تحولت اليمن إلى مسرح دولي جديد للحرب ضد القاعدة، فيما قررت واشنطن فتح جبهة حرب ثالثة على اراضيها بعد افغانستان والعراق. أو هكذا بدت اليمن منذ الاسبوع الماضي، كما بدا بأن طورا جديدا من العلاقات اليمنية الأمريكية قد بدأ للتو.
وتقول المصادر الأمريكية ان نقطة التحول هذه بدأت اواخر الصيف الماضي بعد عدد من الزيارات السرية المتفرقة للمسؤولين الأمريكيين وعلى رأسهم دايفيد بترايوس القائد الأمريكي الاقليمي وجون اوبرينان مستشار الرئيس الأمريكي لمكافحة الارهاب.
ويرى مراقبون ان المرحلة الجديدة تأتي في أعقاب سنوات من الفشل في مجال ما يسمى بمكافحة الارهاب، وهي السنوات الاخيرة التي افتقد فيها الجانبين للثقة والمصداقية في كثير من الاحيان.
واللافت ان العمليات الامنية الاخيرة الموجهة ضد الخلايا المفترضة لعناصر القاعدة في محافظة ابين وشبوة ومنطقة ارحب بمحافظة صنعاء تتشابه مع عملية مارب في بعض التفاصيل. لقد جاءت عملية مارب في مطلع العام 2002م، حينما نفذت طائرة أمريكية من دون طيار عملية أمنية سرية في صحراء مارب، فقتلت زعيم القاعدة آنذاك قائد سنان الحارثي وخمسة من رفاقه. وشكلت الحادثة احراجا كبيرا للحكومة اليمنية بعدما كشفت المصادر الأمريكية تفاصيل العملية والدور الأمريكي فيها.
وقدمت المصادر الأمريكية تفسيرا لما حدث بالتأكيد على ان واشنطن كانت بحاجة لإظهار انتصار مبكر في الحرب على الإرهاب خصوصا بعد تعرض هيبتها الدولية للانكسار بفعل هجمات 11 سبتمبر. وكان مقتل أحد زعماء تنظيم القاعدة خبرا لا يمكن تركه يمر دون استغلال، رغم الاتفاق المسبق مع اليمن على ان تبقى العملية سرية. لذا شعرت السلطات اليمنية بحرج كبير ورأت أن أمريكا وضعت مصالحها الداخلية قبل أمن اليمن.
وفيما امتازت العلاقات اليمنية الأمريكية في تلك المرحلة الممتدة من عام 2000م وحتى العام 2003م، بالثقة والمصداقية في علاقات التعاون الاوثق بحسب التوصيف الأمريكي، وبلغت ذروتها مع تنفيذ عملية مارب. لكن حين قام الرئيس علي عبد الله صالح بزيارة إلى واشنطن في العام 2005، تم ابلاغه بأن الولايات المتحدة علقت المساعدات التي كانت تقدم لليمن وفق برنامج USAID. وبحسب الباحث الأمريكي غريغوري جونسون، فان "هذا التعليق للمساعدات، أصاب الرئيس اليمني بصدمة، فقد كان لديه انطباع أنه قادم إلى واشنطن لتتم مكافأته على تعاون اليمن في الحرب ضد القاعدة، لكن بدلا من ذلك خسر ما يقرب من 20 مليون دولار مساعدات." ويضيف جونسون "تضاعف غضبه في اليوم التالي عندما أخبره البنك الدولي أنه قام بخفض المساعدات إلى اليمن من 420 مليون دولار إلى 280 مليون دولار سنويا."
وفي مطلع العام 2006م، شكلت حادثة هروب نحو 23 عنصرا للقاعدة من سجن الامن السياسي بصنعاء نقطة بارزة في علاقات البلدين. وكما اثارت الحادثة تساؤلات كثيرة في عدة اوساط، ففي الجانب الأمريكي احيطت بالشكوك والاتهامات التي بلغت درجة من الوضوح باتهام السلطات اليمنية تسهيل عملية الهروب، خصوصا وان من بين الهاربين اهم المطلوبين أمريكيا على ذمة تفجير المدمرة "كول".
والواقع أن حنق الأميركيين من سياسة اليمن في هذا الملف ظهر عدة مرات في اوقات لاحقة، سواء في قضية افراج السلطات اليمنية عن جمال البدوي، وهو احد المتهمين بحادثة "كول"، أو ظهور جبر البنا، احد المطلوبين أمريكيا في قاعة احدى المحاكم بصنعاء التي كان يحاكم فيها غيابيا، وغيره من القضايا المثيرة للارتياب.
لكن ومنذ أكثر من اسبوعين، بدا ان العلاقة بين الجانبين دخلت طورا جديدا يشبه مرحلة عام 2002م عندما اغتالت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية رئيس تنظيم القاعدة في اليمن أبو علي الحارثي، وسرب البنتاجون الخبر لوكالات الأنباء.
ومنذ الاسبوع الماضي، يتردد اسم اليمن في وسائل الاعلام الاجنبية والعربية، لا بوصفه محطة عبور لعناصر القاعدة أو ملاذ آمن لهم فحسب، بل بكونه ساحة حرب دولية جديدة ضد الارهاب.
ويقول مسؤولون أمريكيون ان علاقة اليمن وأميركا مرت بنقطة تحول في أواخر الصيف الماضي بعد عدد من الزيارات السرية المتفرقة التي قام بها الجنرال دايفيد بترايوس، القائد الأميركي الإقليمي، وجون أوبرينان مستشار الرئيس أوباما لمكافحة الإرهاب.
وكانت المصادر اليمنية الرسمية، قد اعلنت الشهر الماضي عن توقيع الجانبين اتفاق تعاون عسكري مشترك. وقالت وكالة "سبأ" الرسمية ان اتفاق التعاون وقع أثناء مباحثات في صنعاء بين القيادتين العسكريتين للبلدين.
وفي الاسبوع الماضي، ذكرت جريدة واشنطن بوست الأمريكية ان الرئيس علي عبد الله صالح اعلن موافقته على زيادة المساعدة الأمريكية السرية نظرا إلى الضغوط المتزايدة للولايات المتحدة والدول المجاورة لليمن.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤول كبير في وكالة الاستخبارات المركزية "CIA" أن الوكالة أرسلت منذ عام خبراء في مكافحة الإرهاب إلى اليمن، وأن بعض مجموعات الكوماندوس من الأجهزة الخاصة السرية بدأت في الوقت ذاته تدريب قوات الأمن اليمنية على الوسائل التكتيكية لمكافحة الإرهاب.
وكشفت نيويورك تايمز، بأن وزارة الدفاع الأميركية ستنفق أكثر من 70 مليون دولار في الأشهر الـ18 المقبلة. وفيما قال مسؤولون ان الكثير من المساعدة يعد سريا بهدف تجنب رد الفعل ضد الحكومة اليمنية. ذكر برايان ويتمان المتحدث باسم البنتاجون ان برنامج المعونة المعلن الذي يقدمه البنتاجون لليمن لمكافحة الارهاب زاد من 4.6 مليون دولار في العام المالي 2006 إلى 67 مليون دولار في العام المالي 2009.
وقال عضو مجلس الشيوخ المستقل جوزيف ليبرمان "ان العراق كان حرب الأمس وافغانستان حرب اليوم وإذا لم نتحرك استباقيا سيكون اليمن حرب الغد."
وزاد من تصدر اليمن واجهة العناوين البارزة للصحافة العالمية، حادثة الشاب النيجيري عمر فاروق عبد المطلب، والذي حاول تفجير طائرة ركاب أمريكية أثناء عيد الميلاد، وتقول المصادر الغربية بأنه تلقى التدريب والتجهيز لذلك النوع من العمليات في اليمن.
ونقلت المصادر الاعلامية الأمريكية عن مسؤولين أمريكيين تأكيدهم بأن الولايات المتحدة واليمن يبحثان عن أهداف جديدة في اليمن لشن غارات جوية ردا على محاولة التفجير الفاشلة للطائرة الأمريكية.
وصنفت الصحافة البريطانية اليمن كواجهة للارهاب الدولي. معتبرة بأن حادثة الشاب النيجيري عمر فاروق، تعد أسوأ كابوس وقد أصبح حقيقة لوكالات المخابرات الأجنبية.
وبينما تؤكد المصادر اليمنية الرسمية استمرارها في حملة الملاحقة الامنية ضد عناصر القاعدة. لم يتضح بعد الدور الأميركي الجديد في هذه الحملة الامنية المعلنة، كما ينفي مسؤولون يمنيون اشتراك الولايات المتحدة عسكريا في العمليات، مؤكدين بشيء من التناقض إن واشنطن وفرت لليمن المساعدات الاستخباراتية والتقنية.
ويرى وزير الخارجية الدكتور أبو بكر القربي ان حجم التعاون العسكري اليمني مع الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية تزايد في الشهور الأخيرة، قائلا ان "الهجمات الجوية الحديثة كانت مخططة من قبل شهرين أو ثلاثة ولكن لم يكن من الممكن تنفيذها قبل صدور تقرير حديث من الاستخبارات حول موقع عملاء القاعدة الذين تستهدفهم العمليات." مؤكدا أنه على الرغم من أن الولايات المتحدة قد مدت اليمن بالعتاد العسكري فإن الهجمات الجوية نفسها نفذها الجيش اليمني وحده.
ومع ذلك، ماتزال صنعاء تنتظر مزيدا من الدعم التقني الاميركي وليس الدعم العسكري المباشر، بحسب الناطق الرسمي للحكومة حسن اللوزي. فيما قال مسؤول حكومي لوكالة الصحافة الفرنسية طالبا عدم الكشف عن اسمه ان "المساعدات الاميركية لا تتناسب مع الدور والمهمات التي يقوم بها اليمن."
وسبق للمسؤولين الأمريكيين ان عبروا عن قلقهم من ان حكومة اليمن لا تنظر إلى خطر القاعدة بالقدر الكافي من الجدية. مشيرين إلى ان الحكومة اليمنية لا تعتبر القاعدة مشكلة يمنية بل مشكلة خارجية، وأن الحكومة اليمنية اكثر اهتماما بقتال الحوثيين والانفصاليين في الجنوب.
وذكر دبلوماسي غربي إن أمام القوى الدولية عامين لإنقاذ اليمن، مما يستدعي -حسب رأي الدبلوماسي- أن يوقف الرئيس علي عبد الله صالح الحرب مع الحوثيين في الشمال من أجل إعادة السيطرة على التجمعات القبلية المتأثرة بالفكر المتشدد وصد العناصر القادمة من الصومال.
ويعتقد إلى حد كبير بأن هناك عملية مقايضة في المواقف من بعض الملفات اليمنية الاخرى كحرب صعدة والحراك الجنوبي. وظهرت اولى الملامح في التهنئة التي بعثها الرئيس الأمريكي لنظيره اليمني عقب حادثة ابين ومنطقة ارحب، والتي ابدى فيها تفهم بلاده لقلق الحكومة اليمنية من حرب صعدة.
لكن هناك مخاوف من ردة فعل عكسية من جانب عناصر القاعدة وخلاياها النائمة مدعومة بالتعاطف الشعبي والقبلي خاصة بعد التسريبات الاعلامية عن الدور الأمريكي الجديد. وفي بيانه الاسبوع الماضي، طالب بيان تنظيم القاعدة القبائل اليمنية بالثأر لضحايا عملية المعجلة في محافظة ابين ومنطقة ارحب، مؤكدا أن العملية نفذت بواسطة خمس مقاتلات أمريكية وباتفاق وتنسيق يمني أمريكي وكذلك مصري سعودي.