تستقبل الساحة الصحفية في اليمن زخماً كبيراً من النشرات والمجلات الصادرة عن الوزارات والمؤسسات الحكومية والمنظمات الجماهيرية والإبداعية، والتي تستمد شرعية صدورها من قانون الصحافة والمطبوعات، الذي كفل للجهات حرية الإصدار وألزمها بالتسجيل لدى وزارة الإعلام.
استجلاءً لملامح هذا الجانب الإعلامي والذي يكاد يمثل عالماً خاصاً بذاته، أثرنا عدداً من التساؤلات حول هدف إصدارها، وطريقة تعيين هيئة تحريرها، والضوابط التي تحدد ذلك، وجدواها الإعلامية في ظل وجود صفحات متخصصة – في ذات الهدف - بالصحف الرسمية وبعض الأهلية، وهل تحقق تلك النشرات أهدافها بشكل يوازي حجم الإنفاق عليها أم أنه مجرد بذخ دعائي لا أقل ولا أكثر؟
للوقوف على حقيقة الوضع، والإجابة على تلك التساؤلات وغيرها تابعوا التحقيق الآتي:
بالرغم من تنوع الإصدارات الإعلامية للجهات المختلفة، وتعدد اهتماماتها، ومضامينها الصحفية وطرق إخراجها، إلا أن بعضها تفتقد إلى أسلوب الخطاب الإعلامي ومهارات التحرير الصحفي وتعيش انفتاحاً زمنياً غير ملتزمة بتوقيت معين للصدور، هكذا يراها البعض، فيما ينظر إليها البعض الآخر باحترام رغم وجود مآخذ عليها، باعتبارها نافذة إعلامية لتلك الجهات، وإحدى وسائل العلاقات العامة الناجحة للتعريف بها وتحسين صورتها الذهنية لدى الآخرين، وبالمقابل هناك من يراها خارج نطاق القانون، ويطالب بتصحيح وضعها القانوني، فيما قد تثير المخاوف لأصحاب المطابع عند طباعتها لعدم امتلاك السواد الأعظم منها لتصريحات رسمية من وزارة الإعلام تجيز طباعتها وتخلي مسئوليتهم عن طباعتها.
إجراءات بلا نهاية
أطراف متعددة تناولت الموضوع، والبداية مع المعنيين عن تلك النشرات والإصدارات الإعلامية حيث أكد رئيس تحرير النشرة الصادرة عن البنك المركزي اليمني درهم عبد الفتاح أن النشرة تهدف إلى تعزيز الوعي المصرفي، ويرتقي بمستوى التعامل بوعي وإدراك مهني وقانوني لدى العاملين والجمهور المصرفي، والتمكن من الوصول إلى الجمهور المستهدف وتحقيق الأهداف المرسومة بما يلبي الطموحات الاقتصادية والتجارية ويعزز الثقة بالقنوات المصرفية، ويرى أن الجمهور المتابع للنشرة تجاوز الجمهور المصرفي إلى المهتمين والدارسين والباحثين في الشأن الاقتصادي بالإضافة إلى المؤسسات الإعلامية والبحثية والتوثيقية من خلال توزيع ثلاثة آلاف نسخة شهرياً بشكل مجاني.
موضحاً بأن هيئة تحرير النشرة يتم تعيينهم من قبل الأخ محافظ البنك وهم من الباحثين الاقتصاديين الذين تنشر لهم معظم الصحف الرسمية، إلا أنهم لم يتمكنوا من الحصول على تصريح الوزارة أو عضوية النقابة، مع أنهم قدموا ملفاً متكاملاً إلى وزارة الإعلام تنطبق فيه كل الشروط، إلا أن إجراءات المعاملة على حد وصفه طالت كثيراً ولم تر النور حتى الآن.
ويقول: نقوم بموافاة الوزارة بمجموعة نسخ شهرياً، ولم يعترضوا على وضعنا، ونلتزم بموعد إصدار النشرة الشهري كونها تقدم معلومات وتقارير إحصائية تفقد قيمتها عند متابعيها إن لم تُنشر في وقتها، وقد دفعت فروع البنك إلى التنافس في إعداد التقارير الختامية فلدينا أكثر من عشرين فرعاً للبنك والنشرة شهرية والحيز الزمني لا يسمح إلا للتقارير المتميزة التي تُعتبر قاعدة معلومات شاملة.
بدون تصريح
ونفس الأمر يتكرر مع مجلة الإيثار الصادرة عن جمعية الهلال الأحمر اليمني، حيث أفاد سكرتير المجلة محمد أحمد غازي بأنهم ليسوا أعضاء في نقابة الصحفيين، ولم يحصلوا على تصريح وزارة الإعلام، مع أن جمعية الهلال الأحمر مستقلة وهي معاونة للسلطات اليمنية، ويتساءل مستغرباً بقوله: بلغنا العدد التاسع والثلاثين، والمجلة متخصصة في نشر المبادئ الإنسانية، ومبادئ القانون الدولي الإنساني، وتصدر المجلة كل شهرين وتشكل حلقة وصل بين الجمعية وفروعها، وقد انبثق عنها أكثر من 16 صحيفة لفروع الجمعية في المحافظات بدعم من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومع ذلك فان وزارة الإعلام لم تمنحنا ترخيصاً حتى اليوم، ونأمل مستقبلاً أن تكسب المجلة ثقة الوزارة ويتم تسجيلها في القريب العاجل.
تواصل رغم القصور
لكن بالمقابل يؤكد سكرتير تحرير نشرة التواصل السكاني الصادرة عن المجلس الوطني للسكان أمين عبدالله إبراهيم حصولهم على التصريح من وزارة الإعلام منذ العدد الأول، موضحاً بأن هدف إصدار النشرة يتمثل في خلق قنوات تواصل مع كل الجهات العاملة في مجال العمل السكاني سواء الحكومية أو غير الحكومية بالإضافة إلى تنسيق مجمل الأنشطة السكانية على المستوى المركزي والفروع في المحافظات، كما أنها تتضمن مجمل الفعاليات والأنشطة التي يقوم بها المجلس وفروعه بشكل دوري كل ثلاثة أشهر كونها متخصصة تحمل في طياتها المعلومات والبيانات الدقيقة الصادرة عن جهة رسمية.
إلا أنه أشار إلى تأخر الإصدار في بعض الأحيان لاعتبارات مالية، بالإضافة إلى وجود بعض القصور في عملية التوزيع مما جعل قراء الصحيفة محدودين – بحسب قوله – لكنه يؤكد استمرار وصولها إلى الجهات المستهدفة.
دور توعوي
الأخت/ فايزة مشورة -إحدى المتابعات لنشرة التواصل السكاني أشادت بالدور التوعوي الذي تقوم به النشره، متمنيةً على هيئة تحريرها النزول إلى الشارع ونقل الحقائق بمصداقية وتجرد يفضي إلى حل المشاكل السكانية عن طريق استطلاعات صحفية حية تنقل المؤشرات وتترجمها إلى أرقام إحصائية وتكون شاهدة بتميزها الصحفي، وشددت على أن لا تنحصر مواضيع النشرة في الكتب والمراجع والمكاتب مما يجعلها جافة تخاطب فئة معينة ويفترض أن تخاطب رسائلها جميع الفئات والجهات والمناطق في مختلف المحافظات اليمنية.
مع النقابة
أخذنا تلك الهموم إلى نقابة الصحفيين اليمنيين لبحث موقفهم من مهنية النشرات الإعلامية لتلك الجهات، وموقع العاملين بها من عضوية النقابة، فالتقينا بالأستاذ/ مروان دماج أمين عام النقابة والذي بدأ حديثه لنا قائلاً: من الطبيعي أن تصدر المؤسسات الحكومية والهيئات والمنظمات المدنية والأحزاب نشرات تُعنى بتغطية أنشطتها، وهي ليست مخالفة لقانون الصحافة الذي كفل حق أي جهة اعتبارية أن يكون لها وسيلتها الإعلامية، وبالتالي فان هيئة تحرير تلك النشرات الصادرة باسم المؤسسات ليسوا دخلاء على المهنة، فهم يقومون بعمل إعلامي ولكن لجنة القيد في النقابة لا تقبلهم كأعضاء لعدم انطباق الشروط المطلوبة في عضوية النقابة.
وأضاف: أعتقد أنه من المفترض أن نناقش هذا الموضوع في مجلس النقابة والجمعية العمومية، وأرى أن المشكلة المهنية في تلك النشرات هي تولي التحرير فيها موظفين إداريين، ولا مانع لدى النقابة في أن تشركهم في دورات تدريبية تقيمها من أجل تأهيلهم، بحكم أن العمل الصحفي تعلم ومهنة، لها أسس يتعلمها الصحفي ويتدرب عليها حتى يتمكن من أدائها وليس موهبة فقط.
لا تعارض مع القانون
اتجهنا إلى الإدارة العامة للصحافة بوزارة الإعلام باعتبارها المعنية بتنفيذ الإجراءات الخاصة بتراخيص إصدار الصحف والمجلات وفقا لقانون الصحافة، والتقينا الأخ/ إبراهيم عبد الحبيب مدير عام الصحافة بوزارة الإعلام، والذي أوضح لنا وجود لبس في فهم الإجراءات القانونية المتبعة بشأن نشرات الجهات المختلفة وإصداراتها، وقال: عادة تقوم الوزارات والمؤسسات الحكومية والأحزاب والمنظمات الجماهيرية التي تصدر نشرات أو صحفاً باسمها بتعيين هيئة تحريرها، ولا علاقة لوزارة الإعلام بتعيينهم، وإنما تحاط علما بذلك فقط، ويتم استكمال ملفات هيئة تحريرها على أن تتوفر في رئيس التحرير والمحررين المؤهلات التي حددها قانون الصحافة ولائحته التنفيذية، والذي فرض على كل الجهات والمؤسسات الالتزام بإبلاغ الوزارة أولا بأول بإصدارات نشراتها حتى تضمن لهم حق الاسم الخاص بهم، لأن تلك النشرات تُسجل لدى الوزارة تسجيلا، وليس كما يظن البعض بأنها تمنح تصريحاً، ومع ذلك هناك الكثير منها غير مسجلة وتصدر من جهات متعددة.
وعن صحة وضع تلك النشرات قانونيا أجاب بان كل الصحف والنشرات المسجلة لدينا وضعها القانوني صحيح، وهناك الكثير من النشرات غير معتمدة، وفي حالة إذا ما أتى إلى الوزارة شخص وأراد أن يصدر بنفس اسم النشرة أو الصحيفة، نمنحه ذلك لأن الأولى عندنا غير قانونية.
من جانبه طالب مدير عام الشئون القانونية بوزارة الإعلام عبد الإله محمد يوسف طالب بوجوب التزام النشرات والصحف الصادرة باسم الجهات المختلفة بالقانون الذي وضع شروطاً في هيئة التحرير، ولا يكون وضعهم القانوني صحيحاً إلا بعد استيفائها، وأشار إلى عدم تعارض تلك النشرات مع قانون الصحافة طالما أنها التزمت بالقانون.
حقائق وأرقام
وحول الإحصائيات بالعدد المسجل لديهم أوضح مدير عام الصحافة بالوزارة إبراهيم عبد الحبيب منح أكثر من (400) ترخيص لصحيفة ومجلة ونشرة، فالقانون لم يفرق بين أي منها، لكنه لا يعتقد أن تلك النشرات تمثل خطوة نحو الصحافة التخصصية، واعتبرها نوعاً من تشتيت الإمكانيات للجهات، كما أن بعض الجهات لا تحتاج إليها أصلاً، لأن الصحف الرسمية تفرد صفحات أسبوعية لهم، وهي أفضل من نشرة تُطبع بأعداد قليلة، وجمهور محدود، ولا نحتاج إلى هذا الكم من النشرات لكن القانون لا يتعارض معها.
فيما أوضح مدير الصحافة المحلية بوزارة الإعلام ذياب أبو ذياب أن الوزارة سجلت 56 نشرة لمؤسسات رسمية ومجالس محلية وجمعيات ومنتديات وجامعات وأندية ونقابات وما في حكمها، بعضها ما زالت تصدر والبعض الآخر توقف، بالإضافة إلى (34) مجلة للجهات نفسها، واعتبر أن وضعهم القانوني صحيح، لان التسجيل لا يتم إلا بعد استيفاء الشروط التي لا تفرق بين نشرة أو صحيفة، وعزا أبو ذياب ركاكة وضعف أسلوب خطاب النشرات إلى عدم اختيار مؤهلين في هيئة التحرير، مؤكداً أن الكثير من تلك النشرات لم يتواصل مسئولوها مع الوزارة من أجل تسجيلها لعدم استيفائها للشروط القانونية.
الحذر مطلوب
أحد أصحاب المطابع - طلب عدم ذكر اسمه أو اسم المطبعة – أكد لنا بأنهم يقومون بطباعة نشرات لعدة جهات، بالإضافة إلى البروشورات وأعمال طباعيه أخرى.
وقال: تختلف طبيعة كل نشرة بحسب الجهة التي تصدر عنها، مثلما تختلف تكلفة طباعتها التي تتفاوت بحسب المواصفات التي تطلبها الجهة والكمية ونوعية الورق...الخ.
وعن جدواها الاقتصادية باعتبارها رافداً مالياً للمطبعة أشار إلى أن جدواها تعتبر تعزيزية كونها مرافقة لأعمال كبيرة تقوم بها المطبعة سواء للقطاع الخاص أو المؤسسات الحكومية، مؤكداً حرص المطبعة على توخي الحذر في طباعة أي نشرة قد تثير مشاكل أو مساءلة قانونية، لأن إدارة المطبعة تطلب من الجهة التي تصدر النشرة باسمها أن تعطي إدارة المطبعة أمر تكليف بالطباعة مختوماً وموقعاً من رئيس الجهة، وتلك الجهة تتحمل المسؤولية، ولا نطلب تصريحاً من وزارة الإعلام أو غيرها بل نكتفي بصدور تلك النشرات عن جهة رسمية.