أدرجت لجنة التراث العالمي محافظة الدرعية السعودية، وبالتحديد حي الطريف التاريخي في المحافظة، في لائحة التراث العالمي، لتصبح ثاني موقع سعودي يتم تسجيله في قائمة التراث العالمي بعد اعتماد تسجيل الحجر (مدائن صالح) في القائمة ذاتها عام 2008 كأول موقع سعودي في اللائحة العالمية. وتتم حاليا دراسة ملف الموقع السعودي الثالث وهو «جدة التاريخية» ليتم ترشيحه في اللائحة العالمية، وهو الأمر الذي سيناقش في مؤتمر لجنة التراث العالمي المقرر عقده في البحرين في شهر يوليو (تموز) العام المقبل.
وجاء إدراج الدرعية في لائحة التراث العالمي خلال المؤتمر الدولي السنوي للجنة التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو الذي تستضيفه العاصمة البرازيلية حاليا ويستمر حتى الثامن من أغسطس (آب) الحالي.
وأعلن الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، موافقة لجنة التراث العالمي على تسجيل حي الطريف في الدرعية التاريخية في قائمة التراث العالمي التابعة لليونيسكو، وذلك خلال اجتماع لجنة التراث العالمي باليونيسكو في دورتها الرابعة والثلاثين المنعقدة حاليا في مدينة برازيليا في البرازيل.
وبهذه المناسبة، رفع الأمير سلطان بن سلمان شكره وتقديره لخادم الحرمين الشريفين، وولي عهده، والنائب الثاني، على دعمهم ورعايتهم للجهود الرامية للحفاظ على التراث الوطني وتنميته ليبقى مصدرا للاعتزاز وموردا ثقافيا واقتصاديا، مشيرا إلى أهمية هذا القرار في إبراز المكانة التاريخية للسعودية وما تزخر به من تراث عمراني عريق ومكانة تاريخية، مؤكدا أن تسجيل حي الطريف بالدرعية التاريخية يمثل إقرارا عالميا بأهميتها من الناحية التاريخية والعمرانية ليضاف إلى أهميتها السياسية كعاصمة للدولة السعودية الأولى، ومركز علمي وثقافي في الجزيرة العربية، حيث تأسست على ضفاف وادي حنيفة عام 850 ه/1446م.
وأشاد رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار بالجهود المبذولة من اللجنة العليا لتطوير الدرعية برئاسة الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض، التي عملت على تنفيذ مشروع متكامل في إطار برنامج إحياء الدرعية التاريخية، والحفاظ على هذا الموقع التاريخي المهم وتطويره، منوها بالشراكة المميزة بين الهيئة العامة للسياحة والآثار والهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض لحماية الدرعية التاريخية، والعمل على إنجاز مشروع مهم لتطويرها بهدف إبرازها وتهيئتها كموقع وطني ثقافي.
وقدم رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار في السعودية شكره لمسؤولي الدولة من شركاء الهيئة في هذا المشروع، ولمنظمة اليونيسكو، وللدكتور زياد الدريس المندوب الدائم للمملكة لدى اليونيسكو على متابعته الدؤوبة، ولمندوبي الدول الصديقة في لجنة التراث العالمي، ولفريق الهيئة وعلى رأسهم نائب الرئيس للآثار والمتاحف الدكتور علي الغبان الذي عمل على إعداد ملف ترشيح حي الطريف بالدرعية وتقديمه والدفاع عنه في اجتماع اللجنة في البرازيل حتى تحقق هذا الإنجاز.
وبذلت المندوبية الدائمة للمملكة في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم الثقافية «اليونيسكو» جهودها لحشد الدعم والتأييد لإدراج (الدرعية) في لائحة التراث العالمي، كما أن المجموعة العربية باليونيسكو تبدي اهتماما ودعما لملف (حي الطريف بالدرعية) بصفته الموقع العربي الوحيد الذي سيناقش إدراجه في لائحة التراث في المؤتمر الدولي السنوي للجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونيسكو، الذي استضافته العاصمة البرازيلية يوم الاثنين الماضي ويستمر حتى الثامن من شهر أغسطس (آب) الحالي.
وقام سفير السعودية لدى اليونيسكو الدكتور زياد الدريس بزيارات ولقاءات مع نظرائه من سفراء الدول الأعضاء لدى اليونيسكو لكسب التأييد والدعم للملف السعودي، الذي أعدته بصورته الفنية المتكاملة الهيئة العامة للسياحة والآثار بإشراف نائب رئيس الهيئة الخبير الدكتور علي الغبان.
يذكر أن السعودية كانت قد دخلت لائحة التراث العالمي لأول مرة في عام 2008، حيث تمكنت من تسجيل مدائن صالح كأول موقع سعودي في اللائحة العالمية. كما يدرس مركز الايكوموس حاليا ملف الموقع السعودي الثالث المرشح للائحة العالمية، وهو جدة التاريخية، الذي سيناقش في مؤتمر لجنة التراث العالمي الذي سينعقد في البحرين في شهر يوليو المقبل.
وتعد الدرعية واحة من واحات وادي حنيفة، تقع في منطقة انعطاف وادي حنيفة، حيث نشأت على وادي حنيفة واحات كثيرة تميزت بالاستقرار الحضري منذ أقدم العصور. وسميت بهذا الاسم نسبة إلى ابن درع حاكم اليمامة، أو نسبة إلى الدرعية التي قدم منها آل سعود في شرق الجزيرة العربية، فسكنوا المنطقة الواقعة ما بين غصيبة والمليبيد. وبقدوم جدهم مانع المريدي يبدأ تاريخ تأسيس الدرعية من عام 850ه/1446م.
تبوأت الدرعية صدارة طريق الحجاج إلى مكة المكرمة، ولهذا امتد سلطانها إلى عدد من قرى وادي حنيفة، وقد ظهرت الدعوة الإصلاحية في ربوعها بعد أن احتضن حاكمها الإمام محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى (1157 - 1232ه/ 1788 - 1818م) دعوة الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، حيث بدأت صفحة جديدة في تاريخ الدرعية وانطلقت منها رسالة الإصلاح، وتحقق من خلالها الكثير من النجاحات، وعلا شأن الدرعية السياسي والعسكري، ونشطت في ربوعها الحركة العلمية، وغدت منارة للعلم ومقصدا للعلماء، وتقاطر التجار على أسواقها، ونشطت فيها الحركة التجارية والاقتصادية.
اشتهر أئمة الدولة السعودية الأولى بالعلم والعدل والحزم، والالتزام بالقيم الدينية والتمسك بروح العقيدة الإسلامية والعادات الحميدة، ولهذا استتب الأمن وعاش الناس مطمئنين في حياتهم وآمنين على أرواحهم وأملاكهم، وامتد نفوذ الدرعية ليشمل معظم أجزاء الجزيرة العربية.
ظلت الدرعية أشهر مدينة في وادي حنيفة خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر الهجريين (السابع عشر والثامن عشر الميلاديين).
أولت الدولة اهتماما مباشرا بالدرعية التاريخية، وقد توج هذا الاهتمام بصدور الأمر السامي بالموافقة على أن تتولى الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض مسؤولية تطوير الدرعية، وشمل برنامج تطوير الدرعية التاريخية القرى والأحياء الواقعة على الضفة الشرقية من وادي حنيفة، ومنها غصيبة والظهرة والظويهرة والبجيري والمليبيد، والواقعة أيضا على الضفة الغربية ومنها حي الطريف وما يتصل به من روافد الوادي وشعابه، ويتم العمل على تنفيذ هذا المشروع بالتعاون المستمر بين الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، والهيئة العامة للسياحة والآثار، ومحافظة الدرعية وبلديتها.
استمرت عناية الدولة بالدرعية التاريخية عندما صدر الأمر السامي بتكليف الهيئة العامة للسياحة والآثار بالعمل على تسجيل موقع حي الطريف بالدرعية ضمن القائمة الأولية للمواقع المراد تسجيلها في التراث العالمي.
وكانت اللجنة التنفيذية العليا لتطوير الدرعية قد أقرت برئاسة الأمير سلمان بن عبد العزيز، أمير منطقة الرياض، ترسية مشروع لتطوير حي الطريف الأثري بـ112.9 مليون ريال على إحدى شركات المقاولات. وطرحت مشاريع في منافسة للتنفيذ، منها متحف للحياة الاجتماعية و15 بيتا تراثيا يمكن تأجيرها للعامة بعد الانتهاء من ترميمها لتجربة العيش في البيئة التقليدية التراثية. وأوضح رئيس مركز المشاريع والتخطيط في الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض المهندس عبد اللطيف آل الشيخ، أن اللجنة ناقشت بحضور رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار الأمير سلطان بن سلمان سير العمل في مشروع تطوير الدرعية التاريخية، الذي يهدف إلى إعمار المدينة التاريخية وتحويلها إلى مركز ثقافي سياحي.
وأضاف أن 3 مشاريع تطوير تجري حاليا في كل من حي الطريف الأثري، وحي البجيري، والطرق ومواقف السيارات وشبكات المرافق العامة، لافتا إلى أن الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض أكملت نزع الملكيات الخاصة التي تقع ضمن المشروع، لاستخدامها في توسعة الطرق وتنفيذ مواقف السيارات، والساحات المفتوحة والمرافق الخدمية.
وتطرق إلى أن اللجنة أقرت ترسية مشروع لتطوير حي الطريف الأثري الذي يشمل متحف الدرعية في قصر سلوى، وجامع الإمام محمد بن سعود، ومركز استقبال الزوار، وعرض الصوت والضوء وعروض الوسائط المتعددة، وجسر الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ومتحف التجارة والمال، على شركة «المركز العالمي للمقاولات المحدودة» بنحو 112.9 مليون ريال ومدة تنفيذ 30 شهرا.
وأكد أن المشاريع التي اكتملت في حي الطريف هي التوثيق البصري والمساحي، وأعمال الرفع المساحي للمباني الأثرية وإزالة الردم منها، والتوثيق الأثري لعناصرها المعمارية وما تحتويه من آثار، مشيرا إلى أن المشاريع التي يجري تنفيذها في الحي الآن تشمل استكمال شبكات المرافق العامة مثل شبكة المياه بطول 5.2 كيلومتر والصرف الصحي بطول 1.8 كيلومتر، وتصريف السيول بطول 1.8 كيلومتر، إلى جانب شبكات الكهرباء والإنارة، وبلغت نسبة الإنجاز 70 في المائة. وقال «جرى إنجاز 40 في المائة من ترميم بعض المنشآت المعمارية في حي الطريف، منها قصر عمر بن سعود، ومسجد وقصر سعد بن سعود، ومسجد موضي، وقصر ناصر بن سعود، ودار الضيافة وحمام الطريف، ومسجد البريكة».
وتحدث عن مشاريع جرى طرحها في منافسة للتنفيذ، وهي المتحف الحربي، ومتحف الخيل العربية، وسوق الطريف، ومركز توثيق تاريخ الدرعية، ومركز إدارة الطريف، ومتحف الحياة الاجتماعية الذي سيقام في قصر عمر بن سعود بمساحة 1.100 متر مربع، ويعرض جوانب الحياة اليومية والعادات والتقاليد والأدوات المستخدمة في فترة ازدهار الدولة السعودية الأولى، إضافة إلى قاعة لعرض طرق البناء التقليدية وأساليب البناء بالطين على مساحة 1000 متر مربع، و15 بيتا تراثيا للإيجار اليومي يمكن تقسيمها إلى أكثر من 30 دارا بمساحة 2.570 متر مربع، وسيجري ترميمها وتأهيلها لتوفر تجربة فريدة للزوار بالعيش في البيئة التقليدية التراثية ضمن حي الطريف. وذكر رئيس مركز المشاريع والتخطيط في «هيئة تطوير الرياض» أن المجتمعين اطلعوا على سير العمل في مشروع تطوير حي البجيري الذي يضم مقر مؤسسة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي تهدف إلى أن تكون مرجعا تعريفيا شاملا لدعوة الشيخ وموقعا عالميا في خدمة العقيدة والدعوة، إضافة إلى مشروع المنطقة المركزية الذي يحتضن العروض الفلكلورية والفعاليات الموسمية ومكتب الخدمات الإدارية، ومسجد الظويهرة.
وتقع محافظة الدرعية شمال غربي مدينة الرياض، على بعد عشرين كيلومترا من مركز المدينة، إلا أنها مؤخرا اتصلت بها مع امتداد العمران، رغم أنها لا تزال تتمتع باستقلال إداري ضمن إمارة منطقة الرياض، والدرعية القديمة تقع على ضفاف وادي حنيفة، الذي يقسمها نصفين.
وتتكون الدرعية من عدة أحياء رئيسية هي: حي الطريف، ويقع فوق الجبل الجنوبي الغربي من منطقة الدرعية، وهو حي محاط بالسور الأثري القديم، ويشرف من علو بارز على باقي المدينة، وفيه قصور آل سعود، وما زالت الآثار موجودة، ويزوره الكثير من الزوار لأخذ صور لتلك الآثار، كما يضم الحي مسجد الإمام محمد بن سعود وحي غصيبة، وهو الحي الرئيسي للدرعية القديمة وقاعدة الدرعية حتى 1100ه، ويقبع الحي على سفح الهضبة الواقعة عند زاوية التقاء شعب قليقل بوادي حنيفة، وللحي ثلاثة أسوار، ويأخذ الشكل المثلث، وجهته الجنوبية هي زاوية التقاء الرافد بالوادي، ويبلغ طول السور الشمالي 211 مترا، وطول السور الغربي المشرف على وادي حنيفة 308 أمتار، فيما يبلغ طول السور الشرقي 308 أمتار أيضا، وحي البجيري ويقع على الضفة الشرقية من وادي حنيفة وبه مسجد الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومدرسته وبيته.