بسم الله الرحمن الرحيم
ايتها السيدات ايها السادة ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هي مفارقة سعيدة أن ينعقد مؤتمركم هذا في الذكرى الأولى لحيازتي على جائزة نوبل للسلام والتي فرح بها الكثيرون وفرح بها الشعب اليمني وشباب الربيع العربي والمرأة العربية والمرأة في العالم .. وكل الطامحين للديمقراطية و المناضلين من أجل التغيير السلمي ، كل هؤلاء فرحوا كثيرا باعتبار ان الجائزة لم تمنح لتوكل عبد السلام كرمان فحسب بل منحت لهم جميعا .. انتصارا لقضاياهم الانسانية العادلة.
أيتها الإخوات أيها الإخوة :
ان الحقوق الديمقراطية والمدنية للمواطنين لم تعد محل نكران ولا تعاني من عدم الاعتراف أو ينقصها الاقرار العالمي بعدالتها وقدسيتها كحق اساسي لا سبيل لتأجيله ، أقول لا ينقصها الاعتراف كنصوص ومبادئ تضمنتها العديد من الاعلانات والاتفاقات الدولية بقدر ما ينقصها الالتزام والاحترام والتطبيق لتلك القواعد والنصوص والمبادئ على المستوى الوطني في كثير من بلدان العالم ، وبقدر ما تفتقر ايضا إلى الاطر المؤسسية والاليات الاممية والاقليمية التي تجعل منها حقيقة معاشة في كل دول العالم وشعوبه وأقطاره.
ايتها السيدات أيها السادة :
تعلمون ان الاعلان العالمي لحقوق الإنسان على اهميته البالغة ودوره الرسالي والملهم قد ظل مجرد ميثاق شرف غير ملزم للأنظمة والحكومات .. وبدعوى السيادة وعدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية للدولة تقف المنظمة الأممية موقف المتفرج غير القادر على عمل شيء في وجه الاستبداد والانتهاك الكبير والشامل الذي يطال الافراد والجماعات داخل الدول المبتلاه بأنظمة استبداديه تقمع الحريات .. وتمتص الخيرات وتسيئ استغلال السلطة وتسخر الامكانات والقوة العامة لخدمة الفرد والعائلة الحاكمة.
ان التحدي العظيم امام البشرية اليوم هو جعل ميثاق الامم المتحدة والاعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات والعهود الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ، جعلها اتفاقات ومواثيق ملزمة لكافة الدول الاعضاء ، وحين يتم خرقها وانتهاكها من قبل اي دولة عضو ، فإن اليد الطولى يجب أن تكون للمجتمع الدولي ممثلا بالمنظمة الأممية بحيث تكون جاهزة وقادرة للوصول إلى اي مكان لحماية المظلومين ، وإيقاف انتهاكات الحكومات والأنظمة.
هذا هو التحدي الأساسي أمام عالم اليوم ، وهو أن تجد تلك الحكومات القامعة للحقوق والحريات نفسها في مواجهة فعلية وحقيقية مع اطر ومؤسسات اممية تعمل ضمن الأمم المتحدة كافية للردع ولكفالة الحقوق والحريات لكافة مواطني العالم ، مثلما تضمن تنفيذ كافة الاتفاقات والتعهدات والاعلانات العالمية الخاصة بمكافحة الفقر وحماية البيئة وكفالة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لمواطني العالم ، وضمانة أن لا تتعثر تلك الاتفاقات والمواثيق بدعوى اختراق السيادة الوطنية واستقلال القرار السياسي للدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
أيتها الأخوات أيها الإخوة :
ونحن نبحث عن ديمقراطية شاملة ينعم بها جميع شعوب العالم في ظل أمنا الأرض وقريتنا الصغيرة واسرتنا الإنسانية الواحدة .... علينا أن لا ننسى العولمة ومدى تأثيرها على الشعوب وعلى حلمها بالديمقراطية والمساواة العيش الكريم.
وهنا لايزال السؤول الملح والاكثر اهمية في عالم اليوم باقياً في ان : هل سيتم بالفعل جعل العولمة قوة ايجابية تعمل لصالح جميع شعوب العالم ؟ هل تم أو سيتم اتخاذ الاجراءات والسياسات وانشاء المؤسسات الدولية لضمان تحقيق هذه الغاية ، ومتى سيتم تحقيق ذلك الحلم ؟ ومتى ستنتصر البشرية في التغلب على هذه المعركة؟
أيها الأعزاء .. إن العولمة الايجابية ستتعثر كثيرا في زمن ممنوع فيه التعثر ، ان لم يتم النظر إلى السيادة الوطنية وفق نظرة لا يشدها الماضي وانماطه السياسية ونظمه الاجتماعية بقدر انحيازها للمستقبل واستشرافها له.
لا يمكن للعولمة ان تكون شاملة وعادلة مالم يشعر سكان العالم لاسيما الضعفاء منهم ان تقاسم فوائدها يجري بصورة عادلة ومنصفة ، وأن فرصها توزع بصورة متكافئة بين الشعوب والأمم..
تشعر شعوب العالم لاسيما شعوب الدول النامية والأقل نموا وخصوصاً تلك التي تشهد تحولات ديمقراطية عميقة أن العولمة وعلى الرغم من الفرص العظيمة التي تقدمها إلا إنها غير عادلة وغير منصفة، فهي لا ترى العولمة إلا في تدمير البيئة وتلاشى التنوع البيولوجي وانهيار النظم الايكولوجية للأرض ، هي لا تلمس العولمة إلا في تصحر الاراضي وازدياد الفيضانات والزلازل واحتراق الغابات ، فضلا عن الكوارث الاقتصادية وغيرها من الكوارث غير المتوقعه وغير المقدور عليها لكثير من تلك الشعوب والأمم.
إننا اليوم نواجه هذا التحدي بصورة اكبر مما كان عليه حين انعقاد مؤتمر قمة الارض التاريخية في عام 1992 ، والتي تميزت بتوافق عالمي بين الاراء والتزام سياسي على ارفع مستوى بشأن التعاون في مجال التنمية والبيئة والتي اجمعت على ضرورة ضمان ان لا نضحي بسلامة الارض حين نسعى لتحقيق التنمية.
لكن للأسف أيها السادة أنه لاتزال شعوب كثيرة في العالم تجمع بين مختلف أنواع المعاناة تفاقم الجوع والفقر والاعتلال والامية واستمرار تدهور النظم الايكولوجيا التي يعولون عليها من اجل رفاهيتهم و في ذات الوقت استمرار الاستبداد والفساد والقمع بهم.
أعود فأقول أن تحدي جعل العولمة قوة ايجابية تعمل لصالح شعوب العالم لايزال حاضرا اشد مما كان عشية اعلان الألفية ، هذا التحدي يزداد مع كل ساعة تمر بفعل ثورة الاتصالات المتعاظمة والمتسارعة ، وهنا دعوني أدعوا مؤتمركم هذا إلى أن يخرج بتوصيات ومقترحات واتفاقات تفضي إلى عمل مقترحات وحلول لكل تلك التحديات والاشكالات التي تعترض حاضر البشرية ومستقبلها>
أيها السيدات أيها السادة:
لا يوجد نموذج وحيد للديمقراطية ، لكن توجد معايير ومبادئ وحيدة متعارف عليها يمكن الحكم بناء عليها على مدى الرشد وجودة النظم ، ان معايير الحكم الجيد والرشيد تعد انجازا رائعا وسوف تكون اكثر اهمية وذات فوائد حاسمة حين يتم تحويلها إلى اهداف وبرامج اممية محددة وقابلة للقياس يتم تنفيذها ضمن خطط أممية وبرامج اقليمية تستهدف دول العالم لا سيما الدول النامية والأقل نموا.
مطلوب دورا اممي واقليمي يفضي إلى تنفيذ كامل لاتفاقية مكافحة الفساد ، والقضاء على جميع اشكال التمييز ، واحترام حقوق المهاجرين والعمال وأسرهم ، والقضاء على الأفعال العنصرية وكراهية الاجانب المتزايدة في مجتمعات كثيرة .. وتعزيز الوئام والتسامح بين المجتمعات.
مطلوب صناديق وبرامج اوربية مضمونة التمويل لقضايا هامة وملحة في عالم اليوم ، مثل البيئة وكفالة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والتماسك الاجتماعي وحقوق الأقليات ومكافحة الجريمة المنظمة يتم تمثيلها بالتنسيق مع المنظمة الأممية تخطيطا وتنفيذا وتقييما.
اتطلع أيها الأعزاء إلى أن يفضي مؤتمركم هذا إلى توصيات ومقترحات وآليات عملية ، تفضي إلى تعزيز حقيقي للمساواة بين الجنسين ، وتمكين المرأة من المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية والعامة ، واطمح ان يساهم هذا المؤتمر في كفالة تشريعات ملزمة تضمن مشاركة المراة في القوائم الانتخابية ، وفي الحكومات التي تتمخض عنها بنسبة لا تقل عن ثلاثين بالمائة.
أيها الأخوات أيها الإخوة:
يشهد العالم اليوم ربيعا عربيا ممتداً خرج فيه الملايين من الشباب والنساء يعلنون توقهم للحرية والكرامة ، ويضيقهم من دول الرشاوى والمحسوبيات والفساد والاستبداد ، خرجوا جميعا مطالبين بإسقاط الأنظمة ، ومواجهين استبدادها وقمعها بصدورهم العارية وإرادتهم الحرة ، فتحقق لهم النصر وتحقق لهم سقوط تلك الأنظمة .. وهم في طريقهم لبناء دولهم المدنية الديمقراطية الحديثة.
إن الربيع العربي يشبه إلى حد بعيد الربيع الذي شهدته دول اوروبا الشرقية ابان انهيار جدار برلين ، مثل هذا الربيع الحر والشجاع المتطلع للحرية وللحقوق الديمقراطية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ، يحتاج إلى موقف اوربي واممي مسؤول ومساند يفضي إلى كفالة التنمية المستدامة الشاملة والمتوازنة في كافة ابعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتلك الدول ، إن التحول الديمقراطي والإصلاحات السياسية العميقة التي تشهدها دول الربيع العربي ، تتطلب نمواً شاملاً ومستداماً معها ، تتطلب إنجاز تحول واصلاح اجتماعي واقتصادي مماثل حتى لا يتعثر الاصلاح السياسي بتعثر الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي ، اذ لا تنمية ديمقراطية .. دون تنمية اجتماعية واقتصادية ، ولا تنمية اقتصادية دون تنمية ديمقراطية ودون إصلاح سياسي.
وهنا كذلك دعوني أدعو مؤتمركم هذا .. إلى تبني مبادرة سياسية تنموية شاملة تفضي إلى مساعدة الدول التي تشهد تحولا ديمقراطيا جماهيريا شعبيا ، تبدا بمساندة الانتفاضات الشعبية السلمية ، وتمر بالحجز على أموال كافة الانظمة التي تسقطها شعوب تلك الدول وإعادتها كاملة لهم ، مثلما تعمل على ملاحقة ومحاكمة رؤساء تلك الأنظمة وكبار مسؤوليهم المدنيين والعسكريين الذين ارتكبوا مجازر ضد الإنسانية وتورطوا في قمع التظاهرات والمسيرات السلمية .. وتكفل التنمية المستدامة بابعادها السيادسية والاقتصادية والاجتماعية في تلك الدول.
أيتها الأخوات والإخوة .. ياأحرار العالم:
في الوقت الذي تعقدون فيها مؤتمركم هذا عن الديمقراطية .. يموت المئات والآلاف من ابناء الشعب السوري العظيم في سبيل الحرية والكرامة.
ايها الاعزاء تلك ساحات حلب وحمص ودرعا وحور والزور ودمشق وريفها وكل مدن وقرى سوريا المهدمة على رؤوس الرجال والاطفال والنساء والتي تشهد انتفاضة سورية شاملة تطالب بالحرية والكرامة فتتعرض لمجازر ضد الانسانية يرتكبها نظام بشار الأسد الفاشل والفاسد والمستبد. دعوني اعبر لكم عن استيائنا الكامل لحالة الخذلان العالمي الشامل التي يتعرض لها الشعب السوري الشجاع ، ان امم وشعوب العالم بحاجه إلى ان تعبر عن التزامها الاخلاقي من خلال نصرة الشعب السوري.
هل انا اتخلى عن واجبي الانساني في حماية وبناء السلام اذ ادعو لإقامة المناطق العازلة والممرات الامنه الكافية لحماية الشعب السوري من القاذفات وراجمات الصواريخ التي تحصد المئات والآلاف في مجازر يومية يرتكبها نظام بشار الاسد دون هواده ضد ابناء شعبه ، لا من قال ذلك .. ان حماية المظلوم تعد جوهر رسالة السلام ان الانتصار للعدالة عبر مقاومة الظلم والاستكبار ، اننا عبر ذلك ننتصر للسلام ونكفل بناء السلام ونشيد الاستقرار اذ لا سلام دون عدالة.
يا امم ويا شعوب العالم انتم بحاجه لان تبرهنوا على فطرتكم السويه ومعدنكم الانساني بمشاركة السوريين آلامهم والانتصار لتلك العذابات ، ان الجرح السوري النازف يضغط على ضميرنا الانساني بقوة لن تتوقف حتى نثبت اننا بنى الانسان نشعر بإنسانيتنا الواحدة وندافع عنها ، أو تثبت ان الرحمة والالتزام الانساني لم يعد لها مكانا في عالم اليوم ولم نعد سوى اشكالا وصور انسانية فقدت جوهرها ومعدنها النفيس.
والسلام عليكم
توكل عبد السلام كرمان
المنتدى العالمي للديمقراطية
8-10-2012
فيديو:
http://www.youtube.com/watch?v=9_R-MvnBy80