arpo28

قضية مقتل المخرج العبسي.. روايات الأقارب والزملاء

ما تزال الأم المكلومة (زهور ناصر) تعيش حالة من الذهول، الحزن يخيم على منزل العائلة، والألم يعتصر فؤاد الجميع.. فيما نواصل للأسبوع الثاني على التوالي مشقة البحث عن ما وراء الحدث، في مهمة تبدو في غاية الصعوبة، غير أنها تكشف الكثير من الحقائق والتفاصيل لحادثة هزّت مشاعر الجميع وأصابت الكثيرين بالحيرة..

الأسبوع الفائت، عرضنا تفاصيل مثيرة حول مذبحة دارس بالعاصمة صنعاء التي هزت اليمن ، والتي ذهب ضحيتها المخرج الإذاعي عبدالرحمن عبسي وابنه محمد وابنته صفاء، على يد ابنه الشاب العشريني حسام..

وفي هذا الأسبوع نواصل سرد مسارات القضية ووقائع تمثيل الجريمة في مسرح الحدث، وحقيقة ما أشيع عن الأم الحزينة، فضلاً عن لقاءات واسعة أجرتها "الغد" مع أقارب المتهم وزملائه ورفاقه في المدرسة والحارة..

بالنسبة للأم الحزينة فقد بدت عاجزة بالفعل عن الإدلاء بأي تصريح، غير أن شقيقتها الكبرى نبيلة ناصر مغنيس، نفت أن تكون شقيقتها وعدت بالعفو عن ابنها المتهم، حسبما أشيع، مؤكدة بأن مطلب شقيقتها هو أن تظهر الحقيقة، فإذا كان ابنها حسام هو الجاني فلا بد أن يتطهر، لأنه لن يكون أغلى من أبيه وشقيقه وشقيقته، الذين قتلهم.

وأكدت نبيلة بأن شقيقتها علمت بالحادث في مغرب ذلك اليوم المشئوم، وقالت بأنها اتصلت بابنها الجاني في يوم الحادث، وقالت بأن ما تعرفه عن حسام هو أنه سموح وطيب ولم يكن بينه وبين إخوانه أي مشاكل، مشيرة إلى أن انتقادهم له كان من أجل الدراسة فقط، إذ كان شقيقه محمد مجتهدا في الدراسة، وكذلك كانت شقيقته صفاء من أوائل المتميزين في المدرسة، وكأي أسرة يتم تشجيع من يتفوق في دراسته، ولكن حسام كان "يزعل" عندما يقال له انتبه لدراستك، وليس هناك أي شيء آخر.

نبيلة نفت أيضاً وجود أي مشاكل أسرية، بين شقيقتها زهور وزوجها المجني عليه عبدالرحمن عبسي، وقالت بأن لا صحة لما تردد عن وجود مشاكل بينهما، فقد كانت زهور تسكن في شقة جوار بيت زوجها، على أساس أنها عندما كانت تعود من عملها في الإذاعة تحتاج للجلوس في شقتها كي تنجز بعض أعمالها، وكانت تذهب إلى شقتها بإذن زوجها، الذي كان يذهب بمصروف البيت إلى منزلها، فتعد له الغداء ويتناولونه جميعا في شقتها، وقبل يوم واحد من الحادث سجلت مع زوجها حلقة إذاعية وأعادها إلى المنزل.

وأضافت نبيلة بأن الجاني حسام كان له في الفترة الأخيرة بعض الأصدقاء، الذين لم تكن تعرف والدته عنهم شيئاً، ولكن أخاه محمد كان يعرف بعضا منهم، وكان ينصحه بعدم مسايرتهم، مشيرة إلى أنه كان في الفترة الأخيرة يغيب عن المنزل فجأة، ويستمر غيابه لعدة أيام، مؤكدة بأنه لم يكن عدائيا، ولكنه لم يكن يحب الدراسة وكان يحب لعب الكرة، وقالت بأن أمه عندما كان يغيب عن المنزل كانت تخبر والده، الذي كان يقول لها "ابني رجال ولا أريد أن أعقد ولدي".

تمثيل الجريمة
يقول عبد السلام عبسي، وهو شقيق المجني عليه، والمكلف بمتابعة ملف لقضية، إن النيابة العامة أخذت الأربعاء الماضي ابن أخيه الجاني "حسام عبد الرحمن عبسي" إلى مسرح الجريمة، في منزل الأسرة في حارة عمر بمنطقة دارس بالعاصمة صنعاء، وقام بتمثيل الجريمة أمام النيابة، حتى تستكمل أركان الاعتراف.

ويضيف عبد السلام، في حديثه لصحيفة "الغد"، أعاد المتهم تمثيل الجريمة، منذ لحظة دخول شقيقته المجني عليها "صفاء" المنزل، حين فتحت الباب، فإذا به أمامها وجهاً لوجه، يسألها عن سبب تأخرها في المدرسة، تجاهلت صفاء حينها سؤاله، ودلفت إلى صالة البيت الثانية.. كان ذلك عند حوالي الساعة الثالثة والنصف مساء الأربعاء 5 يناير2011.

يقول "حسام" أثناء تمثيله للجريمة إنه انفعل عندما تجاهلته "صفاء"، ووجه إليها ضربة قاسية بحديدة كانت في يده، حاولت شقيقته أن تصرخ، لكنه أطبق على فمها بيده، حتى سكتت وسقطت على الأرض، دون أن تبدي أي مقاومة، عندها دخل إلى غرفته وأحضر خناجر كانت بحوزته، وزعم أنه يريد أن يريحها بدلا من أن تتعذب، وقام بطعنها عدة طعنات.

خلال تمثيله للجريمة، قال حسام إنه لم يكن بوعيه، وإن حالة من الهيجان انتابته، في تلك اللحظة، فقام بسحب جثة شقيقته إلى المطبخ، وسمع بعد ذلك صوت الباب، لحظة دخول أبيه، الذي كان سيصاب بحالة إغماء حين يرى أمامه الدم.. لم يمهله "حسام"، وبادره بطعنة لحظة دخوله، ثم قام بسحب جثته إلى جوار جثة "صفاء" في المطبخ، دون أن يتأكد إن كان أبوه قد فارق الحياة أم لا.

بعدها بقليل، رنّ جرس البيت، كان الطارق هو شقيقه "محمد"، فتح له حسام الباب، واختبأ وراءه، وبمجرد دخول محمد، باشره بضربة قوية على رأسه بذات الحديدة التي ضرب بها شقيقته صفاء، ثم وجه له عدة طعنات قاتلة، وقام بسحب جثته إلى جوار جثتي أبيه وشقيقته في المطبخ.

يلفت عبد السلام بأن المتهم زعم طعنه أباه وشقيقيه بشكل عشوائي، فيما الآثار التي وجدت على الجثث تؤكد بأن الطعنات كانت مركزة في منطقة الرقبة وما حولها.

خلال تمثيله للجريمة، أفاد حسام بأنه أتى بمقص من أجل أن يمزق الثياب التي كان يرتديها أبوه وشقيقاه، معللا ذلك بأنه أراد أن ينزع ثيابهم كي يمحو بها آثار الجريمة، ولكن هذا السبب لم يكن مقنعا لعمه عبد السلام، الذي تساءل عن كيفية محوه لآثار الجريمة فيما الجثث لا زالت بداخل المنزل، ولأن المقص لم يساعده في تقطيع الثياب، استخدم خنجره في تمزيقها، ثم أخذ الثياب التي كانت عليهم، وتلفوناتهم، بالإضافة إلى ثيابه والخنجر الذي نفذ به الجريمة، وثلاجة الشاي التي أتي بها له شقيقه المجني عليه محمد، ووضعها في "شواله" ودفنها خلف المنزل، ثم عاد لمسح البصمات، واغتسل، وجلس أمام الجثث الثلاث لفترة طويلة، قبل أن يغلق المنزل، متوجهاً إلى أصدقائه الذين اعتاد على "التخزين" معهم يوميا حتى آخر الليل، للإيهام بأنه كان عندهم ساعة وقوع الجريمة.

لكن الغريب أن "حسام" لم يمكث كثيرا عند أصدقائه، فقد عاد على غير عادته إلى المنزل ساعة المغرب، ثم خرج إلى أحد الجيران، يعمل ضابطاً في الأمن، وأبلغه بأن أباه وشقيقيه مذبوحون في المنزل، وبأن دماءهم في كل مكان، وبدوره قام الضابط بإبلاغ الأمن، فيما ذهب حسام إلى أمه، وأبلغها الخبر المفجع، فطردته من البيت ولم تصدق ما قال.

لحظة تمثيله للجريمة سأله أحد الضباط عن "علاقية قات" كانت بجوار الجثث في البيت، فقال حسام بأن هذا القات احضره والده له كي يخزن.

وهكذا بتمثيله وقائع الجريمة يكون حسام استكمل اعترافه بارتكابها وبتفاصيلها، ولكن النيابة كانت على ما يبدو عازمة على إثبات سلامته العقلية، فعمد ضباط الأمن فور انتهائه من تمثيل الجريمة، إلى مفاجأته بعمه عبد السلام في مسرح الجريمة، وسألوه إن كان يعرفه أم لا، فأجاب أنه يعرفه، وأجهش يبكي، طالباً من عمه أن يسامحه، فردّ عليه: "أسامحك على أيش، أنت لم تذبح دجاجة.."..

وللتأكد أيضاً من سلامة قواه العقلية أحضر الضباط عاقل الحارة، وسألوه إن كان يعرفه أم لا، فأجاب بأنه يعرفه، وسرد اسمه كاملاً.

الشيء الغامض أثناء تمثيله للجريمة، هو العبارة التي ظل يرددها طوال تمثيله للجريمة، وهي "الله يسامح الذي كان السبب"، خصوصا وأنه كلما سئل عن معناها كان يلزم الصمت، ولا يجيب، ومن وجهة نظر عمه عبد السلام فإن معنى هذه العبارة هو أن هناك من دفعه وورطه في ارتكاب هذه الجريمة.

المطالبة بالقصاص
باستثناء الزوجة الثانية للمجني عليه (زهور ناصر)، حررت زوجته الأولى ونجله الأكبر فادي عبد الرحمن عبسي، وشقيقته، وكالة رسمية لشقيق المجني عليه عبد السلام عبسي، من أجل متابعة القضية، والمطالبة بتنفيذ القصاص الشرعي بحق الجاني "حسام".

حيث يوضح عبد السلام بأن الجميع يطالبون بتنفيذ شرع الله، مضيفاً بأن الجاني كما قتل أباه وأخاه وأخته، قد يضر أناساً آخرين، فيما لو تم العفو عنه، وقد يخرج من السجن كي يؤذي أمه، وإخوانه من أبيه.

ماذا قال صاحب الورشة؟!
قبل يوم من الكارثة، كان الأب عبدالرحمن عبسي قد تعرض لحادث مروري بسيارته، وفي اليوم التالي ذهب لإصلاحها، يقول صاحب الورشة عبد الحق القباطي: قبل مقتله توجّه عبد الرحمن إلى البيت، لإحضار كرت سيارته، من أجل أن يذهب بها إلى ورشة السمكرة، لكنه لم يعد، وكلما اتصلت به كان تلفونه مغلقا على غير عادته.

يقول القباطي إن المجني عليه كان يحدثه عن وجود مبالغ مالية لديه في البيت والمكتب، وكأن لديه إحساساً أنه سيموت، وقال بأن هذه المبالغ هي معاشات لزملاء أودعوها لديه، كما أخبره بأن بصيرة منزله مودعة لدى أحد أصدقائه.

ويتابع بأن المجني عليه صديقه منذ 30 عاما، وكان يخبره بجميع مشاكله، ويشكو كثيرا من ابنه حسام، الذي كان يرفض الذهاب إلى المدرسة، ولديه شلة من الأصدقاء، يخزن معهم يومياً، وكان أبوه يشتري له القات من أجل أن يدرس.

يضيف: كنت قد نصحت عبد الرحمن بالجلوس مع ابنه وأن يخيره بين الدراسة أو العمل في أي مهنة، ولكنه رد عليه بأنه بقوله "أنا أريد حسام أن يدرس مهما كان ويكون أحسن مني"، وأضاف: كان يكلمني عبد الرحمن أن حسام يهرب من البيت وأنا أقول له لازم ترجعه إلى البيت وفي مرة من المرات غاب لمدة شهرين عند أصحابه وكان أبوه يتواصل بأصحابه من أجل إرجاعه إلى البيت.

في المدرسة
حتى في المدرسة التي كان حسام محسوباً عليها، تبدو المعلومات عنه شحيحة، لأنه لم يحضر إلا يومين هذا العام، كما يقول وكيل مدرسة عمر بن عبد العزيز الحكومية الأستاذ علي الشغدري، مضيفاً بأنه لم يتعرف على حسام في المدرسة لأنه سجل للدراسة في الصف الثالث الثانوي، وأنه لم يكن له مشاكل في المدرسة لأنه لا يحضر.

أما أحد زملاء حسام (طلب عدم ذكر اسمه) فيقول إنه لم يكن يصلي وكان معه أصحاب محترمون وآخرون خلاف ذلك، وكانوا في أوقات الصلاة يخزنون في غرفة بالحارة "دُشمة" إلى آخر الليل، لكنه يؤكد بأن حسام لم يكن يؤذي أحداً ولم يكن عدائياً وتصرفاته كانت عادية، وقال لم يكن يشكو بمشاكله إلا لأصدقائه في الدُّشمة، التي أزيلت بعد يوم الجريمة.

ويضيف زميل آخر بأن حسام لم يكن يتدخل في شؤون الآخرين، غير أنه يميل إلى العصبية، إذ كان عدائياً مع من يعاديه، وكنا نسمع أن عنده مشاكل وبعض الأحيان كان أبوه يطرده من البيت ويرجع إليه.

لكن زميل حسام يستدرك: كان والده يوفر له كل احتياجاته حتى أنه فتح له حساباً في البقالة جوار منزلهم ليأخذ ما يريد.

وتباينت آراء زملاء حسام حول طبائعه ومعاملته، غير أنها بدت متفقة على أنه لم يكن يكترث للدراسة أبداً، فيما نفى بعضهم أن يكون يتناول المخدرات أو الحبوب المهدئة أو يشرب الخمر بل لا يتناول مشروبات الطاقة.

ويشهد العديد من زملاء حسام بأن أباه كان الأفضل في تعامله مع أبنائه بمن فيهم حسام، في حين يفيد صاحب البقالة المجاورة لمنزلهم مراد الحاج بأنه لم يكن لديهم حساب في البقالة ولكن الأب عبد الرحمن كان يتصل به ويقول له أعط حسام ألفاً أو ألفاً وخمسمائة أو اعطه حاجات من البقالة، ولما يصل الأب وقبل أن يدخل إلى منزله كان يدفع ما عليه.

ويضيف بأنه لم يكن أحد يتوقع منه ارتكاب هذه الجريمة، ونفى صحة ما قيل إن أباه كان يطرده من البيت.

ويردف الحاج: لا أعتقد أن حسام كان يشاهد الأفلام، لكني سمعت أنه كان يشاهد مسلسل "ناروتو" أفلام كارتون، وقد سمعت أنه كان يتابعها من طفولته وفيها عنف.
ويقول صاحب البقالة إن حسام كان يخاف من أبيه جداً، ولا يرفع صوته عليه أبداً، وعندما يزعل منه أبوه يرجع ويعتذر له ويحب ركبته.

التحقيق في نهايته
العميد رزق الجوفي مدير عام مباحث أمانة العاصمة، من جانبه يؤكد بأن التحقيق في القضية يكاد يكون في نهايته، فالقضية سليمة بأدلتها وباعترافاتها مائة بالمائة، نافياً ما قيل من أن الجاني لم يكن في وعيه ساعة ارتكاب الجريمة، مضيفاً بأنه لا صحة لهذه الشائعات على الإطلاق، بل كان بكامل قواه العقلية ولم يكن مخدرا ولم يزاول التخدير على الإطلاق.

ونفى أن يكون الجاني يعاني من حالة نفسية وقال بأنه كان بكامل قواه العقلية، وحالته في السجن كأي سجين آخر، وكان متعاوناً عند القبض عليه وباعترافات طواعية.

وقال ان القضية الآن ما تزال منظورة أمام البحث والنيابة، فالنيابة تزاول مهامها، والبحث يحاول التحري عن وجود شركاء آخرين في القضية.

وبالنسبة لأم الجاني وزوجة المرحوم عبد الرحمن عبسي، أكد العميد الجوفي بأنه تم أخذ أقوالها من قبل النيابة وهي الآن مريضة، ولا زال البحث الجنائي بانتظار شفائها كي يأخذ أقوالها، لاستكمال القضية وتحويلها إلى النيابة العامة بشكل كامل.

زر الذهاب إلى الأعلى