arpo27

البيض: نريد العودة عن اتفاقية الشراكة والارياني قال إننا من الهند

أجرت جريدة "العرب" القطرية مقابلة صحفية مع نائب الرئيس اليمني السابق علي سالم البيض جدد خلالها تأكيده على ضرورة ما يسميه "فك الارتباط" كما تطرق إلى قضايا كثيرة متفرقة.

وفيما يلي نص الحوار:

العرب القطرية:بداية إلى أين وصل الحراك الجنوبي في تحركاته ضد الحكومة اليمنية ؟
علي سالم البيض:ما يجري في الجنوب انتفاضة شعبية للعام الثالث على التوالي، وهي في كل يوم يمر يتسع مداها للتجذر أكثر في الوجدان الجنوبي، ظل البعض يعتبرها حركة مطلبية عابرة تنتهي بتحقيق بعض الإصلاحات الترقيعية، أو باستخدام سلاح القوة، ولكن تأكد أن هذه التقديرات ليست دقيقة، فواقع الحال يقول غير ذلك. وأصر هنا على تسميتها انتفاضة استقلالية، لأن مشروع الشراكة الوحدوية تم الاستيلاء عليه بالقوة العسكرية من قبل الشريك الآخر، الذي حوله إلى احتلال واستعمار بكل معنى الكلمة. إذا لم يكن تهميش الجنوبيين والاستيلاء على أرضهم وثرواتهم وحكمهم بالقوة العسكرية استعمارا، فما الاستعمار إذن؟

نحن اليوم أمام حركة شعب بأكمله، يشعر بجرح كبير وبخيانة وطعنة في القلب من قبل من كان يظنه الشقيق، الذي أراد أن يلتقي معه في شراكة من أجل بناء مشروع جديد يعود بالخير على الطرفين.

إن اندفاع الجنوبيين إلى الشارع بقوة يوما بعد آخر، هو نتيجة الإحساس بالمرارة والخذلان، لقد تفاجؤوا برد فعل الطرف الآخر على مشروع الشراكة. هم ذهبوا طوعيا إلى هذا الخيار ولم يجبرهم أحد، وأقول بصراحة شديدة إن شعبنا في الجنوب كان في غالبيته الساحقة مع بناء مشروع مشترك ينتهي بالوحدة. صحيح أننا لم نقم باستفتاء على هذه المسألة، ولكن كنا نعرف أن الشعب يريد ذلك، ويرى فيه أملا كبيرا، ولكن الصدمة كانت كبيرة بعد وقت قصير، لقد تفاجأ الجنوبيون برؤية الطرف الآخر ومشروعه، وصاروا يرون منذ الأيام الأولى أن هناك محاولات لتهميشهم، وتحويلهم إلى ملحق بوضع الجمهورية العربية اليمنية (الشمال)، وصاروا يسمعون نغمات غريبة تفوح منها روائح العنصرية والاستعلاء، من نوع "عودة الفرع إلى الأصل". حتى أن عبدالكريم الإرياني صرح مرة يقول، بأن الأرض يمنية، ولكن السكان لا نعرف من أين جاؤوا، ربما من الهند أو من الصومال.

ترافق سلوك الاستعلاء والفوقية والعنصرية بعملية نهب منظم لثروات الجنوب، وتم توزيع أراضيه بين ضباط ومشايخ الجمهورية العربية اليمنية (الشمال)، وجرت عملية تصفية لمؤسساته الناجحة، وتصوروا حتى مقر اتحاد الكتاب صادروه وأعطوه لضابط. تبين أن هناك مخططا مدروسا لتصفية الجنوب ككل، من نهب الأرض بالجملة، إلى طمس هوية البشر وتحويلهم إلى تابعين، تسهل السيطرة عليهم في صورة دائمة. ولم يبقوا شيئا من ماضي التجربة الجنوبية، حتى صورنا كقادة لدولة الجنوب وقعنا معهم على اتفاق الشراكة، شطبوها من احتفالات يوم رفع علم الوحدة.

حين وقفنا في العامين الأولين من بدء المشروع، لنعبر عن رأينا وطالبنا بتغيير الوضع الشاذ شنوا علينا حربا شاملة في سنة 1994، وحشدوا كل عدتهم من جيوش نظامية وقبائل وجهاديين من القاعدة، واستباحوا الجنوب وحولوه إلى غنيمة حرب. نهبوا عدن على طريقة أيام السبي. وحولوا يوم سيطرتهم على الجنوب إلى مناسبة وطنية، وصاروا يحتفلون كل سنة في 7 يوليو بيوم انتصارهم على الجنوب.

لم يخجلوا من هذه الأفعال المشينة، التي جرحت مشاعر الجنوبيين، بل صاروا يتحدثون عن انتصارات. وإلى اليوم علي عبدالله صالح يتحدث عن معارك ظافرة، وينسب لنفسه بطولات قام بها في صحراء حضرموت وشبوه، حتى كاد يضع نفسه بمرتبة "رومل" الصحراء.

معارك ظافرة ضد من؟ من العدو الذي كان في مقابله، شعب الجنوب الأعزل؟، شيء معيب لا يليق بمن يتحدث عن نفسه بأنه وحدوي، ويدعي أنه يدافع عن الوحدة.

بعد ذلك نهبوا الجنوب وسرحوا كوادره العسكرية والمدنية، ولم يبقوا إلى على ديكور من بعض الشخصيات عديمة القيمة، والتي لا وزن لها.

بسب كل ذلك وقف الناس ليقولوا كفى. أهلا وسهلا بالوحدة، ولكن لا للضم والإلحاق. أهلا وسهلا بالشراكة بين طرفين متكافئين، ولا للهيمنة والتسلط والوصاية. أهلا وسهلا بالتعامل بندية ولا لبدعة الفرع والأصل. أهلا وسهلا بالشراكة ولا لسيطرة طرف على ممتلكات وثروات الطرف الآخر.

هم استفادوا من الجنوب إلى أقصى حد، وأتحداهم أن يجدوا لي مواطنا جنوبيا واحدا، استفاد من مصلحة في الجمهورية العربية اليمنية (الشمال). هل هذه هي الوحدة؟. إذا لم تكن الوحدة بين شريكين فهي احتلال واستعمار، ولو دامت إلى نهاية الدهر، ولنا مثال ساطع في ذلك أوروبا الشرقية التي تم توحيد بلدانها بالقوة بعد الحرب العالمية الثانية، لكنها تفككت خلال 24 ساعة بعد زوال عامل القوة.

لقد صبر الجنوبيون طويلا على هذه الحالة الشاذة، وكانوا يظنون أن الوضع سوف يتغير. شنوا علينا حرب سنة 1994، ولم يتغير شيء بعدها، شردوا قيادة الجنوب والمئات من كوادره، وازداد الوضع سوءا.

بسبب هذا الوضع وقف شعبنا وقفة واحدة ليقول لا، وها هو الحراك الجنوبي يصل صداه للقاصي والداني، ينتظم في حركة جماهيرية تطالب بفك الارتباط، وعودة كل طرف إلى وضعه السابق، ونحن عازمون على ذلك، ولن نتراجع عنه، ومن يتحدث اليوم عن هدم المعبد عليه أن يكون طاهرا، حتى يسمح له بدخول المعبد. فالمعبد يبنيه أصحاب النوايا الصافية والقلوب المؤمنة، وليس البلطجية، ومحترفي الحروب الأهلية والمغامرات التي كلفت مئات آلاف الأرواح البريئة.

العرب القطرية:تقولون أنكم لا تنادون بانفصال الجنوب عن الشمال، وإنما تطالبون "بفك الارتباط واستعادة دولتكم" كيف توفقون بين الموقفين، وهل تعتقدون أن الحراك السلمي كاف لتحقيق هدفكم؟

علي سالم البيض:فك الارتباط يختلف من الناحية القانونية عن الانفصال. فك الارتباط يعني العودة عن اتفاقية الشراكة، التي قامت بين دولتنا في الجنوب، وهي اليمن الديمقراطية، وبين دولة الجمهورية العربية اليمنية (الشمال). أما الانفصال بالمعنى القانوني فيعني أن إقليما من دولة ذات حدود مرسمة ومعترف بها قام بالخروج منها. وهذا لا ينطبق على حالتنا.

وللتذكير فنحن وقعنا اتفاقية الشراكة الوحدوية بين دولتين وشعبين، وقد كان لكل من هاتين الدولتين حدودها المعترف بها دوليا، سواء في الجنوب أو الجمهورية العربية اليمنية (الشمال)، وبالتالي لا يصح في وضعنا توصيف الانفصال. ومن ناحية ثانية كانت القوى السياسية بالكامل قد اتفقت في الشهر الأول من سنة 1994 على "أن من يعلن الحرب يعلن الانفصال"، وبالفعل قام علي عبدالله صالح بإعلان الحرب على الجنوب في 27 أبريل من ذلك العام، واجتاح الجنوب ليقوض اتفاقية الشراكة في صورة نهائية.

وبالتالي فإن المطالبة باستعادة دولتنا هو حق قانوني شرعي قبل أي اعتبار سياسي آخر، ومن يقول غير ذلك يتعمد تزوير الواقع وقلب الحقائق، وتقديم حجج تبرر احتلال الجنوب وطمس هوية أهله وشطب تاريخه الخاص. إن الجنوبيين لا يريدون صدقة من أحد، ولا يطالبون بما هو غير حق لهم، إنهم ببساطة قرروا استعادة دولتهم التي تخلوا عنها بموجب اتفاقية الشراكة، وذلك عن طريق فك ارتباط هذه الشراكة.

أما بصدد الشق الثاني من سؤالك، وهو هل نعتقد بأن الحراك السلمي كاف لتحقيق هذا الهدف؟، فنحن نرى أن العبرة هي في رفض الجنوبيين لمصادرة إرادتهم وهويتهم، وخروجهم عن بكرة أبيهم ليقولوا كفى. ولا شك أنكم لاحظتم أن الحراك الجنوبي صار خلال السنوات الثلاث الماضية الإطار العام لحركة شعب الجنوب في سبيل ممارسة حقه في تقرير مصيره. وطالما أن الشعب وقف وقفة واحدة، فلن تثنيه أية قوة عن تحقيق أهدافه، مهما بلغت من بطش ومن جبروت.

الحراك يناضل حتى اليوم بالأساليب السلمية، لكن نظام الحروب في صنعاء يلجأ إلى النار والقتل للقضاء عليه، وفي جميع الأحوال، لن يعطي شعبنا لصنعاء فرصة تصفيته، وسوف يدافع عن نفسه بكل الوسائل المتاحة، ولعلكم لاحظتم تطورات الأسابيع الأخيرة في الضالع ولحج وردفان والصبيحة. فهي الجواب على التلويح بالقوة.

ومن هذا المنبر أحذر نظام صنعاء من سياسة القوة والدم، فمن يبدأ هذا الطريق سوف يكتوي بناره، ونحن باعنا ليس قصيرا، نحن الرقم الصعب في المعادلة، ولن يستطيع أحد شطبنا. ومن يهددنا بحرب قاضية عليه أن يتعظ بمصير بطل "أم المعارك".

العرب القطرية:بعض الجهات تتهمكم بالتعاون مع القاعدة لقلب نظام الرئيس علي صالح، فما ردكم؟

علي سالم البيض:هذا الاتهام مردود ولا أصل له، وهو نوع من الاصطياد في الماء العكر. فنحن لم تكن لنا صلات بتنظيم القاعدة، ولا علاقة لنا به، لا الأمس ولا اليوم. ويعرف المتابعون والمختصون أن تنظيم القاعدة كان على الدوام حليف علي عبدالله صالح، وتكفي العودة إلى ملف المدمرة الأميريكة "يو إس إس كول" للوقوف على حقيقة هذا التعاون، فالذين قاموا بتفجيرها في ميناء عدن سنة 2000 جميعهم يعملون في جهاز الحرس الرئاسي، وكانت لديهم تصاريح رسمية بالتحرك من دون أن يعترض طريقهم أحد.

وعليه فإن رمي تهمة القاعدة علينا تبدو نافرة، وغير منطقية، ولا أساس لها من الصحة، وهي تهمة مقلوبة.

العرب القطرية:هل لديكم قنوات تعاون مع جهات أخرى، دول عربية أو أجنبية مثلا من أجل دعم قضيتكم؟

علي سالم البيض:نحن نعول على حركة شعبنا قبل كل شيء، لكننا نراقب تطورات المواقف العربية والدولية، ونأمل أن يحصل المزيد من التقدم في اتجاه دعم انتفاضة شعبنا الاستقلالية التي قطعت شوطا هاما على طريق تحقيق أهدافها، ونحن على قناعة بأن المواقف العربية والدولية سوف تتقدم إيجابا في الفترة القريبة القادمة، فهي تدرجت خلال الأشهر القليلة الماضية من الصمت التام إلى التفهم، ثم نحو الاهتمام وإيلاء القضية الجنوبية الاهتمام الذي تستحقه على أجندة كافة الأطراف، وقد كان مؤتمر لندن الذي انعقد في نهاية شهر يناير الماضي محطة هامة على هذا الطريق، فهو أفرد للقضية الجنوبية حيزا خاصا من النقاش والتداول، وقد صدرت تصريحات هامة من قبل الدولة التي استضافت المؤتمر، ومن جانب الولايات المتحدة، حيث عبرت وزيرة الخارجية الأميركية السيدة هيلاري كلينتون بصراحة عن قلقها حيال الوضع في جنوب اليمن، وتحدثت عن المعاناة الخاصة للجنوبيين، وأشارت إلى ضرورة أخذ الحراك الجنوبي بعين الاعتبار.

بالنسبة لنا يعد هذا التحول في الموقف الدولي مؤشرا هاما، ونحن نأمل أن تكلل المواقف الدولية بالاعتراف بممثلي الجنوب الشرعيين والحديث معهم بوصفهم وحدهم المخولين بالحديث باسم الجنوب والقادرين على الإمساك بزمام الأمور.

العرب القطرية:كيف تنظرون إلى القمة العربية المقبلة في سرت بليبيا، وهل ستكون أزمة الجنوب اليمني حاضرة في تقديركم؟

علي سالم البيض:نحن نراهن منذ البداية على موقف عربي من قضية شعبنا في الجنوب المحتل، وقد كان هذا الأمر محل اتصالات من قبلنا مع العديد من الأطراف العربية، وخاصة الإخوة قادة دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك لخصوصية العلاقات التي تربطنا مع بعضنا البعض، فنحن نتأثر ونؤثر ببعضنا البعض بسبب عوامل التاريخ المشترك والجغرافيا، وتدخل وتقاطع المصالح والهموم.

كما سبق أن بحثنا المسألة مع السيد عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية، الذي كان رد فعله إيجابيا، وقام بمبادرة من أجل إيجاد حل للقضية الجنوبية داخل البيت العربي، وزار صنعاء لهذا الغرض قبل عدة أشهر، لكن حكام صنعاء كابروا وقطعوا الطريق على مبادرته، التي كان يريد بها حقن الدماء، وعدم تصعيد الموقف وإيجاد حل يرضي جميع الأطراف.

أما بصدد القمة العربية في ليبيا، نحن على ثقة أن القادة العرب سوف يتوقفون أمام قضية شعبنا، وفي جميع الأحوال يفترض بموقفهم ألا يكون تحت سقف الموقف الدولي، الذي عبر عن نفسه في مؤتمر لندن، ونحن نجري الآن اتصالات من أجل وضع القضية الجنوبية على جدول الأعمال.

إن تعويلنا على موقف عربي نابع من إيماننا العميق بضرورة حل القضية الجنوبية عربيا قبل كل شيء، وداخل البيت العربي، ونحن نفضل أن يتم ذلك، لكي لا يتخذ بعض الأطراف الدولية من القضية الجنوبية ذريعة للتدخل في شؤون المنطقة. نقول ذلك على سبيل التحذير، فلا يجوز أن تهتم الأطراف الدولية بالقضية الجنوبية، بينما يقف العرب موقف المتفرج.

وأقول بصراحة إن تعويلنا وتفضلينا لحل عربي، لا يعني بأي حال من الأحوال إدارة الظهر للموقف الدولي، فنحن نعرف جيدا أننا نواجه خصما لا يفهم لغة الحوار، ولا يحترم التعهدات، ومن شأن موقف عربي ودولي ضاغط أن يدفع نحو حل سلمي للقضية الجنوبية، وكما أننا بحاجة لموقف عربي، فنحن بحاجة لموقف دولي يشكل ضمانة لشعبنا بما يوفر له الحماية في وجه آلة البطش وجحافل الموت، التي تزحف نحو الجنوب لتنفيذ مجازر بحق شعبنا.

إن الأولوية اليوم هي تأمين الحماية لشعبنا، ومن ثم تمكينه من حقه في تقرير مصيره، ولذا خاطبنا الأمم المتحدة وأمينها العام السيد بن كي مون، وشرحنا له الوضع في الجنوب، وطالبنا باستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يعترف بقضية شعبنا، من النقطة التي توقفت عندها سنة 1994، وذلك وفقا لقراري مجلس الأمن الدولي 924 و931، اللذين نصا على تحريم استخدام القوة، وعدم جواز فرض الوضع في الجنوب انطلاقا من القوة.

العرب القطرية:كيف تنظرون للموقف القطري من الأزمة اليمنية، وهل تأملون في وساطة قطرية في هذا الشأن؟

علي سالم البيض:ننتظر من قطر مبادرة شاملة للحل على غرار المبادرات التي تقدمت بها لحل القضية اللبنانية والنزاع في دارفور والمشكلة ما بين تشاد والسودان.

لقد بات من الواضح أن الأشقاء في قطر يمتلكون رؤية استراتيجية لتطويق النزاعات، وقد برهنوا عن حنكة ودراية في حلها، ولذا نناشد حضرة صاحب السمو أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أن يشمل قضية الجنوب باهتمامه التام، ونحن على استعداد تام للمساعدة في ذلك.

العرب القطرية:كيف تفسرون تصرف السلطات اليمنية حيال قناة "الجزيرة" التي تمت مصادرة أجهزتها وتهديدها بغلق مكتبها وعدم الترخيص لمراسليها بالعمل من اليمن؟

علي سالم البيض:سبق لنا أن عبرنا عن موقفنا في هذا الخصوص، وقد استنكرنا وأدنَّا الإجراءات التعسفية بحق قناة الجزيرة كمنبر إعلامي حر يتمتع بمهنية عالية وله مصداقيته. ومرة أخرى نعبر عن كامل تضامننا مع القناة وطاقمها الميداني الذي يعمل في الجنوب، وباسم شعبنا في الجنوب المحتل أوجه الشكر لهؤلاء الشهود الذين كانوا أوفياء للحقيقة. فهذا المنبر سلط، على مدى أشهر، الضوء على قضية شعب الجنوب مغلبا الضمير المهني على أي حسابات سياسية أو صفقات وتسويات مع حكام صنعاء.

إن هذا الموقف يبعث على الاعتزاز، لأن هناك أصواتا إعلامية حرة ونزيهة ترفض التعتيم على المجزرة، التي يعمل نظام صنعاء على تنفيذها في الجنوب.

ونحن نرى أن الحملة على قناة الجزيرة تخفي خلفها هدفا أبعد، وهو محاولة نظام صنعاء إبعاد الشهود من المسرح لكي لا يقوم أحد بكشف أو نقل أو تعرية الجرائم، التي ترتكبها جيوش صنعاء في الجنوب.

إن الحملة ضد الجزيرة بدأت قبل ذلك ضد الإعلام المحلي المعارض والمستقل، وطالت كل صاحب رأي أو قلم أو منبر شريف، حاول أن ينقل صورة صادقة عما يجري في الجنوب، والمثال الحي على ذلك ما تعرضت له صحيفة "الأيام" العدنية المستقلة. فقد قامت قوات صنعاء بمضايقتها عن المصادرة منذ مطلع العام الماضي، ومن ثم منعتها كليا عن الصدور في مايو الماضي، لكونها كانت تنقل بأمانة ومهنية ما يحصل في الجنوب، ولأن ناشرها ورئيس تحريرها الصحافي الكبير الأستاذ هشام باشراحيل رفض أن ينحني لعاصفة الترهيب، فقد قاموا بمحاصرة منزله في عدن بقوات من الحرس الجمهوري والأمن المركزي، واشتبكوا مع المواطنين الذين توافدوا للتضامن معه فسقط عدة شهداء، وأصر علي عبدالله صالح شخصيا أن يتم اقتياد هشام وولديه إلى أقبية المخابرات في صنعاء منذ الأسبوع الأول من شهر يناير الماضي، ولم يشفع له مرضه في ذلك أو كبر سنه.

وقد وصلت أخبار أن الأستاذ هشام ينفذ إضرابا مفتوحا عن الطعام منذ عدة أيام، وصحته في تدهور مستمر، ولذا أناشد زملاءه في وسائل الإعلام العربية والدولية والهيئات العربية والدولية المدافعة عن حرية الصحافة، التحرك للدفاع عن زميل لهم عرف بالأمانة المهنية والوقوف إلى جانب قضية الحرية.

وبالتالي إن الحملة ضد الجزيرة هدفها منع تغطية المجازر في الجنوب، وخصوصا التي يجري التحضير لها اليوم، وقد تحدث صحافيو القناة عن مساومة قامت بها السلطات، تسمح لهم بموجبها العمل بحرية في حال توقفوا عن تغطية أخبار الحراك الجنوبي، وإلا فسيتم إغلاق المكتب. ولا بد لي هنا أن أشير إلى نقطة هامة، وهي أن التعتيم الإعلامي هدفه التستر على تنفيذ خطة لضرب الحراك بدأت منذ 26 من الشهر الماضي، بقطع خطوط الاتصالات الهاتفية في الجنوب بهدف عزله عن الإعلام كليا، وقد تم تقطيع أوصال الجنوب بالألوية التي سحبوها من صعدة نحو الجنوب، لكي تعوض عن هزيمتها هناك بفتح معركة في الجنوب. ولكن شعبنا سوف يفوت عليهم هذه الفرصة وسيدافع عن نفسه، ولن يتراجع إلى الخلف أو يتخلى انتفاضته الاستقلالية حتى نيل حقه في تقرير مصيره، واستعادة دولته المستقلة، وعاصمتها عدن.

زر الذهاب إلى الأعلى