رئيسية

مآلات أزمات في اليمن في تقرير استراتيجي

"اليمن دولة علي حافة الفشل والحكومة فاسدة"هذا بإيجاز ما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن الوضع في اليمن التي لم تصل إليه كما وصلت في الآونة الأخيرة، وأن تكن في الصورة، وتصبح في متناول العالم أجمع تنعقد لها المؤتمرات تلو المؤتمرات،وتقام الندوات، والفعاليات..

بحيث تصدرت القضية الأهم محورياً عبر الحديث عنها في القنوات، وما يحدث، ويجري فيها الأبرز اشتغالاَ عليه من قبل صناع القرار في العالم، ودول الشرق، والغرب جميعهم يدورون في فلك واحد مفرادته " الوضع في اليمن " بالاشتراك مع رجال السياسة، والفكر، والصحافة، والإعلام في مراكز الدراسات، والأبحاث العالمية، والدولية، والإقليمية، والمحلية حتى غدت قطب الرحى الذي يجتمع ويتحلق حوله،أوعليه.

في مطلع القرن الحادي والعشرين، والذي يحلو للبعض تصحيف منطوقه ب"العاتي، أو العاري "كانت شهدت اليمن بعد سنوات عدة من غياب الدولة، وتمركز الحكم في النطاق الضيق القبلي العشائري مرحلة نشؤ فكرة الحديث عن إقامة دولة المؤسسات،والنظام، والعدل والقانون تحديداَ بعد وحدة الشطرين في كيان واحد، ودخول التعددية البلاد، وهبوب رياح التغيير العالمية التي أنبئت بنظام عالمي جديد انطلق من خلاله اليمنيون يؤسسون للحلم المنتظر الذي ظلوا يعملون له مدداَ من أعمارهم، ونذروا حياتهم له، ولماّ يتحقق اليوم الموعود، بل صاروا في مفترق الطرق والتيه للعثور على بصيص أمل لإنقاذهم من شرك البقاء رهن الأزمات، والمشاكل التي تفتك بهم مع سبق الإصرار وفي تصاعد مستمر.

ويجد المتأمل، والمتابع الباحث في الشأن اليمني حاجته حال البحث والتنقيب خصوصاَ بعد التدفق الحاصل من المراكز البحثية، والدراسات الإستراتيجية، والإعلام المرئي السمعي، والمقروء التي جعلت اليمن نصب عينها فيما تصدره من مطبوعات في صورة دورية، كتب، أخبار، تقارير، صحف، ومجلات، وسوى ذلك .

وبين يدينا في هذه التناولة رؤية سياسية بحثية نسلط عليها الضوء في الأسطر التالية، وهي عبارة عن دراسة أكاديمية ضمن تقرير مجلة البيان الإرتيادي السنوي الإصدار السابع بالتعاون والمركز العربي للدراسات الإنسانية في القاهرة .

وقد جاء التقرير تحت عنوان (الأمة في مواجهة استراتيجيات التفتيت) ليرصد ويحلل ويستشرف المستقبل للكثير من القضايا التي تواجه العالمين العربي والإسلامي، منطلقا من مناقشة الإطار النظري والفكري لأصول الفكر الغربي وروافد ، إلى أزمة الفكر السياسي الإيراني بين الإصلاحيين والمحافظين، والتيارات الفكرية داخل الإدارة الأمريكية، ويختتم الجزء النظري في التقرير بتناول "أزمة الليبرالية في العالم العربي والإسلامي"..

أما الجانب التطبيقي والتحليلي فقد بدأ بتناول قضية السودان وتداعياتها، وأزمة محاكمة الرئيس البشير، ثم قضايا العمل الإسلامي، ونحو دور جديد للمرأة المسلمة، والعلاقة بين الإخوان والسلفيين، وينتقل بعد ذلك إلى قضايا العالم الإسلامي فيتعرض لمستقبل العراق في ضوء توجهات واشنطن الجديدة، وما بعد التعاطف مع غزة، ومصر الإقليمية وتفعيل الدور المجتمعي للأمة، وتوجهات الحكومة الإسرائيلية، وطالبان والغرب، والدور الخارجي في الصومال، والأزمة اليمنية وآثارها على مستقبل الدولة.

والذي يهمنا استعراضه وتقديم خلاصة عنه ما يتصل بالأوضاع في اليمن والأزمات، والمشاكل الحاصلة التي تضمنها التقرير في الباب الرابع في دراسته لواقع العالم الإسلامي الذي يواجه مشاريع التفتيت والتمزيق التي منها اليمن اليوم الذي يعاني أزمات سياسية واقتصادية عديدة متزامنة، أبرزها: التمرد الحوثي في الشمال، والذي بدأ في عام 2004م، ومازال مستمراً حتى اليوم رغم الحروب الست التي شنتها الدولة، والحراك الواسع في المحافظات الجنوبية والشرقية من البلاد، والذي بدأ حقوقياَ عام 2007م، ثم ما لبث أن تحول إلى حركة انفصالية، تتناول الدراسة في مجملها التمرد الحوثي، والحراك الجنوبي، والإرهاب، والقرصنة، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية حيث تحلل الدراسة هذه الأزمات بشكل منهجي يكشف حقيقتها ودوافع المتورطين فيها.

ووفقاَ للدراسة يمكن إرجاع أزمات اليمن المتعددة والمتزامنة – والتي قد تؤدي إلى تجزئته و"تفتيه" إلى الطريقة التي تكونت، وتشكل بها الدولة اليمنية ذاتها، سواء في المراحل السابقة واللاحقة لقيام الوحدة، وإلى أنماط الصراع السياسي بين الجماعات المختلفة وطرق إدارة ذلك الصراع .

وتطرح الدراسة سيناريوهان لمآل الدولة اليمنية أحدهما متشائم يتمثل في انهيار الدولة اليمنية استناداَ إلى مقدماته الماثلة للعيان غير أن الدارسة تؤكد أنه ليس السيناريو المتوقع حدوثه، بل هناك سيناريو آخر متفائل، وهو سيناريو الإنقاذ المطلوب تحققه .

وترى الدراسة أن سيناريو الإنقاذ يتطلب الكثير من الجهود الإقليمية والدولية للتشجيع والتحفيز والضغط على الأطراف اليمنية للتخلي عن انتهاج العنف كوسيلة لحل الخلافات السياسية، واستبداله بالحوار، ولمساعدة اليمنيين على تحويل الحوار إلى عمل إيجابي، وليس إلى عامل تعميق للخلافات، ولدعم وتمويل الاتفاقات التي يتم التوصل إليها .

ومن ثم تخلص الدراسة إلى أن اليمن لن تستقر وتتجنب مخاطر "الصوملة" و"العرقنة " الأمن خلال عقد اجتماعي جديد يبني الدولة على أساس اللامركزية، والمواطنة المتساوية، ويتبني آليات الديمقراطية كنظام سياسي قادر على تمكين الجماعات السياسية اليمنية من المشاركة الفاعلة في العملية السياسية، ولن تكون الترتيبات السياسية الجديدة وحدها كفيلة بحل مشاكل اليمن الا إذا صحبها دور إقليمي ودولي للدفع بالتنمية باعتبارها الضامن الدائم لأمن اليمن واستقراره، وعدم حدوث الانهيار أو" التفتيت" .

زر الذهاب إلى الأعلى