رحم الله الأستاذ الإعلامي المبدع يحيى علي علاو وأسكنه فسيح جناته ورفع درجاته وحشره في زمرة الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
بكل وضوح وبلا مقدمات فإن الإعلامي الفذ يحيي علاو مثّل نوعية خاصة تكاد تكون معدومة في الوسط الإعلامي في اليمن ، ويكفي دلالة على ذلك الملحمة العظيمة يوم جنازته والمشهد المعبر الذي اجتمع فيه خليط عجيب لا يمكن جَمعه إلا بدافع ذاتي فهو مختلف في المستوى الثقافي والعمري وفي الانتماء الحزبي والمناطقي والمستوى المعيشي؛ حتى صح فيه القول: اجتمع في حبه المفترقون.
إن من يجتمع لأجله مثل هذا المزيج لرجل كبير بكل ما تعنيه الكلمة، كبير في استيعابه، وفي تعامله، وفي ثقافته، وفي مواقفه وأخلاقه، فرحم الله علاو.
كتب الكثير عن علاو – رحمه الله - وبقي من حقه الكثير، لكني سأكتب من زاوية أخرى أخطاب بها زملاء المهنة للأستاذ الراحل يحيي علاو رحمه الله.
ما الذي تميز به علاو حتى حصل على هذا الحب الجماهيري الذي لا يمكن إنكاره؟ وهل يمكن لأي إعلامي أن يصل إلى هذا المستوى أم أنها - كما قال أحد زملاء الدراسة لعلاو في المرحلة الجامعية في مقال له - أن علاو ولي من أولياء الله وأن هذه كرامة من كرامات الأولياء؟
ما الفرق بين علاو وغيره؟
نقف وقفات فيما نظن أنه تميز به علاو فلعله هو الفارق بينه وبين غيره وهو الذي أوصله إلى هذه المكانة :
1- البساطة : من أهم صفات الشعب اليمني عموما البساطة وأقصد بالبساطة أنه شعب سهل قلما تمثل الفوارق المادية حاجزا بين الناس لذلك تجد في المجلس الواحد يجتمع الناس على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية إلا في حالات خاصة وهذا لا يوجد في كل الشعوب فالطبقية بارزة حتى في الشعوب الأكثر تعليما والأحسن معيشة، وعلاو لم يترفع عن هذه الميزة فكان مع الناس على حقيقته وبدون تكلف وتصنع ولم يتغير بكونه إعلامي بارز فتجده يمشي مع الفقير ويأكل معه ويمازح الصغير ويقترب من المريض بكل واقعية ومصداقية دون تمثيل أمام الشاشة ولم يظهر منه أنه أكبر وأشهر من غيره كما يلمح عند البعض الذي يظن أنه أصبح بشهرته أكبر من أن يخالط الآخرين إلا نوعية خاصة وفي ظروف خاصة.
2- الروح الجماعية والشعور القوي بالانتماء لهذا المجتمع سواء من خلال تصرفاته ومواقفه أو من خلال ما يقدمه في برامجه وخاصة فارسها فرسان الميدان سواء من خلال جوائز الجمهور والتي بشهادة الجميع لم تكن مجرد جوائزه عشوائية أو فوضوية فهي وإن كانت مقابل الإجابة إلا أنها تحمل دلالات اجتماعية وتشارك في تحسين وضعية معينة، وإلا فالتوزيع مهمة سهلة يستطيعها الجميع لكن هناك فرق بين من يوزع بطريقة عبثية لمبالغ خيالية وبين من يوزع وأنت تشعر أنه سد حاجة أو أنقذ فاقة.
أو من خلال الفقرات ونوعية المادة التي تشعرك أنه ابن المجتمع حتى بأسئلته فهو يعرف مستوى ثقافة المجتمع ونوعيتها.
3- الثقافة الواسعة : يتضح بسهولة ويسر المستوى الثقافي الذي كان يتمتع به الأستاذ علاو والذي عزز ثقته بنفسه ورباطة جأشه وهو يتربع عرش فرسان الميدان وغيره من برامجه ذات المادة الثرية وفي مجالات ثقافية عديدة يشهد بذلك الواقع من خلال ما يقدم من برامج وفقرات متنوعة دون تلكأ أو اهتزاز.
4- الارتباط الوثيق بقيم وعادات المجتمع : أظن أن هذه القضية تكاد تكون الفاصلة في حالة علاو كإعلامي التي تفصله وتميزه عن غيره، ووجهة نظري أنها لوحدها تكفي لأن ينال حب الجماهير وتعلقهم ببرامجه، فمن الواضح من خلال ما قدم علاو أنه كان ينطلق من تصور معين وأرضية مشبعة بروح تدين بارز واحترام لثوابت وقيم المجتمع ومراعاة واضحة لبنية المجتمع الفكرية والدينية والاجتماعية والذي يعتبر عامل مشترك عند جميع فئات الشعب اليمني المعروف بتدينه الطبيعي وإسلاميته غير المتكلفة لذلك لما انطلق علاو من هذه الأرضية اختصر كثير من المسافات في الوصول إلى قلوب الجماهير، ولك أن تقارن بين فرسان الميدان مثلا وأي برنامج مسابقاتي آخر تم تقديمه في نفس أيام تقديم علاو لبرنامجه فرسان الميدان ومع ما يعطي من جوائز إلا أن مراعاة قيم وعادات المجتمع لم تكن حاضرة أثناء تقديمها بل ربما ظهرت معارضتها والتعدي عليها مما جعل البعض ليس فقط يترك متابعتها بل يشمئز منها وينفر عنها.
بكل صراحة إن نفَس علاو المتدين وروحه المرحة وبساطته وانطلاقه من مجتمعه دون أي مكياج لوجهه ولا لكلماته ولا لجلوسه مع الناس أعطته هذه المكانة فهل استفاد الإعلاميون من الدرس أما أننا سنقرأ خبر وفاة أحدهم بعد أيام من دفنهم ثم نبدأ نتذكر أشخاصهم عند قراءة الخبر ولا نذكر لهم ما يشغلنا بهم ولو لدقائق فلا برامج مميزة ولا مواقف مشهودة.
وأخيرا إن الجنائز العظيمة لا ينالها كل الناس ولو كانوا في مكان واحد وفي زمن واحد وفي مهنة واحدة.
أعود مرة ومرات أسأل الله الكريم لعلاو أن يوسع مدخله ويكرم نزله، وأقول لكل إعلامي حتى لا تُحرم الدعوات بعد موتك أسس لها قاعدة في حياتك فليس كل ميت يدعى له إن لم يدعَ عليه.