على الرغم من نجاح قوات حرس الحدود السعودية في ضبط الحدود السعودية - العراقية التي يصل طولها إلى مئات الكيلومترات (812 كيلومترا) خلال ذروة نشاط «القاعدة في العراق» وذلك بمنع التسلل عبرها، فإن ذلك لم يمنع من التفكير الجدي بخطوات أخرى من شأنها الحيلولة دون حدوث هجرة عكسية لعناصر التنظيم لأراضيها أو تسلل المتعاطفين منها إلى العراق، لذا عمدت سلطات الحدود السعودية إلى نشر أبراج المراقبة الحدودية التي تحتوي على أحدث أنظمة المراقبة المتقدمة من رادارات وكاميرات مراقبة نهارية وليلية تعمل بنظام الأشعة تحت الحمراء على مدار الـ24 ساعة.
وأحداث الجنوب عرقلت حل مشكلة القرى المتداخلة
عبارات تصريف سيول تم إغلاقها، بعد أن كان يستغلها المتسللون في النفاذ للأراضي السعودية
لوحة إرشادية تدل على أحد المنافذ الرسمية التي تصل بين الرياض وصنعاء
وفضلا عن كل تلك الإجراءات المتبعة من أجل إحكام السيطرة عليها، فهناك مشروع السياج الأمني الحدودي، الذي وقفت عليه «الشرق الأوسط» كأول صحيفة تطلع على تفاصيله ميدانيا، وهو سياج ضخم تم البدء في إنشائه منذ أكثر من عام، ويتوقع الانتهاء منه في غضون الأشهر المقبلة.
لم يكن أحد مسؤولي قيادة حرس الحدود بمنطقة جازان السعودية - أقصى جنوب غربي البلاد المتاخمة مباشرة للحدود اليمنية - يبالغ حينما قال إنهم يوقفون على الشريط الحدودي متسللا أو أكثر «كل 5 دقائق»، فليس من رأى كمن سمع.
وإذا قدر لك أن تزور منطقة الطوال الحدودية، التي تحتوي على أكبر المنافذ الرسمية مع الجانب اليمني، فستجد هذا الأمر متحققا، حيث يمكنك مشاهدة المتسللين على الحدود اليمنية بالعشرات، وهم لا يبعدون سوى أمتار قليلة عن دوريات حرس الحدود السعودية، غير أن وجودهم على أراضي بلدهم الأصلي لا يعطي الحق للجانب السعودي أن يتعامل معهم.
ويبدو أن مشكلة التسلل هي من أكثر المشكلات التي تعاني منها السعودية من الجانب اليمني، بل وأعقدها، مما يمكن أن يوحي بتحول هذه الظاهرة من «تسلل» إلى «هجرة مؤقتة».
فبحسب آخر الإحصائيات الرسمية فإن عدد محاولات التسلل التي تم إيقافها خلال العامين الماضيين بلغ 695 ألف محاولة، وهذا رقم مخيف بلا شك، وهو ما يعتقده تماما العاملون على طول الشريط الحدودي، نظرا لضخامة الأعداد التي تحاول العبور إلى الأراضي السعودية.
هذا الأمر دفع بالسعوديين لاتخاذ مجموعة إجراءات أمنية بمنطقة الطوال الحدودية، التي تشترك مع الجانب اليمني بـ53.500 كيلومتر، للحد من محاولات التسلل التي تسجل على الشريط الحدودي.
لكن، لا يمكن أن توجد ظاهرة من دون أن تكون لها محفزات، ولعل سوء الأوضاع الاقتصادية والأمنية في اليمن يقف خلف الحركة البشرية القادمة من هناك نحو جارتها السعودية.
فالأعداد الكبيرة التي تسجل لها محاولات لدخول الأراضي السعودية بطريقة غير مشروعة، تهدف في الغالب للحصول على عمل بسيط يعود على العامل غير الشرعي بعائد مادي، ليعود بعدها إلى بلاده بالطريقة ذاتها التي دخل عبرها، كما أن كثيرا من المتسللين يسعون للحصول على فرصة عمل في منطقة جازان تحديدا، التي تقع في الجزء الجنوبي الغربي من البلاد على ساحل البحر الأحمر، وتقدر مساحتها بنحو 35 ألف كيلومتر مربع.
ويقدر عدد سكان منطقة جازان بنحو 1.5 مليون نسمة تقريبا، وبها ثلاث عشرة محافظة، و31 مركزا، ويتميز مناخها بأنه حار رطب طوال العام، وفي المناطق الداخلية البعيدة نسبيا عن ساحل البحر والمتاخمة للمرتفعات الجبلية، فالمناخ بها شبه قاري، معتدل شتاء حار صيفا، والمناطق الجبلية التي ترتفع عن سطح البحر الأحمر بنحو 2000 متر مناخها يتميز بالبرودة الشديدة شتاء والاعتدال صيفا.
وتعتبر منطقة جازان همزة وصل بين التجارة البرية والبحرية للمنطقة الجنوبية، إذ إن بها ميناء جازان، وهو ثالث الموانئ السعودية من حيث السعة، كما أنها تعتبر البوابة الرئيسية لواردات الجزء الجنوبي الغربي من البلاد، وهي محطة استراحة للحجيج القادمين من اليمن بحكم موقعها على الطريق الذي يربط بين اليمن ومكة المكرمة.
كل هذه الميزات التي تتمتع بها منطقة جازان جعلتها مقصدا للمتسللين والمهربين القادمين من الجانب اليمني، الذي يعاني حالة من التوتر في أجزائه الشمالية، نظر لسيطرة الحوثيين عليها.
وتشير الأرقام الرسمية التي اطلعت عليها «الشرق الوسط» خلال وقوفها على الحدود السعودية اليمنية، إلى أنه خلال الأشهر السبعة الماضية فقط، تم منع أكثر من 82 ألف محاولة متسلل، فيما فاقت هذه الأعداد العام الماضي 273 ألف متسلل، وفي العام الذي قبله تجاوز أعدادهم حاجز الـ340 ألف متسلل.
وتعتبر المنطقة الحدودية التي تقع في نطاق مسؤولية قطاع الطوال، الذي تتبعه 6 مراكز حدودية، منطقة نشطة في التسلل، وتبعد نحو 80 كيلومترا عن جازان المدينة.
وكان من الملاحظ تفاوت أعداد المتسللين الذين تم ضبطهم، حيث سألت «الشرق الأوسط» مجموعة كان قد ألقي القبض على أفرادها للتو، فأفاد أصغرهم بأنه يبلغ من العمر 15 عاما، فيما كان أكبر شخص بالمجموعة يناهز عمره الـ50.
غير أن أحد الضباط الذين رافقوا الصحيفة في جولتها على الحدود السعودية اليمنية، أشار إلى أن هناك متسللين أصغر بكثير.
ولا تحتفظ السعودية بالمتسللين الذين يتم ضبطهم في العادة، إلا أن يثبت تورط المتسلل في أي عمليات تهريب محتملة.
لكن قبل أن تقوم السعودية بتسليم اليمن مواطنيه الذين يحاولون دخول أراضيها بطريقة غير مشروعة، تلجأ إلى أخذ بصماتهم، لحفظ بياناتهم في السجلات الرسمية.
ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» المقدم ركن سالم الشهري، رئيس قسم الخطط في إدارة عمليات حرس الحدود بجازان، أنه في حال تكرر تسلل أحد الأشخاص، ممن سبق ضبطهم بالجرم نفسه، فإنه يتم إخضاعه للعقوبات المدرجة في «نظام أمن الحدود».
المتسللون في العادة ينتشرون على طول الشريط الحدودي، ويمكثون لساعات، وقد يطول بهم الأمر لأيام، من أجل تحين الفرصة للنفاذ إلى الأراضي السعودية. وكانت هناك عوامل جغرافية، وأخرى على علاقة بطبيعة التضاريس بمنطقة الطوال الحدودية، تسهل للراغبين في التسلل إلى البلاد إتمام مهماتهم.
وهنا يؤكد المقدم الشهري أن «بعض المتسللين كانوا يستغلون عبارات تصريف السيول من أجل التسلل عبرها للأراضي السعودية. لكننا تنبهنا لهذه النقطة، وأغلقنا أمامهم أحد السبل التي تسهل لهم التسلل».
ومن الأمور التي كانت تساعد المتسللين في منطقة الطوال الحدودية على التسلل للأراضي السعودية كثافة الأشجار في تلك المنطقة، والتي كان يستغلها المتسللون للاختباء.
غير أن الأمر اليوم اختلف بطبيعة الحال، حيث يقول المقدم ركن الشهري، الذي رافق «الشرق الأوسط» في جولتها على الحدود السعودية اليمنية، إن قوات حرس الحدود المسؤولة عن تأمين تلك المنطقة الحدودية اتخذت مجموعة إجراءات جعلت المنطقة بالكامل مكشوفة أمام الدوريات والكاميرات الحرارية التي تنتشر على طول حدود مسؤولية ذلك القطاع.
وعادة ما يكون المتسللون عبر منطقة الطوال الحدودية تحديدا هم ممن يأتون إلى الأراضي السعودية للبحث عن لقمة العيش، وهذا لا يلغي وجود من يستغلون وجود بعض القرى الحدودية من أجل تهريب الممنوعات، وأبرزها مادة القات، التي تأتي على رأس المضبوطات القادمة من الأراضي اليمنية.
وتكشف إحصائية حديثة، تغطي الفترة لعامين سابقين، إضافة للأشهر الـ7 الماضية، عن ضبط ما يزيد على 6 ملايين كيلوغرام من مادة القات، وهو ما يعادل 6 آلاف طن، كانت في طريقها إلى الأراضي السعودية. وتتصدر الأسلحة والمتفجرات والذخيرة والخمور والمخدرات، قائمة أبرز المضبوطات المتجهة من اليمن إلى السعودية. وخلال العامين الماضيين، ضبطت سلطات حرس الحدود 3600 زجاجة خمور (ويسكي)، ونحو 6 ملايين كيلوغرام من مادة القات، و4086 كيلوغراما من الحشيش، و387 ألف حبة مخدرة. واقتربت أعداد المهربين الملقى القبض عليهم خلال السنتين الماضيتين والأشهر الـ7 الماضية من حاجز الـ10 آلاف مهرب.
وكما أن هناك تهريبا من اليمن إلى السعودية، فإن هناك تهريبا عكسيا، لكن ليس للممنوعات، بل للمواد الغذائية، حيث إنه نظرا لارتفاع أسعار هذه المواد في الجانب اليمني، فإنها يتم تهريبها من الأراضي السعودية.
وشهدت الحدود السعودية اليمنية محاولات كثيرة لتهريب نحو 80 ألف رأس من المواشي المنوعة، فيما بلغ عدد السيارات التي تم ضبطها قبل تجاوز الحدود 4494 مركبة.
وتشترك السعودية مع اليمن بحدود برية وبحرية، يصل مجموعها لـ802 كيلومتر. ويتولى مسؤولية حفظ أمن الحدود على الجانب السعودي 7 قطاعات، يتبع لها 43 مركزا حدوديا، فيما تعمل على مدار الساعة 210 دوريات أمامية وخلفية، برية وساحلية، لحفظ أمن الحدود.
حدود بهذه الضخامة لا يمكن إلا أن تشهد الكثير من محاولات التهريب والتسلل التي قد تتحول إلى حالات. غير أن ما يساعد على عمليات التهريب أيضا وجود عامل القرى الحدودية المتداخلة.
ويوجد على طول الشريط الحدودي بين السعودية واليمن الكثير من القرى الحدودية المنتشرة على طول الحدود، حيث تعتبر جازان من أكبر مناطق البلاد في عدد القرى.
وتعتبر «القرى الحدودية» من أكبر العوائق التي تواجه جهود تأمين الحدود ضد أي عمليات تسلل أو تهريب، كما شكلت القرى الحدودية معضلة في معركة تطهير الأراضي السعودية من الوجود الحوثي، أو كما كانت تطلق عليهم السعودية خلال فترة الأحداث المتسللين المسلحين.
ومنذ 9 أبريل (نيسان) الماضي، شرعت لجنة حكومية، تسمى «لجنة حرم الحدود»، في عمليات مسحية للقرى الحدودية الواقعة على الأراضي السعودية، وكانت تهدف من خلف العمليات المسحية للقرى الحدودية إلى حصر أعداد المنازل والممتلكات الواقعة على الشريط الحدودي لناحية السعودية.
ويؤكد رئيس قسم الخطط في إدارة عمليات حرس الحدود بمنطقة جازان لـ«الشرق الأوسط» أنه تم حتى الآن «مسح 7 قرى حدودية، فيما تم حصر 643 منزلا جميعها تم إخلاؤها».
وكان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز قد أمر في أعقاب الزيارة الشهيرة التي قام بها إلى مسرح العمليات على الشريط الحدودي، وقت الأزمة، ببناء 10 آلاف وحدة سكنية لسكان القرى الحدودية التي أخليت خلال المعارك التي خاضها الجيش السعودي ضد الحوثيين المتسللين.
وإبان أزمة التدخل الحوثي على الحدود السعودية نهاية العام المنصرم، تم إخلاء كل القرى الحدودية في منطقة الخوبة، فيما لا تزال المنطقة الجنوبية منها لم تخل بالكامل.
وحرصت السعودية على إخلاء كل قراها الحدودية وقت وبعد أحداث الشريط الحدودي، وذلك لقيام المتسللين الحوثيين وقتها بنشر أعداد كبيرة من الألغام الأرضية في تلك القرى، مما يجعل العودة إليها في أمد قريب يشكل خطورة كبيرة على سكانها المحليين.
ومقابل ذلك تم تشكيل قوة مشتركة من الشرطة والمجاهدين وقوة جازان، تتركز مهمتها في الحفاظ على أمن القرى الحدودية المخلاة، ومراقبتها تحسبا لأي تسلل نحوها.
وأفضت عملية ترسيم الحدود السعودية اليمنية في السابق إلى دخول بعض القرى السعودية إلى الأراضي اليمنية، ودخول قرى يمنية إلى الجانب السعودي.
وكانت هذه المشكلة التي خلفتها عمليات ترسيم الحدود في طريقها إلى الحل، حيث يقول المقدم ركن سالم الشهري «قبل الأزمة، كانت هناك لجنة سعودية يمنية مشتركة لحصر الممتلكات. تعمل على الأراضي الحدودية السعودية اليمنية، وذلك لحصر الممتلكات اليمنية الواقعة على الأراضي السعودية وحصر المنازل السعودية الواقعة في الأراضي اليمنية»، لكنه أشار إلى أن اللجنة أوقفت عملها مع المواجهات المسلحة مع المتسللين، ولم تستأنفها بعد.
وأقامت قوات حرس الحدود السعودية نقاطا على حدودها مع اليمن، لتمكين سكان القرى السعودية الواقعة على الأراضي اليمنية من الدخول، وتحتوي تلك النقاط على سجلات بأسماء العائلات السعودية المقيمة في الجانب اليمني، ولا يسمح للمرور عبرها لمن لا يوجد له اسم في تلك النقطة.
وتنشر سلطات الحدود السعودية 120 نقطة مراقبة على طول شريطها الحدودي، من ضمنها نقاط في كل من العارضة، والدائر، والطوال، مخصصة لعبور العائلات السعودية، التي أخرجتها عمليات ترسيم الحدود عن أراضيها.