arpo37

مبارك وصفعة قوية لزيناوي

رغم محاولة إسرائيل الترويج في الفترة الأخيرة لاحتمال اندلاع حرب بين دول حوض النيل ، إلا أن تحركات مصر الدبلوماسية العاقلة وجهت لها ضربة موجعة وأكدت بما لايدع مجالا للشك أنه ما من أحد يستطيع تهديد أرض الكنانة في حقوقها التاريخية في مياه النيل.

ففي 23 مايو / أيار ، كانت القاهرة على موعد مع مباحثات سياسية هادئة وهامة جدا في توقيتها بين دولة المصب واثنتين من دول منابع النيل عندما استقبل الرئيس المصري حسني مبارك رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية جوزيف كابيلا ورئيس وزراء كينيا رايلا أودينجا .

وبالنظر إلى أن كينيا كانت وقعت بجانب إثيوبيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا على اتفاقية جديدة في 14 مايو / أيار في عنتيبي بأوغندا حول إعادة تقسيم مياه النيل وهو ما رفضته مصر والسودان على الفور ، فإن تصريحات أودينجا من شأنها أن تعيد الهدوء لعلاقات دول حوض النيل وتعود للحقيقة التي لا جدال فيها وهي أنه لا بديل عن التفاوض لإقامة مشروعات مشتركة تعيد بالنفع على دول المنبع والمصب على حد سواء .

وكان السفير سليمان عواد المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية في مصر كشف أن رئيس الوزراء الكينى أكد بعبارات واضحة خلال لقائه مع الرئيس حسنى مبارك أن بلاده ودول المنبع لنهر النيل لا يمكن أن تتجه أو تفكر في الإضرار بمصالح مصر المائية .

وبجانب تصريحات أودينجا السابقة ، فإن زيارة رئيس الكونغو لم تكن أقل أهمية بالنظر إلى أن الكونغو من دول منابع النيل التي رفضت التوقيع على اتفاقية عنتيبي حول إعادة توزيع الحصص في مياه النيل ولذا حملت زيارة كابيلا أهمية قصوى بل ودعمت موقف مصر فيما يتعلق بالخلافات بين دول المنبع والمصب .

ولعل تصريحات السفير سليمان عواد المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية في مصر تؤكد النجاح الذي توجت به التحركات الدبلوماسية في هذا الصدد ، حيث شدد على أن العلاقات بين مصر وبين دول حوض النيل لم تنقطع يوما وهي على أعلى مستوى ومتواصلة سواء على المستوى السياسى أو التعاون التجارى والاقتصادى والاستثمارى.

وأضاف أنه ليس مستغربا أن يأتى رئيس الكونغو الديمقراطية ورئيس وزراء كينيا ، مشيرا إلى أن مصر كانت قد استقبلت منذ أشهر قليلة وقبل تطورات توقيع اتفاقية عنتيبي رئيس رواندا ونائب رئيس بوروندى ، ما يؤكد أن العلاقات متواصلة ومستمرة .

وردا على سؤال عما إذا كان توقيع الاتفاق الإطارى لدول منابع حوض النيل يشير لإنفراط العقد السياسى بين مصر وهذه الدول وكيف سيكون تعاون مصر مع هذه الدول فيما بعد , أجاب عواد قائلا :"إننى أحذر من التهويل والمبالغة في الموقف الح إلى فيما يتعلق بدول حوض النيل ، فكلمة انفراط العقد كلمة كبيرة لأن علاقات مصر بدول حوض النيل وعلاقاتها أيضا بكل دول إفريقيا علاقات وثيقة وإنه لا يجب الاستماع لمن يقول إن علاقات مصر مع دول إفريقيا تتراجع".

وتابع " ملف دول حوض النيل يتم تناوله الآن ويعالج على مستوى وزراء الرى وإننى على ثقة أن ما يسمعه الرئيس مبارك من القيادات السياسية لهذه الدول كفيل بأن يتم التوصل لاتفاق بين الأخوة الأشقاء من منظور قيادات سياسية واعية وحكيمة بعيدا عن الخلافات حول الصيغ القانونية حول هذه المادة أو تلك".

وأكد عواد أن الرئيس حسنى مبارك يتابع موضوع حوض النيل متابعة على مدار الساعة باعتباره وثيق الصلة بالأمن القومى المصرى وأنه يتلقى تقارير من رئيس مجلس الوزراء الدكتور أحمد نظيف على مدار الساعة باعتباره رئيس اللجنة العليا لمياه النيل ، بالإضافة لتقارير وزيري الخارجية والرى .

واختتم قائلا :" إنه لا ينبغى على الإطلاق أن يتدخل الإعلام للتضخيم من حجم الموضوع وإننى أعبر عن أسفى لما قامت به صحف مصرية محترمة من النقل عن بعض المقالات الصحفية في دول المنبع حيث إننا لا ينبغى أن نتوهم أن هذه المقالات تعبر عن الآراء والمواقف السياسية لهذه الدول ولا ينبغى أن ننساق إلى تصعيد الموقف إعلاميا على نحو يؤدى إلى المساس بالحوار الدائر على المستوى السياسى بين دول حوض النيل".

صفعة لزيناوي

التصريحات السابقة تؤكد أن التوتر بين دول حوض النيل الذي تسببت به إثيوبيا بالأساس في طريقه للتراجع ، بل إن زيارة رئيس الكونغو ورئيس وزراء كينيا جاءت بمثابة صفعة قوية لرئيس وزراء إثيوبيا ميليس زيناوي المعروف بتحالفه الوثيق مع إسرائيل والذي استغل اتفاقية عنتيبي فيما يبدو لرفع شعبيته قبل الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 23 مايو / أيار .

فامتناع جمهورية الكونغو الديمقراطية وبوروندي عن المشاركة باتفاقية عنتيبي وزيارة كابيلا لمصر بعد توقيع الاتفاقية هي أمور تجعل وفقا لخبراء القانون الدولي من اتفاق عنتيبي الذي تم في غياب بعض دول المنبع باطلا بطلانا مطلقا .

هذا بالإضافة إلى أن مصر باعتبارها دولة مصب تعنى في نظر القانون الدولى والمعاهدات الدولية وضعا خاصا وما يؤكد ذلك أن اتفاقية عام 1929 التى أبرمتها بريطانيا الاستعمارية وحددت حقوق مصر القانونية في مياه النيل ركزت على مصر بوصفها دولة مصب وليس على كلمة مصر فقط .

ووفقا لتصريحات نقلها التليفزيون المصري عن الدكتور أيمن سلامة أستاذ القانون الدولى فإن هذه المسألة لا تنطبق فقط على نهر النيل في القانون الدولى ولكنها تنطبق على كل دولة مصب للأنهار الدولية وإذا كانت هناك دولة بحاجة إلى المياه من دول حوض النيل وحدثت لديها ظروف جوهرية فستكون مصر فقط نظرا لاحتياجاتها المتزايدة من المياه وعمليات التنمية.

وأشار إلى أن دول حوض نهر النيل تدفع بنظرية التغير الجوهرى في الظروف والتى تعنى أن هذه الدول قد طرأت عليها تغيرات اقتصادية وتنموية كبيرة منها الحاجة إلى المياه والزراعة والرعى والجفاف ومن ثم تستند هذه الدول إلى تلك النظرية للتحلل من التزاماتها القانونية الواردة في اتفاقية عام 1929 ، ورغم أن القانون الدولى يتفق مع هذه النظرية إلا أنه وضع شروطا في هذا الصدد يأتي على رأسها موافقة باقى الدول الأطراف في هذه المعاهدة الدولية سواء كانت ثنائية أو متعددة الأطراف وأن تقوم هذه الدول التى تستند إلى هذه النظرية بإثبات أن هناك ظروفا جوهرية فعلية قد طرأت عليها وتجعلها لا تستطيع الوفاء بالتزاماتها.

وأضاف خبير القانون الدولي أن مبررات الدول الموقعة على اتفاقية عنتيبي تستند للموقف الذى ابتدعته تنزانيا فور استقلالها وهو المبدأ الذى يسمى "هارمون" ويعنى أن دولة منبع النهر الدولى لها سيادة مطلقة في التصرف كيف تشاء في ذلك الجزء من النهر الدولى المار في إقليمها دونما اعتبار لاحتياجات ومطالب باقى الدول المتشاطئة والمشتركة في هذا النهر الدولى ، وقد ابتدعته أمريكا في القرن التاسع عشر ثم عزفت عنه بسبب مشاكل دولية ولم تقره لا محاكم التحكيم الدولية ولا محكمة العدل الدولية.

وبالإضافة إلى ما سبق ، فإن المتتبع لاتفاقيات المياه التى وقعت منذ القدم يرى أنها كانت تدور حول استخدام مياه نهر النيل بما يعود بالنفع على كل دول الحوض دون المساس بحقوق دولة المصب وهى مصر على مدار التاريخ.

وبينما تطالب بعض دول منابع النيل بإعادة النظر في اتفاقية عام 1929 بدعوى أن الحكومات القومية لهذه الدول لم توقع عليها , لكن الرد المصرى كان دوما يؤكد أنها حقوق مكتسبة ولابد من احترامها وإلا تحولت القارة الإفريقية إلى حالة من عدم الاستقرار والفوضى .

وبالنسبة لإثيوبيا التي توصف بأنها نافورة إفريقيا حيث ينبع من مرتفعاتها أحد عشر نهراً تتدفق عبر حدودها إلى الصومال والسودان من أشهرها النيل الأرزق ، فإن هناك حقيقة تضعف موقفها في تحديها لحقوق مصر التاريخية في مياه النيل وهي أن أنهار إثيوبيا التي تجري صوب الغرب باتجاه الصومال والسودان تتميز بانحدارها الشاهق ، فالنيل الأزرق ينحدر 1786 متراً عن مجراه الذي يبلغ 900 كم وهذا الانحدار الشاهق لتلك الأنهار يجعل من إثيوبيا بلداً ضعيفاً جغرافياً في التحكم في جريان النهر.

والخلاصة أنه لا بديل أمام دول حوض النيل سوى التعاون لحل الخلافات وتحقيق مصالحهم المشتركة بعيدا عن الأجندات الصهيونية والأمريكية التي لا تخدم سوى أصحابها .

زر الذهاب إلى الأعلى