التحق الأستاذ حارث الشوكاني بحركة الاخوان المسلمين في اليمن بسن مبكرة من عمره وعمر الحركة معاً.. ما مكنه من معاصرة أطوارها الثلاثة: العسكرية، التعليمية، السياسية. وتقديراً لعطائه العسكري والتعليمي مع الحركة السرية تم تصعيده للقيادة فور اعلان الإصلاح كحزب سياسي.. ليشغل عضو الهيئة العليا ومسؤول التخطيط السياسي.
لم يكن قد مر على عمر الإصلاح أربع سنوات حتى اصطدم مع المرشد العام للتنظيم الأستاذ ياسين عبدالعزيز القباطي، إلاً ان ذلك لم يكن سوى حافزاً لمواصلته النقد الذاتي داخل التنظيم محذرا مما يسميهم "العناصر الإمامية داخل الإصلاح".
عام 2005م تجاوز الأستاذ حارث مرحلة النقد إلى ما هو أبعد.. وأعلن استقالته من الإصلاح تنظيمياً لكنه احتفظ بفكره الاصلاحي الاخواني.. يرفض الفيدرالية ويكشف المشروع الشيعي ويدعو إلى الانتخابات
في منزله الكائن جوار دار البشائر بأمانة العاصمة التقته صحيفة "الجمهور" ليفرغ ما بجعبته ويمارس هوايته المفضلة: النقد الذاتي.
*بداية نتعرف على شيء من سيرتك الذاتية؟
** من مواليد 1960م صنعاء بير العزب، قادماً من هجرة شوكان خولان، مراحلي الدراسية جميعها في صنعاء، عام 79م أكملت الثانوية وعام 85م حصلت على شهادة البكالوريوس شريعة وقانون من جامعة صنعاء.
*طبعاً بدايات تكوينك الفكري والسياسي جاءت في إطار حركة الاخوان المسلمين؟
** نعم.. التحقت بالحركة مبكراً.
*كنت حينها لا تزال طالباً في الثانوية أم في سنة أولى جامعة؟
** في الثانوية، كان عمري حينها 18 عاماً تقريباً، وتوجهي منذ الطفولة هو توجه إسلامي، وأحب القراءة والاطلاع.
البيعة التنظيمية
*لا شك أن أشخاصاً يسكنون معك ذات الحي أثروا في قناعاتك.. من أبرز من دفعوك للإلتحاق بالحركة؟
** الأخ احمد الحجري هو كان جارنا وله أكبر الأثر في الالتحاق بالاخوان.
*بعد كم من التحاقك بالحركة أديت البيعة "القسم التنظيمي"؟
** بعد سنة تقريباً.
*لماذا هذا التأخير؟
** هي فترة ما قبل - أعني التمهيد - وهو اجراء معمول به عادة في التنظيم.
*على يد من كانت البيعة؟
** ليست على يد شخص، وعادة البيعة لا تكون فردية، يعني يتم ترتيب عدد معين من الملتحقين بالتنظيم لأداء القسم جماعياً والقسم "البيعة" يكون للتنظيم وليس لشخص.
*ولهذا ظلت "البيعة" مثار خلاف باعتبار أن البيعة لا تكون لإمام غائب؟
** "يضحك".. لسنا شيعة حتى يكون لدينا إمام غائب، ولم تكن لنا طقوس سرية.
*لكن بحسب كلامك انتم أديتم البيعة بالولاء دون أن تعرفوا من بايعتم؟
** لا.. لا.. أنا قلت لك ليست بيعة لشخص بقدر ما هي بيعة لفكرة يعني بيعة للتنظيم.
*لكنكم أقسمتم بالولاء لأمير الجماعة؟
** الولاء للحركة للتنظيم وليس لشخص.
الاشتراكيون والجهاد
*أين وجد الأستاذ حارث الشوكاني نفسه داخل التنظيم.. أعني أي المجالات أو الميادين التي كان لك فيها نصيب وافر؟
** أنا عاصرت الحركة في أطوارها الثلاثة: المرحلة العسكرية ثم المرحلة التعليمية ثم السياسية، المرحلة العسكرية عندما بدأت المواجهة مع الجبهة الوطنية في المناطق الوسطى.
*وكنت أبرز الشباب المتحمسين للقتال ضد الاشتراكيين؟
** كنت أحد المؤسسين للجبهة الاسلامية التي خاضت المواجهات في المناطق الوسطى وشاركت في الرضمة وفي شمير وكنت مع الأخ احمد الحجري وعبدالرحمن العماد وفعلاً كان لي نصيب وافر في تلك المرحلة.
*وبعد المرحلة العسكرية؟
** بعد أن خمدت جذوة الجبهة الوطنية بدأ النشاط التعليمي للمعاهد العلمية وعملت فيها مديراً للتعليم لفترة طويلة، ثم تأتي المرحلة أو الطور السياسي وكنت أحد الذين طرحوا فكرة تأسيس حزب بدلاً عن بقائنا حركة سرية، واقترحت فكرة الإصلاح، وفعلاً كنت أحد مؤسسي هذا الحزب وتم تصعيدي للقيادة عضو الهيئة العليا ومسؤول التخطيط السياسي.
عارضت بن لادن
*معظم الشباب الذين شاركوا الجبهة الاسلامية القتال ضد الجبهة الوطنية انتقلوا فيما بعد للقتال في افغانستان ضمن من عرفوا ب "الافغان العرب".. لماذا لم تكن معهم؟
** أولاً لست معك في هذا التقييم.. حقيقة حركة الاخوان المسلمين لها موقف رافض لفكرة الانخراط مع اسامة بن لادن وكنت أنا ممن يرفضون حتى مجرد الفكرة.
*أولم يكن يتولى قادة الحركة عملية حشد ونقل الشباب إلى افغانستان؟
** هي جهود فردية ليس أكثر، يعني المسألة لم تكن نشاطاً تنظيمياً، واستطيع اقول انه لم يكن هناك داخل الحركة خط داعم لهذه الفكرة وعادة ما كان يلتحق بالجهاد في افغانستان شباب لا علاقة لهم بتنظيم الاخوان المسلمين.
*شخصياً لماذا لم تكن مقتنعاً حتى بمجرد فكرة القتال في افغانستان، أولم يكن ذلك جهادا في سبيل الله؟
** هو جهاد.. ولكن هذا لا يكفي ليكون دافعاً للمشاركة، الجماعات الاسلامية التي خاضت المواجهات في افغانستان يغلب عليها الطابع القبلي، فهي ممكن تبطل الباطل لكنها لا تستطيع أن تحق الحق.
التغيير يكون بمرحلتين: الأولى مرحلة إبطال الباطل والثانية مرحلة إحقاق الحق والحاصل في افغانستان ان الجماعات الاسلامية خاضت الجهاد لإبطال الباطل المتمثل في الاتحاد السوفيتي، لكنها في الوقت نفسه لم تكن مؤهلة لإقامة الحق.. كانت هذه هي وجهة نظري وقد اثبتت الوقائع صحتها فبمجرد دحرهم للقوات السوفيتية خرجت الجماعات الاسلامية من الساحة بسبب تناحرها قبلياً.
ملاحظاتي على الاخوان
*"السلسلة الذهبية" و "الطقم المدلل" هي القاب أطلقها التنظيم على مجموعة من كوادره الشباب الذين كان لهم نسق فكري أكثر حداثة، أكثر انفتاحاً وبمعنى أدق كان لهم انتقادات على عمل التنظيم.. أنت أحد هؤلاء؟
** "يضحك ثم يتابع".. فعلاً.. أنا كنت واحداً ممن تزعموا النقد الذاتي داخل التنظيم وكان لي وجهة نظر مما تعانيه الحركة من قصور في الأداء التنظيمي.
*مكمن القصور ما هو؟
** التنظيم كان يهتم بتربية العناصر "الاخوان" تربية روحية، تربية فكرية، لكنه في الوقت ذاته أغفل التربية السياسية.. وكنت أطرح دائماً ان التنظيم قد أوجد "كم" اخواني لكنه لم يصل إلى مرحلة "الكيف" القادر على القيادة.
*يعني كان الخلاف أو النقد محصوراً حول الأساليب وليس حول جوهر الحركة أو جوهر الفكر؟
** يعني كيف يتم تأهيل الكوادر التأهيل الذي يجعل منها كوادر قيادية ولهذا أنا رفعت حينها شعار أنه لا بد من تكميل الأفراد واستكمال الأجهزة في التنظيم.
*وماذا عن المناهج التي كنتم تدرسونها في إطار التنظيم ما ملاحظاتك عليها؟
** قصورها في الجانب السياسي، فهي لم تكن أكثر من كتب فكرية ودورات روحية.
*ومما كان يؤخذ عليها انها مناهج خارجية لم تراع الواقع أو البيئة اليمنية؟
** وهذه واحدة من جوانب القصور أن حركات الاخوان المسلمين التي تأسست في مختلف الاقطار العربية ظلت متأثرة بالحركة الأم في مصر.
*تقصد أنها أغفلت الخصوصية؟
** بالضبط كانت الحركة في الغالب تعمل عملية نقل ميكانيكي "آلي" لأساليب الحركة الأم في مصر وتغفل الخصوصية الاقليمية لكل دولة.
*لم يكن تنظيم الاخوان المسلمين استثناءً، مختلف الأحزاب والتنظيمات السياسية التي عرفتها الساحة اليمنية باستثناء حزب المؤتمر الشعبي العام، هي أحزاب وافدة؟
** فعلاً.. تكاد تكون هذه هي سمة كل الأحزاب عندنا، الاشتراكيون نقلوا التجربة السوفيتية ميكانيكياً وكذا الناصريون من مصر والبعث من العراق وسوريا وهذه واحدة من مشاكلنا في اليمن.
*ولهذا ربما ان انحسار هذه التنظيمات كان أمراً حتمياً لعدم مراعاتها الخصوصية اليمنية؟
** لكن حركة الاخوان تمتاز عن بقية التيارات أو التنظيمات العلمانية، ففي حين اشكالية التنظيمات العلمانية فكرية لتبنيها أفكار ومنطلقات خارج إطار الاسلام انحصرت مشكلة تنظيم الاخوان فقط في عدم مراعاتها للخصوصية الاقليمية ومعرفة البعد التاريخي.
*المهم هل توافقني الرأي ان انحسار هذه الأحزاب المنقولة ميكانيكياً كان حتمياً؟
** لا شك.
*لفترة ليست بالقصيرة واضبت على حضور الحلقات التنظيمية....؟
** "مقاطعاً".. هذا قد أنت تدخل في التفاصيل "قالها ضاحكاً".
*بدون التفاصيل.. أنت ومن عرفوا معك ب "السلسلة الذهبية" لم تلتزموا بقراءة ما يفرض عليكم في الحلقات التنظيمية من كتب أو كتيبات، بل جاهرتم بقراءة كتب تعتبر محرمة في نظر قيادة الحركة؟
** لا اعتقد.. مثل أيش بالضبط.
*مثل كتاب جامع للدكتور عبدالله فهد النفيس "الاخوان المسلمين رؤية من الداخل" ومجلة يتبناها من يسمون اليسار الاسلامي احمد عثمان، حسن حنفي؟
** حسن حنفي أفكاره بعيدة نوعاً ما ولم أكن افضلها أو حتى أميل إليها، ولكن بشكل عام أنا - كما قلت لك - شغوف بالقراءة حتى قبل أن التحق بالحركة ولم نكن نعتمد في بنائنا الفكري على ما نتلقاه في الحلقات التنظيمية لأنها كانت أصلاً قليلة لا تفي ولا تكفي.. ولم تكن الاشكالية مع القيادة في أننا نقرأ قراءات خارجة عن اهوائهم أو ما يريدونه لاعضاء وكوادر الحركة، وإن كان ثمة اشكالية فهي في اطروحاتنا النقدية الحادة التي لا شك انها كانت تثير بلبلة داخل التنظيم.
*لم تكتفوا بحدود النقد، لقد تجاوزتم ما هو أبعد، على سبيل المثال عندما قرر التنظيم مقاطعة الدكتور عبدالملك منصور.. أنت والقاضي احمد عبدالله الحجري ونصر طه مصطفى ومحمد زبارة ويحيى الشرفي أيضاً ومحمد طرموم، لم تلتزموا بقرار المقاطعة وبقيتم تزاورون الدكتور عبدالملك؟
** عندما حصل الخلاف بين المرشد العام للتنظيم الأستاذ ياسين عبدالعزيز وأمين عام التنظيم الدكتور عبدالملك منصور كنا لا نزال جدد على التنظيم ومن الصعب على من هو في مكاننا إدراك جوهر الخلاف ومن هو الصائب من المخطئ.. وبالتالي أنا شخصيا ولأنني كنت دائماً أفكر بطريقة مستقلة أو هكذا أخال نفسي رفضت قرار المقاطعة حتى يتبين لي الخيط الأبيض من الأسود "هل الدكتور غلطان أم لا"، ولكن تواصلنا مع الدكتور عبدالملك منصور أثناء قرار المقاطعة ولم يكن انحيازاً له بقدر ما هو البحث عن الحقيقة قبل أن نحدد موقفنا النهائي من طرفي الخلاف.
*وسرعان ما عرفتم جوهر الخلاف؟
** هو خلاف شخصي ليس أكثر.. يعني لم يكن الخلاف منهجياً أو ما إلى ذلك.
*قيل أن عبدالملك منصور وقف وراء إبعاد ياسين عبدالعزيز إلى الخارج بالتوافق والتعاون مع بعض الأجهزة؟
** سمعنا ذلك، لكن لم نتأكد حتى اللحظة ما إذا كانت مجرد تهمة أم أنها حقيقة.
*بخلاف ما تقوله أنت.. الخلاف لم يكن شخصياً.. عبدالملك منصور كانت له رؤية حول الطريقة ومنهج التنظيم تخالف رؤية ياسين عبدالعزيز؟
** وقتها لم يكن هذا الموضوع هو الذي برز، السائد حينها أن الخلاف شخصي، قيل أن عبدالملك حاول يستبعد ياسين ولو كان الخلاف على ما تقوله انت لكنا نحن أول المنحازين مع عبدالملك.
*وماذا بشأن خلاف المرشد العام مع طرموم وعلي باعباد؟
** هو في إطار الخلاف مع عبدالملك منصور وهم ضمن من خرجوا معه.
*قيل أن طرموم كان يريد انشاء تنظيم للاخوان في جنوب الوطن مستقلاً عن التنظيم في الشمال؟
** أنا كنت أحد الملازمين للاستاذ عمر طرموم –رحمة الله عليه- ولم اسمع منه شيء من هذا الكلام على الاطلاق.
*ما الذي جعلك تلازمه دون غيره؟
** كان بيني وبينه انسجام فكري وكنا دائماً في حوار.
زوال حالة القداسة
*لا شك ان هذا الخلاف بين المرشد العام ومن معه والأمين العام ومن معه كان له دور كبير في توعيتكم بأمور كثيرة حول حقيقة القيود الحديدية التي تدار بها التنظيمات السرية؟
** شوف.. نقدنا للحركة هو سابق للخلاف وكان يحدونا الأمل في تطوير الحركة من الداخل وبالتالي لم يكن للخلاف دور في هذا الجانب وهذا لا يعني أن الخلاف لم يؤثر فينا بالعكس هو أحدث هزة في نفوسنا.
*من أية ناحية؟
** على الأقل انه نزع حالة القداسة التي كنا ننظر بها للقيادات، الأمر الذي صعَّد من وتيرة النقد.
*لكن في التنظيمات السرية كتنظيم الاخوان المسلمين عليك في الأوقات الحاسمة التنفيذ دون ابداء الرأي والملاحظة؟
** يعني أشبه بالتنظيم العسكري.
*وبحسب طاعة الأوامر دون ابداء الرأي يترقى الشخص؟
** يعني.
*فكيف وصلت إلى أعلى الهرم في قيادة الحركة ومن ثم حزب الإصلاح مع أنك أحد أبرز الذين مارسوا النقد داخل التنظيم؟
** بصراحة طبيعتي النقدية لم تكن تؤهلني للبقاء كثيراً في التنظيم لكني بقيت.
*لماذا؟
** كانوا يحتملوني ..يعني زي ما تقول كانوا يصبرون عليَّ مهما كانت انتقاداتي حادة.
*لماذا.. ما الذي يجعلهم يحتملونك بل ويصعدوك إلى أعلى الهرم القيادي؟
** "يصمت وعيناه إلى أعلى المكان" ثم يتابع: لا أدري ماذا أقول لك لأنه لا احد يقدر يتكلم عن نفسه "قالها مبتسماً".
*هل كان ذلك تقديراً لعطائك العسكري معهم في فترة من الفترات أم هي علاقات شخصية بالقيادات أم ماذا؟
** من حيث العطاء فعلاً كان لنا عطاء عسكري، وعطاء تعليمي وسياسي وربما ان قدراتنا أهلتنا وأيضاً صلتنا المبكرة بالقيادات كان لها أثر من حيث أنهم يعرفون انه ليس لدى حارث الشوكاني من هدف عندما ينتقد التنظيم أكثر من النقد.
*عطاءاتك العسكرية مع الاخوان المسلمين أثناء قتالكم من اسميتموهم ب "الشيوعيين الماركسيين...الخ" كان له أكبر الاثر في الثقة بك؟
** ممكن.
*وهل لا تزال حتى اللحظة مقتنع بصوابية مشاركتك إياهم القتال ضد اليساريين؟
** نعم.
*لماذا؟
** حينها كانت الجبهة الوطنية تشكل خطراً على البلاد والعباد وعلى الفكر الاسلامي بشكل عام.
*افهم انك لا تزال تنظر إلى تلك المواجهات باعتبارها جهاد في سبيل الله؟
** نعم. المتوكل والبيض
*متى بدأت التفكير الجاد في التخلي عن حزب الإصلاح؟
** أنا لم أتخل عن الإصلاح فكراً حتى الآن.. وإن تخليت تنظيمياً أنا ما زلت ملتزماً بفكر التنظيم الذي شاركت في تأسيسه أو هكذا اعتبر نفسي.
*أفهم ان الذين أعلنوا استقالتهم من الإصلاح والتحقوا بالمؤتمر مثل نصر طه، فارس السقاف وآخرين لا يزالون اصلاحيين؟
** فكرياً نعم.. عقيدة الاخوان من الصعب محوها.
*يعني خلافك مع التنظيم "حزب الإصلاح" فقط في الجانب السياسي؟
** بالضبط.
*وأين يكمن الخلاف؟
** فيما يتعلق بالمشروع الفيدرالي الشيعي.
*تقصد ما بات يطرحه تكتل المشترك برئاسة الإصلاح من مشاريع بينها خيار الفيدرالية كنظام حكم؟
** هذا ما كنا نحذر منه قبل أن يجرؤ أحد بالمجاهرة به، فالمشروع الفيدرالي الشيعي قديم، يعود إلى السنوات الاولى للوحدة اليمنية المباركة عندما حاول الإماميون تمريره قبيل صيف 94م من خلال علي سالم البيض واستطعت في ذلك الحين من خلال موقعي اقناع قيادة الإصلاح كلها بخطر المشروع الإمامي الهادف لتمزيق اليمن وفعلاً تصدينا له بحزم.
*استطعت اقناع جميع قيادة الإصلاح بما فيها المرشد العام للتنظيم الأستاذ ياسين عبدالعزيز القباطي الذي أعرف انك على خلاف معه منذ ذلك الحين 93-94م؟
** لا.. لا.. الأستاذ ياسين عبدالعزيز حينها كان غائباً خارج الوطن وخلافي معه جاء لاحقاً - أعني بعد حرب 94م - عندما بدأ الإماميون وفي مقدمتهم الدكتور محمد عبدالملك المتوكل تمرير مشروعهم الفيدرالي عبر حزب الإصلاح بعد أن فشلت محاولاتهم تمريره عبر علي سالم البيض، وذهبت أدراج الرياح.. وقد لاحظت سعيهم الحثيث لتمرير المشروع مرة أخرى ولكن هذه المرة عبر حزب الإصلاح وكنت حينها في قيادة هذا الحزب الكبير، فاختلفت مع الأستاذ ياسين عبدالعزيز القباطي المرشد العام وهدَّدت بتقديم استقالتي وبالفعل عندما قدم المشترك وعلى رأسه الإصلاح مشروع الإصلاح السياسي عام 2005م أعلنت استقالتي ولكنها - كما قلت لك - استقالة تنظيمياً وليس فكرياً.
منتدبون في الإصلاح
*الآن.. هل هناك خلافات داخل قيادة الإصلاح بخصوص هذا الموضوع أم ان الكل بات مجمعاً؟
** اسمعني، في 94م وقفت أنا والشيخ عبدالله بن حسين الأحمر -رحمه الله - ومحمد اليدومي وعبدالوهاب الآنسي ضد هذا المشروع "المشروع الفيدرالي الإمامي" ولم نكن نعلم أن المرشد العام الأستاذ ياسين عبدالعزيز القباطي الذي كان غائباً خارج البلاد قد أصبح واقعاً تحت تأثير العناصر الإمامية المخترقة للاصلاح التي استطاعت ان تقنعه بضرورة تبني مشروعهم.. وعندما عاد اخبرناه بالتفصيل أننا افشلنا مشروع إمامي خطير كان يطبخ على نار هادئة وتحت مسميات مختلفة براقة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، إلا أننا تفاجأنا بما لم يكن في البال حيث إنزعج بل وأبدى حماساً للمشروع وضرورة تبنيه.
*أبرز من تسميهم الإماميين المخترقين للاصلاح.. من؟
** معروفون على سبيل المثال عبدالرحمن العماد، زيد الشامي...الخ.
*ألا ترى أن وجود هؤلاء في قمة هرم الإصلاح دليل على عدم صحة ما يقال عن الإصلاح بأنه لم يقبل بالتعدد المذهبي في داخله.. أنا أذكر أن الأستاذ حسن زيد أمين عام حزب الحق قال ذات مرة ان الإصلاح لم يقبل بالتعدد المذهبي في داخله، فكيف سيقبل بالتعدد السياسي؟
** هؤلاء دخلوا كعناصر اصلاحية وليس كعناصر ملتزمة مذهبياً وساروا على ذلك سنوات عدة ولم تتضح حقيقتهم إلاَّ عندما بدأوا يتبنون داخل حزب الإصلاح برنامج العمل السياسي لحزب اتحاد القوى الشعبية، فاتضح انهم لا يزالون كما هم عناصر إمامية.
*تقصد انهم الآن مجرد منتدبين داخل الإصلاح من قبل اتحاد القوى الشعبية؟
** الصورة اصلاحي والأصل إمامي.
*وفي المقابل هناك من يؤكد أن الذين اعلنوا استقالتهم من الإصلاح والتحقوا بأحزاب أخرى هم مجرد منتدبون الصورة مؤتمري والأصل اصلاحي؟
** لا.. لا.. ليس لدى السنة صورة وأصل لانهم لم يتربوا تربية باطنية كما هو حال الشيعة الإمامية.. أولم تسمع بمبدأ "التقية" التي يسيَّرون بها شؤون حياتهم إلى حين تتاح لهم الفرصة للمجاهرة بما يبطنون.
*افهم منك أن حزب الإصلاح لم يقبل بالتعدد المذهبي في داخله؟
** نعم ولن يقبل الإصلاح فكرياً فهو تنظيم سني ويعتبر الإمامة مشكلة اليمن التاريخية.
المشترك وتمزيق اليمن
*إذا كنت قد انتقدت مشروع الإصلاح السياسي المقدم من المشترك.. فماذا تقول عن رؤيتهم للانقاذ الوطني التي يعتبرونها مرجعيتهم في الحوار الوطني؟
** أنا عندما انتقدت وبشدة مشروع الإصلاح السياسي كنت احذر مما سنصل إليه في رؤية الانقاذ، فمشروع رؤية الانقاذ 2009م هو ذاته مشروع الإصلاح السياسي 2005م، الفارق بينهم ن المشترك في رؤية الانقاذ جاهر بالفيدرالية.
*المشترك طرح الفيدرالية في رؤية الانقاذ كخيار من عدة خيارات، جميعها مطروحة للحوار والنقاش.. وبالتالي هذا لا يعني أن المشترك متمسك بخيار الفيدرالية؟
** أبداً.. للأسف واضح أن المشترك بما فيه الإصلاح ومن خلال مبادرتهم الاخيرة المسماة "رؤيةالانقاذ الوطني" مع الفيدرالية وتقسيم اليمن إلى أقاليم.. وأجزم انهم بهذه المبادرة أقروا بقيام اقليم للحوثيين في صعدة يمتد من الجوف ومأرب شرقاً إلى ميدي غرباً.
للزنداني موقف
*هل الجميع في الأمانة العامة لحزب الإصلاح موافقون على ما جاء في رؤية الانقاذ الوطني أم أن هناك خلافات؟
** حقيقة.. إلى الآن أنا لا أعرف كيف استطاع الأستاذ ياسين عبدالعزيز القباطي أن يسخر اليدومي وعبدالوهاب الآنسي في هذا الجانب مع اننا وفي مقدمتنا اليدومي والآنسي وقفنا عام 94م ضد هذا المشروع الفيدرالي الإمامي.
*أفهم أن كل قادة الإصلاح حالياً مع الفيدرالية؟
** الوحيد الذي لديه موقف واضح من هذه المسألة هو الشيخ عبدالمجيد الزنداني، هذا ما اعرفه حتى الآن.
*ما موقفه.. ما هي رؤيته؟
** هو يرفض تماماً مشروع تمزيق اليمن إلى أقاليم.
*وبالنسبة لمحمد اليدومي وعبدالوهاب الآنسي؟
** "مقاطعاً".. للأسف فهما واقعان تحت سقف شخصية ياسين عبدالعزيز، يتعاملان معه كما يقف المريد أمام الشيخ، مشكلتهم هكذا.. أنه يفكر لهم بالنيابة عنهم.
*يعني هما الآن مع الفيدرالية أو ما تسميه أنت المشروع الإمامي؟
** واضح.
*الأكثر وضوحاً ان "المشترك" وعلى رأسهم قادة حزب الإصلاح واقعين تحت تأثير الشيخ حميد الأحمر وقد يكون هو حجر الزاوية لهذا المشروع؟
** بالعكس.. أنا كنت ضمن قيادة الإصلاح وأعرف خفايا الأمور واستطيع أؤكد ان الشخص الأكثر تحمساً لهذا المشروع هو الأستاذ ياسين القباطي المرشد العام.. وأنا عندما هاجمته في 2005م على مشروع الإصلاح السياسي حاول أن يغيِّب نفسه ويبرز الشيخ حميد.. ولهذا أنا لم أحمل في مقالاتي الشيخ حميد أية مسؤولية، لأنني أعرف يقيناً أن ياسين القباطي هو حجر الزاوية في هذا الموضوع.
*قد يكون هذا في وقت مضى، أما الآن فلا.. الشيخ حميد هو الأكثر مجاهرة؟
** الأخ حميد لم يكن يوماً المحرك للمشروع الفيدرالي الإمامي لكنه الآن ينفذه بحكم التزامه التنظيمي.
*قد يكون العكس هو الصحيح - يعني قادة الإصلاح ينفذون ما يخطط له الشيخ حميد.. هكذا يقول البعض؟
** أبداً.. حركة "المشترك" ضمن لجنة الحوار اصبحت حركة مكتملة - يعني الإصلاح بكل قياداته باستثناء الزنداني - ومن التعسف أن نحمل الاخ حميد المسؤولية.. وأنا أقولها عن علم ودراية بخفايا ما يدور في التنظيم.. فأنا جلست مع الاخ حميد وسمعت منه كلاماً ايجابياً في هذا الجانب.. ولي كتاب تحت الطبع ان شاء الله يصدر قريباً، أوضحت فيه هذا المشروع الإمامي جذوره ومراحل نشأته ووجهت في طيات الكتاب نقداً حاداً للاستاذ ياسين عبدالعزيز "المرشد العام" كونه من تولى تسمين هذا المشروع داخل الإصلاح.
عودة للمتوكل
*قلت أن جذور المشروع الفيدرالي تعود إلى السنوات الأولى للوحدة وأن.....؟
** "مقاطعاً".. فعلاً المشروع الفيدرالي الشيعي قدم بعد الوحدة مباشرة عبر كتاب لزيد الوزير "نحو يمن لا مركزي" وكان محمد عبدالملك المتوكل المروج الرئيسي للمشروع.
*اسمح لي لو عدنا إلى مطلع التسعينات وما كان يطرحه ويكتبه الدكتور محمد عبدالملك المتوكل لوجدناه يتبنى ويدعو إلى حكم محلي واسع الصلاحيات - يعني لا مركزية - وكان ذلك في اطار البحث عن حلول أخف ضرراً من حرب 94م؟
** حكم محلي واسع/ كامل الصلاحيات، لا مركزية سياسية، الفيدرالية هي مترادفات لمعنى وهدف واحد هو تجزئة البلاد تجزئة اليمن وتمزيقها.. يا أخي اليمن دولة بسيطة وليست مركبة، في الدول المركبة مثل الولايات المتحدة تكون الفيدرالية خطوة نحو الوحدة، لكن في الدول البسيطة مثل اليمن تكون الفيدرالية خطوة عكسية، يعني خطوة نحو التمزق.
وبالنسبة لمحمد عبدالملك المتوكل هو - كما قلت لك - كان المروج الرئيسي للمشروع الفيدرالي اليمني (تمزيق اليمن) لكنه حينها لم يكن يجاهر بمصطلح الفيدرالية خوفاً أن ينكشف المشروع، لهذا كان يأتي به مغلفاً بمسميات أخف.. وها هو الآن حين سنحت له الفرصة من خلال "الإصلاح" و"المشترك" ككل بات يجاهر، بل له تصريحات وكتابات يقول فيها أن الاخوة في الجنوب لم يعودوا يقبلوا بأقل من الفيدرالية، بل لم يعودوا يقبلوا حتى بالفيدرالية..
المطلعون على تاريخ اليمن يعرفون أن الأئمة لم يكونوا ينجحوا في إقامة وتثبيت حكمهم إلاَّ بعد أن يفككوا الدولة المركزية ويعمقون العصبيات القبلية ليعبروا من خلالها.
*تقصد أن "المشترك" أو من يقفون وراء خيار الفيدرالية يهدفون إلى تفكيك الدولة وبمعنى أدق تمزيقها؟
** لا شك.. لأن الفيدرالية عمرها ما كانت حلاً لمشاكل الدول البسيطة.
مشكلة المشترك
*بصراحة.. نظام الحكم الحالي ذو النفوذ السني - كما يقول البعض - هو من دعم دور القبيلة ومكنها؟
** لسنا ضد القبيلة كقبيلة، ولكن فرق شاسع بين أن تكون القبيلة ضمن إدارة دولة مركزية وان تكون ضمن دولة ممزقة إلى عصبيات قبلية.. النهج الإمامي يعمل على تمزيق الدولة المركزية وبالقدر ذاته يكرس العصبيات القبلية، فيما النظام الجمهوري يحاول استيعاب القبيلة باتجاه المجتمع المدني.
*رؤية الانقاذ الوطني المقدمة من "المشترك" والتي أبديت اعتراضك ونقدك الحاد عليها....؟
** "مقاطعاً".. اللقاء المشترك برؤيته هذه لم يأت بجديد وانما هو ينفذ برنامج العمل السياسي لحزب اتحاد القوى الشعبية وهو المشروع الفيدرالي الإمامي لتمزيق اليمن.
ولدينا وثيقة نشرتها في كتابي -تحت الطبع- عبارة عن مبادرة تقدم بها الدكتور محمد عبدالملك المتوكل نائب الأمين العام لاتحاد القوى، طرح فيها المحاور الثلاثة التي يطالب ويتبناها المشترك الآن في رؤية الانقاذ وهي: الفيدرالية، القائمة النسبية، النظام البرلماني، وأجزم أن الأحزاب الإمامية في المشترك استطاعت أن تفرض برنامجها مع انه ليس لها أي تمثيل في البرلمان، ولهذا أنا دعوت إلى قيام تكتل جمهوري مقابل تكتل المشترك الذي أضحى تكتلاً إمامياً خالصاً تحول فيه الجمهوريون إلى عكفة لدى اتحاد القوى الشعبية.. وأؤكد لك أن القيادات الجمهورية في اللقاء المشترك أثبتت افلاسها.
*لو كان اتحاد القوى الشعبية بهذه القوة التي تصورها أنت لاستطاع الحصول حتى على عضو واحد في مجلس محلي؟
** أولاً.. اتفق معك في انهم لا يشكلون قوة حقيقية، لكن قوتهم في سذاجة القوى الجمهورية، ثانياً من الخطأ أن تقيس التنظيم الشيعي من خلال الانتخابات لأنه أصلاً لا يراهن على الانتخابات والديمقراطية،هو يراهن على مجاميع طلابية يتم تلقينهم وتعبئتهم بأفكار معينة ليصبحوا أداة عسكرية كما هو حاصل في صعدة.. وأكبر رهان التنظيمات الشيعية في أسلوب الاختراق، اختراق الدولة ومؤسساتها وكذا فعلت بالأحزاب والتنظيمات السياسية الجمهورية.
وبالتالي نحن نشهد الخطر الإمامي من زاويتين: الخطر التعليمي العسكري يبدأ من صعدة.. وخطر سياسي يسعى لتفكيك الدولة المركزية عبر جناحه السياسي في العاصمة ولهذا تجد القوى الإمامية في اللقاء المشترك أكثر المتحمسين لعرقلة الحوار الوطني وعدم إجراء الانتخابات النيابية في موعدها.
التقوا في لحظة مأزومة
*أظنني قرأت مؤخراً ما يكاد يتطابق مع وجهة نظرك وهو ان احزاب المشترك التقت في لحظة تاريخية مأزومة، للمطالبة بتأجيل الانتخابات أو تعطيلها.. فهل هي كذلك؟
** واضح جداً، هم الآن يحذرون من اجراء الانتخابات في موعدها، والدكتور محمد عبدالملك المتوكل صرح للصحافة قبل فترة وقال انه طرح ما يسمى بالديمقراطية التوافقية، وهو مصطلح مطاطي هدفه الحقيقي اجهاض الديمقراطية، ومن خلال كتاباته تستطيع أن تعرف وبسهولة أنه – أعني المتوكل- مع تكريس الخيار العسكري الحاصل في صعدة للوصول إلى السلطة عبر الحوثي وليس عبر الانتخابات.. ولهذا أنا طالبت الاخ رئيس الجمهورية وحزب المؤتمر المضي نحو الانتخابات ولو بدون احزاب المشترك.. وبإمكان الاخ الرئيس اجراء الانتخابات سيما في ظل ما تحظى به اليمن من دعم اقليمي ودولي غير مسبوق، والخاسر حينها هي الأحزاب المقاطعة والتي كان عليها ان تعمل على تكريس الديمقراطية لا مقاطعتها.
*لكن ما جدوى انتخابات من طرف واحد؟
** الديمقراطية هي ديمقراطية الشعب أكثر منها ديمقراطية الأحزاب، الأحزاب ليست كل الشعب، المستقلون يشكلون الأغلبية ولديك منظمات مجتمع مدني فضلاً عن أن المشترك ليس كل الأحزاب.
يبالغون في التشويه
*اسمح لي.. يظل المشترك معذور فهو إن شارك في انتخابات غير نزيهة يكون بمثابة شاهد الزور؟
** في أي بلد ليس هناك انتخابات خالية تماماً من أوجه القصور، ولكن بشكل عام الانتخابات عندنا في اليمن وفي مختلف محطاتها لم تكن بالصورة السوداوية التي تطرحها أحزاب المعارضة.. ومهما شابها من قصور تظل من وجهة نظري خطوات ايجابية يجب أن ترحب بها أحزاب المعارضة لما فيه تكريس الديمقراطية وتجذيرها، فخير لنا أن نرعاها وليدة حتى تنمو أفضل من وأدها.. ثم لماذا تنظر المعارضة إلى صناديق الاقتراع بازدواجية، فهي تصف الانتخابات في الدائرة التي تفوز فيها بأنها نزيهة وحرة وشفافة، وفي الدائرة التي تخسر فيها تقول ان الانتخابات مزورة، غير نزيهة...الخ، هذا الأمر معيب في حقهم.
*بصراحة أستاذ حارث تبدو متطرفاً وبعيداً عمَّا يؤكده أو يشير إليه باحثون من ان تجربة اللقاء المشترك تمثل نقلة نوعية في مسار التحالفات السياسية اليمنية، ألا يكفي انها أنهت خصومات عندما جمعت أحزاباً لطالما خاضت الاحتراب فيما بينها؟
** لست متعصباً ولا متطرفاً إنما هو الواقع وأنا من خلال موقعي في قيادة الإصلاح عام 94م كنت أول من طالب بفتح الحوار مع الحزب الاشتراكي اليمني بعد الحرب، وفعلاً تم تشكيل لجنة ضمت عضويتها أنا والأخ عبدالوهاب الآنسي والاستاذ نصر طه مصطفى وفتحنا حواراً مع الاشتراكي وكنت أطالب بقيام تكتل شبيه بتكتل المشترك على ان يضم الأحزاب الجمهورية فقط:الإصلاح، الاشتراكي والتيار القومي الناصري والبعث.
*ما الهدف من ذلك؟
** الهدف أن تكون لنا رؤية سياسية جمهورية معارضة ولا بأس بعد ترسيخها أن ينضم من شاء.
*وها هو اللقاء المشترك يقوم بذات الغرض ويفوق ما كنت تطالب به أن يجمع في إطاره أحزاباً من مشارب مذهبية مختلفة؟
** بالعكس لو تقيم كل حزب من خلال منطلقاته الفكرية والسياسية لوجدت فعلاً أن القاسم المشترك الذي ضم هذه الأحزاب هو إمامي وليس جمهوري.. وهذه مشكلة كبيرة.. ولو تراجع مختلف مواقفهم ستجد ان الجامع الوحيد لهم هو إلغاء الوحدة اليمنية من خلال تبنيهم الفيدرالية وإجهاض الديمقراطية من خلال عرقلة الانتخابات والمطالبة بما يسميها المتوكل "الديمقراطية التوافقية".
الإصلاح الخاسر الأكبر
*افهم من كلامك أن حزب الإصلاح خسر من تجربة المشترك؟
** أكيد.. الإصلاح الآن يمر بمرحلة يمكننا تسميتها ب "الفشل السياسي" الخطير بل لقد تورط في مشاريع تخالف منهجه الإسلامي.
*كيف؟
** يعني عندما يوافق على مشروع تجزئة البلاد، وهو الذي قاتل في 94م وضحى بشهداء من أجل الوحدة في هذه الحالة يكون قد وقع في موقف متناقض عقائدياً، فضلاً عن الفشل السياسي.
*أين يكمن الفشل السياسي؟
** الإصلاح لو تقيم أداءه خلال الفترات الماضية ستجد أنه كان يكسب في كل مرحلة وكان له علاقات حسنة بالسلطة وفي الوقت ذاته امتداد شعبي.. وأكبر دليل على الفشل السياسي لحزب الإصلاح انه الآن أصبح خاسر على الصعيدين: خسر علاقته مع السلطة وخسر امتداده الشعبي.
*بخلاف كلامك هناك من يرى أن الإصلاح من خلال المشترك زاد شعبية؟
** وماذا تسمي فشله في الانتخابات الأخيرة، لو أنه دخلها منفرداً لما كان هذا حاله.
*أخيراً.. المهم أستاذ حارث أفهم أنك ضد الحوار الوطني القائم الآن بين الحزب الحاكم وأحزاب المشترك؟
** أنا لست ضد الحوار من حيث المبدأ، بالعكس.. الحوار قيمة إنسانية ودينية عظيمة لأنها التجسيد العملي لمفهوم الشورى والديمقراطية والحرية.
ولكن ومن هذا المنطلق ينبغي التفريق بين الحوار السياسي القائم على مرجعية الدستور والثوابت الوطنية والحوار السياسي المطلق المتروك لأهواء القوى السياسية ولو كان على حساب الشرعية الدستورية والثوابت الوطنية وعليه أقول أن الحوار الوطني الحاصل ليس أكثر من كلمة حق يراد بها باطل.
* لكن لو لم تقبل أحزاب المعارضة بسقف معين للحوار؟
** إذا لم تقبل بحوار وطني بمضامين وطنية جمهورية تحافظ على الثوابت وإذا لم تتخلى عن الانقياد للمشروع السياسي الشيعي فالحل معها لا يكون بالمزيد من تقديم التنازلات على حساب الثوابت الوطنية بل بمكاشفة الشعب وقواعد أحزابهم بحقيقة تآمرهم على وحدة اليمن الاندماجية بتجزئة البلاد إلى أربعة أقاليم أو دويلات رئيسية تتفرع عنها سلطنات محلية. على مستوى محافظة أو مديرية.