أرشيف محلي

للانفصاليين: لم تشرفوا قضيتكم وأنا لم أذهب إلى اليمن لآكل

زرت والزميل غسّان شربل صنعاء في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي، ونشرت «الحياة» مقابلة رئيس التحرير مع الرئيس علي عبدالله صالح في 27 آذار (مارس)، وكتبت في اليوم نفسه أول زاوية، من ثلاث متتالية، عن المقابلة، وما رأيت ومن رأيت في صنعاء، ولا أزال حتى اليوم أتلقى رسائل القراء عن الموضوع، مع انني في مطلع هذا الشهر كتبت عن رسائلهم واعتقدت أن الموضوع طوي، إلا أنني عدت من سفر لأجد أن أكبر مجموعة رسائل من القراء هي عن اليمن مرة أخرى (وهي كذلك في بريد رئيس التحرير).

ليس في الأمر عناد على الإطلاق، وأتجاوز مرة أخرى الرسائل المؤيدة والأخرى المعارضة المهذبة، وأقول إن المعارضين الآخرين من الحراك الجنوبي لا يشرفون قضيتهم ولا يساعدونها بتطرفهم الأعمى وتحميل الكلام فوق ما يحتمل.

مرة أخرى، قلت إنني سمعت من طرف واحد لذلك لا أصدر حكماً وقلت إنني أرجو أن يعود اليمن سعيداً، ما يعني انه ليس سعيداً اليوم، ثم انني زرت صنعاء وليس اليمن، ولغرض محدد هو مقابلة الرئيس. وما نشرت «الحياة» من مقابلة رئيس التحرير وما كتبت عما رأيت، صحيح وأرفض مجرد البحث فيه، وأنا خلال عقود من العمل اليومي لم أسحب أي كلام أو أعتذر عنه.

أرجو من القراء أن يصبروا عليّ ومعي، فقد ذهبت من لندن إلى الرياض لحضور مهرجان الجنادرية، كما أفعل من سنوات، وكان يفترض أن أبقى حو إلى أسبوع الا انني بعد ثلاثة أيام في العاصمة السعودية ذهبت مع الزميل غسان إلى اليمن، وعدنا إلى الرياض بعد يومين، وهو سافر إلى بيروت وأنا عدت إلى لندن وبقيت يومين وسلمت المادة التي جمعتها، وذهبت إلى بيروت يومين للعمل، ثم انتقلت إلى عمان (كان هذا لسبب خاص فلا أدعي انه عمل)، وعندما كنت في طريقي إلى المطار قبل الخامسة من صباح الأحد في الرابع من هذا الشهر كان الضيوف لا يزالون يغادرون الحفلة التي تركتها بعد منتصف الليل للنوم قليلاً ثم السفر إلى اسطنبول حيث قضيت يومين عدت بعدهما إلى بيروت لتسليم المادة في يومين آخرين، ثم عدت إلى لندن حيث أنا الآن.

سبع محطات أو ثمانٍ في أسبوعين، ثم يقول قارئ انني أسافر في طائرة خاصة (هي أقصر جزء من الجولة) ويقول قارئ آخر انني ضيف على موائد وجهاء صنعاء. يا اخوان قرروا: هل أنا ثري أستعمل طائرة خاصة، أو انني أذهب إلى اليمن لآكل؟

عندي على ما سبق تذاكر السفر والأختام على جوازَيْ سفري اللبناني والبريطاني فمعلوماتي دائماً صحيحة، كما كانت في نقل ما قال الرئيس علي عبدالله صالح وما سمعت في صنعاء، فأنا زرت العاصمة فقط، ولم أزر البلد كله.

وانتقل إلى شيء أخف وطأة وما وجد هوى عند القراء هو الأخطاء اللغوية بعد مقال نشر قرب نهاية الشهر الماضي، وكنت كتبته وأنا أستعد للسفر، وتأخر نشره لأنه لا يحمل عنصر وقت، ويصلح للنشر في أي يوم. وجلست أمام التلفزيون في 21/3/2010، والساعة السابعة والربع مساء بتوقيت صنعاء، ورأيت في خبر لمحطة «الحرة» الكلمات «لاجئوا دارفور» وفي خبر لمحطة دبي عن داماس «الغير التنفيذيين»، ولم تكن الكلمات ضمن شريط الأخبار في أسفل الشاشة، بل ضمن عناوين كبيرة تملؤها، وفي 27 من الشهر نفسه نشرت «الحياة» صورة لشبان يرفعون دعاية انتخابية تقول «بالأمس قتلوا أبنائنا... واليوم يعدمون أصواتنا».

هي أخطاء فاضحة ومزعجة وتصبّ في صرف اللغة ونحوها، من دون دخول في بيان أو تبيين، والصحيح «لاجئو» من دون الألف و «غير التنفيذيين» (الغير تنفيذيين خطأ آخر وقِسْ على ذلك) وأبناءنا بدل أبنائنا.

التلفزيون مطالب بالعمل لتحسين قدرة المشاهدين على الكتابة الصحيحة، فهو شعبي جداً. والواقع ان المستوى اللغوي للمذيعين والمذيعات العرب تحسّن كثيراً في السنوات الأخيرة بحكم المنافسة، وأرجو أن يستمر التحسّن ويشمل شريط الأخبار في أسفل الشاشة، ففي اللغة لا توجد هنات هيّنات وإنما صحيح أو خطأ.

ولعل القراء اليمنيين من المعارضين الذين أقحموني عالمهم يجدون في حديث اللغة ما يعوض عن الخلاف السياسي، فالكل في اليمن شاعر حتى ان البلاغ الرقم واحد سنة 1962 صيغ شعراً.

وأتوكأ على القرآن الكريم مرة أخرى لحسم الجدل في خطأ شائع آخر، فنحن نقول عن انسان انه كَفُوء أو كَفُئ أو كُفء، وكلها صحيح، ونستعملها بمعنى انه ماهر أو قدير، وهنا الخطأ، فالكلمة لا تعني سوى النظير والمساوي، والآية تقول «ولم يكن له كفواً أحد»، أي لم يكن أحد مثله أو مساوياً له، والزجّاج يقول ان في هذه الآية أربع قراءات، إلا أن المعنى فيها جميعاً واحد، وهو النظير أو المساوي، لا القدير المتمكن من عمله.

العنوان الأصلي للمقال: زرت صنعاء وليس اليمن

زر الذهاب إلى الأعلى