arpo28

مناطق الاضطرابات في جنوب اليمن الحلقة (10)،حرب إعلام وأعلام وشعارات بين السلطات والحراك الجنوبي

منذ مطلع عام 2006، مع انطلاقة الخطوات الأولى للحراك الجنوبي، بات هناك مطلوبون من أنصار الحراك، حتى قبل أن تطلق عليه هذه التسمية، وكان عبارة عن مكونات تحمل أسماء تتعلق بالمتقاعدين وذوي المطالب وغير ذلك.
وخلال الجولة الشاملة لـ«الشرق الأوسط» في جنوب اليمن لرصد الاضطراب الحاصل فيه، تلمست ما تحدث فيه من تطورات أمنية وسياسية واجتماعية، عبر الكثير من الأوساط وعبر مشاهد تم رصدها للأوضاع الراهنة هناك وشخوصها،

وذلك بهدف إجلاء الحقيقة عبر الوقوف أمامها بمهنية صحافية فحسب، وضمن هذا الملف وسلسلة الحلقات، هناك حرب إعلامية تدور، على أكثر من صعيد، بين الحكومة اليمنية وفصائل وقوى الحراك الجنوبي، في داخل اليمن وخارجه، وتتنوع هذه الحرب على مستويات عدة، منها ما هو معروف، وما يجرى عبر وسائل الإعلام المتعارف عليها، في وقتنا الراهن، مثل: قنوات التلفزة، والصحف، ورسائل الأخبار عبر الهاتف الجوال، والمواقع الإخبارية والصحف الإلكترونية وكذا المنتديات على شبكة الإنترنت وغيرها من الوسائط الدعائية، مثل استخدام الهاتف الجوال لتصوير مقاطع لفعاليات مناهضة للحكومة اليمنية ومؤيدة للحراك الجنوبي، التي يتم تبادلها عبر خدمة «البلوتوث» في المناطق الجنوبية اليمنية التي تقول قوى الحراك إنها تقع «تحت الاحتلال الشمالي»، في حين تصف السلطات الحكومية الرسمية من يتبنون مثل هذا الخطاب ب«الانفصاليين»، وهي مفردات تتعامل معها وسائل الإعلام وفق نسبة ودرجة ونوعية الأحداث، على الرغم من أن جميع الأطراف تأخذ على جميع وسائل الإعلام، عدم انحيازها إليها، بعيدا عن حيادية المهنة ومصداقية النقل الواقعي.

وفي الوقت الذي تهول وسائط الإعلام التابعة للحراك الجنوبي من قوته وتأثيره في محافظات جنوب اليمن، فإن الوسائط التابعة للحكومة تقلل من حجم الوجود ونوعية ومدى التأثير. فالطرف الجنوبي يعتبر الشمالي «محتلا» والأخير يعتبر الأول «انفصاليا»، وتستمر حكاية تبادل أنواع شتى من الاتهامات.

ويمتلك النظام الحاكم لليمن وسائل إعلام كثيرة، كالقنوات الفضائية ومحطات التلفزة الأرضية والكثير من المحطات الإذاعية العامة، أي الدولية، وأيضا الأرضية، وتمكن الحراك الجنوبي، عبر أطرافه المقيمة خارج اليمن، وتحديدا في بعض الدول الغربية، من أن يبث قناة تلفزيونية كانت تسمى في البداية «قناة عدن» على غرار «تلفزيون عدن» الرسمي الذي استبدل، خلال السنوات الماضية، باسم قناة «يمانية» قبل أن تعود التسمية إلى سابق عهدها، بعد أن ظهرت «قناة انفصالية» في الخارج، بحسب وصف النظام والإعلام الرسمي لـ«قناة عدن»، التي كانت تبث على القمر الاصطناعي «نايل سات»، ثم توقفت لفترة قبل أن تعود، وهي تحمل المضمون نفسه، ولكن باسم آخر وهو «عدن لايف»، في ظل تساؤلات المراقبين عن الأسباب أو السر الذي جعل جمهورية مصر المالكة لـ«النايل سات» توافق على مثل هذا البث المتلفز، على الرغم من أنه يستهدف بلدا عربيا ووحدته وأمنه، بحسب ما تردد بعض وسائل الإعلام العربية، في ظل الأوضاع القائمة في المنطقة.

وعلى الرغم من التقنية المتردية والسيئة لقناة «عدن لايف» الحالية في جوانب الصوت والصورة، هذا عوضا عن اللغة العربية الركيكة للقائمين عليها وأيضا وصف النظام اليمني ب«الاحتلال» ومما يعتبر نوعا من «بث الكراهية»، بحسب ما يصنف، فإن الحركة الجنوبية اليمنية، يبدو أنها استفادت كثيرا من تقنية الإعلام الحديث، فخطاب الحراك الجنوبي بات بارزا، دوليا، عبر شبكة «الإنترنت»، فقد استفاد الجنوبيون اليمنيون المناوئون للنظام في صنعاء، من هذه الخدمة وأسسوا مواقع إخبارية ومنتديات إلكترونية، لنشر وعرض الآراء التي يتبنونها، وهي مواقع إلكترونية ومنتديات باتت ساحة ومساحة للتعبير عن المواقف المعارضة لنظام حكم الرئيس علي عبد الله صالح، وفي المقابل قامت أوساط رسمية، وإن بصورة غير مباشرة، بإنشاء وسائط إعلامية مضادة، سواء كصحف أو مواقع إلكترونية بذات المسميات الخاصة بالمواقع الجنوبية أو المشابهة من أجل قطع «خطوط الإمداد الشعبي» للمعارضين.

ولقد كانت صحيفة «الأيام» العدنية أكثر المتضررين من تصاعد نشاط الحراك الجنوبي وما رافقه من ردود فعل حكومية، فهذه الصحيفة التي تمتلكها أسرة «آل باشراحيل» العدنية من أصل حضرمي تأسست في خمسينات القرن الماضي، قبل أن تتوقف عن الصدور بعيد استقلال الجنوب (1967)، ثم عاودت الصدور بعد قيام الوحدة بين شطري البلاد (الشمالي والجنوبي) عام 1990، فبعد أن عدت، رسميا، الصحيفة الوحيدة التي تنقل ما يدور في جنوب اليمن من أحداث ومواقف متصاعدة للحراك الجنوبي، أوقفت عن الصدور وحوصر مقرها الرئيسي في عدن واعتقل ريس تحريرها الذي أفرج عنه، مؤخرا، تقديرا لوضعه الصحي المتدهور، وتقول السلطات إن قضية صحيفة الأيام «جنائية»، إثر تبادل إطلاق نار بين حراسها ومواطنين في صنعاء، ثم على قوات الأمن في عدن.

وتعتقل قوات الأمن اليمنية العشرات من قادة ونشطاء الحراك الجنوبي، وفي مقدمتهم «الأب الروحي» للحراك، حسن أحمد باعوم، رئيس ما يسمى ب«المجلس الأعلى للحراك السلمي»، في حين تلاحق وتطارد آخرين بينهم سفراء ووزراء وبرلمانيون سابقون وحاليون، وخلال الفترة الماضية اعتقل صحافيون، أيضا، على خلفية تبني قضايا الحراك، وضمن الملاحقين في محافظة حضرموت، فادي حسن باعوم، رئيس حركة شباب الجنوب، الذي تمكنت «الشرق الأوسط» من الاتصال به في مكان اختبائه، حيث قال إن والده يعاني في المعتقل من حالة صحية سيئة، «فلديه القلب والسكر والضغط، إضافة إلى التهاب في جرح بإحدى قدميه، ولا بد من سفره إلى الخارج للعلاج، والسجن لا تتوافر فيه العناية الطبية الخاصة، التي تتطلبها حالته الخطيرة».

ولفت باعوم الابن قائلا: «نحن في مدينة المكلا (عاصمة المحافظة) نعاني أكثر من بقية المدن، فالسلطات تعتقل عددا كبيرا من نشطاء الحراك وتقوم بمداهمة البيوت واقتحامها، ونصف الشباب إما معتقلون وإما مشردون، وأنا أحد المشردين، والسبب الهجوم على بيوتنا ونحن نعاني من ضغط عسكري في المحافظة، لكن في الأيام القليلة المقبلة سيسمع الناس بأمور غير اعتيادية، مع ملاحظة أن الانقسام في أوساط الحراك أثر على أدائه في حضرموت، وطبعا السلطات تعتقل العشرات من منتسبي الحركة الشبابية في المكلا والشحر وغيل باوزير وغيرها من المدن الحضرمية».

ويقول باعوم إن حملة الاعتقالات التي تنفذها أجهزة الأمن في أوساط الحراك «تهدف إلى شل حركته داخل حضرموت وإرساء أمر واقع أمام الجنوبيين وإيصال رسالة مفادها أنه مهما فعلتم وتفعلون فلن ينتبه إليكم أحد والشعب والعالم غير منتبه لكم، وبالتالي فإن مصير أي شخص ينزل إلى الشارع ويعبر عن رأيه هو السجن، هذه هي رسالة السلطة إلينا، لكننا نقول لهم: بالعكس، إرادة الشعوب لا تقهر، وتعرفون أن أكثر من 100 ألف شخص في المكلا وحدها يخرجون لاستقبال باعوم عندما يجرع إليها، والسلطة تستخدم وتستقوي بالقوة العسكرية ضد المجتمع الحضرمي المدني والمتحضر والمسالم». غير أنه يؤكد في الوقت ذاته «ليس لدي أدنى شك في أننا سننتصر في النهاية والخلافات الراهنة (بين فصائله ومكوناته)، تبطئ فقط من تقدمنا المستمر ولن نتراجع وبإذن الله نحن منتصرون».

انتهى حوار رئيس الحركة الشبابية في الجنوب اليمني، لكن تصاعد الرفض لم ينته بين أبناء الجنوب لكل ما يصدر من الحكومة اليمنية، فضمن المعارك الدائرة بين السلطات اليمنية والحراك الجنوبي، ما يمكن وصفها ب«حرب الإعلام»، وهي حرب ليست خفيفة، بل ظاهرة، فمنذ فترة والحراكيون يعبرون عن «رفضهم للوحدة»، كما يقولون, أو مطلب «فك الارتباط» أو «استعادة الدولة»، برفض كل ما هو شمالي وكل ما يمت بصلة للوحدة وبالأخص الرمز السيادي لدولة الوحدة «الجمهورية اليمنية» وهو علمها ونشيدها الوطني، فالنشيد لم يعد يردده الطلاب في الكثير من المدارس بمناطق جنوبية، حسبما يفيد الكثير من شهود العيان.

وخلال جولة «الشرق الأوسط» في معظم المحافظات الجنوبية وجدت أن مناطق كالضالع وردفان ويافع وأجزاء من أبين وشبوة وغيرها، يوجد بها حضور طاغ لأعلام دولة الجنوب السابقة «جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية»، معلقة ومرسومة في الجبال وفي جوانب الطرقات وفوق المنازل والمحال التجارية وحتى فوق شواهد القبور، ويشاهد الزائر شعارات الحراك في أكثر من مكان، حتى إنها مكتوبة على أبواب المدارس. وإزاء هذه الخطوات أو التصرفات، قامت السلطات اليمنية بحملة مضادة بهدف «تعميق الولاء الوطني»، فقد ألزمت جميع المؤسسات الحكومية، وحتى الخاصة برفع العلم الوطني، وبات هناك نوع من التسابق بين الجهات الحكومية على رفع أعلام بأحجام ومقاسات كبيرة، وهذا، بالطبع داخل المدن الرئيسية الكبيرة فقط، وحتى إنه وفي بعض المدن يشعر الزائر وكأنه في دولتين، لأن هناك علمين يرفعان في أماكن مختلفة داخل مدينة واحدة.

وبين الإجراءات الحكومية في ما يتعلق بالوحدة الوطنية، وإلى جانب تأسيس هيئات للدفاع عن الوحدة، جرى تأسيس منظمة «اليمن أولا» و«الهيئة الوطنية للتوعية»، وهما منظمتان تقومان بأنشطة إن لم تكن توعوية، فإنه يمكن وصفها ب«المضادة» لما تسميه السلطات «دعوات الانفصال».

وتقول منظمات حقوقية يمنية إن المواجهات التي دارت وتدور بين السلطات والحراك على أكثر من صعيد، خلفت الكثير من الانتهاكات لحقوق الإنسان في جنوب البلاد، ويعتقد محمد قاسم نعمان، رئيس مركز اليمن لحقوق الإنسان ومقره عدن، أن حقوق المواطنين في المحافظات الجنوبية تتعرض للانتهاك على أكثر من صعيد، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: إنه «إذا ما أردنا الخوض في تقييم واقع حقوق الإنسان في اليمن وبتحديد أكثر في محافظات عدن ولحج والضالع وشبوة وأبين، حيث ننشط في هذه المحافظات وبالذات تلك المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فإننا نستطيع القول إن الإنسان في هذه المحافظات يعاني كثيرا بسبب تعرض حقوقه الأساسية الدستورية والإنسانية إلى الكثير من الانتهاكات».

ويرجع نعمان توسع «هذه الانتهاكات» ليس فقط إلى «عدم احترام الأجهزة الحكومية المختلفة المدنية والقضائية والإدارية والأجهزة التنفيذية للسلطات المحلية، لهذه الحقوق»، ولكن، أيضا، إلى «غياب الوعي الحقوقي لدى المواطنين بحقوقهم، وغياب دور الأحزاب السياسية في عملية توعية المواطنين، بل إن هناك غيابا في الوعي الحقوقي بمعناه الواسع لدى أعضاء وقيادات حزبية».

ويؤكد أن هناك «انتهاكات واسعة للحقوق السياسية والمدنية يتعرض لها نشطاء العمل السياسي والحزبي المعارض وترتبط بالأنشطة والفعاليات السياسية والحزبية بين السلطة والمعارضة، لكن هناك أيضا انتهاكات أوسع وأكبر يتعرض لها المواطنون عموما في حقوقهم الاقتصادية، والاجتماعية والثقافية، في حق العمل وحق الأجور التي تتناسب وحاجة أسرهم في حق حصولهم على العلاج والدواء، وفي حق السكن المناسب والنظيف، في حق الحصول على الماء النقي للشرب، في حق البيئة النظيفة، في حق الأطفال بالتعليم المجاني، حيث مباني المدارس القائمة معظمها مهدد بالسقوط وبعضها غير صالح للاستخدام الآدمي وبعضها لا تتوافر فيه الأثاث وبعضها مبني من القش والطين، لكنها مدرجة ضمن كشوفات الحكومة كمدارس، مع غياب المختبرات والكتب والمدرسين المؤهلين، ومناطق يضطر الأطفال والفتيات فيها إلى السفر أكثر من ثلاث ساعات ذهابا إلى المدرسة ومثلها في العودة إلى المنازل».

ويسرد الناشط الحقوقي اليمني مزيدا من الانتهاكات التي يتعرض لها المواطنون في جنوب اليمن ك«انتهاك حق العمل، حيث آلاف الفتيات والفتيان ممن أنهوا دراساتهم الجامعية والثانوية من دون عمل منذ أكثر من 15 عاما»، ويقول إن هناك انتهاكات أخرى تتعلق ب«غياب التنمية، مع ازدياد أعداد الفقراء والمحتاجين واتساع الفساد والفاسدين، وهناك انتهاك لحقوق المرأة وهناك انتهاك في صرف مستحقات العون الاجتماعي، حيث تصرف موازناتها لغير المستحقين»، إضافة إلى «بيع للوظائف وتوزيعها لذوي النفوذ والمسؤولين، وهناك انتهاك لحقوق الأطفال، حيث لا ملاعب ولا متنزهات بل حرمان من كل شيء»، ثم يختم بالقول: «إنها صور بائسة وظالمة تعبر عن أفظع صور انتهاكات حقوق الإنسان، في هذه المناطق وبالذات في المناطق الريفية لمحافظات لحج وأبين وشبوة والضالع».

* غدا: محافظة البخور والورد والكاذي.. والحراك!

زر الذهاب إلى الأعلى