بحضور الأستاذ محمد سالم باسندوه رئيس مجلس الوزراء، وفي إطار الفعاليات التي تقيمها وزارة الثقافة بهدف شرح وبلورة المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، انعقدت الندوة الفكرية: (الانتخابات الرئاسية.. العبور الآمن إلى مستقبل أفضل) خلال الفترة من 12 – 14 فبراير 2012م في المركز الثقافي بصنعاء، وذلك في إطار مساهمة المثقفين والأكاديميين في قراءة وشرح المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، حيث تُعد الانتخابات الرئاسية المبكرة أحد أركانها الأساسية لتحقيق الانتقال الآمن للسلطة في اليمن والخروج من الآثار المدمِّرة للماضي وتحقيق العبور الآمن إلى المستقبل الأفضل.
افتتح أعمال الندوة الأستاذ محمد سالم باسندوه رئيس مجلس الوزراء بكلمة أكد فيها على أهمية الانتخابات الرئاسية التي سوف تشهدها بلادنا بعد أيام قليلة، وما تمثله هذه الانتخابات من تحقيق جزئي لأهداف الثورة الشعبية الشبابية، وهي بداية الطريق من أجل تحقيق الأهداف الكاملة للثورة التي نصبو إليها.
وفي كلمته الافتتاحية للندوة، أشار الدكتور عبد الله عوبل
وزير الثقافة، إلى أن أهمية هذه الانتخابات التي ستجرى في 21 فبراير
لا تكمن في انتخاب الأخ عبد ربه منصور هادي رئيساً توافقياً فحسب بل لأنها تمثل علامة فاصلة بين مرحلتين مختلفتين.. إنها بداية التغيير نحو الدولة والمواطنة والقانون والفرص المتساوية والعدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان.
وفي هذا السياق أجمعت أوراق العمل والدراسات المقدمة إلى الندوة على أن انسداد الأفق السياسي عقب اندلاع الثورة الشعبية الشبابية السلمية إلى جانب انقسام مؤسسة الجيش كاد أن يمضي بالبلاد في اتجاه الحرب الأهلية وانهيار الدولة. غير أن قبول الأطراف السياسية الرئيسية في السلطة والمعارضة بالمبادرة الخليجية التي حظيت بتأييد إقليمي ودولي، واعتبارها بمثابة خارطة طريق لنقل السلطة سلمياً، هو الأمر الذي جنب البلاد مخاطر الفوضى واحتمالات الحرب، كما أسهم في الإبقاء على مطالب الثورة السلمية في الصدارة، إضافة إلى وضع حد للتوترات العسكرية التي كانت في حالة تصاعد مستمر وخطير قبل التوقيع على المبادرة.
وقد توزعت موضوعات الندوة على ثمانية محاور، تركزت حول القضايا الآتية:
* الانتخابات الرئاسية.. التوافق الوطني الأهمية والدلالة.
* الانتخابات الرئاسية.. جسر عبور إلى التحولات الديمقراطية.
* الشباب، والمرأة، منظمات المجتمع المدني ودورها في الانتخابات.
* القضية الجنوبية بين أشكال اللامركزية والنظام السياسي.
وفي المحور الأول، قدّم عدد من الباحثين أوراق عمل ناقشت فيها دلالات التوافق الوطني وضرورته كمخرج آمن للانتقال من الثورة إلى الدولة المدنية، فالانتخابات الرئاسية التوافقية القادمة تمثل نقطة تحول في التعامل مع قضايا التحول الديمقراطي وبناء الدولة.
كما أنها تمهد الطريق لإجراء حوار وطني شامل يسفر عن برنامج للإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي، مبني على توافق وطني، يتجاوز ثقافة الإقصاء والتهميش والإلغاء. ويترتب على هذا التوافق إنجاز وثيقة عقد اجتماعي مدني ديمقراطي جديد يمثل مرتكزاً للدولة المدنية الديمقراطية الحديثة.
والقرار التوافقي يعتبر حالة عملية فعالة، متعارفاً عليها دولياً تستخدمها الأطراف للتوصل إلى اتفاق دون اللجوء إلى التصويت. ويسمح بوجود الاختلاف في عدد من القضايا يجري النقاش حولها.
وخلص الباحثون إلى القول أن قبول أطراف المعادلة السياسية (السلطة والمعارضة) بترشيح عبد ربه منصور هادي مرشحاً توافقياً لخوض الانتخابات الرئاسية يترتب عليه القيام بعدد من المهام بعد الانتخابات، وهي تحقيق الاستقرار السياسي والحفاظ على السلم المجتمعي والدعوة إلى حوار وطني يناقش جميع المشكلات والقضايا السياسية ويبحث في آليات حلها ومعالجة الاختلالات التي عانى منها الشعب اليمني طوال المرحلة السابقة.
وفي محور الانتخابات الرئاسية جسر عبور إلى التحولات الديمقراطية، بيَّن المشاركون عدداً من مميزات هذه الانتخابات في هذه المرحلة من تاريخنا الوطني، فهي تمثل قطيعة بين مرحلتين.
فالانتخابات الرئاسية التوافقية لن تؤدي إلى إعادة إنتاج النخبة الحاكمة بصورة دورية، ولن تكون كسابقاتها. فهي ستؤدي إلى نقل السلطة وسوف تساهم في تكريس الثقافة السياسية الديمقراطية وثقافة المشاركة السياسية، كما أنها تؤسس لعملية تحول ديمقراطي حقيقي، وتؤسس لبناء الدولة المدنية وتحقيق المواطنة المتساوية والمصالحة الوطنية، ومن شأن هذه النتائج أن تسهم في توفير المناخ السياسي الملائم لحل القضية الجنوبية، وإعادة صياغة أسس التوحد بما يجعل من استمرار الوحدة خياراً جاذباً لكل اليمنيين.
وتعرض الباحثون لبعض المعوقات التي تواجه الانتخابات الرئاسية على المستوى الأمني، مثل ظهور القاعدة في بعض المناطق، وشبح الاغتيالات السياسية والاختطافات.
أما على المستوى السياسي فقد أشار الباحثون إلى موقف الحوثيين من الانتخابات وإلى بعض فصائل الحراك الجنوبي التي
أعلنت عن نيتها استخدام العنف من أجل منع المواطنين في المحافظات الجنوبية من المشاركة في الانتخابات، وهي ظاهرة خطيرة تمس حرية المواطن وحقه في الاختيار السياسي لمستقبل وطنه.
كما جرى التنويه إلى أن التدخلات الخارجية التي قد تسعى لإفشال العملية الانتخابية وبالتالي إفشال المبادرة الخليجية تمثل بدورها تحدياً سياسياً للانتخابات.
وهناك التحديات الاجتماعية والثقافية التي تواجه الانتخابات الرئاسية، وتتمثل في ضعف الوعي بأهمية المشاركة في الانتخابات الناجم عن الأمية المتفشية بنسب عالية في أوساط الشعب اليمني وكذلك غياب الوعي السياسي في أوساط كثير من الناس.
ناقش المشاركون في المحور الثالث الأدوار المطلوبة من الشباب والمرأة وكذا منظمات المجتمع المدني لإنجاح الانتخابات الرئاسية فالانتخابات استحقاق سياسي ديمقراطي يوجب الالتفاف الحزبي والمجتمعي لإنجازه إيجابياً لصالح التغيير والاستقرار. ويعتبر الشباب الذين قادوا ثورة التغيير هم الشريحة السكانية الأكثر استهدافاً في الدعوة للمشاركة السياسية في الانتخابات الرئاسية لأنهم أكثر فئات المجتمع ارتباطاً بالتغيير السياسي. والشباب هم عماد الثورة الشعبية الراهنة، ولهذا لا يمكن أن تنجح الانتخابات الرئاسية دون استقطاب الشباب واعتماد قوتهم التصويتية لصالح مرشح الوفاق الوطني.
إن مسار التغيير السياسي المرتقب والمعلن كهدف من شباب الثورة إنما يتطلب إنجاح العملية الانتخابية كمدخل لترتيب سياسي يحقق تغييراً في بنية السلطة وإعادة هيكلة النظام السياسي بما يتوافق وأهداف الثورة الشبابية.
واتفق الباحثون على أهمية دور المرأة كشريك فاعل في التغيير السياسي، وليس مجرد قوة تصويتية أو رقماً في صناديق الاقتراع. وأهمية دور المرأة لا تكمن في الانتخابات وحسب بل في دورها بشكل عام في المجتمع, في مختلف المجالات السياسية والثقافية والتربوية.
ولتفعيل مشاركة المرأة في الفضاء العام وفي ممارسة حقوقها في التعبير عن آرائها بحريةٍ كاملة لا بد أن تحتل قضايا المرأة داخل المجتمع مكاناً متقدماً على قائمة الأولويات، وأن يتاح لها المشاركة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وتطرّق بعض الباحثين إلى دور منظمات المجتمع المدني في الانتخابات، سواء في تنمية الوعي السياسي بأهميتها أو في الدور الرقابي الذي يمكن أن تقوم به لضمان نجاح الانتخابات ونزاهتها. وأكدت المناقشات أهمية الدور الذي تقوم به هذه المنظمات وقدرتها على تحقيق فاعلية كبيرة في نجاح الانتخابات.
وفي محور القضية الجنوبية تعرضت أوراق العمل للمسألة الجنوبية منذ ظهورها وأسبابها وعلاقتها ببنية النظام السياسي وفساده وسوء إدارته وما تولد عن ذلك من غياب للعدالة والمساواة. واتفقت أغلب الآراء على أن مشكلات المحافظات الجنوبية ومعاناتها لا تختلف كثيراً عن معاناة المحافظات الشمالية. فنظام الحكم كان يقوم على الإقصاء والتهميش والنهب كما كان يقوم بمصادرة النخب السياسية والثقافية ويحرمها من المشاركة في الحياة السياسية وقد برزت القضية الجنوبية في أعقاب حرب 1994 من خلال ممارسات الضم والإلحاق التي قام بها النظام، وعمليات نهب الأراضي والتسريح من الوظائف الإدارية والعسكرية وهو ما قاد إلى ظهور الحراك الجنوبي السلمي كتعبير عن رفض للمظالم التي لحقت بالمواطنين في المحافظات الجنوبية. وخلص المشاركون في هذا المحور إلى أهمية معالجة المظالم وأشكال الفساد والنهب التي حدثت في المحافظات الجنوبية، قبل أي نقاش حول الفيدرالية أو اللامركزية أو غير ذلك من أشكال الحكم. كما اقترح بعضهم قيام حوار حول القضية الجنوبية يسبق الحوار الوطني العام. واتفق المشاركون على أن معالجة آثار الحكم السابق وتجنياتها على الوحدة يمكن أن تكون بداية جديدة للوحدة القائمة على العدالة والمواطنة المتساوية والدولة المدنية، وهو ما برز في ساحات الثورة حيث تبين للجميع أن الحكم غير الرشيد هو أساس أزمات اليمن وأمراضها القاتلة، بما فيها المشكلة الجنوبية والحوثيون والقاعدة والجماعات السلفية وغيرها.
وفي ختام الندوة الفكرية التي استمرت ثلاثة أيام، أبدى المشاركون تقديرهم لوزارة الثقافة التي بادرت لإقامتها، وذلك في إشارة منها إلى تحول الوزارة نحو الإسهام في القضايا الوطنية وتحقيق مشاركة فاعلة للمثقفين في العمل السياسي الجاد وفي تعميق الرؤية السياسية وإغنائها.
وخلصت الندوة إلى عددٍ من التوصيات:-
أولاً:
1. وقف المشاركون أمام ما حققته الندوة من تواصل بين النخب الفكرية وما تم تداوله في محاورها من أوراق ونقاشات، وبالنظر إلى القيمة المعرفية لمثل هذه الفعاليات، توصي الندوة وزارة الثقافة وكافة مؤسسات الدولة بعقد ندوات ولقاءات دورية مماثلة شكلاً ومتجددة موضوعاً، لضمان التواصل بين النخب العلمية ومراكز صنع القرار، وإنعاش فضاءات الأبحاث والدراسات الفكرية والعلمية لتجسير العلاقة بين المجال الثقافي للنخبة وبين المجال العام.
2. يهيب المشاركون في الندوة بكافة أبناء الشعب اليمني بمختلف شرائحه وقواه السياسية وبخاصةً الشباب المعتصمين في الساحات وجميع المواطنين، ومن ظلوا يوصفون بالفئة الصامتة سواءً في الأرياف أو في المدن بالمشاركة الفاعلة في الانتخابات الرئاسية يوم 21 فبراير والتصويت للأخ عبد ربه منصور هادي، باعتباره مرشح التوافق الوطني وباعتبار نجاح الانتخابات الرئاسية هو السبيل الأمثل والآمن للانتقال السلمي للسلطة وتحقيق أهداف الثورة الشبابية.
3. توصي الندوة الأطراف التي وقعت على المبادرة الخليجية بالانتقال إلى خطاب سياسي وإعلامي جديد، يعكس روح التوافق الوطني ويسهم في جعل الفترة الانتقالية بعد الانتخابات الرئاسية مرحلة معنية بالتفكير في المستقبل وصياغة مرتكزاته الدستورية بروحٍ متجردة من صراعات الماضي، وبما يكفل التأسيس الجاد للدولة المدنية الحديثة، واستثمار فترة السنتين الانتقالية للعمل من أجل هذه الغاية النبيلة لتحقيق مطالب وأهداف الثورة السلمية.
4. وقف المشاركون بإجلال أمام الدور الذي لعبه شباب الثورة وأمام تمسكهم بالخيار السلمي رغم تساقط الشهداء والجرحى في صفوفهم، ولكي تتحقق أهداف الثورة التي خرجوا من أجلها، فأنهم مطالبون اليوم بالاستعداد للانخراط في الحوار الوطني عقب الانتخابات الرئاسية، وذلك لبلورة أحلامهم ومطالبهم التي جعلت كل اليمنيين يرفعون سقف النضال ليتوازى مع طموحات الشباب ورؤاهم الناضجة، إلا أن نضج الشعارات يتطلب تحويلها إلى مصفوفة تنتقل من خانة الشعار إلى خانة الخطاب السياسي المبرمج والقابل للتحقق، وهو ما يعني الانتقال إلى مرحلة صياغة الرؤى والبرامج التي تعبر عن تصوراتهم لما ينبغي أن يكون عليه مستقبل النظام السياسي وشكل الدولة.
5. توصي الندوة القوى السياسية الموقعة على المبادرة الخليجية بسرعة وضع برنامج عمل للتواصل مع الحراك الجنوبي والحوثيين لتضييق المسافة بين الأطراف مجتمعة بهدف إكساب التوافق الوطني ومهام الفترة الانتقالية مساحة أوسع، تجعل من كل الفاعلين السياسيين شركاء في صياغة أسس النظام السياسي الجديد، على قاعدة الاعتراف بالقضية الجنوبية وبحث كافة الخيارات المطروحة لحلها، إضافةً إلى بحث مشكلة صعدة، والعمل على استيعاب القضايا العالقة بمنطق ينحاز إلى دولة المواطنة المتساوية، على مستوى التشريع والممارسة.
6. الالتزام بأحكام اتفاقية المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.
7. الالتزام بأحكام القوانين ومعايير الحكم الرشيد في عمل كل أجهزة الدولة ومؤسساتها.
8. الإعداد الجيد لمؤتمر الحوار الوطني باستيعاب كل الفعاليات السياسية والاجتماعية وتوفير المناخ الملائم لحوارٍ جاد حول كل القضايا الهامة التي سيبحثها المؤتمر وأهمها القضية الجنوبية وقضية صعدة، والتوجهات العامة لصياغة الدستور الجديد.
9. تعزيز استقلال السلطة القضائية ومراجعة وإصلاح القوانين، والعمل على إنهاء مظاهر الفساد التي لحقت به.
10. تفعيل مشاركة المرأة في الحياة السياسية واعتماد نظام الحصص التي تضمن تخصيص مقاعد محددة للمرأة في المجالس المحلية والنيابية.
11. وقف المشاركون أمام دور منظمات المجتمع المدني تجاه إنجاح الانتخابات الرئاسية، وأهابوا بكافة الأطراف المؤسسية المدنية التفاعل مع خطوة الانتخابات وممارسة دورها الرقابي والتوعوي مع ضرورة التركيز على وضع فئتي المرأة والشباب ضمن الفئات المستهدفة من أنشطتها، وكذا التفاعل مع ما يلي الانتخابات من خطوات تندرج ضمن الخيار السلمي الذي انحازت إليه القوى السياسية والذي يتطلب إنجازه تهيئة المجتمع للحوار الوطني الشامل في الفترة المقبلة.
12. غربلة مؤسسات القطاع العام والمختلط وتصفيتها من القيادات الإدارية الفاسدة.
ثانياً: توصيات إجرائية:
1. يوصي المشاركون بجمع أوراق الندوة ونشرها في كتاب.
2. يوصي المشاركون وزارة الثقافة والجهات المعنية في الحكومة بإقامة ندوة أخرى موسعة حول تجارب المصالحة والعدالة الانتقالية، وطرح مشروع القانون المتعلق بهذا الشأن للنقاش.
3. يوصي المشاركون بعقد ندوة تختص بالقضية الجنوبية ويدعى للمشاركة فيها ممثلون عن فصائل الحراك الجنوبي والمثقفون والأكاديميون والقيادات الحزبية، على أن تعقد الندوة في عدن.
4. يوصي المشاركون بعقد ندوة أخرى موازية لهذه الندوة، تتشكل لجنتها التحضيرية من الشباب ويشارك فيها شباب من ساحات التغيير، لبلورة مطالبهم والخروج ببرنامج عمل يكفل إسهام الشباب في الحوار الوطني.
والله ولي التوفيق،،،
المشاركون في الندوة الفكرية:
(الانتخابات الرئاسية.. العبور الآمن إلى مستقبلٍ أفضل)
صنعاء: 12 – 14 فبراير 2012م