على بعد عشرة أيام من الآن، يبدأ مؤتمر الحوار الوطني في اليمن في 18 الجاري والذي تراهن عليه الأطراف المحلية والإقليمية والدولية في وضع اليمن على أعتاب مستقبل جديد يتم من خلاله معالجة كافة المشكلات التي خلفتها ثلاثة عقود من حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح وفي مقدمتها الوضع في الجنوب وتنامي الدعوات الانفصالية.ومع تأكيد معظم الاطراف السياسية المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني، باستثناء الفصيل الذي يتزعمه نائب الرئيس السابق علي سالم البيض الذي يتمسك بمطلب المفاوضات بين الشمال والجنوب من أجل الانفصال، إلا أن هذه الأطراف تختلف في أهدافها وغاياتها من المشاركة في مؤتمر الحوار الذي سيستمر ستة شهور.
فالحزب الاشتراكي الذي كان يحكم جنوب اليمن قبل توحيدها العام 1990، ومعه التنظيم الناصري، مقتنعون بتقنيات خيار الدولة الفيدرالية التي لا ترتكز على الأقاليم الشطرية، فيما يتبنى فصيل «مؤتمر شعب الجنوب» الذي يتزعمه القيادي البارز في الحراك الجنوبي محمد علي أحمد والمقرب من الرئيسين علي ناصر محمد وحيدر العطاس التجربة السودانية في تحقيق هدف الانفصال عن طريق قيام دولة فيدرالية بين الجنوب والشمال لمدة خمسة أعوام يتم بعدها استفتاء الجنوب على الانفصال.
أما «تجمع الاصلاح»، وهو أكبر الاحزاب السياسية، حيث يدير الحكومة، فلم يعلن موقفاً واضحاً من مطالب الفيدرالية المتعددة الأقاليم ولا مقترح دولة من إقليم لفترة زمنية محددة. ويتوارى التجمع خلف تكتل اللقاء المشترك الذي بات يؤيد خيار الدولة الفيدرالية ولكن وفق نموذج أشبه بالحكم المحلي واسع الصلاحيات لا يشتمل على برلمانات محلية ولا حكومات في تلك الأقاليم.
هيمنة حوثية
وفي موازاة ذلك، لا يقدم الحوثيون تصوراً واضحاً لرؤيتهم تجاه الدولة المنشودة، وإن أظهروا انحيازاً واضحاً لصالح مطالب الجنوبيين بفك الارتباط أو مقترحات الدولة الفيدرالية لأن من شأن ذلك أن يضمن للجماعة، التي تسيطر على محافظة صعدة وأجزاء واسعة من محافظات الجوف وعمران وحجة، أن تحكم إقليم الشمال والاعتراف بأنها القوة الرئيسية على الجهة الجنوبية من الحدود مع المملكة العربية السعودية مع ولاء واضح للحكومة الإيرانية.
الحراك الجنوبي
وبين تلك المواقف، يتخذ فصيل الحراك الجنوبي بقيادة حسن باعوم مواقف متوازنة حيث يرفض المشاركة في مؤتمر الحوار ولكنه لا يراهن على إفشاله، وفي ذات الوقت يلتقي مع فصيل البيض بمطلب استعادة الدولة الجنوبية. وبين هذا وذاك كشف الرئيس عبدربه منصور هادي، المتحدر من الجنوب، رؤيته لمستقبل اليمن، حيث قال لممثلي الاحزاب السياسية في عدن إنه «مع تقسيم البلاد إلى خمسة أقاليم إدارية وإقامة إقليم اقتصادي في عدن»، وهي رؤية ستحظى بتأييد تكتل اللقاء المشترك وحزب المؤتمر الشعبي اللذين يتقاسمان الحكومة. غير أن مواقف فصائل الحراك الجنوبي من هذه المقترحات هي التي ستوضح فيما إذا كان بإمكان هذه الرؤية أن ترسم شكل الدولة المقبلة في اليمن.
ووسط مخاوف من تنامي أعمال العنف مع بداية مؤتمر الحوار، خصوصاً من قبل فصيل البيض الذي اتهمته السلطات صراحة بتلقي الدعم من إيران بهدف إفشال المبادرة الخليجية، هدد هادي باللجوء إلى محكمة العدل الدولية لمحاكمة كل من يعارض التسوية السياسية مسنوداً بدعم الدول الخمس في مجلس الأمن ومجلس التعاون الخليجي والاتحاد الاوروبي، وهي الأطراف الراعية لاتفاقية التسوية والضامنة إلزام كل الأطراف بتنفيذ ما سيتم الاتفاق عليه في مؤتمر الحوار.
نفوذ صالح
ومع مشاكل الجنوب والحوثيين و«القاعدة»، فإنه وبعد عامين من الثورة في اليمن بات الشيء الوحيد المؤكد هو أن صالح غادر الحكم، أما نظامه فمازال هو المسيطر على القرار. فصالح لايزال يمتلك نصف مقاعد الحكومة، فضلاً عن كونه على رأس حزب المؤتمر الشعبي. ونجله لايزال يقود عشرة من ألوية من قوات الحرس الجمهوري. كما أن الذين شاركوه في حكم اليمن قبل وبعد توحيدها، أمثال اللواء علي محسن الأحمر وقبيلة حاشد وتجمع الاصلاح الاسلامي، مازالوا القوة الفاعلة التي يتجنب هادي إغضابها أو تجاهلها عند أي قرار يتخذه.
شباب الثورة
لايزال الوضع الاقتصادي في اليمن متدهوراً بشكل كبير. وباستثناء عودة بعض الاستقرار وتوفر الوقود وعودة التيار الكهربائي، فإن الأطراف المشكلة للحكومة منغمسة بتقاسم المناصب والمحاصصة الوظيفية. وظهر أن الشباب الذين فجروا الثورة السلمية ضد نظام الحكم السابق وقدموا أكثر من ألف قتيل وعشرات الآلاف من الجرحى أصبحوا خارج المشهد السياسي عدا أصوات غاضبة هنا وهناك تتهم هذه الأحزاب ب«سرقة الثورة وبعودة القوى التقليدية للسيطرة على مقدرات البلاد بعد أن كانت غاية الثورة هي التخلص من هذه القوى وبناء الدولة المدنية الحديثة الضامنة للمواطنة المتساوية».