أصبح السودان على موعد مع انشطار جسده إلى نصفين خلال أقل من عام، وبحلول السنة المقبلة يتحول إلى دولتين منفصلتين مما يمثل نذير شؤم ليس فقط على السودانيين بل أيضا على المصريين،
وتضحى المصالح المشتركة بين البلدين على حافة الهاوية بحدوث هذا الانفصال.
أما أكثر المخاوف المصرية من انقسام السودان والتي أعلنتها مصر على لسان وزير خارجيتها أحمد أبو الغيط :"هو الصراع المسلّح بين فصائل الجنوبيين.". ومن المتوقع أن تشتعل نار الخلافات والاقتتال بعدما تقوم دولة الجنوب وقد يشمل ذلك احتمال وقوع مذابح متبادلة لتهجير الجنوبيين اللاجئين منذ سنوات في ضواحي الخرطوم، ولأبناء الشمال الموجودين في المناطق الحدودية التي ستشهد نزاعات مؤكدة بين الشطرين اللذين سينقسم إليهما السودان.
وكانت تقارير صحفية كشفت مؤخرا أن هناك شحنات كبيرة من الأسلحة بدأت تتدفق من مصادر مختلفة إلى جنوب السودان؛ استعدادا لأي مواجهة مع الخرطوم عام 2011 مع إجراء الاستفتاء المتفق عليه في اتفاقية السلام الشامل لتحديد مصير الإقليم.
وأوضحت التقارير أن جهاز الموساد الإسرائيلي يأتي في مقدمة أجهزة مخابرات دول عديدة متورطة في صفقات تهريب السلاح إلى جنوب السودان.
تواجد عسكري إسرائيلى
ولا تقتصر مخاطر انقسام دولة السودان على مواطنيها فقط فهناك أخطار عديدة تتربص بمصر بعد وقوع هذا الانفصال، أهمها مسألة تأمين الجنوب من الوجود الإسرائيلي؛ إذ تخشى القاهرة من أن يصبح الجنوب مرتعا للصهاينة في حالة انفصاله، مما يعني تهديد الأمن القومي المصري، ومن المعروف أن هناك تواجد عسكري إسرائيلي في غرب السودان وجنوبه.
وأوضح د. محمد أبو غدير الأستاذ بجامعة عين شمس والخبير في الشئون الإسرائيلية أمام ندوة " دور إسرائيل في إفريقيا وأثره علي مستقبل العلاقات الإفريقية العربية" في 11 نوفمبر 2010 رغبة إسرائيل الملحة في انقسام السودان؛ لأن ذلك يتطابق مع الخطة الصهيوأمريكية لإيجاد شرق أوسط جديد يتم فيه تقسيم دول المنطقة إلي دويلات علي أسس طائفية وعرقية ودينية، مؤكدا أن خطر التقسيم الذي طال العراق والسودان والمطلوب إنجازه في اليمن يمكن أن يطال مصر إلا إذا تحركنا بقوة لإفشال هذه المخطط الخطير.
إسرائيل زرعت أقدامها في جنوب السودان
بينما حذر د. السيد فليفل الأستاذ بمعهد الدراسات والبحوث الإفريقية من انفصال جنوب السودان عن دولته لافتا إلي أنه في هذه الحال سيصبح منطقة نفوذ إسرائيلية وسيطالب بإعادة تقسيم حصص مياه النيل وبدلا من تقسيمها علي بلدين كما هو الحال حاليا هما مصر والسودان سيصبح التقسيم علي ثلاث دول، وهي القضية الثانية التي تشكل خطرا على مصر في حالة تكون دولتين في السودان.
وعلى النقيض يرى الدكتور إبراهيم نصر الدين عالم السياسة المصري والخبير العالمي في مجال الدراسات الإفريقية أنه لا خوف ولا قلق على موارد مصر من مياه النيل حتى في حالة انفصال جنوب السودان عن شماله لان النيل الأزرق الذي يشكل 85 % من موارد المياه لا يمر بهذه المنطقة إنما النيل الأبيض فقط هو الذي يمر مشيرا إلى أن المنطقة التي تشكل خطورة هي شمال السودان وليس جنوبه .
الخطر المائي
يذكر أن حصة مصر من مياه النيل تبلغ 55 مليار متر مكعب، مقابل 18 مليار متر مكعب للسودان، وهو الأمر الذي ترفضه حركة التمرد في جنوب السودان، حيث ترى أن حصة مصر كبيرة، ولذا تطالب باتفاق جديد، بجانب أنها تنوى بيع مياه النيل والاستفادة منها كما تفعل تركيا.
بينما تؤكد المؤشرات الدولية أن مصر أصبحت على مهددة بالدخول في دائرة الخطر المائي خلال الأعوام المقبلة من منطلق أن القرن الحالي هو قرن العطش وشح المياه، وأن الحروب القادمة سيكون محورها الأساسي النزاع على المياه العذبة.
وما يزيد الأمر خطورة ما كشفه تقرير حديث لمركز المعلومات واتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري بأن احتياجات مصر من المياه ستفوق مواردها بحلول عام 2017؛ نظرًا لاستمرار النمو السكاني السريع، حيث تحتاج إلى 86.2 مليار متر مكعب من المياه في حين مواردها لن تتجاوز 71.4 مليار متر مكعب.
وما يثير الدهشة ما أكده الخبراء من أن أزمة مصر مع السودان حول مياه النيل قائمة في الحالتين سواء بقى السودان موحدًا أم جرى تقسيمه؛ ففي الحالة الأولى سوف تسعى السلطة الجديدة إلى إقامة المزيد من السدود على مجرى النيل لتأمين متطلبات السودان المتزايدة من الطاقة الكهربائية مهما يهدد حصة مصر من المياه.
أما في الحالة الثانية فسوف تتطلع السلطة الجديدة في دولة جنوب السودان وبمساعدة ودعم إسرائيلي إلى إقامة السدود لتعويض إهمال الجنوب طوال سنوات الاحتلال البريطاني أو خلال عهد الاستقلال.
قديما وحد بينهما هل يصبح سبب نزاعهما؟
تُعد قناة جونجلي أولى المؤشرات التي لا تبشر بالخير في التعامل مع دولة ناشئة في جنوب السودان، حيث أفشلت حركة التمرد الجنوبية في وقت سابق هذا المشروع، بمساعدة تل أبيب، وقام المتمردون بمهاجمة المهندسين المصريين، وإحراق حفار المشروع بعد أن تم تنفيذ نحو 70 % منها بطول 265 كيلومترًا من إجمالي طول القناة البالغ 360 كيلومترًا، وكان العقيد الراحل جون جارنج، قائد حركة التمرد في الجنوب، من أبرز المعترضين على المشروع.
وكانت مصر في ظل اتفاقها مع السودان قد سعت في عام 1975 إلى حفر قناة جونجلى؛ بهدف توفير قرابة 7 مليارات متر مكعب من مياه النيل الأبيض تُقسم مناصفة بين مصر والسودان والتي تضيع سنويًّا في أحراش ومستنقعات جنوب السودان بجانب وتجفيف مليون ونصف فدان من المستنقعات تصلح للزراعة.
وكان جزء من التصور المصري والسوداني لشق القناة يرتبط بتوفير المياه مستقبلا لزيادة الحاجة في البلدين لها في عصر يسمى عصر حروب المياه، وجزء آخر يتعلق بالسعي لجعل السودان "سلة غذاء العالم العربي، ولكن أي من هذا لم يتحقق بفعل قوى التمرد في الجنوب السوداني.
وحدة وادي النيل
وبعيدا عن تهديدات انقسام السودان وبالعودة بضع قرون للخلف نجد أن مصر والسودان كانتا ترتبطا بروابط وثيقة للغاية منذ بدأت وحدتهما في عصر محمد على الكبير، وآمن الشعبين بأنهما شعبٌ واحدٌ، وحدت بينهما الطبيعة والنيل والحضارة واللغة والدين والتاريخ.
وحينما وقع البلدان تحت نير الاستعمار كانت مطالب الحركة الوطنية المصرية خلال النصف الأول من القرن العشرين يتمثل في أمرين، داخليًّا الدستور والديمقراطية، وخارجيًّا الاستقلال التام لمصر والسودان، أي وحدة وادي النيل. ونفس الأمر ينطبق على الشعب السوداني الذي ثار على الاستعمار البريطاني، مطالبًا بعودة الوحدة مع مصر.
وكان السودان يُحكَمُ حكمًا ثنائيًّا من بريطانيا ومصر بموجب اتفاقية عام 1899م، بينما انفردت بريطانيا بحكم السودان فعليا نتيجة أن مصر كانت محتلة من بريطانيا منذ عام 1882م. وبسبب السودان تعثرت جميع المفاوضات التي جرت بين مصر وبريطانيا، والتي أجراها الزعماء الوطنيون المصريون المتعاقبون منذ العام 1924م، إذ كانت بريطانيا تتمسك دومًا باستمرار الحكم الثنائي في السودان، وكان هذا الأمر محل رفض المصريين.
ولم يغفل زعماء الحركة الوطنية المصرية يوما عن أهمية السودان بالنسبة لمصر، فكان الزعيم سعد زغلول يردد : "إن المفاوض الذي يفرط في السودان كالشخص الذي يفرط في عرضه". وكان مصطفى النحاس يقول: "فليقطع يميني عن شمالي ولا ينفصل السودان عن مصر".
وبمرور السنين وتطور الأحداث في مصر بعد حريق القاهرة وثورة 23 يوليو 1952م تحت قيادة محمد نجيب الذي ولد لأب مصري وأم سودانية، وكان هذا الأمر صمام الأمان لوحدة البلدين. ثم حدث تحولٌ خطيرٌ في الموقف المصري تمثل في عودة المفاوضات مع بريطانيا، وقبول ثوار يوليو لمبدأ الاستفتاء على تقرير مصير السودان.
وجاءت نتيجة الاستفتاء لصالح الانفصال عن مصر، وخاصة بعد تخلص الرئيس الراحل جمال عبد الناصر من محمد نجيب السوداني الأصل بالصورة التي تمت؛ حيث جرى عزله ونفيه بطريقة قاسية ومهينة، وهو الأمر الذي كان له أسوأ الأثر في نفوس السودانيين، وبالتالي انفصل السودان عن مصر في العام 1954م.
الجنوبيون يطالبون بالاستقلال
ومنذ ذلك الحين وأصبحت وحدة السودان مهددة ففي عام 1955م، بعد الانفصال بعامٍ واحد، ظهرت حركة "أنيانيا"، وهي أول حركة انفصالية مسلحة في جنوب السودان. وتو إلى ظهور الحركات الانفصالية الجنوبية، وما أن يتم القضاء على حركة إلا وعاودت الظهور من جديد في شكل آخر وبمسمى آخر.
ووصل الحال بالسودان إلى ما هو عليه الآن حيث أنه من المقرر أن يقترع جنوب السودان المنتج للنفط في يناير عام 2011 على الانفصال، في استفتاء تحدد موعده في اتفاق السلام الذي أنهى الحرب الأهلية التي استمرت أكثر من 20 عاماً، مع الشمال.
وأقام اتفاق السلام الشامل لعام 2005 الذي أنهى الحرب بين الشمال والجنوب حكومة ائتلافية في الخرطوم وحكومة متمتعة بحكم ذاتي محدود في الجنوب. و إلى جانب الاستفتاء وعد أيضا بإجراء انتخابات وطنية مقررة في فبراير عام 2010 وتقسيم عائدات النفط بين الجانبين.
دعوات الانفصال
ومن المتوقع أن يختار الجنوبيون الاستقلال في الاستفتاء لكن المحللين حذروا من خطورة العودة إلى الصراع إذا عرقل الشمال الاقتراع أو رفض تسليم السيطرة على حقول النفط الجنوبية المربحة.
وقد دعا صراحة رئيس حكومة جنوب السودان سلفاكير ميارديت الجنوبيين في وقت سابق إلى التصويت لصالح استقلال جنوب السودان خلال الاستفتاء المقرر في عام 2011، زاعما إن بقاء السودان موحدا سيجعل من الجنوبيين "مواطنين من الدرجة الثانية".
وقال كير في كلمة ألقاها في ختام قداس أقيم في كاتدرائية القديسة تريزا في مدينة جوبا عاصمة الجنوب السوداني "إن مهمتي تقضي بقيادتكم إلى استفتاء 2011. إن هذا اليوم قريب جدا وإني على ثقة بأننا سنشارك فيه".
ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية عن كير قوله مخاطبا المواطن الجنوبي "عندما تصل إلى صندوق الاقتراع سيكون الخيار خيارك. هل تريد التصويت للوحدة لتصبح مواطنا من الدرجة الثانية في بلدك؟ الخيار خيارك".
وعلى النقيض كان كير أكد في تصريحات سابقة له استعداد الجنوب لقيام علاقات جوار أخوي مع الشمال في حال الانفصال مشدداً، على أنه لن يجبر أحداً للتصويت للوحدة أو الانفصال في الاستفتاء على حق تقرير المصير. واشترط كير إلغاء القوانين المقيدة للحريات وتجاوز خلاف التعداد السكاني لخوض الانتخابات المقبلة.
وتعهد كير بعدم إرغام أو إجبار مواطني جنوب السودان على التصويت لصالح الوحدة، وأكد أنّ الخيار مكفول لهم وفقا للاتفاقية إما بالتصويت للانفصال أو التصويت لصالح الوحدة، داعيا إلى ضرورة إرساء الأسس القويمة حتى تكون الوحدة جاذبة لمواطني الجنوب. كما أكد كير على إبقاء علاقات متميزة مع الشمال في حال استقلال جنوب السودان في عام 2011 حيث تجرى عملية استفتاء لسكان الجنوب لتقرير مصيرهم.