[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]

انقسام وتضارب تصريحات بين السلطة ومحافظيها في جنوب اليمن

سار محافظ شبوة الدكتور على حسن الأحمدي في تصريحاته لقناة الجزيرة الأسبوع الماضي على خطى نظيره محافظ محافظة أبين أحمد الميسري، وذلك بنفيه وجود علاقة أو ارتباط بين عناصر الحراك الجنوبي والقاعدة في العمليات الأمنية المتصاعدة مؤخرا.

واستبعد الأحمدي مشاركة عناصر الحراك الجنوبي مع القاعدة في العمليات الأخيرة، قائلا «حقيقة لم نلمس أي شيء من هذا النوع، وكل الأحداث التي حصلت كانت موجهة من القاعدة، وربما يكون هناك فرح وابتهاج بما تفعله القاعدة ولكن كمشاركة فعلية.. حقيقة ليس لدينا حتى الآن أدلة تثبت هذا».

وبالرغم من تعرضه لمحاولة اغتيال فاشلة، الأربعاء قبل الماضي، وهي العملية التي اتهمت فيها وزارة الداخلية القاعدة وقيادي الحراك ناصر النوبة بتدبيرها، إلا أن الأحمدي برأ الحراك واتهم عناصر القاعدة فقط، كما استبعد أن يكون مدبري العملية من رجال القبائل المسلحين بسبب قضايا ثأر، وقال «ليس هناك أي ثارات.. هذه عناصر قاعدة معروفة.. معروفين قبل الحادثة أيضا.. معروفين ومحددين».

وأشار إلى أن من بينهم عناصر كانت تقاتل في مدينة الحوطة وفرت إثر الحملة العسكرية إلى منطقة الشعبة، وقال «تأكد لنا أن تلك العناصر بالاسم كانت من بين الذين فروا من الحوطة». وأضاف «لم نكن نتوقع أن يكون تواجدهم في أحد القرى الذي يمر أمامها الطريق المؤدي من (يشبم) إلى السفال في النقبة ونحن كنا مارين عائدين من يشبم إلى عتق بهذا الطريق ففوجئنا بإطلاق نار وتم تبادل إطلاق النار مع الحراسات الأمنية واستشهد احد الجنود وأيضا أصيب سبعة آخرين، ونحن بصدد اتخاذ الإجراءات للنيل من هذه العصابات».

وفيما اعتادت المصادر الأمنية والرسمية جمع عناصر الحراك الجنوبي والقاعدة واتهامهما بالعديد من الهجمات الأمنية التي تشهدها المحافظات الجنوبية في الآونة الأخيرة، تذهب تحليلات بعض المراقبين السياسيين إلى أبعد من رؤية التناقض اللافت بين اثنين محافظين من أبناء المناطق الجنوبية والمصادر الأمنية والرسمية الأخرى.

وقبل نحو ثلاثة أسابيع، اتهمت زهراء صالح البعداني-مسئولة القطاع النسائي للحراك الجنوبي- نائب رئيس الجمهورية، عبد ربه منصور هادي، وسالم صالح محمد، مستشار رئيس الجمهورية، والدكتور على مجور، رئيس الحكومة، بدعم الحراك الجنوبي.

ومع أن زهراء صالح لم توضح كيفية ووسائل الدعم الذي قصدته، لكنها كانت تشير قطعا إلى ما يتم تداوله في بعض الأوساط السياسية عن التركيز الإعلامي والسياسي الذي أضافه «الحراك الجنوبي» للمسؤولين الجنوبيين في الدولة.

ويرى سياسيون أن ما بات يعرف بالحراك الجنوبي فرض منطقه السياسي على المستوى المحلي، وربما الإقليمي والدولي، وحيث تعاظم حضوره خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بات يشكل هاجسا سياسيا لدى القيادات الجنوبية في السلطة باعتباره العامل الذي أعاد الوهج السياسي لتلك القيادات بعد سنوات من الإقصاء والتهميش سبق أن تم التعبير عنها في مناسبات مختلفة.

ويشكل الحضور المتزايد للقضية، وتنامي مشاعر السخط في المحافظات الجنوبية، دافعا آخر لتلك القيادات إلى عمل «خط رجعة» أو انتهاج سياسة متوازنة في محاولة المقاربة بين السياسة الرسمية وحضور ما يسمى القضية الجنوبية.

وربما يجدر هنا العودة إلى ما يمكن اعتباره البدايات الأولى لنشوء الحراك الجنوبي. في ديسمير من عام 2003م، تأسس ما يسمى «ملتقى أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية»، وهو الملتقى الذي ضم نخبة من كبار الشخصيات، بينهم أعضاء في البرلمان وزعماء أحزاب سياسية ومنظمات وقبائل ورجال أعمال من أبناء المحافظات الجنوبية، وأثار الملتقى جدلا كبيرا في الساحة السياسية المحلية آنذاك.

وتلخصت أهم مطالب الملتقى في الفرص المتساوية، والحكم المحلي، والكادر الوظيفي، حيث لاحظ الملتقى أن هناك ضغوطا يعاني منها الكادر من أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية تتمثل في الإبعاد والتغيير والتهميش، وكذلك الشكوى من السطو على الأراضي في المحافظات الجنوبية والشرقية.

كان الجدل يشير أيضا إلى نائب رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي أو إلى من أطلق عليهم ب»الزمرة» نسبة إلى أنصار الرئيس الأسبق علي ناصر محمد، وهم الذين أصبحوا شركاء في السلطة بعد إزاحة الحزب الاشتراكي منها في حرب صيف 94م.

يقول تقرير مؤسسة كارنيغي للسلام، بالإشارة كذلك إلى شعور هذه الجماعة بالتهميش والإقصاء من خلال السعي لتأسيس الملتقى، «وضعت المجموعة مسودة رسالة شكوى إلى الرئيس صالح تسرد قائمة المظالم الشعبية في مناطقهم. واستغل رئيسها على القفيش صداقته الطويلة مع الرئيس لتسليم رسالة المجموعة إلى مكتب الأخير، وبالتالي تشجيعه على رد خاص. وبعد مرور شهر من دون أن يتلقى كلمة واحدة كشف رئيس المجموعة تفاصيل ما حدث».

وتابع القول «كان رد فعل صالح حادا، إذ وجه على الفور وسائل الإعلام التي تديرها الحكومة إلى تلفيق الفضائح حول المنتدى العام ورئيسه. وحينها أدركت الشخصيات الجنوبية البارزة، أنه لا المناشدات الخاصة ولا العلنية من شأنها إقناع النظام بالتغيير الذي لن يأتي إلا من خلال المعارضة المنظمة».

وبحسب اعتقاد معد التقرير، فإن نجاح تمرد الحوثيين في محافظة صعدة «ألهم الجنوبيين الذين شعروا أن الوقت قد حان لبدء معارضة جماهيرية للنظام».

*******( تصريحات أثارت السلطة)
وبالنسبة لمحافظ محافظة أبين أحمد الميسري، فقد أثار السلطات أكثر من مرة بتصريحاته حول الأسباب الحقيقية لضعف تواجد الدولة في محافظة أبين، كما في تصريحه الشهير لقناة الجزيرة في 20 ديسمبر 2009، والذي نفى فيه وجود أي علاقة بين عناصر الحراك الجنوبي والقاعدة. وأكد الميسري أن هناك فرقا عقائديا وسياسيا بين الحراك الجنوبي وتنظيم القاعدة الذي قال إنه يتحرك بحرية بسبب ضعف المؤسسات الأمنية للدولة. وفيما أكد مدير أمن محافظة أبين العميد عبد الرزاق المروني، كما مصدر أمني آخر لم تسمه الوسائل، مصرع اثنين من عناصر القاعدة في منطقة لودر هما خالد الوحيشي وسالم الصبري أثناء اشتباك أمني قبل ثلاثة أسابيع. لكن الميسري خرج بعد ساعات من تأكيدات الأمن لينفي أن يكون القتيل خالد وشقيقه صبري على علاقة بتنظيم القاعدة.

وفي ذروة التصريحات الرسمية عن بدء المعركة المفتوحة مع تنظيم القاعدة بعد عمليتي المعجلة وشبوة، وتأكيد المصادر الحكومية على إرسال تعزيزات أمنية كافية لمناطق التوتر وخاصة في محافظة أبين. نقلت صحيفة «اندبندنت البريطانية» تصريحات لافتة للميسري، حيث أكد فيها ضعف القوات الأمنية، ونفى وصول تعزيزات عسكرية إلى المحافظة ردا على تقارير حكومية أكدت ذلك.

وأضاف القول «ليس هناك أي تعزيزات عسكرية جديدة ولا قوات إضافية»، معترفا بأن ما يحتاجه اليمن بصورة ملحة هو مساعدة المجتمع الدولي في تنمية البلد، كما أشار إلى أن القصف الجوي والقوات العسكرية ليست هي الحل. وعبر عن استيائه من عدم تقديم السلطات المركزية في صنعاء اعتذارا رسميا لضحايا القصف الجوي للمعجلة، وقال «إذا لم تقدم السلطات اعتذارا عن القتلى المدنيين فإن ذلك سيؤدي إلى تغاضي الناس عن القاعدة».

وفي منتصف مايو الماضي، زار رئيس الجمهورية محافظة أبين، وهاجم من هناك بقوة من وصفهم بالمسؤولين الضعفاء، ودعاهم إلى تقديم استقالاتهم، وهي التصريحات التي فهم بأن المقصود منها هو الميسري.

قال الرئيس في كلمة له «إن هناك مسؤولين ضعفاء في أجهزة الدولة ومثل هؤلاء هم موظفون مظهريون ليس لديهم شجاعة أدبية ولا يتحملون المسؤولية». مضيفا إن «الغلط الذي يقع هو في إطار الإبداع وفي سياق تحمل المسؤولية، لكن البعض من القيادات ضعفاء وعندما يسألون عن الأخطاء يقولون هذا من فوق».

وقال أيضا إن «هناك مسؤولين لا يستحقون المناصب التي يتبوءونها، ومثل هذا النوع من الناس عليه أن يقدم استقالته». وأضاف «أريد مسؤولا يتحمل المسؤولية بشجاعة ويقول: أنا أنجزت وحققت وأبدعت. ولا أريد شخصا ضعيفا يرمي أخطاءه على الآخرين».

********( سوء الفهم لدى القيادة)
وفيما يعد تأكيدا آخر على براءة «الحراك الجنوبي» من بعض ما ينسب إليه من اتهامات وتصريحات صادرة عن المركز. نفى محافظ محافظة الضالع علي قاسم طالب أي صلة للحراك الجنوبي ونشطائه بحادثة الاغتيال التي تعرض لها مدير عام جهاز البحث الجنائي بالمحافظة عبد الخالق شائع. وقال إن التحقيقات كشفت عدم وجود أي صلة للحراك بالحادثة وأن الجهة التي قامت بها مجهولة.

كان المحافظ يتحدث في أمسية رمضانية نظمتها السلطة المحلية، وفيها شدد على أن الكثير من أعمال العنف التي شهدتها المحافظة لم تستطع السلطة المحلية معرفة الجهات التي تقف خلفها، كما نفى أن يكون للحراك الجنوبي صلة بالكثير منها. لكنه حذر في لقاء سابق مع صحفيين بأن مرونته الكبيرة في احتواء الكثير من المشاكل قد تكلفه الكثير من سوء الفهم لدى القيادة العليا. موضحا بأن إيمانه وإخلاصه لوطنه وقيادته تجعله يقدم على «هذه الخطوات والتي قد يسيء البعض فهمها وينقلون للقيادة عنها معلومات مغلوطة».

وفي محافظة لحج التي تصدرت مع محافظة الضالع فعاليات الحراك الاحتجاجية والأعمال العنفية لتلقي بظلال سلبية كثيفة على أداء السلطات المحلية. ترددت معلومات صحفية غير مرة عن ضغوطات كبيرة يتعرض لها المحافظ محسن علي النقيب بسبب ما اعتبر «مرونته الزائدة» في التعامل مع الاحتجاجات.

ومرة واحدة على الأقل، سرت شائعة حول إقالته من منصبه وأنه تعرض لضغوطات كبيرة من القيادة العليا بعد إعلان عمه عبد الرب النقيب شيخ مشايخ يافع ونقيبها انضمامه للحراك الجنوبي ودعوته لقبائل يافع وأبناء الجنوب عموما بالانخراط في قوى الحراك.

وفي فبراير الماضي، نشرت مصادر إعلامية مقربة من السلطة بأن أجهزة الأمن بالمحافظة اعتقلت نجل نائب المحافظ «علي حيدرة ماطر» بتهمة حيازته لمنشورات تدعو للتشطير. وإذ نقلت تلك المصادر أن والد المعتقل ارجع وجود المنشورات بحوزة نجله إلى انه كان يهم بإيصالها إلى فرع المؤتمر بالمحافظة. لكن مصادر أخرى، ذكرت أن المعتقل ضبط متلبسا بتوزيع المنشورات.

واللافت إلى حد كبير هو حجم التصريحات التي يطلقها قادة الأمن ومسؤولي السلطة في المحافظات الجنوبية والذين ينتمون إلى المحافظات الشمالية أو تلك الصادرة عن مصادر أمنية ورسمية والتي درجت وبشكل متسرع في معظم الأحيان على خلط الاتهامات بين الحراك الجنوبي والقاعدة في العمليات الاخيرة، في الوقت الذي باتت مواقف المحافظين الجنوبيين مما يحدث في محافظاتهم تثير الشكوك والارتياب وسط تصريحات لا يدري المرء أهي مرونة سياسية مطلوبة لاحتواء المشاكل، كما عبر عنها محافظ الضالع، أم سياسة واقعية مدروسة بسبب الحضور الطاغي للقضية الجنوبية؟

زر الذهاب إلى الأعلى