arpo28

الاخطبوط الهاشمي في اليمن (2 – 4).. اختراق المؤتمر الشيعي العام

تحدثنا في الحلقة السابقة عن تحالفات الإماميين مع أحزاب المعارضة وأحزاب معارضة المعارضة, وكيف تم اختراقها لخدمة الأهداف الإمامية بعيدة المدى, ومتوسطة المدى, على حداً سواء, واليوم نتحدث عن اختراق المشروع الهاشمي للحزب الحاكم في البلد – المؤتمر الشعبي العام

عقب الإعلان عن التعددية السياسية وإعلان الوحدة بين شطري الوطن, ولدت أحزاب متعددة الوجهات والمشارب, منها ماهو إسلامي ومنها ماهو قومي, ومنها ماهو بلاهوية, ومنها مايقوم على مصلحة شخصية , ومنها ما قام على أساس (حزب احتياطي) في أي حالة قد تشهدها الساحة اليمنية مستقبلاً في قضية حظر الحزب هذا أو ذاك, وكانت ولادة حزب الحق الذي انضوت تحته الغالبية العظمى من الهاشميين وخاصة في مناطق الشمال أو مناطق الارتكاز الهادوي, وحاول هذا الحزب أن يجد له موطئ قدم في مجلس النواب فخاض انتخابات 93م لكن قواعد اللعبة الجديدة خيبت تلك الآمال، وحدت من جموحها باتجاه مشروعها العملاق, وأفرزت في أول انتخابات برلمانية في دولة الوحدة 27 إبريل 1993 تعزيزاً لموقع "المؤتمر الشعبي العام" و"الحزب الاشتراكي اليمني" (وهما محققا الوحدة) في حين حقق "الإخوان المسلمون" متمثلين ب"التجمع اليمني للإصلاح" موقعاً قوياً بحصدهم المركز الثاني، فيما لم يحصل "حزب الحق" إلا على مقعدين اثنين فقط من جملة 301 مقعد هي قوام البرلمان اليمني وكلا المقعدين من محافظة "صعدة "، أحدهما دائرة "حسين بدرالدين الحوثي، قائد التمرد في صعدة في 2004م, والآخر دائرة "عبدالله عيضة الرزامي"، قائد التمرد في الحرب الثانية التي شهدتها صعدة, وكلاهما لم تنته تلك الدورة البرلمانية إلا وقد قدما استقالتهما من حزب الحق, طمعاً في ايجاد تنظيم أقوى من حزب الحق الذي أصبح ميئوس منه في ظل الاختلاف الهاشمي المتصاعد داخله.

حزب الحق حصل على (18.659) صوتاً، أي (0.8%) من إجمالي الأصوات في انتخابات 1993م، أما في انتخابات 1997 فقد تدنت حصيلة الأصوات التي حصل عليها مرشحو الحزب ال(26) حيث بلغت 5.587 صوتا أي ما نسبته (0.21%) في حين لم يصل أي واحد منهم إلى قبة البرلمان. وفي 2003 رشح الحزب 11 عضواً للانتخابات لم يفز منهم أحد. أما حزب "اتحاد القوى الشعبية" فقد حصل على (2.727) صوتاً، أي (0.2%) من إجمالي الأصوات في انتخابات 1993، ولم يفز أي من مرشحيه الـ26 بعضوية مجلس النواب. وفي عام 1997 قاطع الانتخابات. أما في عام 2003 رشح الحزب 15 عضوا للانتخابات لم يفز منهم أحد.

مثل هكذا نتائج مخيبة دفعت بالهاشميين إلى التفكير في طريق جديد يستطيعون من خلاله التغلغل في أروقة الحزب القوي, بعد آن عجزوا عن منافسته, وخصوصاً أنها كانت لديهم طموحات قوية في البداية بدعم الحق والقوى الشعبية من جمهورية إيران الإسلامية, وكانا في طريقهما إلى الاتحاد برعاية حوزات علمية في قم بإيران إلا أن الخلاف المادي حال دون دمج الحق والقوى الشعبية في حزب واحد. علاوة عمن يذهب إلى أن الحق واتحاد القوى يلعبان دور حزب الله وحركة أمل اللبنانيين في اليمن.

اتجه غالبية كبيرة من الهاشميين إلى الحزب الحاكم في خطة تكتيكية, واستطاع حسين بدر الدين الحوثي وعبد الله عيظة الرزامي وهم عضوا البرلمان في دورته 93م أن يقدما استقلتهما من حزب الحق تحت مبرر الخلاف الفكري بين جناحي رئيس الحزب المؤيدي وأنصار نائب رئيس الحزب بدر الدين الحوثي, والذي أثبتت الأيام بأنه كان خلافا مدروسا بعناية فائقة, أوصلهما إلى حيث يريدان, لينضم أكثر من آلف وأربعمائة عضو هادوي من أكفاء أنصار الشباب المؤمن إلى حزب المؤتمر الشعبي العام , واستمرا فيه تحت غطى التقيه الذي يبرع فيه أبناء الطائفة الشيعية في مختلف أنحاء العالم الإسلامي, وتحول الأعضاء الجدد إلى قادة بارزين في حزب المؤتمر الشعبي العام, ولازال الكثير منهم في قيادة الحزب الحاكم إلى اليوم. وكل ذلك حسب رؤية كثيرين بتخطيط من الأمين العام السابق للمؤتمر الشعبي يحيى المتوكل.

وبالعودة إلى كشف خيوط التحالف الهاشمي بين أبناء الجنوب القادمين وأبناء الشمال فان لعبة التوازنات السياسية أخذة منحى أخر, حيث بدأت الأحزاب الكبرى باستقطاب الأحزاب الصغرى إلى حوزتها لتقوية حضورها في الساحة, ولما كان الإخوان المسلمون (التجمع اليمني للإصلاح) حليفاً تاريخياً للمؤتمر الشعبي وأداة تأثير فكرية ودينية استعملها المؤتمر منذ بداية الثمانينات ضد شريكه الحزب الاشتراكي، فإن الأخير سعى هو الآخر لكسب حليف فكري مضاد فقام بتشجيع حزب الحق وتقويته عملاً بمبدأ لعبة التوازنات المعروفة في تزاحمات الساسة، وكان الحزب قد استغل الحركة الحوثية ذاتها في صراعه مع شريك الوحدة (المؤتمر) في الفترة الانتقالية. وَتَفَعّلَتْ رابطةُ النسب العلوي لكل من "بدرالدين الحوثي" وزعيمي الاشتراكي "علي سالم البيض" و"حيدر أبوبكر العطاس" لتفضي إلى تأييدٍ حوثي للانفصال، وحدثت عقب حرب 94 مناوشات بسيطة في صعدة من قِبل أتباع الحوثي، وانتهى الأمر بحملة عقب الحرب دمّرت منزل بدرالدين الحوثي وخرج على إثرها إلى لبنان وإيران قبل دخول وساطة في الخط أعادت الرجل إلى اليمن في العام 1997.

بعد خروج الحزب الاشتراكي اليمني من السلطة بفعل حرب الانفصال مايو – يوليو 1994، انفرد حزبا المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح بالسلطة، وتفرغ كلٌّ منهما إلى توسعة حضوره وتقليص الآخر قدر المستطاع. وهي معركة تفوّقَ فيها المؤتمر إلى حد كبير جداً وأزاح شريكه تماماً من السلطة عبر انتخابات 1997 التي حاز فيها المؤتمر الأغلبية المريحة، فيما خسر الإصلاح قرابة 10 مقاعد وانضم إلى خانة المعارضة.. الشاهد في المسألة أن الرئيس على عبدالله صالح (رئيس الجمهورية رئيس المؤتمر الشعبي العام) بدا له استغلال الشباب المؤمن لضرب خصمين في وقت واحد: "حزب الحق" و"تجمع الإصلاح" ووصل الأمر حد اعتماده مبلغاً وقدره 400 ألف ريال لتنظيم الشباب المؤمن يصرف شهرياً من خزانة رئاسة الجمهورية.

جاءت انتخابات 97م وأفرزت كتلة هاشمية كبيرة داخل كتلة المؤتمر الشعبي العام تقدر بـ85 عضوا وكان من ضمن الكتلة البرلمانية يحيى بدر الدين الحوثي وآخرين, وجاءت انتخابات 2003م فأفرزت قدراً كبيراً من الهاشميين في كتلة المؤتمر الشعبي العام بالبرلمان ايضاً.

وتغلغل الهاشميون داخل أروقة المؤتمر الشعبي العام, وأصبحوا أعضاء في اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام, أمثال الأستاذ عدنان الجفري محافظ محافظة عدن حاليا, وناطقين رسميين باسم الحزب الحاكم أمثال طارق الشامي, ومسؤلين عن التنظيم والتأهيل داخل الحزب أمثال العميد يحيى محمد الشامي (الذي لعب دوراً بارزاً في حصد أعلى الأصوات من محافظة صعدة لصالح الرئيس علي عبد الله صالح.) إضافة إلى دائرة الرقابة ظلت حكرا متوارثا لهم انتقلت من العماد إلى الشامي وليس انتهاء بنزيه العماد محامي خلايا صنعاء التابعة للحوثي ونائب رئيس الدائرة القانونية إلى ما قبل شهرين تقريبا.

لعب هادويو الحزب الحاكم أدواراً رائعة في عملية التمثيل الدرامي في النزاع على الحكم بين جناحي سنحان – ولازالوا - احمد علي عبد الله نجل الرئيس, وعلي محسن صالح, الأخ غير الشقيق لرئيس الجمهورية, وكان الحظ الأوفر في صراع الأجنحة من الهاشميين ينحاز لنجل الرئيس بسبب عدم وجود ثقافة تاريخية راسخة لديه, بينما بقي علي محسن مع بعض الهاشميين في الجانب الآخر, مُتربصا به بسبب مذهبه الذي يقول الهاشميين انه وهابي, بهدف إضعاف المركزين في صنعاء الفرقة الأولى مدرع, والحرس الجمهوري, ويسعون ليلاً ونهاراً إلى الإيقاع بين الجانبين, وبالتالي فإنهم يعرفون - أي إماميو المؤتمر- متى يضغطون على الدولة لإيقاف علمياتها ضد الحوثيين, ليأخذ الحوثيين بعدها استراحة محارب, يتم دعمه بالسلاح والعتاد من أمانة العاصمة من كبار قادة الحزب الحاكم في البلد .

مجرد ملاحظة : في الحلقة السابقة حصل لبس لدى بعض القراء في عداء الإصلاح للهاشميين, وانخراط الهاشميين في الحزب إذ برز العديد من الهاشميين داخل ذلك الحزب أمثال الدكتور عبدالوهاب الديلمي والشيخ حمود الذارحي والبرلماني عباس النهاري, وعضو مجلس شورى الإصلاح عبد الرحمن العماد وآخرين.

زر الذهاب إلى الأعلى