدول الإفريقية من حيث قلة عدد قبائلها، إذ أنها لا تتجاوز ثمان قبائل رئيسة كما ذكرنا، ويعتبر هذا العدد قليلا مقارنة بقبائل الدول الإفريقية الأخرى التي تعد فيها عدد القبائل بأضعاف هذا العدد. كما تتميز القبائل النيجرية بسمة أخرى وهي الإسلام، الذي يعتبر عنصر توحيد وربط هذه القبائل ببعضها.

فقد تعايشت قبائل النيجر باختلاف أعراقها وأعرافها وتنوع لغاتها وثقافاتها، منذ أمد بعيد، في وئام وسلام وتناسق، بفضل الله تع إلى أولاً ثم بفضل هذا الدين الحنيف، الذي تدين به الغالبية العظمى الساحقة من سكان النيجر، والمعروف أن من أهم أهداف الإسلام جمع شمل المؤمنين به وتقوية الروابط الأخوية بينهم كأمة واحدة.

وقد صهر الإسلام هذه القبائل في بوتقة واحدة حتى كادت تكون قطعة واحدة، ونرى مظاهر هذا الانصهار فيما وجدناه من انسجام وإخاء بين هذه القبائل.

وقلما نجد قبيلة من قبائل النيجر إلا وهي تصاهر الأخرى وتمازجها، كما بين الطوارق والسنغاي، والفلاته، وموري، وبري بري، وبين الزرما والسنغاي، وموغوبري… الخ، وكذلك فيما هو ملموس حقيقة من وجود ثقافة إسلامية مشتركة تنفصل عن ما لدى هذه القبائل من ثقافات تخص كل قبيلة منها.

ولا عجب إذن إذا لم يوجد في النيجر ما يوجد في بعض دول القارة من الصراعات والحروب القبلية الممقوتة والعرقية البغيضة القاتلة …

اللغات واللهجات الوطنية:

هذا، ولكل قبيلة من قبائل النيجر لغتها ولهجتها الخاصة بها، وكل واحدة من لغاتها مستخدمة في الدول المجاورة (مثل لغة الهوسا لغة الزرما، ولغة الفلاته، ولغة التماشيك، ولغة السنغاي، واللغة العربية، وغيرها) وهي الدول السبع التي تحد النيجر.

وعلى الرغم من وجود بعض اللغات المكتوبة كلغة التماشيك التي تكتب بالتيفيناغ (امازيغية)… ظلت الثقافة الشفهية هي المهيمنة على المنطقة التي تقع فيها النيجر، مثلما كان الأمر بالنسبة للجزيرة العربية قبل مجيء الإسلام.

فقد كانت الأغاني والأشعار والخطابات والأمثال والروايات الخرافية والتاريخية هي ما يشكل مجال الأدب، وكانت التربية كلها، وكذلك كل عملية نقل المواقف والمعارف كانت تجري عن طريق التعبير المنطوق، لكن الإسلام أدخل إلى المنطقة معطى جديداً هو الكتابة، لأن الإسلام يأمر بالقراءة والكتابة. ولذلك فإنه منذ القرنين الأول والثاني الهجري بدأت الكتابة تنتشر في منطقة الساحل والصحراء ….

وتكتب هذه اللغات اليوم بالحروف اللاتينية باستثناء العربية طبعاً، وكانت هذه الحروف تكتب قبل التدخل الاستعماري الغربي بالحروف العربية، ومازالت الكتابة بالحروف العربية تكوّن اليوم وبخاصة في المناطق القروية والبادية عماد العلاقات عن طريق التراسل...

واللغة العربية منذ دخل الإسلام إلى هذه المنطقة، لغة الآداب والعلوم والدبلوماسية، وكانت لغة كبار العلماء، علموها وألفوا بها كتباً قيمة في المجالات العلمية والأدبية المختلفة التي ازدهرت في حضارة الإسلام قروناً عدة..

فلما جاء الاستعمار الغربي صرف اللغة العربية، عن المجال الإداري , والسياسي، والثقافي، وليضايقها أكثر، أدخل كثيراً من الأولاد في مدارسه، وحصر اللغة العربية في مجال الأغراض الدينية.

ورغم ما قام به الاستعمار الغربي من أعمال يقصد بها القضاء على لغة القرآن وعلى القرآن نفسه فقد طُوِّر بعد الاستقلال التعليم الإسلامي المتمثل في المدارس القرآنية والعربية، والعربية الفرنسية، ولم يتوقف المسلمون في النيجر في يوم من الأيام عن إدخال أولادهم مدارس تحفيظ القرآن الكريم.

والجدير بالذكر أن اللغة العربية - في النيجر - تمتاز عن غيرها من اللغات المحلية الوطنية الأخرى بأنها تدرّس رسمياً في المدارس الحكومية وغيرها جنباً إلى جنب مع اللغة الفرنسية، لغة الإدارة الرسمية، التي أصبحت بدورها حلقة وصل وتفاهم بين المثقفين بها من الشعب النيجري..

وصول الإسلام إلى النيجر:

كانت بذور الدين الإسلامي قد طرقت أبواب الصحراء منذ وقت مبكر. وقد لا يعلم الكثير من الناس أن عقبة بن نافع القرشي الفهري بعد اختراقه الصحراء والواحات من فزان إلى كاوار وأنه حاصر خوار عاصمة الإقليم فامتنعت عليه بعد حصار دام شهراً، فتركها ليعود إليها ويفتحها بعد جولة في الإقليم لإخضاع الواحات الأخرى و( كاوار ) تقع في الشمال الشرقي بجمهورية النيجر (الحالية) على الحدود بينها وبين ليبيا.. وما زالت تحمل نفس الاسم إلى يومنا هذا، وبنظرة خاطفة على خارطة جمهورية النيجر يظهر إقليم كاوار.

وقد بدأ الإسلام من ذلك الوقت ينتشر ببط ء وبلا توقف مجتازاً المفازة التي وقف عقبة على مشارفها فارتدّ قافلاً، كما فعل بعد ذلك عندما أدخل قوائم فرسه في البحر المحيط، في المغرب الأقصى..

ولكن الأفكار - خاصة إذا كانت تحمل الأنوار - لا تعوقها المفازة ولا أمواج البحار المتلاطمة ولا قمم الجبال الشاهقة ولا كثافة الغابات المتراصة والرمال المتحركة. فقد ذهب الإسلام يتخطى كل العوائق الطبيعية من الصحراء والمفازات والعوائق الفكرية، من الوثنيات المتوارثة، ينتشر بقوته الذاتية، ويسمو بالمثل التي يدعو إليها وينشرها ويلح على الالتزام بها وتطبيقها..

إلا أننا لا نستطيع الحديث عن جمهورية النيجر مبتورة عن منطقة الساحل الإفريقي. هذه المنطقة يربطها تاريخ متشابك، وأحداثها تعمها كلها، كما أننا لا نستطيع ونحن نتحدث عن تاريخ انتشار الإسلام، أن نفصل الحجاز عن المدينة المنورة واليمن ومصر وفارس والشام عنها، ولا أن نترك جانباً دمشق وبغداد ونحن نتابع الفتوحات الإسلامية …

فقد كانت هذه المنطقة خاضعة في تاريخها لدول مهيمنة أسهمت إسهاما كبيرا مشرقاً في تاريخ الإسلام، وعلى مستوى العالم الإسلامي، بل وبأبعاد الحضارة الإسلامية، وقدمت للإنسانية ما ينبغي أن يكون حتى اليوم بل وبعد اليوم نبراساً ينضم إلى ما قدمه الإسلام للبشرية ويصب في هذا النهر العظيم العذب الذي أراد الإسلام أن يكون منهلاً ثرّاً فراتاً للحياة البشرية السلمية حتى آخر لحظة للحياة الإنسانية على الأرض، يوم يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.

ولهذا ولنكون واقعيين، لا بد من الإشارة إلى أن الانتشار الشامل الكثيف الراسخ المتوطن جاء من الغرب الإسلامي..

فقد بدأ الإسلام ينتشر في شمال إفريقيا بعلماء دعاة وتجار دعاة، منذ تم فتح شمال القارة، واجتاز الإسلام إلى شبه جزيرة إيبرية، وسميت بعد ذلك - اسبانيا اليوم - بالأندلس التي أخذت جزءاً من البرتغال،إلا أن الدعاة التجار والدعاة العلماء لم يحوّلوا منطقة غرب إفريقيا إلى دولة أو دول إسلامية، إنما الفضل في ذلك بعد الله يعود إلى دولة المرابطين الذين احتلوا غانة وعاصمتها "كومبي صالح".

فقد اتجهوا إليها بقيادة الأمير أبي بكر بن عمر واقتحموها عام: 460 ه وقضوا على الوثنية فيها، وعملوا على تحويلها كلها إلى بلاد إسلامية خالصة، وأقاموا عليها حاكماً مسلماً من الغانيين أنفسهم.. ومن ذلك الحين أصبحت بلاد غانة كلها بلاداً إسلامية..

وهكذا يكون أبو بكر بن عمر قد حوّل معظم بلاد إفريقية الغربية المدارية إلى الإسلام.. وعندما توفي مجاهداً سنة 480ه كان قد وقف بالإسلام على أبواب إفريقية الاستوائية عند منطقة الغابات الكثيفة، واستعدوا للتوغل فيها.

ومنذ حوّل المرابطون السلطات الحاكمة في غانة إسلامية أخذت تعمل على نشره في البلاد بحماسة، وشهد تاريخ السودان الغربي قيام إمارات ودول إسلامية تنشر الإسلام في معظمها، بل حوّل سنديانا كيتا إمارات المنطقة إلى إمبراطورية واسعة قوية تنشر الإسلام في كل الأقاليم من المحيط الغربي إلى شرق النيجر حيث توجد مملكة سنغي التي كان الإسلام منتشراً فيها من قبل وأسلم ملكها قبل وصول ملوك مالي إليها واستيلاء منسا موسى، المشهور بكنكن موسى عليها عند عودته من الحج، ذلك الحج الذي أثار ذكريات أسطورية في البلاد التي مر بها أثناء ذهابه إلى الحج عام 724ه/ 1324م واشترى بيوت ومزارع وأوقفها على أهل تكرور في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وترك في القاهرة آثاراً بقيت حديث الناس زمناً طويلاً..

وكان أباطرة إمبراطورية مالي يعملون لنشر الإسلام، والرحالة المغربي ابن بطوطة زار مالي في القرن الثامن الهجري في حياة منسا سليمان موسى أخ كنكا موسى وأشاد بالفضائل التي وجدها في هذه البلاد: الأمان، والسلام، وحفظ القرآن الكريم، والمواظبة على الصلاة …

وكانت سنغاي قد قضت فترة من الزمن تحت سلطان مالي ثم تخلصت منه بل سيطرت على مالي وورثت كل ما لديها وزادت عليه حتى وصلت حدودها إلى المحيط الأطلسي غرباً ومشارف بحيرة تشاد شرقاً، وفي عمق الصحراء شمالاً وأجزاء من بوركينا فاسو وبنين (الحاليتين) جنوباً. وكان إمبراطورها الحاج أسكيا محمد قد حج في القرن العاشر الهجري، وزار القاهرة والتقى بجلال الدين السيوطي (ت911ه). وفي مكة المكرمة لقبه شريف مكة بخليفة المسلمين في تكرور وعاد بلقبه، وكان أسكيا متديناًً.

وبعد هذه الجولة التاريخية - السريعة - عن تاريخ وصول الإسلام هذه المنطقة، نعود إلى جمهورية النيجر، ولا نحتاج إلى القول بأنها كانت جزءاً من إمبراطورية سنغاي، فكل المنطقة التي تحتها كانت من إمبراطورية أسكيا الإسلامية.

نسبة المسلمين وواقعهم في النيجر:

ويتضح مما تقدم أن النيجر، بلد إسلامي عريق في الإسلام، إذ استقر فيه الإسلام منذ قرون عدة، وشكل الكثير من عادات الناس وسلوكهم. ويُقدّر عدد السكان بحوالي (12) مليون نسمة، وتقدر نسبة المسلمين فيه بـ97% (سنّة مالكية) حسب الإحصائيات الرسمية الأخيرة لحكومة النيجر.

وأما النصارى فإن نسبتهم قليلة جداً. بل يرى بعض الناس أنه لا نسبة لهم، فهم قليل جدا، ومعظمهم أصلاً من غير النيجر. وأما الوثنيون فهم أيضاً قلة جداً. وقد صبغتهم المظاهر العامة للتقاليد الإسلامية، بحيث لا يستطيع تمييزهم إلا أصحاب البلد من جيرانهم.

وتنبغي الإشارة إلى أن الإبهام، وعدم الوضوح الذي دفع الناس - قبل الاستقلال وبُعَيْدَهُ- إلى تقديرات مختلفة لنسبة المسلمين، وكذلك غير المسلمين في النيجر، يعود إلى أن السلطات الاستعمارية تركت عادة لم يتخلص منها الناس بسهولة، وهي عدم الإشارة أو عدم إثبات دين الشخص عند الإحصائيات التي يقومون بها. وقد ترسخ هذا السلوك أو هذا العمل، فجرى عليه ما تمّ بعد رحيل الاستعمار في ميدان الإحصائيات..

فلا يوجد أحد أثبت أمام اسمه ديانته في الوثائق الرسمية، ولكن الذين أتيحت لهم الفرصة للطواف في البلاد طولاً وعرضاً وعمقاً يقولون إن البلد كله مسلم، ولا يوجد فيه غير المسلمين تقريباً، وقد لاحظوا أن في المدن والقرى والبوادي مساجد كثيرة، وحتى في القرى التي لا تتعدى عدة بيوت، نجد فيها المسجد والإمام ورئيس القرية الذي يتباهى أن قريته فيها مسجد وإمام وكتّاب لتحفيظ القرآن.

ولارتباط رئيس القرية، أو حتى المدائن الكبرى، بالمسجد والإمام، واجهت مشكلة الذين أرادوا بناء مساجد جديدة، حيث كانت المساجد القديمة، أو معظمها يحيط بها المساكن من الجهات الأربع، ولا تسمح بتوسيعها، فرفض رؤساء المدن والقرى نقل المسجد بعيداً عن بيوتهم، وكذلك تغيير الإمام.

ونضرب مثلاً على ذلك إصرار رئيس مدينة " دوسو "، وكذلك سلطان " زندر " نقل المسجد إلى مكان واسع بعيداً عن داره.. فاضطر الناس إلى هدم بعض البيوت المحيطة بالمسجد وتعويض أصحابها.

وهكذا نرى في النيجر كل مظاهر الإسلام من إقامة صلاة الجماعة والمساجد، والأعياد الإسلامية، وافتخار الناس بلقب الحاج!! وما يعود به الحجاج من ملابس أهل الحرمين. ويظن بعض الناس في قداسة هذه الملابس، ويظنون أن كل ما يأتي من بلاد الحرمين مبارك وفيه خير عميم لجميع الناس، وغير ذلك من المظاهر الإسلامية في النيجر.

وقد دفع هذا بعض البعثات المسيحية التي وجدت البلد كله مسلماً تقريباً أن تنشط في الأقلية غير المسلمة، بل وحتى في أوساط المسلمين، لتجرها إلى ديانتها، مستغلة فقرها وعوزها ومرضها وجهلها، وتسبب بذلك القلاقل وعدم الاستقرار الذي يسمح لها بالصيد في الماء العكر.

فقد نشطت هذه البعثات بما لديها من إمكانات مادية هائلة تغذيها الدول التي تنتمي إليها، نشطت في حفر الآبار وفي الصحة والإغاثة وتصريف منتجات الفلاحين وأصحاب المهن التقليدية، كل هذا لتجد مكانا تضع فيه قدمها، لتنطلق بعد ذلك إلى العمق وهو غزو الجماهير المسلمة..
وقد لوحظ غياب معظم المنظمات الإسلامية وترك المسرح خالياً ليعبث فيه من يحاولون بوسائل مختلفة زعزعة المسلمين، وصرفهم عن عقيدتهم، فلولا الله تبارك وتع إلى ثم الحيوية التي يتمتع بها الإسلام، ومتانة عقيدته، وقوته الذاتية لرأينا ما لا يسر المسلمين.

غير أننا، مع ذلك، لا نستطيع أن نغفل ما تقوم به بعض المؤسسات الإسلامية في هذا المجال كرابطة العالم الإسلامي (السعودية) والمؤسسة العالمية للإعمار والتنمية (السعودية) والهيئة الخيرية الإسلامية العالمية (الكويتية)، وجمعية الدعوة الإسلامية العالمية (الليبية)، ولجنة مسلمي إفريقيا الكويتية (العون المباشر) وجمعية قطر الخيرية، ومنظمة الدعوة الإسلامية (السودانية)، والعمل الكبير الذي قامت به منظمة المؤتمر الإسلامي من إنشاء الجامعة الإسلامية في النيجر، التي تعد منارة للعلم والنور، وتعليم علوم العربية والشريعة.. ومؤسسات إسلامية أخرى كثيرة..

وكان الإسلام يصحب معه القرآن الكريم، كلام الله تع إلى الذي يمثل الطاقة القوية، المحركة للمسلمين، والنور الهادي الذي يقود خطاهم إلى الأمام، والضمير الحي الذي يخاف الله تع إلى ويراقبه.

وترسخ الإسلام ولغته وقدمه في إفريقيا، أثبته المؤرخون وذكروه فصار لا غموض فيه، فهذا الناصري يقول مؤكدا ذلك في كتابه (الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى) ".... قد تبين لك ما قصصناه عليك من أخبار السودان (يقصد الغرب الأفريقي) ما كان عليه أهل تلك البلاد من الأخذ بدين الإسلام من لدن قديم، وإنهم أحسن الأمم إسلاما، وأقومهم دينا، وأكثرهم للعلم ولأهله تحصيلا ومحبة. وهذا الأمر شائع في جل ممالكهم الموالية للمغرب..."

ومنذ ذلك الحين عرفت دول المنطقة، خاصة النيجر، باهتمامها بالتعليم العربي الإسلامي، وإنشاء مدارس وكتاتيب قرآنية لذلك، ولعل اعترافاً لهذا الدور وتأكيداً له، كانت رغبة قادة الأمة الإسلامية في اجتماع منظمة المؤتمر الإسلامي في لاهور باكستان 1974م في إنشاء جامعات إسلامية، تعنى بالتعريف بالإسلام وعلومه واللغة العربية في القارة الإفريقية، الأولى: تكون في الشرق الإفريقي الناطق باللغة الانجليزية، يكون مقرها أوغندا.

والثانية: لدول غرب إفريقيا، الناطقة باللغة الفرنسية، واختيار جمهورية النيجر مقرا لها، وبدأت الدراسة في الجامعة الإسلامية بالنيجر عام 1986م، ويدرس بالجامعة حاليا طلاب وطالبات، يتجاوزون الألف، وينتمون إلى عدد من دول غرب إفريقيا، مثل:

نيجيريا، والنيجر، ومالي، والكاميرون، وتشاد، وبوركينا فاسو، وكوت ديفوار (ساحل العاج) والسنغال، وغامبيا، وغانا، وموريتانيا، وغينيا كوناكري، والرأس الأخضر، وتوغو، وسيراليون، وليبريا، وبنين، وغينيا بيساو، وأفريقيا الوسطى.

والمتخرجون منها الآن يعدون بالآلاف وهم سفراء للغة العربية وعلومها في مجتمعاتهم، وأصبح لبعضهم مواقع مرموقة في حكوماتهم كوزراء وما دون ذلك. أ.ه

____________
• باحث وصحفي مقيم في النيجر

من المراجع:

1- الحضارة الإسلامية في النيجر - نشرته الايسيسكو 1994م.
2- المسالك والممالك - البكري.
3- قادة الفتح الإسلامي - محمد شيث خطاب.
4- نافذة على المرابطين - القاسم البيهقي.
5- إنفاق الميسور في تاريخ بلاد التكرور - السلطان ابن فودي.
6- موجز تاريخ إفريقيا - آدم الألوري.

زر الذهاب إلى الأعلى