arpo28

فورين بوليسي: سقوط القذافي يمد ثورة اليمن بطاقة متوقدة

ارتدت مرة أخرى موجات قوية في أنحاء العالم العربي. مشاهد لمقاتلي الحرية في ليبيا وهم يتدفقون على طرابلس يوم الاثنين كانت مدوية إلى حد كبير في جميع أنحاء المنطقة والعالم.

لم يحدث منذ وقت طويل أن تحولت الأنظار إلى حكام آخرين يتعرضون للخطر في الشرق الأوسط، باحثة عن مرشح السقوط المقبل. الأغلبية حولوا أنظارهم إلى سوريا، حيث يتنبأ البعض بمصير مشابه ينتظر الرئيس السوري المحاصر بشار الأسد والذي يتعرض لعزلة متزايدة.

لكن في اليمن، البلد الأكثر فقرا والأكثر شبابا في العالم العربي، كان عشرات الآلاف يشاهدون الأحداث لاستيعاب هذه الدراما المترعرعة في شمال أفريقيا.

سقوط الرئيس المصري حسني مبارك في أوائل فبراير كان بمثابة الشرارة الأولى لحركة الاحتجاج في اليمن، دافعا الآلاف من الشباب إلى شوارع العاصمة المغبرة لمواجهة الرصاص المطاطي وخراطيم المياه التابعة لنظام الرئيس علي عبدالله صالح.

وصلت ستة أشهر من المظاهرات الحاشدة والاشتباكات المسلحة إلى مأزق يزداد صعوبة بين صالح المتعذر إزالته على ما يبدو وبين معارضة ممزقة تكافح لتشكيل حكومة انتقالية لإدارة ديمقراطية اليمن.

لكن في يوم الأحد ليلا، عندما شدد ثوار ليبيا قبضتهم على طرابلس، ارتد نفس الشعور في صنعاء بطاقة متوقدة وجهد خيالي. بدا الحماس يتموج في أرجاء صفوف طويلة من الخيام المغبرة في ساحة التغيير، وهي شبة مدينة مترامية الأطراف مليئة بآلاف المحتجين المتصلبين، حيث يتنقل المحتجون بالريموت بين قنوات التلفزيون ويغيرون موجات الإذاعات.

في غضون دقائق تجمع حشد ضخم حول المنصة بوسط الساحة لمشاهدة صور مشوشة عبر بروجكتر لليبيين مبتهجين تبثها قناة الجزيرة على الهواء مباشرة.

شدني رجل من ذراعي مشيرا إلى مشهد لرجلين يحملان أعلاما ليبية وهما يحضنان بعضهم بعضا، وصاح اليمني باللغة الانكليزية "نحن نريد هذا أيضا".

فتى آخر أعتلى عمود إنارة ويحمل مكبر صوت ردد شعارات في الحشد بهستيريا: "يا علي يا بشار القذافي خسر رأسه". وعندما غادروا الساحة، هتف الحشد "دورنا غدا".

المواجهة الليبية نفخت هواء نقيا في انتفاضة اليمن التي بدخولها شهرها السابع تتعرض لخطر تلف نموها. قبل بضعة أشهر، ظهرت دعوات صاخبة تطالب المستبد بالتنحي تلاها سلسلة من الانشقاقات لكبار القادة العسكريين ومسئولين في حكومة صالح إضافة إلى انشقاق القبيلة التي جعلت نظام صالح يبرك على ركبتيه.
لكن هذا الزخم تراجع في الأشهر الأخيرة. حركة الشباب اليمني يدفعها برفق إلى الهامش أمراء الحرب من القبائل القوية وقادة الجيش الذين يتنافسون على المنصب.

منذ مطلع شهر يونيو لم يحدث تغيير كبير في اليمن، بعدما سافر صالح إلى السعودية لتلقي العلاج جراء إصابته بجروح في انفجار مشتبه فيه هز مسجدا في مقر إقامته بصنعاء، مما أدى إلى تشويه الرئيس وجرح عدد من مساعديه.

كان صالح محظوظا في النجاة بحياته. في يوم الاثنين توفي عبدالعزيز عبدالغني، السياسي الثالث الأكثر قوة في النظام اليمني ورئيس مجلس الشورى، جراء الإصابات التي لحقت به في نفس الهجوم. عبد العزيز عبد الغني، المعروف بأنه أحد المسئولين القلائل الذين يثق فيهم صالح، هو ثاني أكبر مسئول يموت جراء الانفجار.

بعد قرابة ثلاثة أشهر وعشر عمليات جراحية، يبدو الآن أن صالح يستعد لعودة مفاجئة إلى بلاده. في الأسبوع الماضي ألقى صالح خطابا متلفزا إلى الشعب اليمني تعهد فيه لأنصاره بأنها سيعود قريبا إلى صنعاء. خطابه كان مُقابل بعاصفة صاخبة من الاستهجان والنيران، حيث احتفل أنصاره بإطلاق النار من أسلحتهم بينما خصومه كانوا محتجين على احتمال عودته إلى الوطن.

من المفارقات أن غياب صالح خفف الضغط على نظامه المتداعي الذي يرأسه في الوقت الراهن نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي بحماية نجل الرئيس أحمد علي قائد الحرس الجمهوري في اليمن.

أولئك المحتشدون في ساحة التغيير، المحرومون الآن من شعارهم الصاخب والقوي (ارحل يا علي)، يتم إجبارهم الآن على التعاطي مع مجموعة جديدة من المطالب والاستراتيجيات في محاولة للدفع بانتفاضتهم إلى الأمام.

لكن مع عدم وجود عدو مشترك، بدأ التحالف الهش الذي يجمع أعضاء متباينين من المعارضة اليمنية، في إظهار تشققاته. فيوم الأحد انسحبت مجموعة من السياسيين النافذين من مجلس وطني شكلته المعارضة الأسبوع الماضي، مدعين بأن المجلس لم يكن عادلا في تمثيل السياسيين من الجنوب الغني بالنفط.

أحزاب اللقاء المشترك، المعارضة اليمنية التي لم تختلط بحركة الشارع، قضت شهورا في محاولة عقيمة لطرد صالح من السلطة. في شهر مايو وقعت أحزاب اللقاء المشترك على مبادرة خليجية تسعى إلى إنهاء حكم المحارب القديم. لكن صالح رفض مرارا وتكرارا التوقيع على المبادرة، لذلك فإن هناك مخاوف من أن صالح إذا واصل تعافيه، فإن الروابط التي تجمع المتمردين الشيعة والانفصاليين الجنوبيين والطلاب الذين يجيدون التحدث بالإنجليزية ستتمزق بسرعة.

وربما يبث أي ظهور مفاجئ لصالح حياة جديدة في المتظاهرين، لكن يمكن أن تشعل بسهولة حربا أهلية.

بعد انحيازه إلى جانب المعارضة، أقسم الشيخ صادق الأحمر، زعيم أقوى قبيلة نافذة في اليمن، بالله أنه لن يسمح لصالح بأن يحكم مرة أخرى.

العداوات الأخيرة بين أسرة صالح وآل الأحمر تحولت إلى عنف في شهر مايو. أسبوع من المعارك بشتى أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة أسفر عن تدمير كامل لحي بشرق العاصمة ومقتل المئات من الطرفين.
إن وجود الآلاف من رجال القبائل المتمردين المواليين لآل الأحمر والقوات المتمردة الموالية للواء المنشق علي محسن الأحمر في العاصمة ينفخ أصغر الشرارات لإعادة إشعال العداوات.

فسواء كان صالح أو غيره من سيستولي على الحكم في اليمن، فإن الزعيم المقبل للبلاد سيواجه الكثير من التحديات التي يجب التعامل معها: فراغ سياسي متنامي واقتصاد ينهار بسرعة واحتمال حدوث فوضى عارمة خصوصا مع انزلاق محافظات من قبضة الحكومة إلى أيدي القاعدة وجماعات جهادية أخرى التي تستغل الاضطرابات السياسية للتحرك بحرية أكبر وتزيد طموحها في شن الهجمات.

ومع تضاؤل احتمال دخول حلف شمال الأطلسي أو قوات أجنبية أخرى أرض اليمن، ربما لا يوجه صالح نفس التجربة الليبية التي يأمل البعض تكرارها.

لكن مشهد القذافي جالسا وراء القضبان قد يكون له تأثير مزلزل في اليمن. فإذا لم تكن مصر محفزة لاندلاع الانتفاضة في اليمن، فإن ليبيا لا تزال تثبت أنها الملهمة بما فيه الكفاية للدفع بالأمور إلى الأمام في اليمن مرة أخرى.

العنوان: سقوط القذافي يشد انتباه اليمن

زر الذهاب إلى الأعلى