أكد كثير من المحللين الاستخباراتيين والأمنيين منذ منتصف عام 2008، أن تنظيم القاعدة في سبيله إلى الزوال، ورغم أن حججهم كانت قوية، فإن الهجمات التي وقعت عام 2009، أظهرت أن القدرات العملياتية للتنظيم لا تزال كما هي، وهذ يثير تساؤلًا مفاده : ما حقيقة وضع تنظيم القاعدة ووضع الجماعات التابعة له.
ألقى الرئيس الأمريكي باراك أوباما يوم 2 يناير/كانون ثانٍ 2010 بيانًا غريبًا ومخيفًا مثل خطابات جورج بوش من حيث لهجته ومضمونه، حيث استعرض أوباما في خطابه الأسبوعي من البيت الأبيض الخطوات التي اتخذتها إدارته لحماية سلامة وأمن الشعب الأمريكي، مشددًا على التزامه الراسخ ب"تمزيق وتفكيك وإلحاق الهزيمة بتنظيم القاعدة وحلفائه المتطرفين"، وكان بيان أوباما رد على تفجيرين وقعا قبل أقل من أسبوعين وتحديدًا في ديسمبر/كانون أول عام 2009، أول هذين التفجيرين تمثل في المحاولة الفاشلة لتفجير الرحلة الجوية رقم 253 التابعة لشركة "نورثويست إيراينز" والتي كانت متوجهة إلى ديترويت على يد النيجيري عمر الفاروق عبد المطلب، والثاني تمثل في الهجوم الانتحاري الذي نفذه الطبيب الأردني همام خليل أبو ملال البلوي في خوست بأفغانستان، وكان المثير للحرج هو قيام البلوي، والذي كانت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية قد أرسلته إلى أفغانستان لاختراق القيادة العليا للقاعدة، بقتل سبعة أمريكيين وضابط استخبارات أردني إضافة إلى مقتله هو شخصيًا، ويعتقد أنه كان عميلًا لكل من الاستخبارات الباكستانية ووكالة المخابرات المركزية ولتنظيم القاعدة.
- وأثار الهجومان تساؤلات مرة أخرى حول وضع القاعدة وحلفائها، والذين كان يعتقد منذ منتصف عام 2008، أنهم في سبيلهم إلى الزوال، فعلى سبيل المثال أكد المسئولون الأمريكيون بشكل قوي عام 2009 أن خسائر التنظيم غير مسبوقة خاصة للزعماء متوسطي ورفيعي المستوى نتيجة للهجمات المكثفة للطائرات بدون طيار في المناطق القبلية التي تتم إدارتها بشكل فيدرالي في باكستان، وأعرب المحللون عن اعتقادهم في أن القضاء على هؤلاء الزعماء، والذين كان لهم دور محوري في توفير ملاذ آمن للقاعدة في المنطقة مثل بيت الله محسود، ألحق ضررًا شديدًا بالتنظيم وأعاق قدرته على استهداف الغرب بشكل قوي.
- إلا أن الشريط الصوتي ل "بن لادن" تحت عنوان "من أسامة لأوباما" والذي تم بثه على قناة الجزيرة في أواخر شهر يناير/كانون أول لم يقم فقط بالإشادة بعبد المطلب باعتباره بطلًا، بل جاء فيه أن تنظيم القاعدة كان هو المسئول عن محاولة تفجير طائرة ديترويت عشية عيد الميلاد، ولإن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية كان قد أعلن فعليًا المسئولية عن الترتيب للهجوم وعن تدريب عبد المطلب، يعتقد بعض مسئولي الاستخبارات الأمريكية أن هذا البيان، كان محاولة يائسة من جانب بن لادن، الذي تحول إلى مجرد زعيم صوري للقاعدة، لإثبات أنه يدير بشكل مباشر الجماعات المتعددة التابعة للتنظيم.
- إلا أن مستوى دقة هذا الزعم يعد محل تساؤلات، لأن هؤلاء المحللين أنفسهم سبق أن أعلنوا السقوط الحاد لتنظيم القاعدة، لكن هل يزداد تنظيم القاعدة ضعفًا أم أن لديه القدرة على تهديد واستهداف الغرب ومصالحه؟
إن أي محاولة للإجابة عن هذا التساؤل يجب أن تبدأ بفهم الطبيعية الحقيقية للتنظيم الذي يتسم بالمرونة والقدرة على التكيف.
- لقد وصف ستيف كول تنظيم القاعدة، في شهادة له يوم 27 يناير/كانون ثانٍ 2010 أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأمريكي، بأنه "تنظيم وشبكة وحركة وأيديولوجية ذو طبيعة دولية"، وهذه المرونة في الواقع هي التي جعلت تنظيم القاعدة بنفس درجة قسوته وخطورته اليوم، فالكيان المركزي لتنظيم القاعدة اتسم بالاتساق القوي فيما يتصل بمهامه وأهدافه، فمنذ بداية التنظيم قبل ما يزيد على عشرين عامًا وحتى الآن، التزم ذلك الكيان المركزي بلوائح التنظيم وبهياكل لجانه وبقواعد الخلافة فيه.
- وقد قاد الزعماء الرئيسيون، مثل بن لادن وأيمن الظواهري، التنظيم بشكل مستمر في جهوده للتشجيع على جهاد دولي واسع، عن طريق الجمع بين الأفراد ذوي العقليات المتشابهة في نضال مشترك ضد الهيمنة الغربية وضد النظم الحاكمة التي يرونها نظم مرتدة، وبينما حدث تفاوت في طبيعة هذه الشبكة مع مرور الوقت، ظل الهدف الأصلي، الذي يتمثل في الحث على الجهاد على مستوى دولي، في صميم أيديولوجية التنظيم ومنهجيته.
- لقد حدث تغير على شبكة القاعدة من حيث شكلها ومن حيث مناطق نفوذها الجغرافي، حيث قام كيانها المركزي باستغلال الفراغ الأمني المتزايد بشكل ماكر، لكن عانت الكثير من الجماعات التابعة له من الضعف، ومع بداية هذا القرن كان مركز القوة المحوري في القاعدة في جنوب شرق آسيا، وفي عام 2005، أصبح لها نفوذ كبير في شمال إفريقيا والعراق، واليوم تعد أكثر قوة في اليمن والصومال وباكستان، وبينما يعد هناك تفاوت كبير في طبيعة العلاقة بين الكيان المركزي لتنظيم القاعدة والجماعات الإقليمية التابعة لها، تعد هذه الجماعات إما مرتبطة بالهيكل المركزي أو حصلت على الإلهام منه.
- والجماعات التي ترتبط بالكيان المركزي لتنظيم القاعدة هي الجماعات التي ألقت قسم البيعة لـ"بن لادن" والتي تم الاعتراف بها من المستويات العليا من قيادة التنظيم، مثل القاعدة في العراق والقاعدة في المغرب الإسلامي والقاعدة في شبه الجزيرة العربية، وهناك أيضًا تلك الجماعات التي قد تكون على صلة بالقاعدة لكن لم تلق قسم البيعة مثل حركة الشباب في الصومال، أو تلك الجماعات التي لها صلات تاريخية بالقاعدة مثل جماعة العسكر الطيبة التي تتخذ من باكستان مقرًا لها، فهذه الجماعات لم تشترك مع تنظيم القاعدة في معسكرات التدريب فقط، بل أرسلت مقاتليها أيضًا لمساعدة القاعدة في العراق، وبشكل عام تحتفظ الجماعات التي ترتبط بالكيان المركزي للقاعدة بالتواصل مع المركز، إما من خلال معسكرات التدريب أو التمويل وأحيانًا من خلال العمليات المشتركة نفسها.
- أما الجماعات التي تحصل على الإلهام من الكيان المركزي للقاعدة فتفتقر إلى هذا التواصل، وتتسم بالتعلم الذاتي وتبنت الراديكالية من تلقاء نفسها، لكن هذا الإلهام يعد دليلا على قوة أيديولوجية القاعدة التي برزت كأيديولوجية دولية بسبب حملة الدعاية المنظمة لتنظيم القاعدة، ففي خطاب من الظواهري إلى أبى مصعب الزرقاوي عام 2005 أعلن الأول أن "أكثر من نصف المعركة يجري في ميدان المعركة الإعلامية، فنحن في سباق إعلامي من أجل كسب تأييد القلوب والعقول".
- لقد قام تنظيم القاعدة في الواقع بنشر أيديولوجيته على جماهير دولية عن طريق شبكة الإنترنت، وكانت النتيجة هي أنه بينما يمكن ألا يلتقي الأشخاص الذين يتم تجنيدهم بأي من زعماء الكيان المركزي للتنظيم، يتم بشكل نشط تزويدهم بمصدر الإلهام ويتم الدفع بهم في اتجاه الراديكالية ويتم تجنيدهم من خلال هذه الآليات الإعلامية، حيث الذكاء الإعلامي الذي سمح بنقل أيديولوجية العنف العابر للحدود الوطنية لتنظيم القاعدة إلى نوعيات متعددة من الجماهير في مختلف أنحاء العالم.
- وهذا يعيدنا إلى التساؤل: في ضوء هذه الصور المتعددة، ما الوضع الحقيقي لتنظيم القاعدة؟ وقد يكون التساؤل الأهم هو: هل التنظيم أو أي من فروعه يحتفظ بالقدرة على إلحاق ضرر خطير بأعدائه المفترضين؟ من الواضح أن تنظيم القاعدة والجماعات المرتبطة به تظل مصممة على إلحاق الضرر بالغرب وعلى استهداف ما يعتبرونه نظمًا مرتدة، لكن من الواضح أيضًا أن هناك انخفاضًا حادًا للتأييد السياسي والأيديولوجي للتنظيم وأيديولوجيته في العالم الإسلامي.
ويرجع جانب كبير من هذا الانخفاض في التأييد إلى استخدام التنظيم للعنف دون تمييز ضد المسلمين وغير المسلمين على السواء، إلا أنه ورغم هذا الانخفاض في التأييد، ورغم الكثير من الاستراتيجيات متعددة الأوجه والجوانب لمكافحة الإرهاب والتي تتبناها مختلف الدول في الشرق الأوسط والغرب، طالما ظل لتنظيم القاعدة نفوذ، ولو على أصغر عدد من الأفراد، يستطيع من خلاله التجنيد والتدريب بنجاح، سوف يحتفظ التنظيم بالقدرة على إلحاق ضرر خطير بالحياة وبالممتلكات، وهذا يُظهر أنه قد تكون هناك تغييرات فيما يتعلق ببؤرة التركيز الإقليمي وفيما يتعلق بالقدرات العملياتية، لكن رغم ذلك يظل تنظيم القاعدة قائمًا طالما ظل من يتم تجنيدهم على استعداد للسفر إلى الملاذات الآمنة وإلى المناطق التي تشهد فراغًا أمنيًا في مختلف أنحاء العالم، وقد يكون الوقت قد حان لنتعامل بقدر أكبر من الجدية مع ما أعلنه الظواهري، بحيث نبذل جهدًا مشتركًا من أجل اكتساب تأييد القلوب والعقول.
*باحث بكلية العلاقات الدولية وبمركز دراسة الإرهاب والعنف السياسي بجامعة سان أندرو