[esi views ttl="1"]
arpo28

تقرير للكونجرس: اليمن مصدر لتهديد المصالح الأمريكية

تسارعت وتيرة الأحداث على الساحة الدولية خلال السنوات الأخيرة، فبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 أعلنت الولايات المتحدة حربها على الإرهاب وخاضت حروباً في كل من أفغانستان والعراق..

للقضاء على تنظيم القاعدة الذي حاول اغتنام هذه الحروب كفرصة لاستهداف القوى العظمى في العالم، وتمديد دائرة نشاطه ليشمل عدداً من الجبهات مثل أفغانستان وباكستان والعراق واليمن فضلاً عن الصومال، وهى جبهات يجمع بينها بعض السمات أهمها انهيار سلطة الدولة والسيولة الأمنية إذ إن هذه الدول تعد من أكثر الدول فشلاً Failed States على المستوى العالمي. كما أنها تقع في مناطق تمثل أهمية حيوية سواء في الشرق الأوسط أو في منطقة القرن الإفريقي، وهو ما دفع عديداً من الجهات للاهتمام بالتنظيمات الإرهابية وكيفية مساعدة هذه الدول على تعزيز قدرتها للقضاء على التهديد الذي يمثله تنظيم القاعدة.

فقد كشف تقرير صادر مؤخراً (بتاريخ 21 يناير 2010)عن لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي ونشر على الموقع الإلكتروني للمجلس بعنوان Al Qaeda in Yemen and Somalia: A ticking time bomb " القاعدة في اليمن والصومال. قنبلة موقوتة "عن مدى التهديد الذي يمثله تنظيم القاعدة لاسيما في ظل التكتيكات التي تتبناها القاعدة وتغيير جبهاتها من وقت لآخر بحسب الأوضاع الأمنية...

ففي أعقاب العمليات العسكرية الأمريكية والغربية في العراق وأفغانستان بحثت عناصر القاعدة عن موطئ قدم لها في المنطقة القبلية على الجانب الباكستاني من الحدود مع أفغانستان وهو ما تنبهت له الولايات المتحدة وباكستان ودفعهما للقيام بعمليات عسكرية واستخباراتية مشتركة ضد معاقل التنظيم أدت بصورة واضحة إلى فرار عديد من العناصر المسلحة وتوجهها إلى مناطق جديدة تمثلت بصورة رئيسة في شمال إفريقيا وجنوب آسيا وإن كانت الساحة اليمنية هي الساحة الأبرز في هذا السياق.

تهديد المصالح الأمريكية

مثلت المصالح الأمريكية أحد الأهداف الرئيسة بالنسبة لتنظيم القاعدة خلال السنوات الأخيرة لاسيما مع ما طرأ من تطورات على تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية بحيث أصبحت منظمة طموحة لديها القدرة على استخدام وسائل غير تقليدية في الاستقطاب وتنفيذ الهجمات ضد الأهداف الأمريكية سواء في منطقة الشرق الأوسط أو أبعد من ذلك..

وهذا ما دللت عليه تصريحات بعض المسئولين الأمريكيين حيث ذكر جون برينان John O. Brennan مساعد الرئيس الأمريكي لشئون الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب في تصريحات لمركز الدراسات الدولية والاستراتيجية the Center for Strategic and International Studies – في أغسطس 2009 "أن القاعدة أثبتت خلال السنوات الأخيرة قدرتها على التكيف مع الظروف وتمتعها بدرجة عالية من المرونة وأنها التهديد الإرهابي الأخطر الذي نواجهه كأمة".

وقد كشفت محاولة تفجير الطائرة الأمريكية على يد النيجيري "عمر فاروق عبد المطلب" عشية عيد الميلاد مؤخراً عما يمثله تنظيم القاعدة من تهديد للمصالح الأمريكية، وهو المتهم الذي تلقى تدريبات في أحد المعسكرات التابعة للقاعدة في اليمن.

واعتبر التقرير أن هذه المحاولة الإرهابية تعد بمثابة إشارة واضحة على التهديد الجديد الذي تُشكله شبكة إرهابية لطالما اعتبرت أنها تهديد إقليمي فقط وليست تهديداً عالميّاً، ويزداد الأمر خطورة مع التكتيكات المستحدثة التي تتبناها القاعدة في استقطاب عناصر جديدة لها خاصة مع السعي لاستقطاب مواطنين أمريكيين لتنفيذ عمليات وهجمات إرهابية داخل الولايات المتحدة.

فعملية عيد الميلاد الإرهابية تشير بدرجة أو بأخرى إلى قدرة تنظيم القاعدة على توسيع دائرة استقطابه ليتمكن من جذب عناصر غير تقليدية داخل تنظيمه فالمتهم في تلك العملية هو شاب نيجيري يدعى "عمر فاروق" وكان لديه تأشيرة تعليم باليمن تجاوزت مدتها، وحصل على تدريب على استخدام المتفجرات في أحد المعسكرات التابعة للقاعدة هناك.

في سياق متصل فإن المكونات اليمنية في المتفجرات والجنسية النيجيرية للمتهم في العملية والرحلة المستهدفة القادمة من هولندا تشير بدرجة أو بأخرى إلى ضرورة عدم اقتصار جهود مكافحة الإرهاب الأمريكية على دولة أو إقليم بعينه ولكن الهجمات والتهديد يمكن أن يأتي من أي مكان وهو ما يتطلب في الوقت ذاته القيام بعملية تقييم استراتيجي للأوضاع والتهديدات التي تكتنف الولايات المتحدة في ظل التكتيكات الجديدة التي تتبناها القاعدة.

التضييق على القاعدة

ينتقل التقرير إلى تناول قدرات تنظيم القاعدة في اللحظة الراهنة، فعلى الرغم مما يمثله من تهديد للمصالح الأمريكية فإنه قد تلقى العديد من الضربات خلال السنوات الأخيرة وكانت أبرز ملامحها:

أولاً: إن قدرة القاعدة على تنفيذ عملية واسعة النطاق أصبحت ضئيلة خلال السنوات الأخيرة على عكس ما كان عليه الأمر قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، فقد أخبر دينيس بلير Dennis C. Blair مدير المخابرات الوطنية الأمريكية لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأمريكي في فبراير 2009 "أن القاعدة اليوم أضحت أقل قدرة وفاعلية مما كانت عليه منذ عام ماضٍ (2008)".

ثانياً: يلاحظ أيضاً أن الدعم والمساندة الشعبية للتنظيم تضاءلتا خلال السنوات الأخيرة حيث أظهرت عدد من استطلاعات الرأي أن الدعم والمساندة للتنظيم تناقص بصورة حادة في صفوف المسلمين على خلفية التكتيكات والوسائل القاسية التي يتبناها التنظيم وتتضمن العمليات الانتحارية المتكررة التي أودت بحياة عديد من المدنيين الأبرياء في العراق وباكستان وأفغانستان وغيرها من الدول، وهو ما تزامن مع التضييق على مصادر التمويل للتنظيم وتجميد أرصدة المنظمات والجمعيات التي تساند القاعدة.

وفى هذا الصدد، أطلق قائد تنظيم القاعدة بأفغانستان "مصطفى أبو اليزيد" رسالة صوتية في يونيو 2009 يطالب فيها بمزيد من الأموال لأن عناصر التنظيم تُعاني من نقص ملحوظ في الغذاء والأسلحة وغيرها من الإمدادات.

ثالثاً: ساهمت العمليات العسكرية من قبل الولايات المتحدة وحلفائها في فقدان تنظيم القاعدة العديد من عناصره البارزة وكوادره القيادية باستثناء "أسامة بن لادن" و"أيمن الظواهري" وهو الأمر الذي استنزف قدرات التنظيم بصورة واضحة.

فالعمليات العسكرية في كل من العراق وأفغانستان دفعت عناصر القاعدة إلى البحث عن ملجأ آخر ولكنها لم تقضي على التهديد الذي يمثله التنظيم إذ إن عناصر التنظيم بحثت عن جبهات جديدة كما أنها على الرغم مما يجمعها من أهداف مشتركة بدأت تتبنى تكتيكات مغايرة لتنفيذ هذه الأهداف إذ إن التنظيمات المنضوية تحت لواء القاعدة ليست وثيقة الصلة بالتنظيم الأم كما أنها تحصل على مصادر تمويل وتخطط وتنفذ الهجمات بصورة شبه مستقلة، فالقرارات العملياتية تتم على المستوى المحلي وبصورة منفصلة عن أسامة بن لادن والظواهري.

أوضاع متدهورة في اليمن

استحوذت الأوضاع في اليمن على اهتمام متنامٍ في الآونة الأخيرة انطلاقاً من التدهور الأمني هناك ومحاولة تنظيم القاعدة استغلال الضعف الذي تعاني منه الحكومة المركزية في اليمن وتوسيع نشاطه على الساحة الداخلية هناك.

فاليمن تعاني من عديد من الأزمات الداخلية أوجدت بيئة مواتية للقاعدة، تتمثل في:
أولاً: تعاني الحكومة المركزية في اليمن من ضعف ملحوظ وعدم قدرتها على بسط سيطرتها على مساحات واسعة من الدولة فضلاً عن عدم توافر الإمكانيات التي تمكن السلطات اليمنية من التعامل مع التهديدات الإرهابية.

ثانياً: أدت الأزمات الداخلية وحركات التمرد الداخلية (أبرزها الحرب مع الحوثيين) إلى مزيد من الإضعاف للحكومة اليمنية ومن ثم منعتها من توحيد جهودها لمواجهة تنظيم القاعدة وهذا ما أكده وزير الخارجية اليمني "أبو بكر القربي" عندما قال:"إن التمرد والحركات الانفصالية صرفت انتباه الحكومة عن ملاحقة عناصر القاعدة العام الماضي".

ثالثاً: ندرة الموارد الطبيعية المتوافرة في اليمن فمخزون اليمن من النفط يمثل 75%من إجمالي دخلها ومن المرجح أن ينفد بحلول عام 2017 بالإضافة إلى الاستنفاد المتصارع للمياه باليمن وازدياد معدلات الفقر الأمر الذي يخلق ظروفاً وأوضاعاً اقتصادية متأزمة فيما تشهد اليمن أعلى معدل نمو سكاني على مستوى العالم 3.4 % سنويّاً مما يقيد من قدرة الحكومة على تقديم الخدمات لكافة السكان وقد شكلت تلك الأوضاع مجتمعة عوامل مساعدة لتنظيم القاعدة بشبه الجزيرة العربية لتوسيع دائرة تواجده باليمن وخاصة بعد الضربات المؤثرة التي تلقاها عناصره في السعودية وغيرها من الدول.

في هذا الصدد أبدى عديد من المراقبين والمحللين تخوفهم تجاه تلك الأوضاع خاصة مع وجود معسكرات تابعة للتنظيم في مناطق منعزلة داخل اليمن تدار بواسطة معتقلين سابقين ومقاتلين قادمين من كل من العراق وأفغانستان. وتقوم تلك المعسكرات بإعداد مواطنين أمريكيين هاجروا لليمن للزواج بسيدات يمنيات أو بعد اعتناقهم الإسلام في سجون أمريكية.

واعتبر عدد من مسئولي المخابرات الأمريكيين أثناء مقابلات مع لجنة العلاقات الخارجية إبان شهر ديسمبر الماضي (2009) أن هناك ما يقرب من 36 مسجوناً أمريكيّاً سابق توجهوا إلى اليمن العام الماضي (2009) بحجة دراسة اللغة العربية ولكن فيما بعد اختفى عدد كبير من هؤلاء ومن المرجح أن يكون هؤلاء انتقلوا إلى معسكرات التدريب التابعة للقاعدة وتبني الشكل الأكثر تطرفاً من الإسلام وهو ما يمثل تهديداً للولايات المتحدة في ظل المتطرفين الذين يحملون جوازات سفر أمريكية.

وأوضح التقرير أن عدداً من الأمريكيين الذين يتحولون للإسلام ويتم تجنيدهم من جانب القاعدة يرتكزون بصورة كبيرة في اليمن ويُعد أنور العولقي Anwar al-Awlaki المولود في الولايات المتحدة الأبرز في هذا الشأن.

فقد كشفت عديد من التقارير أنه المستشار الروحي للرائد بالجيش الأمريكي "نضال حسن" المتهم بقتل 13 شخصاً في قاعدة "فورت هود" بتكساس إبان شهر نوفمبر 2009، كما أنه يحض "الأصوليين المسلمين من الشباب"على الاستمرار في الجهاد و"مقاتلة الصليبيين"، وعلى أثر ذلك يعتبر المسئولون الأمريكيون العولقي Awlaki تهديداً مباشراً للمصالح الأمريكية.

هجمات مؤثرة

يُعد تنظيم القاعدة بشبه الجزيرة العربية التنظيم الرئيس في اليمن عقب إعلان عناصر القاعدة في اليمن خلال شهر يناير 2009 عن توحيد فرعي القاعدة في اليمن والسعودية والانضواء تحت لواء تنظيم واحد يعرف بتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، ويقود التنظيم اليمني الجنسية ناصر الوحيشي ومساعده سعيد الشهري السعودي الجنسية.

وعلى الرغم من أن التنظيم ليس لديه قدرات بما يكفي للإطاحة بنظام الرئيس عبد الله صالح فإنه قادر على القيام بعمليات واسعة النطاق وبالغة الأثر متمثلة في استهداف المصالح الأجنبية والمنشآت النفطية وكانت عملية السفارة الأمريكية في صنعاء 17 من سبتمبر 2008 وما خلفته من ضحايا أكبر دليل على ذلك.

في هذا السياق تصاعدت حدة تهديدات القاعدة خلال الشهور الأخيرة فقد هدد التنظيم بمهاجمة منشآت النفط والجنود الذين يقومون بحمايتها فضلاً عن المصالح الأجنبية في البلاد والسائحين الأجانب.

ويخلص التقرير إلى أن الأوضاع المتردية في اليمن ساهمت بشكل كبير في إيجاد بيئة مواتية لتنظيم القاعدة وهو ما تنبه إليه المسئولون الأمريكيون إذ اعتبروا أن اليمن أصبحت ملاذاً آمناً للعناصر المتطرفة بما يشكله ذلك من تهديد للمصالح الأمريكية وبالتالي سعت الحكومة الأمريكية إلى تقديم مزيدٍ من الدعم للحكومة اليمنية حيث قررت تقديم ما يزيد عن 50 مليون كمساعدات اقتصادية وعسكرية لليمن.

وختاماً، فإن التعامل مع التهديد الإرهابي يجب أن يتم من خلال منظور متعدد الأبعاد لا يحصر تلك القضية في الجانب الأمني فقط ولكنه يتجاوزه لمحاولة إيجاد حلول جذرية للأسباب التي تشكل بيئة مناسبة لنمو التطرف مثل تزايد معدلات الفقر والأمية وتردي الأوضاع الاقتصادية وانتهاكات حقوق الإنسان.

زر الذهاب إلى الأعلى